مواقع "داعش" في حلب السورية بين الانهيار وصمود التنظيم

الخميس 18/أغسطس/2016 - 02:52 م
طباعة مواقع داعش في حلب
 
يسيطر تنظيم داعش الدموي على عدة مواقع في ريف محافظة حلب وهو الأمر، الذي يسمح له بالسيطرة على العديد من الطرق والممرات الاستراتيجية المهمة في الشمال السوري، ولكن مع تزايد حملة المعارضة السورية المسلحة على مواقع النظام السوري أصبحت مواقع داعش أيضًا تحت الاستهداف، وبدأت بالتساقط بالفعل وهو ما يعد مؤشرًا على التراجع للتنظيم في حلب ويفتح المجال لمعرفة قدرة التنظيم وصموده في الحفاظ عليها.
مواقع داعش في حلب
تحرير بلدة "الراعي" كان آخر ما تم  الإعلان عنه يوم الأربعاء 17-8-2016م من قبضة التنظيم بريف حلب الشمالي بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات العنيفة، حيث كشفت مصادر في الجيش السوري الحر عن أن الثوار بدءوا بتمشيط البلدة، وذلك بعد أن قام التنظيم بتفخيخ العديد من الأماكن فيها، وصلت إلى حد تفخيخ بعض المنازل، وأن الثوار استطاعوا أسر عنصرين من تنظيم الدولة، وذلك أثناء الاشتباكات التي دارت هناك بالإضافة إلى السيطرة على الصوامع في البلدة، التي تعدّ بلدة استراتيجية مهمة للتنظيم باعتبارها إحدى أهم مراكزه في ريف حلب الشمالي، وهمزة الوصل بين الريف الشمالي ومدينة الباب في ريف حلب الشرقي.
يأتي ذلك بالتوازي مع هجوم سابق في يوليو 2016م شنته قوات سوريا الديمقراطية، على مواقع داعش بقرية شمال حلب، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى بصفوف التنظيم وكشف الناشط شيرو أحمد من عفرين أن "الوحدات الكوردية وحليفاتها من جيش الثوار وجبهة الأكراد شنت هجوماً على قرية (تل القراح) شمال حلب، انطلاقاً من قرية (إحرص) الكوردية، وأن الهجوم استمر عدة ساعات وأسفر عن مقتل وجرح العشرات من عناصر داعش في القرية، وسط تقدم ملحوظ لقوات سوريا الديمقراطية داخل القرية " وجاءت هذه العملية بعد أسبوع من عملية خاطفة مماثلة قامت بها الوحدات الكوردية وجيش الثوار داخل قرية (حربل) المجاورة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف داعش بينهم قياديون في التنظيم، واستشهاد 4 مقاتلين من الوحدات وجيش الثوار، مع استمرار الاشتباكات في أكثر من موقع بمحيط مدينة منبج مع قصف لطائرات قوات التحالف الدولي، على قرى مدينة "إعزاز" التابعة لمحافظة حلب، شمالي سوريا ومنها قرية "حوار كلس" ومحيطها، و"إيكدة".
مواقع داعش في حلب
تمسك التنظيم بحلب يرجع إلى أنها تعد نموذجاً لقدرة تنظيم "داعش" على التحرك سريعًا في مناطق مختلفة وبعيدة بعضها عن بعض في سوريا فبعد خسارته تدمر ومناطق كبيرة من الحسكة، كان من المتوقع أن يكتفي التنظيم بدير الزور ومحافظة الرقة كمعقلين رئيسين له، لكنه قرر التوغل في أعماق ريفي حلب الشمالي والجنوبي في آن واحد وليس هدف التنظيم من التحرك في حلب مجرد توجيه ضربات إلى أعدائه المتخاصمين، بل والاستيلاء أيضًا على أراض جديدة تشكل خطًّا أماميًّا لمحافظة الرقة معقله الرئيس واختيار حلب مسرحًا لذلك، يعود إلى كثرة الفرقاء المتقاتلين. الأمر الذي يسهل العملية العسكرية؛ حيث يدرك التنظيم أن المرحلة الحالية بالنسبة إلى الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة تتمتع بأهمية كبيرة في محاولة كل طرف نيل مكاسب عسكرية مع انطلاق جولة التفاوض في جنيف بالإضافة إلى خلايا نائمة كثيرة له ضمن عشرات ألوف النازحين؛ وما جرى من عملية إحراق لمخيم إكدة شمال حلب هو دليل على وجود هذه الخلايا.
 إضافة إلى ذلك، حدد التنظيم لنفسه هدفين عسكريين:
1- المناطق الشرقية من ريف حلب الجنوبي، وتحديدًا بلدة خناصر ومحيطها. ولهذه المناطق أهميتها من ناحية المعارك العسكرية؛ إذ تقع على طريق يمتد نحو 200 كلم بين خناصر في حلب وأثريا في حماة، ويشكل هذا الطريق الصحراوي خط الإمداد الرئيس والوحيد للجيش في عموم هذه المنطقة. كما أن هذا الخط يشكل فاصلًا بين ريف حلب الجنوبي من ناحية الغرب، والحدود الإدارية لمحافظة الرقة من ناحية الشرق ومن شأن السيطرة على هذه المناطق، منع الجيش السوري وحلفائه من التوسع شرقًا نحو الريف الجنوبي الغربي للرقة. كما تمنح هذه السيطرة التنظيم القدرة على التوسع في المرحلة المقبلة في ريف حماة الشرقي ليصبح متاخمًا للحدود الإدارية لمحافظة حمص وقد نجح "داعش" في وقت سابق من السيطرة على جبل شبيث ومنطقة القليعة وجبالها وبرج العطشان وقرى خربة زبد وعطشانة والطوبة ودريهم شمالي ودريهم جنوبي وعكيل وكويز وجب العلي وحقل دريهم العسكري والجبال المحيطة به وقرى زبد، وخنيصر كبير، وخنيصر صغير، والحيات كبيرة والحيات صغيرة وطوبز والخريبة والحميدية وجنيفصة والضويحينية في الريف الجنوبي.
2- الهدف الثاني للتنظيم هو ريف حلب الشمالي؛ حيث الجبهة الأضعف للقتال. ففي هذا الريف تتقاتل فصائل المعارضة وفي مقدمتها "الجيش الحر" من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" من جهة ثانية، والجيش السوري من جهة ثالثة. وكل واحدة من هذه القوى تسيطر على أماكن محددة، رغم تداخل خطوط الاشتباك وتغيرها، مع بقاء مناطق ثابتة لكل فريق وتعد هذه الجبهة ضعيفة مقارنة بغيرها؛ حيث إن فصائل المعارضة ضعيفة هنا، مقارنة بـ "قوات سوريا الديمقراطية". وقد نجح تنظيم "داعش" في الفصل بين مناطق سيطرة المعارضة بين إعزاز وبين بلدة دوديان إلى الشرق منها. الأمر الذي جعل فصائل المعارضة مشتتة في مواقع جغرافية مختلفة.
مواقع داعش في حلب
وهدف التنظيم هو تحصيل أكبر عدد من الأراضي على حساب المعارضة للاقتراب من إعزاز ومعبر كلس في محاولة لوصلها مع جرابلس؛ بحيث يصبح الشريط الحدودي جرابلس- إعزاز، الذي يمتد على طول نحو 100 كلم، في قبضة التنظيم وهذا الهدف يجد له دعما من الجيش السوري، الذي كثف غاراته قبل أيام على بلدة الراعي في نفس التوقيت الذي شن فيه التنظيم هجوما عليها؛ الأمر الذي يعكس خصوصية هذه المنطقة من الناحية الاستراتيجية فمن جهة تدعم واشنطن "قوات سوريا الديمقراطية" التي تتخذ من عفرين قاعدة لها، في حين أن تركيا تدعم فصائل المعارضة التي تتخذ من إعزاز معقلًا لها وليس مصادفة أن تجدد "قوات سوريا الديمقراطية" محاولاتها التقدم في قرية الشيخ عيسى المجاورة لبلدة تل رفعت، التي تقع بين مدينة حلب وإعزاز. والهدف الاستراتيجي لـ "قوات سوريا الديمقراطية" يتمثل باستكمال سيطرتها على بلدات ريف حلب الشمالي لربط عفرين بجرابلس ضمن إطار الكانتونات الكردية.
مواقع داعش في حلب
مما سبق نستطيع التأكيد على أن مدى قدرة تنظيم داعش الدموي على مواقعه في محافظة حلب هي التي ستسمح له بالسيطرة على العديد من الطرق والممرات الاستراتيجية المهمة في الشمال السوري وبالصمود لفترة أكبر في سوريا، وهو الأمر الذي ستكشف عنه بلا شك الشهور المقبلة.

شارك