هل يعتزل السلفيون السياسة؟
الأحد 21/أغسطس/2016 - 04:58 م
طباعة

لم تكن الدعوة السلفية يومًا ضمن التيار المعارض في السياسة المصرية، وكذلك باقي الفصائل السلفية في مصر، فمعظم هذه الفصائل قد حرمت الخروج على مبارك واستندوا للعديد من المرويات التي استندوا لها أيضًا بعد تنحي مبارك وبرروا الثورة وادعوا أنهم أول المشاركين بها، ليس هذا فقط بل أباحوا الخروج على مرسي لاختلافهم المصلحي معه، وخرج علينا بعضهم في الأيام الأخيرة يحرم الخروج على السيسي، وكأن التحليل والتحريم حسب هوى الدعوة السلفية، من هنا يتضح أن هذا الفصيل من فصائل التيار الإسلامي يعمل حسب مصلحته في القرب أو البعد من السلطة السياسية.
ولقد اعتمدت الدعوة السلفية لرعاية مصالحها، على الترغيب في المقام الأول، وعملت لعقود على تصدير صورة ذهنية لا تتعارض مع الأنظمة السياسية القائمة، فأعلنت موالاتها لكافة التقلبات التي واجهت الشعب المصري عقب ثورة 25 يناير، فضلًا عن عدم خوضها معارك مع مؤسسات الدولة، إلا أن ذلك كله لم يشفع لهم، وظهر ذلك جليًّا في معركة انتخابات البرلمان التي خرج منها حزب النور ذراع الدعوة السلفية السياسي صفر اليدين، وبدا أن الدعوة فقدت بريقها في المجتمع المصري وفقدت حاضنها السياسي؛ لذا بدأت في إرسال رسائل ترهيب للدولة تفيد بانعزالها مرة أخرى عن الحياة السياسية وترك المجال شاغرًا.

وقامت الدعوة السلفية بإرسال رسائل للنظام السياسي في هذا الصدد كان أولها رسالة ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية والمهيمن على الحالة السياسية داخل الحزب؛ حيث قال برهامي: إن وجود الصوت السلفي في العمل السياسي كان له أثر ضخم في إصلاح الصورة السياسية بعد الثورة-بالرغم من وجود الفتن- بحسب قوله، لافتًا إلى أن الدعوة تدخلت في السياسة للنصح والتحذير من الظلم والعدوان، وليس مداهنةً أو توقيعًا لشيكات على بياض للحاكم- بحسب قوله.
وأضاف «برهامي» في تصريحات صحفية له: «على كل حال تحقق كثير مما رجونا، ولم يتحقق كثير أيضًا مما رجونا- أو مما زاد رجاؤنا فيه بعد حين- لأننا لم نكن نتصور أن يكون الدخول في العمل السياسي بهذا الثقل، فزادت آمالنا بطريقة فوق الواقع أحيانًا، والذي أتصور أنه لم يقع بالصورة التي نرجوها، ولكن بحمد الله تم منع الكثير من الفساد الذي كان ينتظر الحركة الإسلامية ككل، كما أن الدعوة لم تعد تشارك حاليًا في العمل السياسي».

بينما جاءت الرسالة الثانية من رئيس حزب النور حيث أكد الدكتور يونس مخيون، أن 80% من قواعد الحزب رفضت المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة؛ بسبب ما رصدته في الانتخابات البرلمانية السابقة من خلل وتجاوزات، على حد قوله.
وأضاف رئيس حزب النور، في تصريحات صحفية، أن التجاوزات في الانتخابات البرلمانية الماضية تمثلت في قانون انتخابي مجحف غير عادل وممارسات إقصائية شديدة تجاه حزب النور مع استمرار هذا الوضع، وعدم حيادية أجهزة الدولة، على حد قوله.

فما تكلم به برهامي ومخيون إنما يوهم البعض بأن الدعوة السلفية لم يعد لها طاقة في ممارسة العملية السياسية وأنهم يحاولون التنحي عن هذا الدور الذي يصفه البعض بأنه دور المحلل الشرعي للنظام القائم، هذا ما يرفضه أحد قيادات حزب النور السابقة؛ حيث تساءل محمود عباس، القيادي السابق بحزب النور السلفي: «منذ متى وقيادات الحزب تستجيب للقواعد إن بقى للحزب قواعد فالحزب أصبح رأسا بدون أرجل»، لافتًا إلى أنه من الممكن أن يكون ذلك نوعًا من استدرار عطف النظام، حتى لا تقوم على الحزب حرب إعلامية كما حدث في انتخابات مجلس النواب.
وأضاف في تصريحات صحفية له أن: «هناك كثير من أصحاب المصالح في الحزب كان يحدوهم الأمل في الدخول لمجلس النواب فلما سقطوا أصبح أملهم في المحليات وهؤلاء لن يسمحوا بانسحاب الحزب منها، موضحًا أن هناك مجموعة من الأعضاء الذين ما زالوا يلتفون حول الحزب؛ لأنهم يرون مصلحتهم في أن يرشحهم الحزب على قوائمه في المحليات، ورغم عدم رضاهم عن قرارات وسياسات الحزب، لكنهم ينتظرون الثمن فالاعتذار عن المحليات سيجعلهم ينفضون أيديهم عن الحزب».
والأمر الواضح والجلي الآن أن لهجة حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية، قد تغيرت قبل انتخابات المحليات عما كانت من قبل انتخابات البرلمانية، فقبل إجراء "البرلمانية" أعلن الحزب مرارًا وتكرارًا أنه يمتلك شعبية قوية، وأنه يستهدف الحصول على الغالبية في المجلس، لكن الآن قبل خوض ماراثون "المحليات" فاجأ الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور "السلفي" الشارع السياسي بتصريح مفاده أن 80% من كوادر وأعضاء حزب النور يرفضون انتخابات المحليات؛ وذلك لما رأوه في الانتخابات البرلمانية السابقة من خلل وتجاوزات.
تصريحات "مخيون" تحمل في طياتها الكثير من التفسيرات، فهل الحزب يؤهل نفسه للفشل في انتخابات المحليات؟ أم أن الحزب يمهد لعدم المشاركة في انتخابات المحليات ومن ثم ينسحب من المشهد السياسي برمته؟ أم أن الحزب يعرض نفسه على القوى السياسية من أجل السماح له بالمشاركة في أي تحالف سياسي؟

ونجد إجابات لهذه الأسئلة وغيرها داخل حزب النور ومن خارجه؛ حيث قال الدكتور شعبان عبد العليم، عضو المكتب الرئاسي لحزب النور، إنه يرى أنه إذا شارك حزب النور في انتخابات المحليات فإن هذا سيعد انتحارًا سياسيًّا، خاصة بعدما شارك الحزب في الانتخابات البرلمانية ولم تشهد مشاركة كثيفة من قبل المواطنين على الانتخابات.
وأضاف عضو المكتب الرئاسي لحزب النور، أنه إذا شارك حزب النور في انتخابات المحليات فإنه بذلك يكون قد أخطأ؛ لأن الجو السياسي العام سيئ، والمشاركة أصبحت لا لزوم لها، خاصةً في ظل انخفاض المشاركة في الانتخابات بشكل عام.
وبشأن إذا كان هذا سيعد انسحابًا من المشهد السياسي بشكل كامل، قال عضو المكتب السياسي: إن هذا لا يعد انسحابًا من العمل السياسي، ولكن دخول النور في انتخابات المحليات سيعد خسارةً له، وبالتالي من الأفضل عدم المشاركة، موضحًا أن الحزب لم يحسم موقفًا نهائيًّا من المشاركة.

ومن جانبه قال الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن حزب النور يتجه إلى الانعزال السياسي، والبعد عن المشاركة السياسية، خاصةً أن الحزب السلفي لم يعد قادرًا على تكوين تحالفات سياسية، كما أنه يخشى الهجوم عليه في انتخابات المحليات كما حدث في الانتخابات البرلمانية الماضية.
وأضاف نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن حزب النور تعلم من النتائج السلبية التي شهدها في الانتخابات البرلمانية الماضية، بعدما لم يحصل سوى على 12 عضوًا فقط في البرلمان، ولكن قد يكون ذلك سببًا غير مباشر في قرار معظم كوادره بعدم المشاركة في انتخابات المحليات.
وأوضح نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن حزب النور يرى فرصه في انتخابات المحليات ضعيفة، خاصةً إذا كانت المحليات ستكون بالقائمة المغلقة، في ظل عدم قدرة الحزب على تشكيل تحالفات يشارك فيها بالبرلمان.

وبدوره فسر الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تصريحات حزب النور بشأن انتخابات المحليات، بأن الحزب يستهدف إبراء ذمته أمام القوى السياسية حال فشله في انتخابات المحليات، متسائلًا ماذا جرى في الانتخابات البرلمانية ليعترض قواعد حزب النور على خوض المحليات؟
وأضاف "فهمى": "حزب النور لديه مشكلة وهي عدم وضوح الرؤية السياسية وعدم التعامل مع الوضع السياسي الحالي، ولذلك هناك غياب شبه تام لنوابهم في مجلس البرلمان" مضيفًا: "حزب النور لم يعد له دور مؤثر في المشهد السياسي الحالي، وهذا سوف يمتد إلى المحليات".
وقال "فهمى": "تصريحات حزب النور عن انتخابات المحليات تصريحات سياسية الهدف منها إبراء الذمة؛ نظرًا لأن الحزب لم يمتلك قواعد جماهيرية يستطيع من خلالها خوض انتخابات المحليات إلا في عدد قليل من المحافظات".
وأضاف: "أمام حزب النور سيناريوهان: الأول خوض انتخابات المحليات في المحافظات المتواجد فيها بكثافة وهي محافظات معقل السلفيين كالإسكندرية، والبحيرة، أما السيناريو الثاني عدم المشاركة في انتخابات المحليات وهذا أنا أستبعده تمامًا".