الصراع السوري.. تقرير أمريكي يرصد خسائر ومكاسب "حزب الله"

الإثنين 22/أغسطس/2016 - 01:32 م
طباعة الصراع السوري.. تقرير
 
كشف تقرير بحثي أمريكي، عن خسائر ومكاسب "حزب الله" خلال مشاركته في الصراع السوري، والتي تأتي في مقدمة مكاسبه رفع المستوى القتالي لآلاف العناصر التابعة للحزب من خلال مشاركتهم في المعارك، والتحول إلى رقم صعب في المعادلة اللبنانية والاقليمية، رغم القيود والعقوبات الغربية. 

مكاسب حزب الله:

مكاسب حزب الله:
ورأى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو معهد بحثي أمريكي، في دراسة اعدها الباحثان نداف بولاك وحنين غدار، عن مشاركة حزب الله في الصراع السوري- أن "حزب الله" قد تمكن من رفع المستوى القتالي لآلاف المقاتلتين، خلال مشاركتهم في المعارك السورية بالرغم من مقتل أكثر من 1600 وجرح أكثر من 5000 من العناصر المقاتلة للحزب.
وقال الدراسة: إن حزب الله حَوَّل سوريا إلى "حقل تجارب" مفتوح لمختلف الأسلحة، و"ميدان تدريب" كبير لآلاف المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل؛ فهذه الحرب هي الأولى من نوعها التي يخوضها الحزب منذ تأسيسه؛ حيث يقف مقاتلوه في موقع الهجوم، لا كما اعتاد في حروبه السابقة مع "إسرائيل".
إلى جانب ذلك، فإن قيادات الحزب العسكرية، قد تمكنت للمرة الأولى من خوض معارك جنباً إلى جنب مع القوات الروسية، كما حدث في معركة تدمر في مارس الماضي؛ حيث تمكن قادة الحزب ومقاتلوه من التعرف على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية المتقدمة التي يستخدمها الروس، إلى جانب إلقاء نظرة عن قرب على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية.
ويتبع الحزب سياسة "تدوير المقاتلين"؛ إذ يرسل ثلث مقاتليه، المقدر عددهم بـ30-33 ألفاً، إلى الجبهات لمدة محددة قبل أن يقوم بإرسال قوات تحل محلهم؛ وذلك لتجديد الدماء على الجبهات وتعزيز قدرته على الصمود، ولتشجيع المقاتلين وعوائلهم على تقبل المشاركة، إلى جانب رفع المستوى القتالي لأكبر عدد ممكن من مقاتليه.
إلا أنه ومنذ إعلانه المشاركة في جبهات بعيدة عن الحدود اللبنانية، زادت مدد بقاء مقاتليه على الجبهات قبل استبدالهم؛ الأمر الذي ترتب عليه تكاليف مادية ومعنوية كبيرة من جهة، ولكنه من جهة أخرى شكل فرصة مهمة للحزب لتدريب عناصره على البقاء في الجبهات لفترات طويلة، وفي النهاية فإن أداء الحزب على الأرض سيرجح كفة مكاسبه أو خسائره من تلك المغامرة.
وتقول الدراسة: إن أبرز خسائر الحزب هو الستار الديني للقتل، فقد تخلّى التنظيم عن خطابات "النصر الإلهي" فمع استحكام انخراط «حزب الله» في سوريا بعمق أكبر، تحوّلت المقاومة التي كانت تستقطب في السابق المتطوعين المتلهفين إلى مؤسسة من المقاتلين القلقين والمرهقين. ولم يعد المجندون يلبّون دعوةً ما، بل أصبحوا يلتحقون بوظيفة في الحرب السورية طمعاً براتبٍ شهري يتراوح بين 500 و1200 دولار وما يرافقه من منافع (على الرغم من أن التنظيم لم يعد قادراً على توفير تعويضات لعائلات "الشهداء").
وتجدر الإشارة أيضاً إلى إنشاء الحزب قواعد عسكرية على الأراضي السورية، كما حدث في القصير بعد انتصاره فيها عام 2013؛ الأمر الذي يجعل لحضوره بعداً استراتيجياً إلى جانب الأبعاد الأمنية والدينية؛ أي "حفظ أمن لبنان وحماية المراقد"، ويؤكد تحقيق الحزب مكاسب على الأرض في سوريا بالرغم من التكلفة الثقيلة؛ حيث قام الحزب وإيران بنقل جميع الأنشطة المشتركة التي كانت تتم في إيران؛ من تدريب ودورات لعناصر الحزب، إلى تلك القواعد؛ الأمر الذي عمق من ارتباط الحزب بالصراع في سوريا.

حضور إقليمي:

حضور إقليمي:
الصراع السوري- وبعيدًا عن نتائجه ونهايته- أثبت أن حزب الله ورقة مهمة لأطراف إقليمية عديدة، وفرض نفسه لاعبًا أساسيًّا في التحالفات الإقليمية وخاصة ما يسمى "محور الممانعة"، والتي تضم إلى جانب حزب الله كلا من سوريا وإيران والجماعات الشيعية التابعة لهم، وهناك ثلاث نقاط مهمة حول مستقبل «حزب الله»، يجب تذكرّها: 
(1) سوف يبقى التنظيم ملتزماً بالقتال إلى جانب إيران ونظام الأسد في سوريا. 
(2) إن الحرب قد رسّخت مكانته ضمن "محور المقاومة". 
(3) إن التحسينات التي شهدتها إمكانياته ستنتقل على الأرجح إلى الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط. وبعبارة أخرى، إن التنظيمات التي تدرّبت على يد «حزب الله» أو راقبت تكتيكاته حتى قبل الحرب السورية - مثل الميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، والمنظمات الفلسطينية كـ «حماس» و«الجهاد الإسلامي» - من المرجح أن تعمل على دمج تكتيكاته الجديدة في عملياتها الخاصة في السنوات المقبلة.
وترى الدراسة أن هذه الأمور تشجع حزب الله على المضي في استثماره في الملف السوري، ففي النهاية لن يتخلى عنه "أصدقاؤه" مهما حصل مستقبلاً، داخلياً على الساحة اللبنانية أو خارجياً، كما قد يثير أداء الحزب اهتمام أطراف أخرى قد تسعى لدعمه من أجل الاستفادة من خدماته وخبراته مستقبلاً، في سيناريو شبيه بحزب العمال الكردستاني" PKK".
ويشكل وجود الحزب في قواعد على الأرض السورية وبالقرب من هضبة الجولان السوري المحتل، تقدماً على جبهة المواجهة مع "إسرائيل"؛ الأمر الذي سيؤثر على طبيعة الصراع بين الطرفين؛ حيث قد يمنح الحزب قدرة أكبر على المناورة في المواجهة القادمة، بحسب الدراسة، ولكنه أيضاً يفرض الحزب كلاعب إقليمي مهم قد تسعى أطراف دولية للتفاهم معه دون اللجوء إلى المواجهة، ولا سيما مع وجود مصالح للحزب في ملفات أخرى، بدا أنها قد تفوق ملف الصراع مع "إسرائيل" أهمية بالنسبة للحزب.

الخسائر:

الخسائر:
وعلى صعيد الخسائر التي وقعت للحزب، تأتي الخسائر البشرية في مقدمة هذه الخسائر؛ حيث تقدر بـ1600 قتيل و5000 جريح، إلا أن الأمر لا يقف عند إحصاء الأرقام، حيث تؤثر تلك الخسائر نفسياً على حاضنة الحزب الشعبية وإيمانها بمهمته في سوريا، والذي يفاقمه عجز الحزب في كثير من الأحيان عن نقل جثامين قتلاه لدفنهم في لبنان.
كما تضم قوائم قتلى الحزب وجرحاه قادة ميدانيين وعناصر مخضرمين، الأمر الذي ينعكس على أداء المقاتلين على الأرض وعلى معنوياتهم.
ولا تقف تداعيات تلك الأرقام عند ذلك الحد؛ حيث يلتزم الحزب بدفع تعويضات لأهالي القتلى والجرحى للحفاظ على تلك الحاضنة؛ ولبث الطمأنينة لدى المقاتلين بأنه لن يترك عوائلهم في حال "استشهادهم"، إضافة إلى الأموال التي يتم ضخها في أجهزة الحزب الإعلامية للحفاظ على حماس أنصاره، وقدرته على تجنيد مزيد من الشباب.
يشكل كل ذلك ضغوطاً ماديةً كبيرةً على الحزب الذي يعاني أصلاً من نفقات الحرب، ومن تردي الاقتصاد اللبناني، وتأثيرات انخفاض أسعار النفط على الدعم السوري والإيراني، فضلاً عن العقوبات الأمريكية والأوروبية، وأخيراً وليس آخراً، العقوبات الخليجية؛ الأمر الذي حدا بالحزب إلى تقليص رواتب عديد من عناصره، وخفض المبالغ المقدمة لجهات داخلية من أجل الحصول على ولائها السياسي، بحسب الدراسة.
ومن قبيل الاستدلال على مخاوف الحزب الحقيقية حيال تراجع التأييد الشعبي الشيعي في لبنان لعملياته في سوريا، تشير الدراسة إلى حرص قادة الحزب جميعهم، بمن فيهم أعضاء مجلس النواب، على حضور جنازات جميع القتلى، وإقامة جنازات مهيبة لهم.
إن الحرب في سوريا، في سياقها المذهبي والإقليمي بل والدولي، أثرت بشكل كبير على الداخل اللبناني، وعززت من الشلل السياسي والاقتصادي والتشرذم الاجتماعي الذي تعيشه البلاد؛ الأمر الذي يزيد من فرص ظهور أصوات من داخل البيت الشيعي تدعو إلى الخروج من المستنقع السوري ولملمة الأوضاع داخلياً، وإيقاف النزيف في الأرواح والأموال، وقد حدث ذلك الأمر بالفعل، حيث ظهرت مجموعات حظيت بقبول لدى أعداد من الشيعة من قبيل "هيا بنا" و"تجمع لبنان المدني" و"جنوبية"، وغيرها من المجموعات المعارضة لتوجهات حزب الله.
بالرغم من كل ذلك، فإن الحزب لا يزال يحظى، بحسب إحصاءات وتقديرات، بدعم 80% من شيعة لبنان الـ1.6 مليون، إلا أن أي فشل له على المستوى العسكري في سوريا، سيزيد الضغوط بشكل مضاعف على قدراته على الحفاظ على ذلك الدعم.
أما قاعدته الشعبية الإقليمية، التي عمل جاهداً على تعزيزها لعقود، فيبدو أن الحزب قد قرر الاستغناء عنها عندما أعلن إرسال قواته للمشاركة في قتل الشعب السوري وإخماد ثورته، فقد كان يحظى بدعم كبير في دول عربية كالكويت والأردن ومصر، ارتفع بشكل ملحوظ بعد حربه في 2006 مع "إسرائيل"، وتهاوى بعد 2013.

مستقبل "حزب الله":

مستقبل حزب الله:
في ظل هذه الصورة، تقول الدراسة، يبدو بأنه يصعب الجزم بمستقبل حرب "حزب الله" في سوريا وبتوقع نتائجها النهائية، فأي خلل في موازين القوى على الأرض، أو أي تطور كبير قد يطرأ على تجاذبات التسوية السياسية للملف السوري بين الدول المعنية به، قد يؤثر على الحزب بشكل مضاعف.
ولكن الحزب، من جهة أخرى، يخوض الحرب ضمن حلف كبير لن يقبل بالهزيمة الكاملة، وبالنسبة له، فإن أقل مكاسب التحالف حجماً ستشكل انتصاراً كبيراً له، وستدعم من موقعه في الداخل اللبناني وعلى المستوى الدولي.
يمكن القول: إن "حزب الله" لن يعود أبداً كما كان، فإما سيتم تقليص حجمه ضمن تسوية إقليمية ودولية، أو سيمضي قدماً في الدور الذي يمثله اليوم، وبشكل أكبر؛ لأن الرجوع إلى المربع الأول، مربع "الحزب المقاوم"، سيعد تراجعاً عن مكاسب الحرب التي ضحى لأجلها بالكثير.
لقد عززت مشاركة الحزب في هذه الحرب من ارتهانه لقوى من قبيل روسيا ذات العلاقات القوية مع "إسرائيل"، وإيران التي قامت أخيراً بمصالحة الغرب، كما أن صورته في الشارع العربي والإسلامي السني لا يمكن ترميمها بعد الآن، ولو عاد الحزب إلى محاربة "إسرائيل"، التي سيستمر في إظهار العداء لها والتناوش معها للحفاظ على رصيده في الشارع اللبناني الشيعي على الأقل.
إذن فالحزب، في أفضل الأحوال بالنسبة له، مقبل على تطور مهم يخرج فيه من دائرة "الحزب المقاوم" إلى دائرة "الأداة القوية"، التي ستستمر في محاربة "التكفير" والدفاع عن "الأماكن المقدسة" وحماية "أمن لبنان" والدفاع عن "أصدقائه"، وربما تكون حروبه القادمة في الداخل اللبناني أو في العراق واليمن؛ حيث لا ينفي الحزب وجود أنشطة له فيهما بالفعل، وربما في أماكن أخرى، بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

شارك