معركة "جرابلس" عنوان البراجماتية التركية لغزو سوريا

الأربعاء 24/أغسطس/2016 - 03:48 م
طباعة  معركة جرابلس عنوان
 
 على الرغم من التداخل التركي الكبير في الصراع السوري منذ اشتعاله فى15مارس 2011م إلا أن تدخله في معركة "جرابلس" يمثل نموذجا للبراجماتية التركية لغزو سوريا؛ حيث دخلت دبابات الجيش التركي الأراضي السورية، بشكل مباشر يوم الأربعاء 24-8-2016م وذلك لدعم الجيش السوري الحر في عملية تحرير مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، ضمن معركة "درع الفرات" .
 معركة جرابلس عنوان
وأفاد شهود عيان أن أكثر من 20 دبابة تركية دخلت إلى محيط مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، وذلك بعد عملية قصف جوي ومدفعي وصاروخي نفذته فرق الجيش التركي، والتي طالت عشرات الأهداف التابعة لتنظيم "داعش" في محيط المدينة وذلك بالتوازى مع التجهيزات العسكرية واللوجستية للجيش السوري الحر لبدء "ساعة الصفر" لتحرير مدينة جرابلس التنظيم انطلاقاً من الأراضي التركية، في خطوة أغضبت "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصاراً بـ"قسد"، والتي كانت تخطط للتمدد في شمال سوريا بحجة طرد تنظيم داعش ايضا وأكد قيادي عسكري في الجيش السوري الحر أن عملية تحرير مدينة جرابلس الحدودية، من قبضة داعش أصبحت وشيكة بعد استكمال التجهيزات العسكرية واللوجستية، عبر وصول عدة فرق وتشكيلات عسكرية من الجيش الحر، إلى معسكر قرب بلدة "قرقميش" القريبة من الحدود السورية داخل تركيا، مدعومة بعشرات المدرعات والعربات العسكرية وأن كلاً من فصائل "السلطان مراد، الجبهة الشامية، الفرقة 13، نور الدين الزنكي، تجمع فاستقم، فيلق الشام" ستشارك في عملية تحرير مدينة جرابلس من تنظيم "داعش".
 معركة جرابلس عنوان
 وفي الشأن ذاته، جدد "محمود العلي" رئيس المجلس المحلي لمدينة جرابلس رفضه الاعتراف بالفصائل المنضوية في صفوف "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي تعتزم السيطرة على مدينة جرابلس وأن أهالي مدينة جرابلس والمجلس المحلي للمدينة، طالبوا الجيش السوري الحر مشاركة فصائل "جرابلس" المتواجدة في تركيا من أجل تحرير المدينة من تنظيم "داعش". وأن المجلس المحلي لمدينة "جرابلس" أعد خطة متكاملة لإدارة المدينة، بعد تحريرها، بهدف الاستمرار في عمل المرافق العامة وتوفير الماء والكهرباء والاتصالات والغذاء في المدينة.
في هذه الأثناء أكدت "قوات سوريا الديمقراطية" في بيان لها أنها تعتزم التصدي لأي هجمات يشنها الجيش التركي أو فصائل الجيش السوري الحر، للسيطرة على مدينة جرابلس وان الفصائل العسكرية في مدينة جرابلس التابعة للجيش الحر لا تختلف عن تنظيم "داعش"، وعلى "التحالف الدولي" "الالتزام بتعهداته القانونية بتوفير الحماية الدولية لبلادنا جراء التحديات الخطيرة التي تنسجها قوى إقليمية"، بينما حذر صالح مسلم رئيس الحزب الكردي تركيا من "المستنقع السورى " قائلا": إن تركيا ستفقد الكثير في المستنقع السوري، وإن الجيش التركي سيتكبد خسائر كبيرة في هذه الحرب وإن أغلبية الشعب السوري، وائتلاف قوات سوريا الديمقراطية والمجلس العسكري لمدينة جرابلس، يرفضون التوغل التركي.
 معركة جرابلس عنوان
وأرجع الكاتب خليل المقداد التحول في الموقف التركى إلى الأسباب التالية: 
1- مواجهة تمدد النفوذ الكردى فقد تختلف الأحزاب التركية على كافة القضايا، لكنها تتفق على التصدي لأي محاولة لإنشاء كيان كردي في شمال سورية، لأن هكذا كيان سيؤدي إلى تشجيع كرد جنوب تركيا، على التمرد وربما العودة إلى حمل السلاح ضد الدولة التركية حالمين بوصل المناطق التي يزعمون أنها "أرضهم التاريخية" في شمال سورية، وجنوب تركيا، وصولا إلى استنساخ تجربتي كرد العراق وحراك كرد سورية!
2- البعد الديموغرافي لتركيبة الدولة التركية سكانيا هو قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي وقت ولا تحتاج إلا إلى صاعق لن يتردد أعداء تركيا في توفيره في حال اقتضت الضرورة ذلك، ولعل هذا الأمر هو أخطر ما يمكن ان تواجهه تركيا حتى وإن لم يجري الحديث عنه بشكل علني، فوجود ملايين الكرد والعلويين الأتراك يمكن أن يجعل منهم ركنا أساسيا في أي مخطط مستقبلي يستهدف وحدة الدولة التركية.
3- وجود تنظيمات جهادية على الحدود التركية قد لا يشكل تهديدا مباشرا لها على المدى المنظور، حتى وإن كانت معادية لها عقائدياً، بل قد يكون من المفيد أحيانا ترك الأضداد تتصارع في حروب بالوكالة، وهي نفس الاستراتيجية التي يستخدمها الغرب الذي يزعم أنه راعي الحريات وحقوق الإنسان اليوم، في منطقتنا وصولا إلى استنزاف الجميع.
4- الكرد لن يتوقفوا عن السعي لإقامة الكيان الخاص بهم بل سيسعون حتى إلى إقامة كانتونات وفي أي منطقة يسيطرون عليها وما يشجعهم على ذلك هو حالة الفوضى السائدة في المنطقة إضافة إلى الدعم اللامحدود الذي يقدمه لهم الغرب مستخدما إياهم كأداة فيما يسمى الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
 معركة جرابلس عنوان
 ويمكن إرجاع أسباب التدخل العسكري التركي في سوريا في هذا التوقيت إلى ما يلي: 
1- اليوم وبعد أن نجحت وحدات الحماية الكردية المدعومة بطيران التحالف من الاستيلاء على منطقتي تل أبيض وعين العرب فإن فكرة الدويلة الكردية قد باتت تداعب مخيلة هذه الوحدات التي أصبحت أكثر طموحا ورغبة في التمدد باتجاه عفرين في الغرب وجرابلس وسط شمال سورية والتي تعتبر حلقة وصل مهمة ونقطة استراتيجية تصل بين شرق وغرب الشمال السوري من جهة وبين وسط الشمال والجنوب وصولا إلى منبج وهو ما يعني إمكانية وصل الكانتونات التي تسيطر عليها هذه الوحدات ببعضها البعض وصولًا إلى حلب نفسها والتي يسيطر الكرد فيها على بعض الأحياء إذا ما علمنا أن وحدات الحماية باتت تسيطر على 6 معابر حدودية من أصل 13 مع تركيا فإن الصورة تصبح أكثر وضوحًا.
2- الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش لن تغامر بزج قواتها خاصة بعد تجربتها المريرة في أفغانستان والعراق, ولذلك فقد لجأت إلى سياسة استخدام المتاح من الأدوات المحلية وقد وجدت ضالتها في البيشمركة العراقية ووحدات الحماية الكردية السورية والحشد الشيعي وما توفر من صحوات سورية وعراقية بينما تتولى هي إدارة الصراع من الخلف مع تقديم الدعم اللوجستي والغطاء الجوي الذي تشارك 60 دولة في تحمل نفقاته التي تفوق المليوني دولار يوميا مع الأخذ بعين الاعتبار ان تكلفة ساعة الطيران بحدود 30 ألف دولار عدا تكلفة الذخيرة المستخدمة والتي يتراوح سعرها ما بين 10 ألاف دولار لبعض أنواع القنابل ومليوني دولار للصواريخ الموجهة.
 معركة جرابلس عنوان
3- المعارك المحتدمة في شرق وشمال سورية إضافة إلى عمليات التطهير العرقي التي مارستها وحدات الحماية بحق عشرات القرى والبلدات التي سيطرت عليها أدت إلى حدوث موجات نزوح بشري كبيرة للسكان، واليوم وبعد أن إتسعت رقعة المعارك لتشمل الحسكة وإمكانية توسعها لتشمل مناطق جديدة قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة لأكثر من 600 ألف شخص وهو ما قد يشكل أزمة استيعاب إنسانية لتركيا.
4- التدخل العسكري التركي ضد تنظيم داعش سيضمن لتركيا أن تضرب عصفورين بحجر واحد وهي لن توفر فرصة توجيه ضربة عسكرية تضعف خصمها اللدود حزب العمال الكردستاني بجناحه السوري الذي يبدوا أنه بات الأقوى بين أجنحة الحزب في المنطقة.
 مما سبق نستطيع التأكيد على أن التداخل التركى الكبير في الصراع السوري منذ اشتعاله في 15 مارس 2011م هو الذي أوصله إلى هذا التدخل المباشر في معركة "جرابلس" لتمثل نموذجًا للبراجماتية التركية لغزو سوريا. 

شارك