إشكاليات قانون بناء الكنائس في مصر

الأربعاء 24/أغسطس/2016 - 05:36 م
طباعة إشكاليات قانون بناء
 
دومًا ما نستمع لكلمات شيخ الجامع الأزهر عن سماحة الإسلام وحق المواطنة في الكثير من لقاءاته، خاصةً حينما تكون خارج مصر، كذلك نسمع نفس الجمل تقريبًا من معظم علماء الأزهر وخطباء الأوقاف الذين يتصدرون المشهد الإعلامي، خصوصًا بعد كل اعتداء من قبل مسلمين متشددين على إخوانهم الأقباط في صعيد مصر، وتلك الأحاديث حتى الآن لم تقف في وجه تلك الاعتداءات بل تنتهي كل عملية إرهابية يقوم بها مسلمون ضد أقباط بجلسات صلح عرفية، وتكون نتيجتها تهجير الأقباط من منازلهم، ومؤخرًا ولتفادي تلك المشاحنات قررت الحكومة المصرية تقديم مشروع بقانون لبناء الكنائس في مصر، والذي أدى في نهاية المطاف إلى حالة من حالات الكشف عن الوجه السلفي لهذه الحكومة، وأنها لا تتعامل بمفهوم المواطنة ودولة القانون بل تتعامل بفتاوى ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، لنشتم رائحة الريال السعودي وتدخلاته في فقرات هذا المشروع بالقانون الذي أخرج الكنيسة المصرية عن صمتها. 

إشكاليات قانون بناء
وقد دخل رئيس الحكومة شريف إسماعيل على الخط متعهداً أمس «التشاور مع الكنائس لسرعة إصدار القانون» الذي يعول عليه لتخفيف حدة المشاكل الطائفية، فيما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي حرصه «على إعلاء قيمة المواطنة وعدم التمييز بين المصريين».
وكان إسماعيل استبق اجتماع الحكومة الأسبوعي المقرر أن يحسم مصير مشروع قانون «تنظيم بناء الكنائس» اليوم، بلقاء جمعه مساء أول من أمس مع بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني، أصدر بعده بياناً أكد فيه «التنسيق الكامل مع الكنيسة لإصدار مشروع القانون»، مشدداً على «حرص الدولة على سرعة إصداره». وأوضح أن «التواصل مستمر، والمشاورات تتم على مدار الساعة، لوضع مشروع القانون في صورته النهائية».

إشكاليات قانون بناء

وكان تواضروس التقى قبل الشهر الماضي الرئيس السيسي. وأعلنت الكنيسة بعدها بأيام انتهاء المناقشة حول مشروع القانون إلى مسودة توافقية، لكنها أصدرت الخميس الماضي بياناً شديد اللهجة انتقدت فيه إدخال الحكومة تعديلات على القانون «غير مقبولة... وتعتبر خطراً على الوحدة الوطنية».
وأشاد المستشار القانوني للكنيسة إيهاب رمزي بـ «سرعة تدخل الدولة لنزع فتيل الأزمة»، معتبراً الخطوة «بادرة حسن نية تساعد على الاستقرار». لكنه رفض الجزم بحل النقاط الخلافية في مشروع القانون، قائلاً: «حدث أكثر من مرة توافق في شأن المواد الخلافية، لكن الأزمة تعود مرة أخرى... ننتظر الاطلاع على مشروع القانون في صورته النهائية لنرى ما إذا كان تم تعديل تلك المواد من عدمه».

إشكاليات قانون بناء
وأكد الرئيس السيسي خلال استقباله أمس عضو اللجنة الفرعية لاعتمادات العمليات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي النائب جيف فورتنبيري، أن مصر «حريصة على إعلاء قيمة المواطنة وعدم التمييز بين أبنائها لأي سبب». وعرض «جهود الدولة لتوفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، جنباً إلى جنب مع الحريات والحقوق المدنية والسياسية التي يتعين تنميتها وازدهارها».
مما يؤكد زيادة غضب الكنيسة المصرية من التعديلات التي أجرتها الحكومة المصرية على قانون بناء الكنائس، تجاوز نبرته الهادئة وصيغته المطلبية، نحو احتجاج شديد اللهجة، وذلك على خلفية عدم الإنصات الكافي إلى آراء الأقباط في هذا الشأن، ممّا ينذر باهتزاز الثقة بين الطرفين، ويجعل مسيحيي مصر يشعرون بغبن يضاف إلى ما يعاملهم به المتشددون الإسلاميون.
ولقد تخلت الكنيسة المصرية عن دبلوماسيتها الناعمة المعروفة عند تناولها مطالب الأقباط، وصعدت اللهجة ضد الحكومة أخيرًا، على خلفية إدخال تعديلات جديدة على قانون بناء الكنائس، دون العودة إليها ومناقشتها في التفاصيل.
واعتبرت التعديلات التي أدخلت غير مقبولة، وربما تهدد الوحدة الوطنية في البلاد، ما يوحي بعدم استبعاد أن تتجه الكنيسة للخروج عن صمتها تجاه التحركات الرامية إلى تعطيل إقرار قانون ينهي مشكلات للأقباط مستمرة منذ فترة طويلة.
ولم يعهد الرأي العام المصري أن تخرج الكنيسة الأرثوذكسية لتهاجم الحكومة في العلن، أو توجه إليها اتهامات مباشرة بتعمد التقصير في قضية بعينها، حتى لو كانت القضية مصيرية بالنسبة إلى المواطنين الأقباط. ما دفع بعض المراقبين وتيارات سياسية مختلفة إلى أن تصف اللهجة الجديدة للكنيسة بأنها "خطيرة جدا"، لا سيما أن الهجوم جاء في بيان صحافي رسمي صدر مساء الخميس، قالت فيه الكنيسة إنها "فوجئت بإدخال تعديلات غير مقبولة على القانون، سوف تشكل خطرا على الوحدة الوطنية ومستقبل مصر".
وما أزعج الكنيسة، أنه خلال الأسابيع الماضية جرى التوافق بين ممثلي الكنائس وتيارات قبطية عديدة على بنود قانون أعدته الحكومة، وقال البابا تواضروس الثاني، بابا الكنيسة المرقسية وبطريارك الإسكندرية: إن مواد القانون "مرضية وجيدة"، ثم فوجئت بتعديلات جديدة في القانون لم يجر التوافق أو إطلاع الكنيسة عليها، قبل إرسال القانون إلى البرلمان تمهيدا لإقراره.
هذا التطور رسّخ لدى قطاعات كنسية كبيرة، الشعور بأن هناك توجهًا لدى الحكومة ليصدر القانون الجديد في اتجاه معيّن، بعيدا عما يريده الأقباط. ويرى مراقبون أن المراوغة في القانون بعد التوافق عليه، تنذر بما يمكن اعتباره "اهتزاز الثقة بين الكنيسة والحكومة" وقد يخسر النظام الحاكم قاعدة شعبية عريضة من الأقباط، وتتضاعف الهواجس بما يكرس فكرة وجود غبن ضد الأقباط، ليس من التيارات الإسلامية المتشددة فحسب، بل إن الأمر يتعلق بالحكومة نفسها.
يأتي ذلك في وقت بدأت تتزايد فيه الضغوط من قبل حركات قبطية ورموز مسيحية، غالبيتها تعيش في الخارج، مطالبة بالانسحاب من لجان مراجعة القانون الجديد إلى حين وضوح رؤية ونية الحكومة ومعرفة مدى جديتها في عدم تعكير الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط.
ويبدو أن الصورة الذهنية السلبية لدى الأقباط عن توجه الحكومة، طالت البرلمان أيضا، بعد اقتراح عدد من أعضاء مجلس النواب بضم المساجد ضمن قانون "بناء دور العبادة الموحد"، الأمر الذي اعتبره عدد من ممثلي الكنائس ودوائر قبطية "ينذر بصدام حاد بين السلفيين والأقباط". ويعمق هذا التوجه من مظاهر الاحتقان الطائفي في المناطق التي ينتشر فيها الفكر السلفي والجماعات المتشددة، وتحديدا في البعض من محافظات صعيد مصر (المنيا مثلا) التي شهدت خلال الفترة الأخيرة مواجهات عدة بين سلفيين وأقباط، بذريعة شائعات قالت بتحويل منازل قبطية إلى كنائس.
وساعد تنامي شعور الأقباط بأن الحكومة والبرلمان لا يريدان للقانون الخروج إلى النور، أن الدستور يلزم مجلس النواب بإصدار قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس، في أول دور انعقاد له، بينما الفصل التشريعي الأول للبرلمان قارب على الانتهاء دون أن تستجيب الحكومة لمطالب الأقباط. ومع ما يوصف بأنه "مراوغات الحكومة" قرر حزب المصريين الأحرار وحزب الوفد الليبرالي وعدد من المفكرين الأقباط تقديم مشروعات قوانين موازية لقانون الحكومة، ما يهدد بإعادة الأمور إلى النقطة صفر.

إشكاليات قانون بناء
وقال إيهاب رمزي، أحد محامي الكنيسة القبطية: إن تعديلات الحكومة على القانون "غير مبررة وتثير الريبة حول نيتها عدم وضع حد لهموم الأقباط"؛ لأن القانون بصيغته الحالية يتسبب في أزمات كثيرة مع التيار السلفي، حيث اكتفى بتعريف الكنيسة على أنها "مبنى داخل سور"، دون التأكيد على وجود صليب في أي مكان بالمبنى، كما أن إلزام الكنيسة ببناء سور حولها يؤدي إلى أزمة أخرى في بعض المناطق. والمشكلة الأكبر (في رأي المحامي القبطي) أن هناك ربطا بين الحصول على ترخيص بناء الكنيسة وعدد الأقباط بالمنطقة، وكل هذه "بنود مطاطة تزيد الأمر تعقيدا".
وحتى الآن، تحتاج المصادقة لبناء كنيسة وتخصيص أراض لها، أن يصدر رئيس الدولة قرارا جمهوريا بذلك، ما اعتبره الأقباط تمييزا للمسلمين الذين يمكن لهم بناء مسجد في أي منطقة دون مصادقة جهة بعينها. وترى الكنيسة القبطية أن النسخة الحالية من القانون "لا تختلف عن سابقاتها في هذا الشأن" لأنها جعلت سلطة الموافقة على بناء الكنائس في يد المحافظ، بعد الرجوع للجهات المعنية بالدولة، ويقرر ذلك خلال أربعة أشهر، وإذا رفضت تلجأ الكنيسة للقضاء الإداري، وهو أمر يمكن أن يستغرق سنوات من التقاضي دون أن يتم البت فيه.

إشكاليات قانون بناء
وقال مدحت بشاي المفكر القبطي: إن أكثرية بنود القانون "مطاطة"، والكنيسة نفسها رأت أن هناك "مراوغات بشكل مباشر أو غير مباشر في ما يخص إقرار القانون، ما وضعها في مواجهة مع الأقباط أنفسهم، وبالتالي اضطرت إلى تصعيد اللهجة". وأضاف أن القانون بوضعه الحالي قد يكون عدم وجوده أفضل إلى حين أن تسير مصر على درب الديمقراطية الحقيقية، وإذا كانت الحكومة نفسها ترفض إعلان إحصاء لعدد الأقباط، فعلى أي أساس يتم منح ترخيص بناء دون معرفة تعداد الأقباط في المنطقة؟
ولفت إلى أن الأيام المقبلة سوف تكشف عن الوجه الحقيقي للحكومة في ما يتعلق بالتوجه العام لحل مشكلات الأقباط، لأن الكنيسة تحذر من الإضرار بالوحدة الوطنية بينما لا تريد الحكومة التنازل عن موقفها لتقريب وجهات النظر. وشدد على أن القانون بصيغته الجديدة يسيء للعلاقة بين الأقباط والأمن والمحافظين، وكل هذه جهات ستكون مضطرة لتطبيق مواد مرفوضة، ما يزيد من الاحتقان والكراهية ضد مؤسسات الدولة، قائلا "إذا كانت الحكومة لديها نية حقيقية للحفاظ على الوحدة الوطنية، فلتعد قانونا واحدا لدور العبادة بشكل عام، مسيحية ومسلمة دون وضع قانون لكل طرف".

شارك