الثقافة والأزهر.. معارك مستمرة

السبت 27/أغسطس/2016 - 06:52 م
طباعة الثقافة والأزهر..
 
رغم أنه من المفترض أن يكون هناك اتفاق أو توافق ما بين وزارة الثقافة والمؤسسة الدينية الأولى في مصر ممثلة في مشيخة الأزهر إلا أن الواقع يقول ويؤكد غير ذلك، فكثيرًا ما وقفت المؤسسة الأزهرية في وجه المفكرين والباحثين والمبدعين بشكل عام؛ مما دعا أكثر من وزير ثقافة إلى الدخول في مواجهة مع هذه المؤسسة، التي تحاول بشكل ما أو بآخر الهيمنة على الحركة الثقافية والفكرية، وتشهر سيوفها في وجه من يحاول التغريد خارج السرب المؤسسي الذي يجعل المثقفون في مرمى هدف قانون ازدراء الأديان الذي تشهره المؤسسة الأزهرية في وجه من يحاول النيل منها أو نقدها. 

الثقافة والأزهر..
ومن أشهر المعارك التي خاضها وزراء ثقافة سابقون هي معركة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق في مواجهة المؤسسة الأزهرية ففي مارس 2016، هاجم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الأزهر الشريف بعد تورط 5 من طلابه في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات قائلًا: «كتب الأزهر ممتلئة بمواد مشوهة تساعد الطلاب على الانغماس في فكر الإخوان».
وأضاف «عصفور»، خلال لقائه ببرنامج «مساء القاهرة»، المذاع عبر فضائية «تن»: «الأزهر ما زال عاجزًا عن تجديد الخطاب الديني كما طالبهم الرئيس عبد الفتاح السيسي».
وتابع وزير الثقافة الأسبق: «العديد من المذاهب الفقهية يجب أن تتغير لمواكبة العصر، ودور الأئمة في تراجع كبير».
وفي يوليو 2016، طالب الدكتور جابر عصفور، بحذف الآيات القرآنية من مناهج الأزهر التي تدعو للجهاد، حتى لا تكون مبررًا للتنظيمات الإرهابية أمثال داعش يستقطبون من خلالها المجاهدين ويستهدفون المدنيين والأبرياء بحجة الجهاد في سبيل الله، مضيفًا أنه على الأزهر ألا يكون يعتبر نفسه سلطة دينية يسلط سيفه على رقاب المواطنين، خصوصًا الذين يخالفونه ويعارضونه.
وأضاف "عصفور" في تصريحات لـــ "اليوم السابع" أن خطاب الأزهر لا بد أن يتسم بالسماحة والمودة واللين مع الآخرين، ويتماشى مع العصر، ويسير على منوال المغرب التي قررت تعديل مناهجها وحذف الآيات القرآنية التي تحث على الجهاد واستبدالها بآيات أخرى تدعو للتسامح والغفران في المناهج الدراسية، لافتًا إلى أنه لا يجوز للأزهر أن يقوم بعمل حملات دعائية للمؤسسة، سواء كانت في الشارع أو عبر الفضائيات، ولا يسعى إلى تلميع نفسه والظهور في ثوب جديد.

الثقافة والأزهر..
ومن اللافت للنظر أن وزير الثقافة الحالي يسير على نفس درب الدكتور جابر عصفور، ففي أكثر من مناسبة قام الوزير حلمي النمنم بالهجوم على مؤسسة الأزهر، كان آخرها في الجلسة الختامية لمؤتمر السلام المجتمعي الذي نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية بالإسكندرية، بعنوان "دور المجتمع المدني" في مواجهة العنف؛ حيث أكد وزير الثقافة على ضرورة مواجهة ما سماه العنف الديني في المجتمع المصري، قائلًا: ليس هناك مجتمع ميال بالفطرة للعنف ولكن هناك ظروف اجتماعية تولد هذا العنف، ولا بد من مواجهتها.
وقال الوزير: إن المجتمع المصري شهد مؤخرًا احتدادًا (؟!) طائفيًّا لأول مرة بعد الثورة، مثلما حدث في المنيا، وهو ما لم تشهده البلاد في فترة الثورة؛ حيث خرج الشباب القبطي من حضن الكنيسة إلى حضن الدولة، وكانت بادرة طيبة.
وأرجع الوزير ظاهرة العنف إلى عدة أسباب؛ منها توغل التعليم الأزهري في مصر؛ حيث يشكل التعليم الأزهري نسبة كبيرة في مصر، وهو أمر لا بد من إعادة النظر فيه، وكذلك إعادة النظر في المناهج الدينية التي تدرس في المعاهد الأزهرية. وأضاف وزير الثقافة أن المجتمع المصري يجب أن يتحلّى بالشجاعة ومواجهة ظاهرة العنف؛ حيث يعانى المجتمع المصري من قصور في النواحي الثقافية والتعليمية. واستنكر الوزير توقف الجامعات المصرية عن إرسال بعثات إلى الخارج ما تسبب في عزلة ثقافية وعلمية وانتشار ثقافة الحديث على البنيوية والوجودية "وكلها مصطلحات انتهت من العالم كله"، وأضاف: "إن الجامعات المصرية أصبحت من أعلى معدلات السرقات العلمية في العالم ولا بد من إعادة إرسال البعثات العلمية إلى الخارج".
واستنكر عدم اتخاذ خطوات جادة فيما يسمى تجديد الخطاب الديني، وقال: "إلى الآن لم يحدث شيء حقيقي في تجديد الخطاب الديني تنفيذًا لتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولم تتخذ الجهات المنوط بها ذلك مثل مؤسسة الأزهر أي خطوات جدية في الأمر، خاصة وإنها قضية جدية مهمة للمجتمع"، وطالب بأن يكون تجديد الخطاب الديني تجديدًا عمليًّا وليس نظريا.

الثقافة والأزهر..
وكما هو معتاد أمام أي من التصريحات التي تطال المؤسسة الأزهرية من قريب أو من بعيد ينتفض علماء الأزهر للرد فقد انتقد الدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ما أبداه وزير الثقافة حلمي النمنم من انزعاج من مساحة التعليم الأزهري في مصر، وربطه بين ذلك وبين زيادة العنف الديني.
ورفض عفيفي، هذا الربط، خلال بيانٍ له اليوم، مؤكدًا أن كلام وزير الثقافة في غير محله؛ لأن الأزهر هو الذي حمى مصر من العنف وهو الذي يواجه تياراته والدليل على ذلك موقف الأزهريين الرافض للعنف والإرهاب على مر التاريخ.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن التعليم الأزهري يقف في مواجهة الفكر الأحادي الذي لا يعترف بالتعددية وتجلياتها العقدية والمذهبية والفكرية؛ لأن الأزهر الشريف بتعليمه الوسطي يواجه الفكر المتشدد والمدعوم بالتدفقات المالية التي تحاول الهيمنة على وسطية الأزهر؛ فلولا التعليم الأزهري لتلاشت روح الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي واحترام الآخر.
وشدد عفيفي على أن ما يبذله الأزهر الشريف بتعليمه الوسطي في مواجهة الغلو والتطرف لا يدركه إلا كل منصف وموضوعي، ولكن يبدو أن الهجوم على الأزهر أصبح بمثابة شهادة براءة وإعلان بعدم تحمل المسئولية في مواجهة الإرهاب والعنف الذي بات يهدد سلامة الوطن.
وفي نفس الإطار فتح أساتذة بجامعة الأزهر، وإسلاميون، النار على وزير الثقافة، حلمي النمنم، بعد هجوم الأخير على الأزهر الشريف، واتهامه بأن توغل التعليم الأزهري أدى للعنف ولا بد من إعادة النظر فيه، حيث وصف الإسلاميون، التصريحات بالمغلوطة، مطالبين بإقالته.

الثقافة والأزهر..
فمن جانبه قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن علينا أن نحسن الظن بوزير الثقافة، ولكن ما كان عليه أن يهاجم فكر الأزهر، أو يعمم مسألة العنف، فإذا خرج بعض الأفراد من منظومة ملايين الخريجين لا يعنى أن خريجي الأزهر يمارسون العنف.
وتابع أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: "علينا أن نتحاكم إلى الفقه، فمثلا فرض الجزية، وأهل الزمة، ولا ولاية لغير المسلم على المسلم كانت رؤى اجتهادية، ولا تناسب العصر، ويجب تنقية كتب التراث أو التنبيه على ذلك، ولكن لا يمكن مهاجمة الأزهر واتهامه بأنه السبب في زيادة العنف، موضحا أن الأزهر هو من حافظ على وسطيته وتاريخ الأزهر يشهد بمواجهته للعنف".

الثقافة والأزهر..
ومن جانبه هاجم الشيخ محمود لطفي عامر، وزير الثقافة، قائلًا: "حلمي النمنم وزير لوزارة عبء على أنفاس وقوت المصريين، وزارة ضررها أكثر من نفعها، وزارة متهمة دائما في هويتها، وما منح سيد القمني جائزة دولة في عهد فاروق حسنى بغريب، فإذا كان هذا أو بعضه في شأن وزارة الثقافة فما دخل هذا الوزير في مناهج الأزهر؟ هل هو من أهل العلم الشرعي؟".
وأضاف في بيان له: "أليس نمنم وزيرًا في حكومة؟ فلماذا لم يقدم رؤيته لحكومته بدلًا من المتاجرة بمحاربة الإرهاب؟ وهذا على فرض نظرية مصر فاقد الشيء يعطيه، أن النمنم لا يقبل أن نغير من ثقافة وزارته من منظور إسلامي، ولكن في مصر أهل الثقافة يغيرون المناهج الشرعية، ومن عجيب نمنم وأقرانه أنهم يتحدثون عن مناهج ولا يتحدثون عن مناهج الجامعات الأخرى، لا يتحدثون عن إلزام الجامعات الحكومية والخاصة بمقررات ثقافة إسلامية يضعها كبار العلماء في الأزهر، وليس الأزهر مطية لكل جاهل".

الثقافة والأزهر..
بدوره طالب سامح عبد الحميد، الداعية السلفي، بإقالة وزير الثقافة حلمي النمنم بعد هجوم الأخير على الأزهر الشريف.
وقال عبد الحميد في بيان له: "تجب إقالة وزير الثقافة بعد إهانته للأزهر، فالأزهر مؤسسة عريقة عالمية، وعندما يُهينها موظف حكومي بدرجة وزير فهذه كارثة، والأزهر منارة علمية وثقافية منذ قرون طويلة".
وتابع: "الإرهابيون ليسوا من خريجي الأزهر، ومناهج الأزهر لا تحض على التطرف والعنف، بل تحض على الأخلاق والقيم والتحضر، والتكفيريون درسوا مناهج منحرفة ولم يدرسوا مناهج الأزهر، مطالبًا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ألا يسكت على إهانة الأزهر، واتهام التعليم الأزهري بأنه يؤدي للعنف".

شارك