صراعات "سلفية- سلفية" بين الجبهة الداعمة للإخوان و"الدعوة" المناهضة لهم
الأحد 28/أغسطس/2016 - 03:46 م
طباعة

منذ ظهور الجبهة السلفية على الساحة السياسية وهي تقف بجوار جماعة الإخوان وتتبنى مواقفهم السياسية وبداية ظهور تلك المواقف الداعمة للإخوان في الانتخابات الرئاسية 2012، والتي فضلت الجبهة الوقوف فيها خلف مرشح الإخوان "محمد مرسي" خصوصًا بعد خروج حازم صلاح أبو إسماعيل من السباق، ورفضها الوقوف خلف عبد المنعم أبو الفتوح الذي فضلت الدعوة السلفية الوقوف خلفه، وتزايد التفاوت بين الجبهة والدعوة خاصة بعد 30 يونيو 2013، فاختارت الدعوة السلفية الوقوف في الصف الوطني ضد جماعة الإخوان، بينما اختارت الجبهة الوقوف في صف جماعة الإخوان وتكوين ما سمي بعد ذلك بتحالف دعم الشرعية، ومنذ ذلك الحين ومن وقت لآخر تشن الجبهة السلفية هجومًا على الدعوة السلفية؛ بسبب مواقف الأخيرة من تأييد قرارات وسياسات النظام الحالي وهجومها على إرهاب وتطرف جماعة الإخوان والداعمين لها.

الشيخ أشرف عبد المنعم
ومؤخرًا شن الشيخ أشرف عبد المنعم هجومًا على الدعوة السلفية تحت عنوان "جذور الخلل عند الدعوة الإسكندرانية" ونشر على موقع الجبهة السلفية وتم ترويجه على مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه:
عندما أتكلم عن الجذور، فإنني أقصد بها تلك المقدمات التي زرعت بحيث صار يستدل بها، أكثر مما يستدل لها، فيبنى عليها كثير من الآراء والمواقف المتكاثرة وفي الظروف المتعددة.
وعندما أتكلم عن الدعوة، لا عن حزب النور، فلأن الحزب هو فرع عن الدعوة عضويًّا، وأحد تجلياتها الأكثر وضوحًا، لاضطراره للتعامل مع واقع مفتوح، ومليء بالتساؤلات في نفس الوقت.
وعندما أخصها بالاسكندرانية، فلأنه من الجرم الفادح تعميم تلك التجربة، على تجارب أخرى تملأ الساحة السلفية، تتفاوت فيما بينها تفاوتًا شاسعًا، في الرموز والقواعد والاختيارات.
وهذه المحاولة التفسيرية، تمزج بين معلومات متكررة، وآراء لذي الخبرة في العمل الإسلامي، في محاولة للإجابة عن سر مواقف الدعوة المستفزة لعموم التيار الإسلامي، والأهم الإجابة عن كيفية تمرير هذه المواقف عند أفراد لا زالوا يثقون بمشايخهم.
الجذر الأول: احتكار الحق، وذلك من خلال استغلال الترادف بين السلفية كمصطلح علمي وأهل السنة الذين يمثلون أهل الحق الصافي بين المسلمين. ثم الحرص على إلصاق اتهامات من جنس الانحراف العقدي، والخلل المنهجي، والابتداع والجهل .. بكل من ليس منضويا تحت عباءة الدعوة.
الجذر الثاني: لقاء المصالح، كمصطلح تفسر به علاقات مع جهات لا يمكن تزكيتها شرعيًّا، لإضفاء الشرعية على تلك العلاقات وما ينتج عنها من مواقف. في محاولة لرفض الاتهام بالعمالة كتفسير آخر لنفس المواقف.
وهذان الجذران أثمرا عددا من الآراء والمواقف المتلاقية مع الأجهزة الأمنية، ضد العديد من الحركات الإسلامية من أيام نظام المخلوع. كمهاجمة الجهاديين أثناء فترة تصفيتهم في التسعينيات، ومهاجمة الإخوان أثناء المواسم الانتخابية، في تواز مريب مع خصوم العمل الإسلامي، فعلى الدعوة إسقاط الشرعية، وعلى الأجهزة القمعية الضرب بيد الحديد.
فمن يرى المواقف الحالية للدعوة وحزبها، مستحضرًا تاريخها، سيرى أنها تسير في سياق واحد لم يتغير، وإن كانت المواقف الأخيرة أكثر بشاعة ووضوحًا، لكنها من نفس الجذور.

ولا شك أن هناك فروقًا ليست بالقليلة بين الجبهة السلفية والدعوة السلفية
وكلتاهما تنتمي اسمًا إلى السلف، وإحداهما تلتزم بتصورات وأقوال وأعمال السلف الصالح، والأخرى لا تلتزم بذلك كليًّا أو جزئيًّا، والدعوة التي أطلقتها الجبهة السلفية للتظاهر أو الانتفاضة أو الثورة يوم 28 نوفمبر 2014، وموقف حزب النور منها خير دليل على هذا التفاوت من هذه الفروق، أن الجبهة السلفية- كما قال أشرف ثابت مساعد رئيس حزب النور- تسعى إلى جر الشباب السلفي لصدامات مع الدولة، وتشويه الدعوة السلفية وخاصة قبيل الانتخابات البرلمانية، وتشويه صورة حزب النور، وتسعى بذلك إلى أن يدفع حزب النور والدعوة السلفية فاتورة تهور أصحاب الجبهة السلفية، هذا رأى حزب النور.
ومن الفروق كذلك أن حزب النور وافق على الدستور المعدل، بل شارك في صناعته، في حين تقول الجبهة السلفية في بيانها فقد سقطت قداسة الدساتير والبرلمانات والوزارات والحكومات يوم أسقطوها هم بأنفسهم لما كادت أن تشبه الإسلامية ولو من بعيد، وأرى تطور اً هائلًا في فكر حزب النور وتوجهاته بعيداً عن التكفير أو التشدد أو الغلو أو العنف- على الأقل الفقهي- الذي سارت عليه بعض الجبهات السلفية والفصائل السلفية الأخرى، لقد كانت رابعة والنهضة معيار اً وفاصلاً بين أصحاب التوجهات الدعوية والسياسية والسلمية، وبين أصحاب التشدد والعنف، والخلط بين الدعوة والسياسة ومفاهيم كل منهما، وتمثَّل كل ذلك في تحالف دعم الشرعية الذي سعى إلى إعادة مرسي للحكم بأي ثمن حتى بعد ثورة 30 يونيو التي رأوها حتى اليوم انقلاباً، والتي توقعوها قبلها «زوبعةً في فنجان»، وكان توقعاً خاطئًا وتقديراً سيئًا منهم.
ومن الفروق الهائلة أن الدعوة السلفية وحزب النور يعملان في السياسة مع العلمانيين والليبراليين والناصريين والقوميين والاشتراكيين كتوجهات أجزاء أو قطاعات من شعب واحد ودولة واحدة في مصر، ويقبلان من يختاره الشعب المصري لكى يدير الوطن حتى يتم التنافس سلميًّا مرة أخرى، أو أن تقوم ثورة جديدة إذا لم يستجب أحدهما لإرادة الشعب في التعديل والتغيير المطلوب.

ومن الفروق الهائلة أن حزب النور والدعوة السلفية يسعون إلى الحفاظ على الشعب المصري كاملاً، ويقفون مع الدولة في حربها ضد الإرهاب ، ولكن الآخرين يقفون موقفًا عجيبا وكأنهم- على الأقل- يريدون أن ينتصر الإرهاب على الدولة، وينظرون نظرة دونية إلى من عداهم.
طالب الدكتور يونس مخيون في مؤتمر «مصر بلا عنف » في دمنهور بضرورة إجراء حوار وطني حقيقي؛ لأن الحل الأمني لن يكون كافيًا في مواجهة المخاطر، والفكر المنحرف يحتاج إلى فكر صحيح ليفنده ويبين مواطن الانحراف فيه، وضرورة تفعيل دور الأزهر والأوقاف وشيوع العدل، وإعادة النظر في المحبوسين ظلمًا- إن وجد- وحفظ حقوقهم؛ لأن الشعور بالظلم يقوى المنهج التكفيري وأصحابه، وأن تكون تلك الحوارات متاحةً أمام الشباب للتعبير عن رأيهم ووجهة نظرهم في العلن بعيد اً عن السرية.
ينادى البيان الشباب المسلم أن يقوم بعدة أمور، منها، أن يطلقوها ثورة إسلامية، إسلامية اللحم والدم، وأن يطلقوها ثورة للهوية لا تبقي ولا تذر، وهذا الوصف جاء في القرآن عن النار يوم القيامة، هذه الصياغة مع الصياغات الأخرى فيها افتراء وتضليل وتشويه ومبالغات لا يقبلها العقل المسلم الذي تربى على {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [سورة المائدة: آية 8]، وإذا كانت هذه هي أول القصيدة، فإن آخرها سيكون أسوأ منها، أكتب هذا المقال قبل يوم الجمعة الذي أرى أنه سيمر بسلام كما مرت غيره من التهديدات الفاشلة، ومصر وشعبها- بفضله تعالى- أكبر من هذه التهديدات جميعاً. والله الموفق.

الشيخ عادل نصر المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية
وقد سبق وأن وجهت الدعوة السلفية انتقادات للجبهة السلفية على لسان الشيخ عادل نصر المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية؛ حيث قال: إن هناك فرقًا ما بين الدعوة السلفية والجبهة، مشيرًا إلى الاختلاف البَيِّن بينَ كليهما في التوجهات والأفكار والمنابع التي يصطفي منها العلوم.
وقال المتحدث باسم الدعوة السلفية، في مقال له في نوفمبر 2014، هناك نوعان لمن يعتقد أن الدعوة والجبهة كيان واحد، موضحًا أن الأول منهما إما مغرض يعلم الحقيقة تمامًا، والثاني جاهلٌ بالحقيقة لا يعرف الفوارق، ملبس عليه الأمر أو هكذا يراد له.
ولفت نصر إلى أن الدعوة السلفية تقوم على المنهج السلفي المبارك بصفائه ونقائه، القائم على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فلا تتمحور حول فكر شخص بعينه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فهي تمثل وسطية أهل السنة بين أهل الغلو والتفريط. مؤكدًا أن أعلام السلفية المعاصرين (ابن باز، والألباني، وابن عثيمين، وأحمد محمد شاكر، وغيرهم كثير).
وتابع: أما الجبهة السلفية عبارة عن مجموعة قطبية تغالي في فكر سيد قطب وما يتضمنه من انحرافات فكرية خطيرة، لا سيما في مسائل الإيمان والكفر والتعامل مع المجتمعات الإسلامية على أنها مجتمعات جاهلية.
واستطرد نصر حول المنهج المتبع في الدعوة السلفية والجبهة، قائلًا: "فبينما تتبنى الدعوة السلفية مشروعًا إصلاحيًّا متكاملًا سلميًّا حكيمًا يسعى لاستئناف حياة إسلامية وفق تعاليم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة حررت معالمه في بحوث رائعة مستقاة من الكتاب والسنة، أم الجبهة السلفية هي تمثل لغزا محيرا وغموضا على ما يبدو أنه متعمد؛ لأنها لا تريد أن تفصح عن حقيقتها كما ذكرت؛ إن هذا دأب القطبيين والسروريين الذين يلبسون ثوب السلفية ظاهرًا ويحملون منهج الإخوان باطنًا.
ومما سبق ومن تتبع مسيرة الفريقين الدعوة السلفية والجبهة السلفية نجد أن كلا من الفصيلين يختلف مع الآخر سياسيًّا، وليس دينيًّا؛ حيث إن الخلاف الديني خلاف فقهي وليس عقائدي، فالمرجعيات تكاد أن تكون واحدةً فكل من الفصيلين ينهل من فقه ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وشيوخ الدعوة النجدية، كلّ من الفريقين يطمح في فرض هيمنته الدينية على السلطة في مصر، بينما تختلف الوسائل ليس إلا.