الدعوة السلفية تشن هجومًا على عقيدة الأزهر وشيخه

الأربعاء 31/أغسطس/2016 - 04:07 م
طباعة الدعوة السلفية تشن
 
شن أحمد هلال، أحد شيوخ الدعوة السلفية، هجومًا على مذهب الأشاعرة الذي يدرس في الأزهر الشريف، وجاء الهجوم على خلفية زيارة الدكتور أحمد شيخ الأزهر إلى الشيشان وحضوره مؤتمر تحت عنوان "مَن هم أهل السنة والجماعة"، دون التعرض إلى السلفيين، زاعمًا اقتصار كلماته على عقيدة الأشاعرة والماتريدية والصوفية.
وقال هلال في تدوينة له عبر فيس بوك: "ينبغي أن يتعرف الناس على ضلال مذهب الأشاعرة والماتريدية لما يروجون إليه الآن عبر جروزني والشيشان بنفي وصف أهل السنة عن السلفية واحتكاره لأنفسهم وهم من مذهب السلف العقدي براء".
وطالب بضرورة أن تعمل الدعوة السلفية على تعرية الأشاعرة والماتريدية وكشف ضلالهم وانحرافهم قبل فوات الأوان، فضلًا عن تعرية رموزهم من خلال مقالاتهم العقدية كائنًا من كان، وإلقاء الضوء على تاريخهم، وبيان ما هم عليه من مخالفات صريحة لمنهج السلف في أصول الاعتقاد.
الدعوة السلفية تشن
ليست هذه المرة الأولى التي يشن فيها السلفيون هجومًا على العقيدة الأشعرية أو المؤسسة الدينية، وإنما هذه المرة تأتي بعد عدة مواقف لهم تجاه الأزهر، وإن المؤسسة الأزهرية دائمًا ما كانت تدافع عن الدعوة السلفية وتدخل شيخ الأزهر أكثر من مرة لدى وزارة الأوقاف لاستخراج تصاريح خطابة لبرهامي وأعوانه.
ومن هنا يتضح أن علاقة السلفيين والأزهر علاقة شائكة.. لا أحد يستطيع تحديد ملامحها بسهولة لأنها تبدو متوترة حيناً ،هادئة في حين آخر، تتداخل فيها الغايات والمصالح، خاصة عندما يتماس أو يختلط الديني مع السياسي.. باختصار هي علاقة لا تسير على نسق واحد.
الشيخ جاد الحق على
الشيخ جاد الحق على جاد الحق
فما بين الأشعرية والسلفية اختلافات كثيرة ورغم أن الأزهر أشعري المذهب إلا أن هناك من اعتلى مشيخته من المذهب السلفي وأقرب مثال هو الشيخ جاد الحق على جاد الحق، رغم ذلك لم تحاول الكيانات السلفية في مصر كالدعوة السلفية بالإسكندرية أو السلفية "المدخلية "أن تتقارب مع الأزهر قبل ثورة 25 يناير 2011، بحال من الأحوال وكانوا شديدي الهجوم على مؤسسة الأزهر لانتهاجها المذهب الأشعري، الهجوم الذي كان يؤدي في بعض الأحيان من هؤلاء السلفيين إلى تكفير الأزهر الشريف، ولكن بعد الثورة وخاصة بعد ثورة 30 يونيو واتخاذ السلفيين جانب الدولة في مواجهة الإخوان هدأت نبرة التكفير وتراجع الهجوم السلفي على الأزهر وبدأت الاتفاقات فيما بينهم فقد تدخل شيخ الأزهر لدى وزارة الأوقاف للسماح للسلفيين في اعتلاء المنابر، وبدأ التنسيق فيما بينهم لعمل "قوافل" دعوية للمناطق الفقيرة والأكثر فقرًا في الصعيد، فهل تغاضى الطرفان عن الخلاف العقائدي وتكفير الآخر من أجل السياسة؟
واعتنق علماء الأزهر العقيدة الأشعرية بعد التحول من الفكر الشيعي الذي قام عليه، ويعد الأزهر "قلعة العقيدة الأشعرية"، الذي دافع عنها ونشرها باعتبارها العقيدة الوسطية، ويؤكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أن الأشاعرة والماتردية هم أهل السنة والجماعة، وأن متطرفي العقيدة هم الحنابلة والمعتزلة، وقالها صراحة: "إن لم يكن الأشاعرة والماتردية هم أهل السنة والجماعة، فمن يكونون؟".
الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة
وعلى نفس السياق يؤكد مفتي الجمهورية السابق، الدكتور علي جمعة، أن العقيدة الأشعرية موافقة لاعتقاد الصحابة، مشددًا على أن الصحابة كانوا أشعرية. ولا يختلف حال علماء جامعة الزيتونة التونسية، ــ وهي من الجامعات الدينية الكبرى عند المسلمين ــ عن حال علماء الأزهر، فقد اتفقوا على اعتبار المذهب المالكي في الفقه، والأشعري في العقيدة، وطريقة "الجنيد" الصوفي في التربية؛ لأنها "المذاهب الوسطية" كما يعلن علماؤها.
وبدايةً يجب علينا تتبع بعض المصطلحات ومنها "أهل السنة"؛ حيث إن مصطلح (أهل السنة) قد تطور مفهوماً واستعمالاً منذ نشوئه وإلى اليوم، ويمكن لنا أن نقول إنه قد عرف مرحلتين من المفهوم والاستعمال يغاير بعضهما بعضاً.
فقد أطلق مصطلح "أهل السنة" قبل ظهور الأشعري على جميع المحدثين، الذين كانوا يرون أنفسهم أنهم أصحاب الحديث النبوي، رواته وجامعوه والمدافعون عنه والعاملون بمضمونه، كما اختص جماعة آخرون بهذا اللقب كعبد الله بن سعيد الكلاب وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن القلنسي والحارث بن أسد المحاسبي؛ وذلك لقيامهم بالرد على عقائد المعتزلة وتفنيد آرائهم.
ولكن بعد القرن الرابع الهجري عرف هذا اللقب ـ أهل السنة ـ اصطلاحاً جديداً ما زال ملازماً له إلى اليوم، يقول أحمد أمين في "ظهر الإسلام": "سمي الأشعري وأتباعه والماتريدي وأتباعه بـ (أهل السنة)، وقد استعملت كلمة (أهل) بدل النسبة، فقالوا: أهل السُّنة أي السُّنيين..
والسُّنة في (أهل السُّنة) تحتمل أحد معنيين: إما أن تكون السنة بمعنى الطريقة أي أنَّ أهل السنة اتبعوا طريقة الصحابة والتابعين في تسليمهم بالمتشابهات من غير خوض دقيق في معانيها بل تركوا علمها إلى الله، وإمّا أن تكون السنة بمعنى الحديث، أي أنهم يؤمنون بصحيح الحديث ويقرونه من غير تحرز كثير وتأويل كثير كما يفعل المعتزلة.
إن المفهوم الاصطلاحي الجديد (لأهل السنة) سيعني بعد ظهور الأشعري وانتشار مذهبه في الآفاق، مدرسة كلامية في العقائد تقابل مدرسة الاعتزال، وسيكون لها منهجها الخاص في تناول العقائد وترتيبها وتفريعها والدفاع عنها، ولم يكن لأهل الحديث مدرسة فكرية عقائدية متكاملة أو مدونة يجتمعون عليها قبل الأشعري وتلامذته.
وأما لفظ (الجماعة) فقد أضيف إلى هذا اللقب (أهل السنة) بدافع سياسي، يريدون به الإشارة إلى العام الذي استولى به معاوية على الخلافة وتصالح مع الحسن بشروط، فقد سمي ذلك العام بـ ( عام الجماعة)، وقد تنادى لهذا المعنى كل من يؤمن بشرعية خلافة الخلفاء الأربعة، ولا يرى وجود النص التعييني على الإمامة أو الخلافة، عكس ما يذهب إليه الشيعة وخصوصاً الإمامية منهم، هذا باختصار فيما يتعلق بمفهوم (أهل السنة والجماعة).
وأما السلفية فهم أتباع أحمد بن حنبل وابن تيميه ومحمد بن عبد الوهاب. يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية): "المقصود بالسلفية أولئك الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وكانوا من الحنابلة وزعموا أنَّ جملة آرائهم تنتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل الذي أحيا عقيدة السلف وحارب دونها، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري، أحياه شيخ الإسلام ابن تيمية وشدد في الدعوة إليه، وأضاف إليه أموراً أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها أحوال عصره، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري أحياها محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية وما زال الوهابيون ينادون بها".
ثم يقول الشيخ أبو زهرة: "وقد كانت المعارك العنيفة تقوم بينهم وبين الأشاعرة، لأنهم كانوا يظهرون حيث يكون للأشاعرة قوة لا تنازع، فتكون بين الفريقين الملاحاة الشديدة، وكل فريق يحسب أنه يدعو إلى مذهب السلف". 

اعتراضات السلفيين على العقيدة

الشيخ عبدالعزيز بن
الشيخ عبدالعزيز بن باز
وتؤكد الدعوة السلفية على أنها "تثبت جميع صفات الله تعالى التي دل عليها الكتاب والسُّنَّة على ما يليق بالله تعالى بغير تمثيل ولا تكييف، بخلاف الأشعرية فهي تنفي كثيرًا من الصفات وتثبت بعضها وتؤولها تأويلًا فاسدًا، وهذا التأويل يقتضي في مضمونه نفيها. ويحاول بعض الناس التلبيس فيزعم أن الأشاعرة من أهل السنة والجماعة أو هم أهل السنة والجماعة وهذا خطأ وتلبيس." ويقول كبير أئمتهم الشيخ عبدالعزيز بن باز: "الأشاعرة وأشباههم لا يدخلون في أهل السُّنَّة في إثبات الصفات؛ لكونهم قد خالفوهم في ذلك، وسلكوا غير منهجهم، وذلك يقتضي الإنكار عليهم وبيان خطئهم في التأويل، وأن ذلك خلاف منهج الجماعة... كما أنه لا مانع أن يقال: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السُّنَّة في باب الأسماء والصفات، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى، حتى يعلم الناظر في مذهبهم أنهم قد أخطئوا في تأويل بعض الصفات وخالفوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان في هذه المسألة، تحقيقاً للحق وإنكاراً للباطل وإنزالاً لكل من أهل السنة والأشاعرة في منـزلته التي هو عليه".
الشيخ صالح الفوزان
الشيخ صالح الفوزان
ويقول الشيخ صالح الفوزان: "ليسوا – أي الأشاعرة - منهم – أي أهل السنة - في باب الصفات وما خالفوا فيه، لاختلاف مذهب الفريقين في ذلك".
وكذلك المراجع الوهابية الآتية: "منهج الأشاعرة في العقيدة" للشيخ سفر، "الفروق في العقيدة بين أهل السنة والأشاعرة" للأستاذ صادق السفياني، "منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى" للأستاذ خالد نور، "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" للشيخ المحمود.
كل هذه الكتب تعد مراجع علمية مهمة لدى الدعوة السلفية، وهذه الأدبيات كما عرضنا نموذج لها إنما تُخرج الأشاعرة من أهل السنة والجماعة وتعتبرها فرقة من الفرق الضالة.
ويعتبر أغلب السلفيين أنهم وحدهم أصحاب المنهج الصحيح والعقيدة السليمة، وأنهم أصحاب الحق، ووحدهم الفرقة الناجية، ويفهمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتى على نيف وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة»، خطأً، ويعتقدون أنهم فقط أهل السنة والجماعة، والباقون على ضلال، ويعتبرون أي رؤية تخالف وجهات نظرهم من عند الشيطان، على حد كتاباتهم. ويلعن أتباع المنهج السلفي، الآخرين، ويهاجمونهم، ويطعنون في عقائدهم حتى وإن كانوا مسلمين مثلهم ويشهدون بوحدانية الله ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم تنج فرقة إسلامية من تشكيك السلفيين في عقيدتهم، ويقولون صراحة بكفرهم وخروجهم من زمرة المسلمين عامة، أو من مذهب أهل السنة بخاصة، لكن الملاحظ وعند الحديث عن المذهب الأشعري، المذهب العقائدي الرسمي لمشيخة الأزهر، تتراجع نبرة السلفيين العدائية الواضحة تجاه المذاهب الإسلامية المتباينة، بل يتحول مسار الخطاب السلفي عن «الأشاعرة» إلى مستويين: أحدهما للترويج الإعلامي والتداول بالمجال العام وبين الجماهير، وآخر للتداول بقاعات الدرس والتعليم ويُعرف باسم «الخطاب الدرسي». ويتراوح موقف شيوخ السلفية بين هذين الموقفين، فالأول فيه قبول بالمذهب الأشعري والاعتراف به، يصل الأمر إلى تفخيم المؤسسة الراعية للأشاعرة «الأزهر» بمشيخته وجامعته، والثاني الخطاب الدرسي التكفيري الرافض للأشعرية بوصفها مذهبًا يعطل عن الله صفاته، ورؤية عقائدية «فاسدة». وتجدر الإشارة إلى أن أتباع السلفية يعرفون باسم «الحنابلة المتأخرين»، الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، ناسبين جلّ آرائهم وفتواهم إلى الإمام أحمد بن حنبل، كذلك يتبنون رؤى ومواقف ابن تيمية الذي ظهر في القرن السابع الهجري، ومن بعده محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري. ويعتقد السلفيون في إثبات كل ما جاء من أسماء وصفات وأخبار عن الله في القرآن والسنة النبوية من غير تأويل ولا تفسير بغير الظاهر، فهم يثبتون لله المحبة والغضب والسخط والرضا والنداء والكلام والنزول إلى الناس في ظل من الغمام، ويثبتون الاستقرار على العرش، والوجه واليدين!! وهم يقصدون بالظواهر «الظواهر الحرفية، لا الظواهر ولو مجازية»، وهو ما يخالف رؤية المذهب الأشعري، التي يرى أن ألفاظ الصفات لها معان ظاهرة، وهي الحسية التي نراها وهي محالة على الله تعالى، ومعان أخرى «مجازية» يعرفها العربي من غير تأويل، على حد تعبير أبو حامد الغزالي.

شارك