38 عامًا على اختفاء "موسى الصدر".. بين تآمر إيران وصفقة "حزب الله" يبقى القذافي متهمًا
الخميس 01/سبتمبر/2016 - 11:14 ص
طباعة

تمر 31 أغسطس الذكرى 38 على اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا، ولا تزال ملابسات اختفائه غامضة حتى بعد سقوط نظام القذافي، لا سيما أن المسئولين السابقين أدلوا بتصريحات متناقضة بشأنهن، في وقت كشف مصدر سوري عن صفقة فاشلة بين "حزب الله" والزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي"، والذي عرض الأخير 200 مليون دولار لإغلاق ملف الصدر، فيما أكد رئيس البرلمان اللبناني وقائد حركة أمل الشيعية، نبيه بري.
صفقة "حزب الله"

كشفت شخصية سورية لصحيفة “الشرق الأوسط” إنه “في عام 2004 وخلال لقاء بشخصية اقتصادية سورية رفيعة أن الزعيم الليبي معمر القذافي طلب منه التوسط لدى “حزب الله” لحل قضية الإمام المغيب موسى الصدر”، مشيراً إلى أن “هواجس القذافي، كانت مرتبطة بأمن عائلته ورغبتهم في السفر إلى لبنان لقضاء بعض الإجازات فيه. ومعلوم أن هانيبال القذافي ارتبط عام 2002 بعلاقة بعارضة الأزياء اللبنانية الين سكاف وتزوجا عام 2003”.
ولفتت الشخصية السورية إلى أنها “نقلت الاقتراح الليبي، بالتسوية، إلى “حزب الله” بحكم علاقات متينة تربطها بأمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، وحسين خليل أقرب مساعديه، ولا تزال، علاقتها جيدة بالأخير”، موضحاً: إنني “كنت مفوضًا بهندسة التسوية، لا سيما في الشق المالي الذي لم يكن عائقًا عند القذافي مهما بلغ”.
وأشارت إلى أن “حزب الله” “يفرد مكانًا لمقام الصدر في أي من أحاديث مسئوليه وخطاباتهم، كان منفتحًا على التسوية ومتحمسًا لطي ملف الصدر، وحدد ثلاثة مطالب لإنجازها.
أولها تسوية مالية بقيمة 200 مليون دولار لإنشاء مشاريع تنمية ورعاية اجتماعية باسم الصدر يديرها “حزب الله” مباشرة. وثانيها تزويد “حزب الله” بأسلحة، لا سيما الصواريخ المضادة للدروع والعربات، روسية الصنع. وثالثها اعتذار عام من القيادة الليبية عن اختفاء موسى الصدر.
واعتبرت الشخصية أن “الأموال لم تكن عائقًا، وإنها تتفهم حاجة “حزب الله” لإسكات منتقديه، جراء التسوية، وهو ليس مبلغًا قد يرفضه القذافي. لكن كانت الخشية في البندين المتبقيين. فمسألة تزويد “حزب الله” بالسلاح لم تكن بالسهولة التي كانت عليها في أعوام سابقة، حين كانت ليبيا غير مهتمة بالانفتاح الغربي عليها.
وأوضحت الشخصية السورية أن “ليبيا ما كان ممكنًا لها القبول باعتذار سيُعامل بوصفه اعترافًا ليبيًا بالمسئولية عن مصير الصدر، وهو ما حدا بها لرفض هذا البند من دون الرجوع إلى القذافي. حينها اقترح حسين خليل، معاون السيد نصر الله، أن تعتذر ليبيا عن “اختفاء الصدر على أراضيها”، أي حصر الاعتذار بالمسئولية المكانية للدولة الليبية وليس بأي مسئولية جرمية؛ إذ إن “حزب الله” ليس مهتمًا بتجريم القذافي، ولم يكن مهتما يومًا، بقدر اهتمامه بعذر يقدمه للبيئة المحبة للإمام”.
الخميني تآمر على الصدر

من جانب آخر تكشف التقارير الإعلامية عن وجود دور للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية الموسوي الخميني، في اختفاء أصدر وربما التخطيط في اغتياله.
ووفي آخر المعلومات عن اختطاف الصدر طرحها أحد المقربين من الشاه الإيراني السابق محمد رضا بهلوي في كتاب جديد عن نهاية عهد الشاه في إيران ووصول الخميني للحكم.
الكتاب يدعى "سقوط السماء: البهلويون والأيام الأخيرة لإيران الإمبراطورية".. مرافق الشاه يتهم فيه الزعيم الإيراني الموسوي الخميني بترتيب إخفاء الصدر وقتله.
فالشاه كان يجري اتصالات سرية مع الصدر لإحباط مساعي الخميني للانقلاب على الحكم، فالصدر لم يكن مع إنشاء دولة شيعية ويختلف مع فكرة ولاية الفقيه.
وبحسب رواية مرافق الشاه فإن الخميني طلب من معمر القذافي عقد لقاء مع الصدر عبر أحد المقربين منه وهو رجل الدين محمد بهشتي لإقناعه بمفهوم ولاية الفقيه.
وصل الصدر إلى ليبيا ولم يأت ممثل الخميني، ما أزعج الصدر فقرر العودة إلى بيروت، ولكن بهشتي طلب في اتصال مع القذافي منع الصدر من السفر، مدعياً أن الصدر عميل للغرب.
تعرض الصدر في مطار طرابلس أثناء توقيفه للاعتداء من مرافقي القذافي واختفى.
تكتمل القصة حين يطلب الخميني من القذافي إقفال ملف الصدر نهائياً. يقتل ويدفن في الصحراء أو يوضع في صندوق مغلق بالخرسانة ويلقى في البحر.
وقد أشار كتاب أمريكي صدر مؤخرًا إلى هذه المعلومات؛ حيث أفاد الأكاديمي المختص في شئون الشرق الأوسط، أندرو سكوت كوبر في كتابه «سقوط السماء» أن شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي كان مستعدًا لمفاوضة موسى الصدر، خلافًا للإمام الخميني الذي خاف منه وتآمر على إخفائه في عام 1978، أثناء زيارته إلى ليبيا، مؤكدًا وجود اتصالات سرية بين الشاه والصدر، رغم توتر علني في العلاقة بينهما، «وربما كان الشاه يرغب في عودة الصدر إلى إيران ليحبط طموح الخميني في أشهر ما قبل الثورة، ولو تم هذا الأمر لكان تغيّر مسار التاريخ في إيران».
من جانبها قالت مصادر لبنانية مطلعة على ملف اختفا الامام الصدر: إن الجانب الإيراني كان متحمسًا لدفن قضية اختفاء موسى الصدر، وقد قام بعدة محاولات في هذا المجال مع نظام العقيد معمر القذافي، لكنها اصطدمت بواقع رفض حركة «أمل»الشيعية ورئيسها نبيه بري، أي نقاش في هذا الملف لحساسيته المفرطة، خصوصًا أن الصدر يعد من الشخصيات اللبنانية الشيعية الأرفع، وغيابه فتح المجال أمام الخميني للتمدد إلى لبنان بسهولة أكبر من غيابه.
وتحدث المصدر لـ«الشرق الأوسط» عن «تلاقي مصالح بين إيران والنظام السوري» في إخفاء الصدر، وبالتالي اختفائه في بلد يعد حليفا وثيقا للطرفين، ولم يكن معروفا عنه العداء مع الصدر وفريقه.
ويشير تقرير نشر في «نيويورك تايمز» إلى أن كوبر استقى معلوماته عن الإمام الصدر المختفي من مقابلات كثيرة أجراها مع عائلة الشاه، ومع رجال دين سابقين في إيران، ومع مستشارين سابقين كانوا على علاقة وثيقة بالشاه، ما أعاروا هذه القضية اهتمامًا أو سكتوا عنها. ويقول كوبر: «كان الشاه مستعدًا لمفاوضة موسى الصدر، وكان ذلك ليشكل أملاً كبيرًا لتعايش التشيّع والحداثة. لكن اختفاء الصدر أطفأ جذوة ذلك الأمل، وعبّد الطريق أمام تشيع متطرف ثوري في إيران».
"نبيه بري" وموقف حازم

من جانبه اتخذ رئيس البرلمان اللبناني ورئيس حركة أمل نبيه بري، موقفًا حازمًا تجاه أي حديث عن صفقة أو إنهاء قضية موسى الصدر ورفيقيه، قائلًا: "إنه رغم المزايدات والكلام المر والجارح وعمليات البيع والشراء على حساب قضية الإمام الصدر نؤكد أننا نعمل وفق ثوابت أرست ذاتها منذ 1978، فالسيد ورفيقيه تعرضوا لأبشع عمليات اختطاف وحجز حرية على يد طاغية ليبيا وأعوانه وذلك المجرم أخل بواجب احترام الضيف".
ولفت بري إلى أن "كل ما أشيع حول قضية الإمام الصدر لا يمت للحقيقة بصلة وهو نسج خيال بعض الأقلام المأجورة التي تزعم أننا نخفي أمورًا ما، ووقفنا في وجه كل التحديات؛ لأن الإمام حوّل الحرمان إلى حركة وأطلق المقاومة، واعتبر أن الإنسان ثروة لبنان"، لافتًا إلى "أننا لم نسمح بتجارة مفتوحة أو تطبيع العلاقات مع أي جانب ليبي"، بحسب صحيفة النشرة اللبنانية.
وأكد رئيس حركة أمل الشيعية، أن "لجنة المتابعة الرسمية للقضية توظب على العمل بحرص على كامل ثقتنا بقواعد عملها وأنه في الفترة الماضية ونتيجة عدم استقرار الأوضاع في ليبيا كان البديل عقد لقاءات مع الجانب الليبي بدولة ثالثة ونتج عنه تبادل المعلومات والوثائق وتصويب للعمل على بعض خيوط التحقيق"، مشيرًا إلى أنه "رغم الأوضاع في لبيبا فإن وفدًا من اللجنة زار ليبيا فبراير الماضي وأطلع مقرر اللجنة على التحقيقات وتم تزويد الجانب الليبي بما يحتاجه من معلومات وتسلم الجانب اللبناني جزءًا مهمًّا مما طلبه".
"موسى الصدر"

وكان موسى الصدر، الشخصية الدينية اللبنانية الشيعية البارزة، ومؤسس حركة أمل قد وصل إلى ليبيا في زيارة للمشاركة في احتفالات "ثورة الفاتح من سبتمبر"، التي أوصلت القذافي إلى السلطة عام 1969، بصحبة الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، وتمت استضافتهم في فندق الشاطئ بطرابلس، وشوهد الصدر ورفيقاه لآخر مرة في 31 أغسطس 1978.
وأعلنت السلطات الليبية حينها أن الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس مساء 31 أغسطس على متن رحلة للخطوط الإيطالية متوجهة إلى روما، وعثرت السلطات الإيطالية فيما بعد على حقائب الصدر والشيخ يعقوب في فندق "هوليداي إن" بروما.
وانتهت تحقيقات القضاء الإيطالي إلى قرار من المدعي العام في روما عام 1979 بحفظ القضية، بعد أن تأكد أن الصدر ورفيقيه لم يدخلوا إلى الأراضي الإيطالية.
وفي المقابل أدلى محمد إسماعيل مستشار نجل القذافي سيف الإسلام بتصريح مدو لصحيفة "نيويورك تايمز" بداية العام الجاري قال فيه: إن الإمام موسى الصدر قتل بعد مشادة مع العقيد القذافي وأن جثته ألقيت في البحر، وإن السلطات الليبية كذبت حين قالت إنه غادر ليبيا.
وذكر إسماعيل أن نجل القذافي هانيبال، المعتقل في لبنان، وبقيه أبنائه وأسرته، لا يعرفون الحقيقة. وكان على ما يبدو يرد على تصريح لهانيبال نقلته وسائل إعلام لبنانية نهاية العام الماضي قال فيه إن شقيقه سيف لإسلام يملك تفاصيل كاملة عن اختفاء موسى الصدر، مشيرًا إلى أن عبد السلام جلود، الذي كان يعرف بالرجل الثاني في النظام الليبي بعد القذافي لفترة طويلة والمقيم حاليًّا في إيطاليا، هو المسئول عن عملية الإخفاء.
ولا تزال قضية اختفاء الإمام موسى الصدر من دون نهاية بعد مرور 38 عامًا، على الرغم من الجهود التي بُذلت بعد سقوط نظام القذافي بالتنسيق مع لبنان، إلا أن حالة الفوضى العارمة والانقسام والتقاتل التي تشهدها ليبيا تعيق، على ما يبدو، أي محاولة للكشف عن ملابسات اختفاء الصدر بشكل تام وبأدلة قطعية، كما أن التقارير الإعلامية أشارت إلى أن هناك دورًا قويًّا لإيران في اختفاء الصدر، وكشف أي تفاصيل جديدة يهدد الحضور الإيراني لدى الشيعة العرب بشكل عام والشيعة اللبنانيين بشكل خاص، وهو ما يعتبر نهاية للمشروع الإيراني في لبنان.