مستقبل دواعش آسيا الوسطى بعد وفاة الرئيس الأوزبكي "إسلام كريموف"
الثلاثاء 06/سبتمبر/2016 - 03:19 م
طباعة

شَكَّلت وفاة الرئيس الأوزبكي "إسلام كريموف" أملًا جديدًا لتمدد دواعش آسيا الوسطى، كما سنحت للعناصر المتطرفة في خارج البلاد، خاصةً في سوريا والعراق فرصة العودة مرة أخرى لموطنهم الأصلي، وإمكانية النمو والتمدد فيه؛ وذلك لتركيبة البلاد القبلية والإثنية المتنوعة، وما تحظى به من أهمية استراتيجية بسبب رقعتها الجغرافية المترامية الأطراف من آسيا؛ حيث تتجاور الصين وروسيا وإيران وأفغانستان وتقع أوزبكستان في وسطها.

فحسب العديد الإحصاءات، التحق حوالي 7 إلى 10 آلاف من مواطني آسيا الوسطى والقوقاز بداعش وتنظيمات متطرفة أخرى، مما يعني أن أي خلل أمني في هذه البلدان أو هزيمة داعش في العراق وسوريا من شأن كل ذلك أن يخلق حاضنة ملائمة للدواعش والمتطرفين العائدين من سوريا والعراق إلى بلدانهم الأصلية، ففي حال تدفق العائدون المتطرفون لأي سبب كان إلى آسيا الوسطى بإمكان داعش أن يفتح جبهة جديدة لها هناك، وستكون أفغانستان بوابة هذا التدفق، خاصة أنه من الصعوبة بمكان التحكم بالحدود بين أفغانستان وهذه البلدان الحبيسة في جغرافيتها البرية حيث لا شواطئ لها على البحار المفتوحة.
وتفيد التقارير أن عناصر من آسيا الوسطى يقاتلون حالياً في صفوف طالبان في أفغانستان وباكستان، وفي صفوف داعش في مناطق فارياب وبادغيس وجوزجان بالإضافة إلى انه في أكتوبر 2014، كانت "حركة أوزبكستان الإسلامية" قد أعلنت أنها في نفس الصف الذي يقف فيه داعش دون أن تعلن البيعة بشكل واضح وعلني للزعيم الداعشي أبوبكر البغدادي. وهذه الحركة لها نشاط ملحوظ في المناطق القبلية في باكستان، وكانت على علاقة بتنظيم القاعدة من قبل، وأصدر زعيمها "عثمان غازي" بيانًا قال فيه: "باسم كل أعضاء حركتنا ووفاء بواجباتنا، أعلن أننا في نفس الصف مع "داعش" في هذه الحرب بين الإسلام والكفار". وفي الوقت الذي رحب غازي بإلغاء الحدود بين الدول الإسلامية، وشملت "ولاية خراسان" المعلنة من جانب داعش مساحات واسعة من دول آسيا الوسطى بما فيها أوزبكستان، أعرب هذا الزعيم الأوزبكي المتطرف عن أمله في أن تتم السيطرة قريبًا على كافة الأراضي الإسلامية.

الحركة التي تأسست في تسعينيات القرن العشرين، وصنفتها الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة إرهابية سبق وإن احتل قادتها مراتب رفيعة في صفوف القاعدة، وشارك عدد من مقاتليها في هجوم عام 2014 على مطار كراتشي في باكستان، الذي أدى إلى مقتل 37 شخصًا، حسب ما أكدته الحركة وتعد منطقة "وادي فرغانة" الذي يحده قرغيزستان شرقاً، ويضم محافظات قرغيزية من قبيل أوش وجلال آباد وباتكين وتجاوره طاجيكستان جنوبا، ويضم محافظة سغد الطاجيكية، أما أوزبكستان فتقع غربي الوادي الذي يضم محافظات فرغانة ونمنجان وأنديجان منبع وبؤرة لهذه الحركة.
هذا التلاقي الحدودي المعقد بين الدول الثلاث وصعوبة التحكم بالحدود المتداخلة بين هذه البلدان في وادي فرغانة، مهد الظروف الجغرافية والاجتماعية لنمو الحركات الإسلاموية المتطرفة في قلب آسيا الوسطى، وكانت أفغانستان دائمًا هي المنفذ، خاصة عبر مدينتي "ترمذ" و"طراز" الأوزبكيتين، والانتقال إلى وادي فرغانة البعيد عن عواصم البلدان الثلاثة إلى حد ما والمحاصر بجبال شاهقة ووعرة، وهو الأمر الذي تريده أي مجموعة تتبنى حرب العصابات بغض النظر عن الأيديولوجية التي تحملها.

وكان كريموف على اطلاع كامل بالموقف الدولي، خاصة الغربي من المجموعات المتطرفة؛ حيث ترابط قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة في الجوار الأفغاني، الأمر الذي دفع أوزبكستان إلى أن تلتحق بالحرب المعلنة ضد الإرهاب ولعب دورًا محوريًّا في آسيا الوسطى لضرب الحركات المصنفة في قائمة الإرهاب، ومن هنا أصبح الاستقرار في أوزبكستان يهم واشنطن وموسكو على حد سواء، على الرغم من أن الأمريكيين اختلفوا مع كريموف على خلفية قمع الاحتجاجات في منطقة إنديجان في 13 مايو 2005 والتي وصفت بالمجزرة، إلا أن الولايات المتحدة ظلت تتعاون مع طشقند لمحاربة "الإرهاب"، ومن المتوقع أن تستمر في التعاون مع من يخلف إسلام كريموف ما دام خطر الحركات المصنفة في قائمة الإرهاب نشطاً، وقد تجد تلك الحركات حواضن جديدة في آسيا الوسطى، لا سيما بعد عودة المقاتلين من سوريا والعراق.
ولعل هذا التخوف هو الذي يجمع بين أمريكا وروسيا، حتى لو اختلف الطرفان حول التفاصيل، وقد لا تختلف الصين مع البلدين في موقفها من الاستقرار في آسيا الوسطى التي تشكل العمق الاستراتيجي لها وتضم الصين شعبا شقيقا لشعوب هذه المنطقة، وهو الشعب الأيغوري الذي يقطن في ولاية تركستان الشرقية التي تطلق عليها بكين اسم "سين كيانغ" كما علينا ألا ننسى الدور الذي تحاول إيران أن تلعبه في هذه المنطقة خدمة لمصالحها السياسية والاقتصادية، إلا أن بعض دول آسيا الوسطى تنظر بعين الريبة إلى طهران، وتتهمها بالسماح لبعض المتطرفين، خاصةً الطاجيك من الحضور في بعض المناسبات الرسمية الإيرانية، وتحاول طهران إقحام نفسها في جبهة الحرب على الإرهاب بنفس الطريقة التي تتبعها في العراق وسوريا.

وبما أن الحركات المتحالفة مع داعش لا تشكل خطرًا على أمن أوزبكستان فحسب، بل على أمن كافة الدول الخمس في آسيا الوسطى وعلى مصالح كل من واشنطن وموسكو وبكين، فإن من يخلف كريموف مضطر للسير على نفس النهج الذي رسمه كريموف، والذي يوافق مصلحة الدولة الأوزبكية في التعاون مع قوى عالمية كبرى، تنظر بحذر إلى هذه المنطقة بالغة الدقة والحساسية؛ لذا سيحاول الرئيس المقبل الحفاظ على الوضع الراهن وفقا لسياسة براجماتية تخدم الاستقرار في بلاده، وسوف تستخدم طشقند الحاجة الدولية لاستقرارها بصفتها أكبر دولة من ناحية عدد السكان لتقمع أي احتجاج داخلي، والتصدي لأي صراع قبلي في بلد سمته التعددية القبلية.
من جانبه، ذكر جهاز الأمن القومي الأوزبكستاني أن هناك 5 آلاف من أعضاء "حركة أوزبكستان المتشددة"، الممنوعة في دول عدة بما فيها روسيا والولايات المتحدة، يقاتلون في الوقت الراهن إلى جانب تنظيم داعش، مشيرًا إلى أن "نصفهم من أوزبكستان " كما يقول خبراء عسكريون إن لدى داعش كتائب من أوزبكستان والشيشان، وهم من أخطر الإرهابيين تم تجنيدهم في مناطق مثل وادي فرغانة الواقع بين أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان على حدود أفغانستان، وهناك أيضًا داغستان وهي على حدود الشيشان، وأنهم ينتقلون إلى الإرهاب بعد سجل من الجرائم، ولديهم خبرة بالإتجار بالأسلحة والناس والنقود عبر الحدود. وهذا يقسي قلوبهم بشكل أكبر من المقاتلين الذين يأتون من غرب أوروبا على سبيل المثال وأن منفذي عمليات داعش، الذين يأتون من هذه المناطق الآسيوية يتحركون داخل تركيا بحرية أكثر من العرب؛ وذلك لأن لغتهم وثقافتهم وعوامل التعريف العرقية تشبه خواص الأتراك؛ لذلك قد يندمجون بالمجتمع أسهل من القادمين من تونس أو ليبيا أو الصومال.

مما سبق نستطيع التأكيد على أن وفاة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف سوف تشكل أملًا جديدًا لتمدد دواعش آسيا الوسطى، كما ستمنح الفرصة للعناصر المتطرفة في خارج البلاد وخاصة في سوريا والعراق بالعودة مرة أخرى إلى موطنهم الأصلي وإمكانية النمو والتمدد فيه؛ وذلك لتركيبة البلاد القبلية والإثنية المتنوعة، وهو الأمر الذي قد يشكل مستقبلًا مزدهرًا لدواعش آسيا الوسطى.