القواعد العسكرية الأمريكية في العراق.. هل تحسم معركة الموصل المرتقبة؟
الخميس 08/سبتمبر/2016 - 03:58 م
طباعة

تشكل القواعد الأمريكية في العراق أهمية خاصة للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تشكل جزء مهم من بقايا الاحتلال الأمريكي لها وتحولها بكل حدودها الجغرافية قاعدة عسكرية تنطلق منها أطماع ومخططات التقسيم ورسم سياسات المستقبل داخل المنطقة.

وجاء بعد نشر 400 جندي أمريكي في قاعدة القيارة الجوية بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تعبيرًا عن ما يسمى "القوة الجاهزة للضرب" التي تتبنها الولايات المتحدة في العراق؛ نظرًا لنوعية وتدريب ومهارات وخبرات تلك القوات القتالية في الوقت الذي لم تتطرق القيادة الأمريكية لأي حديث عن مباحثات عراقية أمريكية تمت فيها المصادقة على إرسال "القوة الجاهزة للضرب"، وإنما تحدثت عن الأوامر المباشرة للرئيس، وفي هذا إحراج متكرر للمسئولين العراقيين الذين يدافعون عن بقايا ماء وجوههم كقادة وزعماء لدولة "مستقلة".
الأمريكان من جانبهم بعد كل أزمة يوقعون به حلفاءهم العراقيين يذهبون إلى صحة التصريحات العراقية، بما يعطي الانطباع بالإهانة المتعمدة التي يراد منها التذكير دائمًا بأن أمريكا هي من صنعت منهم قادةً في معامل مخابراتها ومنطقتها الخضراء فيما بعد، وأن كل ما يجري من غزل معلن مع العشيق الإيراني إنما هو تحت إشرافها، وما تسمح به وما تريده أيضًا، وهو الأمر الذي يتلاءم فيه السلوك الأمريكي مع لغة العقاب المفترض أن تكون ناجزةً بحق الحكومة العراقية، وهي امتداد لحكم حزب الدعوة وحكومة نوري المالكي التي وفرت لتنظيم داعش إمكانية الاستيلاء على المعدات المتطورة والأسلحة الأمريكية في عار هزيمة الموصل في العام 2014 وتسليم المدينة وأقضيتها ونواحيها وأهلها وأقلياتها الدينية والإثنية، بما في ذلك من جرائم وإبادات وتفاصيل، وأيضا تسليم قاعدة القيارة الجوية دون قتال.

العبادي من جانبه يتابع بنشاط فائض وحيرة ما يجري ، ليكون جاهزا للرد، لإقناع الأمريكيين أولا بحجم ورطة حكم العراق في ظل حقيقة لا يمكن أن تغيب عن ذاكرة العراقيين وتاريخهم وهي أن التغيير الذي حصل في 2003 كان بإرادة الاحتلال، وأن العملية السياسية بأحزابها وشخوصها كانوا مجرد عملاء ولصوص صغار وكبار وخونة ومنتفعين، وهذه الحقيقة لا يمكن أن يتناساها أي حاكم يخضع لمجموعة تحالفات أدت إلى الاحتلال وما تلاه من ويلات استهدفت حياة وكرامة المواطنين ومصيرهم المشترك ليطرح التساؤل: هل ستكون قاعدة القيارة، بمثابة أنجرليك العراقية، لأهمية موقعها وقربها من مركز الموصل، بما يخص العمليات العسكرية وكذلك مساحتها ومدرجاتها وبرج المراقبة وكافة المنشآت التي ستعاد إلى الخدمة بعد وصول طاقم المهندسين والشركات المختصة بالترميم وبناء القواعد.
وقاعدة القيارة هي واحدة من مجموعة قواعد جوية كانت منتشرة في معظم الأراضي العراقية وساهمت بإدامة زخم السلاح الجوي في الحرب الإيرانية العراقية، وتعرضت للتدمير في حرب الخليج عام 1991 وحرب احتلال العراق عام 2003م وماذا لو كانت لأمريكا قواعد عسكرية في العراق، على غرار قواعدها في 130 دولة ويقارب عددها الألف، هل كان حصل ما حصل من تداعيات ما قبل الاحتلال ثم الاحتلال، وهل كان يشكل ذلك خرقا لسيادة العراق وكرامته الوطنية؛ ومنها ما أفرزته نتائج الحرب العالمية الثانية، كالقواعد الأمريكية في اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، ورغم الاستياء الذي يولده الشعور القومي أو بعض آثار وجود القواعد، لكننا لمسنا قبل فترة قصيرة ردة الفعل السلبية لتلك الحكومات بعد ما تردد في الأوساط الأمريكية من رغبة في إلغاء تلك القواعد لكلفتها على الاقتصاد الأمريكي؛ وضمن القياسات الوطنية التقليدية كان المتوقع أن ترحب تلك الدول بإزالة القواعد من أراضيها، لكنها شعرت بالصدمة لفقدان حجم الضمانات الأمنية وأثرها في التوازنات الدولية.

السفارة الأمريكية في العراق هي أكبر قاعدة عسكرية في العالم يعمل فيها 17 ألف موظف، ومبرراتهم جاهزة لأغراض وتطوير الكوادر العراقية كما أن أمريكا تضع الجمل المناسبة التي تملأ الفراغ المناسب في قراءة ما يغضب الشعوب ويستفزها، وهي تعلم تاريخ البغض للاستعمار والإمبريالية في العراق والمنطقة، وكلمة قاعدة عسكرية أمريكية في العراق إلى وقت قريب، وربما حتى الآن، تثير مشاعر الاشمئزاز عند الشعب، وهذا ما يجعل الحكام حتى من عملاء الاحتلال وخدم ولاية الفقيه يتوجسون لأسباب مختلفة من إنشاء القواعد العسكرية، رغم أنهم يعلمون أن منطقتهم الخضراء، في حقيقة الأمر، قاعدة عسكرية أمريكية أو مركب الإنقاذ وفريق النجدة في الملمات المحتملة المحيطة بهم.
فالعراق حسب خارطة توزيع النفوذ للبنتاغون يقع ضمن القيادة العسكرية الوسطى وهي واحدة من خمس قيادات تنتشر على مساحة الأرض، لكن العراق بعد الاحتلال الأمريكي أصبح بكل حدوده الجغرافية قاعدة عسكرية تنطلق منها أطماع ومخططات التقسيم ورسم سياسات المستقبل وما أخطرها؛ وكانت لخروج المحتل بالاتفاقية الأمنية مع حكومة المالكي نتائج مروعة لتعدد الولاءات وتقاسمها بين أمريكا وإيران والقواعد العسكرية تؤدي مهمات لا حصر لها، ولا تظن دولة ما أنها تحتفظ بسيادتها الوطنية والقومية وأسرارها الخاصة لأنشطتها بمجرد أنها لا تمتلك على أرضها قواعد أجنبية؛ لأن مهمات القواعد العسكرية ما عادت تقتصر على الأبنية والثكنات والجنود، بل هي وسائل وأجهزة اتصال حديثة للتنصت والتجسس واختراق كل المعلومات، ومنها ما يعتقد أنها سرية جدًا.

يُذكر أن العراق كان بها 75 قاعدة عسكرية أمريكية في عام 2011م كان معظمها يعود للمواقع العسكرية العراقية التابعة للنظام السابق التي احتلتها القوات الأمريكية أثناء عملية الغزو، وأثارت الميزانية المالية الضخمة التي تستنزفها هذه القواعد استياء الكثير من الأمريكيين بعد الأنباء الرسمية التي تحدثت عن إنفاق أكثر من مليار دولار عليها منذ غزو العراق إلى الآن، كما تستخدم القوات الأمريكية أربع قواعد في العراق وهي مطار بغداد الدولي، الطليل في جنوب العراق قرب الناصرية، مهبط للطائرات في غرب العراق قرب الحدود الأردنيه ويسمى H1، ومطار باشور في شمال العراق المنطقة الكردية كما كان يوجد لها أكثر من سبعين قاعدة عسكرية لقوات المارينز بلغ تعدادها أكثر من 140 ألف عسكري، ويدعمهم عدد كبير من القطع البحرية المرابطة في الخليج العربي ودول الجوار، وهو الأمر الذي تغير بشكل كبير بعد استيلاء داعش على الموصل وقبلها الانسحاب الأمريكي من العراق.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن القواعد الأمريكية في العراق لا زالت تمثل أهمية خاصة للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها جزءًا مهمًّا من بقايا الاحتلال الأمريكي للعراق، واعتبارها قاعدة عسكرية تنطلق منها أطماع ومخططات التقسيم ورسم سياسات المستقبل داخل المنطقة.