بعد الضغط السعودي الأزهر يتراجع عن بيان "أهل السُّنة" ويطالب الشيشان بتعديله

الخميس 08/سبتمبر/2016 - 05:18 م
طباعة بعد الضغط السعودي
 
طوال الأيام الماضية وهناك جدل دائر حول بيان مؤتمر "مَن هم أهل السُّنة" الذي عقد في العاصمة الشيشانية جروزني في 25 أغسطس الماضي، ذلك البيان الذي رفضته الدعوة السلفية في مصر ومعظم المنتمين للفصيل السلفي حتى خارج الدعوة السلفية، كذلك رفضه "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الموالي لجماعة الإخوان الإرهابية وعلى رأسه الدكتور يوسف القرضاوي وكذلك رفض البيان "هيئة كبار العلماء" بالمملكة السعودية، وقد تناولت بوابة الحركات الإسلامية في تقرير سابق ردود الأفعال على هذا البيان من تلك الجهات؛ حيث وصف رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الدكتور يوسف القرضاوي المؤتمر بأنه "مؤتمر ضرار"، وقال: "أزعجني هذا المؤتمر بأهدافه وعنوانه، وطبيعة المدعوين إليه والمشاركين فيه، كما أزعج كل مخلص غيور من علماء الإسلام وأمته، فرأيت أن أصدق ما يوصف به أنه مؤتمر ضرار".
وأضاف: "مؤتمر ينعقد برعاية رئيس الشيشان التابع لحكومة روسيا، في الوقت الذي تقتل فيه الطائرات والصواريخ الروسية إخواننا السوريين، وتزهق أرواحهم، وتدمر بيوتهم فوق رءوسهم بدعوى محاربة الإرهاب، الذي هم صانعوه، وهم أحق بهذا الوصف، وهو أليق بهم".
وانتقد القرضاوي استبعاد بيان المؤتمر لأهل الحديث والسلفيين من أهل السنة، قائلًا: "جاء البيان الختامي للمؤتمر معبرا عن هوة سحيقة يحياها المؤتمرون والرعاة لهذا المؤتمر البائس، فبدلا من أن يسعى لتجميع أهل السنة والجماعة صفًّا واحدًا أمام الفرق المنحرفة عن الإسلام، المؤيدة سياسيا من العالم، والمدعومة بالمال والسلاح، إذا به ينفي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين من (الوهابيين)، وهم مكون رئيسي من مكونات أهل السنة والجماعة؛ وكأنه قد كتب على أمتنا أن تظل في هذه الدائرة التي لا تنتهي، ينفي بعضنا بعضا، في الوقت الذي يتعاون فيها أعداؤنا، ومن هم خارجون عن ملتنا وعقيدتنا، ليوقعوا ببلاد المسلمين بلدا تلو أخرى".
وأكد القرضاوي، أن "أمة الإسلام ـ وهم أهل السنة ـ هم كل من يؤمن بالله وكتابه ورسوله"، وقال: "من لا يقر ببدعة تكفيرية، ولا يخرج عن القرآن الكريم وعن السنة الصحيحة. وهم كل المسلمين إلا فئات قليلة، صدت عن سبيل الله".
وأشار القرضاوي، إلى أنه "لم يعد لدى الأمة الإسلامية من رفاهية الوقت، لإعادة الخلافات التاريخية القديمة بين مكونات أهل السنة والجماعة جذعة، في الوقت الذي تئن مقدساتها، وتستباح حرماتها، وتسيل دماؤها في فلسطين وسورية واليمن، وغيرها".
ورأى القرضاوي أن "الزمن تجاوز تلك الخلافات العلمية الفرعية في مسائل العقيدة: مسائل الصفات، والتأويل، والتفويض، والتي تبحث في بطون الكتب، وقاعات الدراسة في جو علمي وخُلُق راق".
وأضاف: "لم نسمع ممن نصبوا أنفسهم ممثلين لأهل السنة والجماعة كلمة اعتراض على ما تقوم به إيران وأذنابها، من ميليشيات حزب الله في سورية، والحوثيين في اليمن من قتل واستباحة وتدمير، وبعث الدعاة في إفريقيا وآسيا لتضليل أهل السنة. ولا كلمة إنكار لما تقوم به روسيا، ومن يدور في فلكها، ولا عجب".
الدكتور يوسف القرضاوي
الدكتور يوسف القرضاوي
ولفت القرضاوي الانتباه إلى أن من شارك في "مؤتمر غروزني" هم "علماء السلطان، وشيوخ العار، الذين سكتوا عن دماء المسلمين المراقة ظلما وعدوانا من روسيا وأذنابها، والذين هللوا للمستبدين في عالمنا العربي، وحرضوهم على سفك الدماء، فأيدوا السيسي في مصر، وبشار في سوريا، وعلي عبد الله صالح والحوثيين في اليمن، وإن جملوا مؤتمرهم ـ للأسف - ببعض الطيبين من أهل العلم من هنا وهناك". على حد تعبيره.
وفي العاصمة السعودية الرياض حذرت الأمانة العامة لـ "هيئة كبار العلماء" من الدعوات التي قالت بأنها "تهدف إلى إثارة النعرات وإذكاء العصبية بين الفرق الإسلامية".
وأكدت الهيئة في بيان لها، تعليقًا على البيان الختامي للمؤتمر الذي عقد بمدينة غروزني ـ الشيشان بعنوان: (من هم أهل السنة)، "أن كل ما أوجب فتنة أو أورث فرقة فليس من الدين في شيء، وليس من نهج محمد صلى الله عليه وسلم في شيء".
وأضاف بيان الهيئة: "أنه في محكم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد: أنه لا عز لهذه الأمة ولا جامع لكلمتها إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن أمة الإسلام أمة واحدة، وتفريقها إلى أحزاب وفرق من البلاء الذي لم تأت به الشريعة، وعلى الإسلام وحده تجتمع الكلمة، ولن يكون ذكر ومجد لهذه الأمة إلا بذلك".
وأورد البيان أنه "في ضمن ذلك؛ فإن الفقهاء والعلماء والدعاة ليسوا بدعًا من البشر؛ فأنظارهم متفاوتة، والأدلة متنوعة، والاستنتاج متباين، وكل ذلك خلاف سائغ، ووجهات نظر محترمة، فمن أصاب من أهل الاجتهاد فله أجران، ومن أخطأ فله أجر".
وأكدت أن الخلاف العلمي ـ بحد ذاته ـ لا يثير حفائظ النفوس، ومكنونات الصدور؛ إلا عند من قلّ فقهه في الدين، وساء قصده ونيته.
وأبان البيان أنه "ليس من الكياسة ولا من الحكمة والحصافة؛ توظيف المآسي والأزمات لتوجهات سياسية، وانتماءات فكرية، ورفع الشعارات والمزايدات والاتهامات والتجريح".
وقالت الأمانة في بيانها: "ومن ثَمَّ: فإن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء تحذر من النفخ فيما يشتت الأمة ولا يجمعها، وعلى كل من ينتسب إلى العلم والدعوة مسئولية أمانة الكلمة، ووحدة الصف، بخلاف أهل الأهواء الذين يريدون في الأمة اختلافًا وتنافرًا وتنابذًا وتنابزًا؛ يؤدي إلى تفرق في دينها شيعا ومذاهب وأحزابًا، وما تعيشه الأمة من نوازل ومحن؛ يوجب أن يكون سببًا لجمع الصف والبعد عن الاتهامات والإسقاطات والاستقطابات؛ فهذا كله يزيد من الشُّقة ولا يخدم العالم الإسلامي، بل ينزع الثقة من قيادات العلم والفكر والثقافة".
وأضاف البيان: "إن الوقت ليس وقت تلاوم، وعلينا ـ خاصة المنتسبين إلى العلم والفكر والثقافة ـ أن نكون أكثر حصافة ووعيًا، فإن الذين لا يريدون لهذه الأمة خيرًا يراهنون على تحويل أزماتنا إلى صراعات وفتن سياسية ومذهبية وحزبية وطائفية"، وفق البيان.
وبعد جدال طويل استمر منذ عقد المؤتمر وحتى الآن جاء تراجع المؤسسة الأزهرية عن البيان والمطالبة بتعديله؛ حيث أكد الأزهر الشريف أنه لا خلاف على الإطلاق مع المملكة العربية السعودية ولا مع علمائها.. وتردد أن مشيخة الأزهر طالبت القائمين والمنظمين لمؤتمر أهل السنة والجماعة الذي عقد في العاصمة الشيشانية جروزنى بتعديل البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر ليتضمن بشكل واضح الإشارة إلى أهل الحديث كجزء أصيل من أهل السنة والجماعة..
الدكتور عباس شومان
الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف
وفي تصريحات صحفية قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف في رد واضح وقاطع: "لا يوجد أي خلاف بين علماء الأزهر وعلماء السعودية، وما حدث هو إبداء ملاحظات على البيان الختامي للمؤتمر الذي عقد بالشيشان للتعريف بأهل السنة والجماعة؛ حيث لم يذكر فيه ضمن علماء أهل السنة والجماعة أهل الحديث، وهو ما رآه بعض علماء السعودية ودول الخليج إغفالا لأهل الحديث من أهل السنة والجماعة، والأزهر الشريف لا علاقة له بهذه القضية؛ حيث إن الأزهر الشريف اقتصر دوره في المؤتمر على إلقاء الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لكلمته التاريخية في الافتتاح خلال زيارته التاريخية، ولم يشارك الأزهر في جلسات المؤتمر ولا في صياغة البيان الختامي، ولو أن البيان الختامي اعتمد على كلمة شيخ الأزهر التي ألقيت بالمؤتمر والتي ذكر فيها المذاهب الفقهية ومنها ثلاثة تنتمى لأهل الحديث (الشافعي والمالكي والحنبلي) لما دار هذا اللغط واللبس الذي أحدثته الصياغة النهائية للتوصيات".
وأضاف شومان: "رغم عدم مشاركة الأزهر في أعمال المؤتمر أو بيانه الختامي، وفور صدور البيان وظهور الملاحظات والمؤاخذات عليه، قامت مشيخة الأزهر بالاتصال والتواصل مع المنظمين للمؤتمر مطالبة بإعادة صياغة البيان الختامي ليعالج هذه المشكلة، حيث لا مراء في أن أهل الحديث من أهل السنة والجماعة وهذا ما تم بالفعل".
من جهة أخرى وفي إطار التأكيد على أن الأزهر يقف داعمًا للمملكة العربية السعودية وللرد على أي أقاويل تطال العلاقة بين الأزهر قبلة الإسلام السني.. والسعودية بلد الحرمين الشريفين.. وانطلاقًا من مسئولية الأزهر الدينية والشرعية- أكدت هيئة كبار العلماء رفضَها القاطعَ دعواتِ بعض القوى الإقليمية لتدويل إدارة الحرمين الشريفين في الأراضي المقدسة، واستهجانها استخدامَ أمور الدِّين والنعرة الطائفية؛ لتحقيق أهداف سياسية، كما أن هذا الطرح الغريب هو بابٌ جديدٌ من أبواب الفتنة يجب إغلاقه؛ فالمملكة العربية السعودية هي المختصة بتنظيم أمور الحج دون أي تدخلٍ خارجي.
وأكدت الهيئة أنها تستنكر أي محاولة للزَّجِّ باسم «الأزهر الشريف» في هذه الدعوات المقيتة التي تحاول إعادة هذا الطرح إلى الظهور مرة أخرى، بعد أن رفضته الأمة حين أُثير في سبعينيات القرن الماضي، محذرةً من الفتن وكافة الأفكار المُغرضة التي تعمل على تفكيك الأمة وهدم بنيانها وتمزيق أوصالها، والتي آخرها ظهور مَنْ يعلن عن تشكيل جيش طائفي داخل بعض أقطارنا العربية.
وقالت الهيئة إنها تحيِّي رُوح البذل والعطاء التي يتَّسم بها خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي الشقيق، والتي تتجلَّى في رعاية المشاعر المقدسة، وخدمة حُجَّاج بيت الله الحرام، وتنظيم أداء المناسك، وتيسير أمورها، بما أفاء الله عليهم، وتسخير كافة إمكاناتها لتحقيق ذلك.
وتنبه أن مِن الواجب على الجميع، إبعاد أمور العبادات الشرعية، وأركان الدين الحنيف عن الخلافات الطائفية والسياسية أيًّا كانت؛ فإن تسييس الشَّعائر الدِّينيَّة لن يجلبَ خيرًا لأمتنا، وهي تجتاز هذا المنعطف الدقيق من تاريخها الموصول بإذن الله،» وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ».
الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية
وفي الوقت نفسه وللتأكيد على متانة العلاقة بين الأزهر الشريف وبلد الحرمين شارك الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية في مؤتمر الحج الذي عقد في مكة المكرمة، وأكد خلال المؤتمر أن الحج لا يزال هو السجل الحافل الذي رمز لتاريخ الوحدة بين شعوب المسلمين، وهو المؤتمر الأكبر الذي تسبب في تبادل الأفكار والخبرات بين علماء الأمة، فيحدث التقارب والتحاور ويتجلى التطبيق الأسمى لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}. [الحجرات: ١٣].
وأضاف أن الأمر بالدعوة إلى الحج أتى منذ عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام ليحفظ ذاكرة الأمة الواحدة التي ترجع إلى الأنبياء جميعًا وإلى إبراهيم أبى الأنبياء، والتي تتبع في هديها سنة خاتم الأنبياء جميعًا محمد -صلى الله عليه واله وسلم-، وإلى هذه الصلة الكريمة يشير القرآن الكريم في قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أن اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [النحل: ١٢٣].
وقال المفتي: «إن هذه الرسالة المباركة التي يرسل بها المكان وتبعث بها الشعيرة المقدسة لترد بقوة على كل دعوة لتفريق كلمة الأمة أو تحاول أن تنال من استقرارها وأمنها وتلك رسالة من الفريضة إلى الواقع والحاضر».
وشدد مفتي الجمهورية على أنه يتوجب علينا نحن الذين وكلت لنا أمانة الدعوة والفتوى في هذه الأمة أن نسارع في ترجمة هذه الرسائل إلى واقع يراه الناس، كل بحسب موقعه وعلى قدر مسئوليته، وأضاف: «أخص منهم أصحاب الفتوى بفتاويهم التي تجمع بين فقه النصوص ومعرفة التراث الأصيل وتقدر الواقع المعيش، فتكون فتاواهم سببًا في تحقيق مقاصد الشريعة ومقاصد الشعيرة على السواء». وأوضح فضيلته أنه مع أهل الفتوى والإرشاد تأتي تخصصات الأمة جميعها ووظائف أبنائها التي تحتاجها الفريضة المباركة، لتكون هناك مسئولية مشتركة على الجميع تمتد لتصل إلى الباحثين في كل التخصصات، بل والفنيين والفرق المساعدة كلها منظومة واحدة متكاملة تواصل عطاء التاريخ وترسل رسالة للعالم أجمع أن هذه الأمة حية، وأن وجه الدين الذي أنزل إليهم ناصع البياض، وأنهم ما تمسكوا بشعائره وعباداته إلا وكتب لهم التوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة، وكان ذلك سبيلاً لسعادة الدارين.
وأشار إلى أن هذه الأماكن الشريفة شهدت ميلاد الرسالة المحمدية وأيامها الأولى، في مكان منها تنزل الوحى عليه -صلى الله عليه وسلم-، ومكان آخر شهد صبره هو وأصحابه على بيان دعوته وتبليغها، وآخر شهد جهره بدعوته، وشهد آخر على عبادته.
وأثنى على مجهودات خادم الحرمين الشريفين ووزارة الحج السعودية في تنظيم موسم الحج، واستطرد: «إنني وأنا أتحدث عن هذه الفريضة المباركة، وهذه الأماكن المقدسة، عن الماضي والحاضر لا يفوتني أن أتحدث عمن أقامهم الله تعالى في خدمة البيت الحرام وفي القيام على حجاج بيته الكرام؛ فقاموا بالواجب على خير ما يكون، ولم يألوا جهدًا في الاستمرار في السعي إلى الأرقى والأنفع».
وأضاف: «إن ما تشهده العيون من توسعة مستمرة وتطوير دائم يتناغم فيه التاريخ مع مقتضيات الواقع وضروراته والمحاولة المستمرة لتيسير أمور الحجيج وتقديم ما يحفظ كرامتهم وأموالهم وتيسير المناسك عليهم، مما يجسد الدور العظيم للمملكة العربية السعودية في تيسير مناسك الحج والعمرة وجهودها في خدمة الحرمين الشريفين».

شارك