بعد صراع "البرناوي" و"شيكاو".. تساؤلات حول مصير «بوكو حرام»
الخميس 08/سبتمبر/2016 - 06:48 م
طباعة

معارك واشتباكات وقعت بين فصيلين متنازعين بجماعة «بوكو حرام» في نيجيريا،وهو ما يكشف عن مخاطر تهدد الجماعة الأكثر تشدد في وسط وغرب إفريقيا، وهو ما يخفف الضغوط على الحكومة النيجيرية العاجزة عن تفكيكها، وأيضًا يطرح تساؤلات حول مصير الجماعة التي باعيت تنظيم "داعش" الإرهابي.
معارك بين حلفاء "داعش"

فقد ذكر سكان وعناصر ميليشيات، أن فصيلين متنازعين بجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد النيجيرية المتمردة، المعروفة باسم "بوكو حرام"، يخوضان معارك منذ بضعة أسابيع على خلفية صراع على السلطة.
وقبل شهر، أعلن تنظيم "داعش" الذي بايعته «بوكو حرام» تعيين زعيم جديد للجماعة هو أبو مصعب البرناوي خلفًا لأبي بكر شيكاو، لكن شيكاو نفى أن يكون البرناوي خلفه علمًا بأن خبراء قالوا إنه نجل مؤسس الجماعة محمد يوسف.
وفي مارس 2015 كان أبو بكر شيكاو قد بايع تنظيم "الدولة الإسلامية"، مطلقًا على حركته تسمية "الدولة الإسلامية، ولاية غرب إفريقيا".
والخميس الماضي، قتل العديد من المقاتلين المناصرين لشيكاو بأيدي مقاتلين في المعسكر الآخر في مواجهتين مسلحتين في منطقة مونغونو في ولاية بورنو (شمال شرقي نيجيريا)، وقال أحد السكان ميلي كاكا: إن جناح البرناوي شن هجومًا على جناح شيكاو الذي كان يحتل قريتي ييلي وارافا، في ييلي قتل المهاجمون ثلاثة رجال من معسكر شيكاو وقتلوا أيضًا عددًا كبيرًا في أرافا، ولفت إلى فرار سكان أرافا.
واليوم، هاجم مقاتلو البرناوي أنصار شيكاو في قرية زوا (جنوب) وقتلوا منهم عددًا غير محدد، بحسب المصدر نفسه، وأفاد عنصر في ميليشيا مدنية تساعد الجيش ضد المتطرفين أن معارك أخرى اندلعت قبل أسبوعين في منطقة أبادام في ولاية بورنو قرب الحدود مع النيجر، وقال باباكورا كولو «سقط قتلى، اضطر مقاتلو شيكاو إلى الفرار».
الصراع بين أبو مصعب البرناوي وأبو بكر شيكاو يفتح الباب حول مصير «بوكو حرام» في نيجيريا ومدى استفادة السلطات في إنهاء سطوة التنظيم في البلاد. فمنذ أشهر نشرت أنباء عن إصابة أبو بكر شيكاو زعيم بوكو حرام، ولكن خرج الأخير في رسالة صوتية ينفي خلالها أن يكون قد قتل أو أزيح عن رأس الجماعة الإسلامية المتطرفة، إلَّا أن برناوي يعد الزعيم الفعلي لجماعة بوكو حرام، بل إن برناوي أطلق بيانًا هاجم فيه شيكاو، متهمًا إياه بأنه كان يعيش في ترف، في حين كان يتم تجويع النساء والأطفال.
تفكك "بوكو حرام":

الصراع داخل "بوكو حرام" لم يتوقف عند زعامة أبو مصعب البرناوي وأبو بكر شيكاو، بل تعدى إلى وجود تيارات أخرى رافضةً للبيعة لتنظيم "داعش"، وانشقت مبكرًا على التنظيم الأكثر تطرفًا في غرب إفريقيا.
وفي أغسطس الماضي، ذكر الرئيس التشادي إدريس ديبي اتنو، أنّ جماعة بوكو حرام لم تعد تحت قيادة شيكاو بل أصبحت تدين بالولاء لمحمد داود أبو مصعب البرناوي، وأنّ هذا الأخير يريد التفاوض مع الحكومة النيجيرية.
تصريحات الرئيس التشادي والصراع المسلح بين البرناوي وشيكاو تشير إلى أن بوكو حرام أصبحت أكثر من جناح، بل قد تصبح أكثر من جماعة وليست مجموعة موحّدة، بل ربّما تحولت إلى مظلة تشمل عددا من الفصائل المتنوعة، والتي سرعان ما تتحول إلى الصراعات فيما بينها.
وأفاد الخبير الأمني النيجيري فلان نصرالله، المختص في شئون جماعة بوكو حرام، بأن داود ينحدر من قبيلة شوة المتحدرة بدورها من ولاية بورنو؛ حيث نشأ التمرد عام 2009.
وداود العسكري السابق البالغ من العمر 38 عامًا، كان أحد المتدربين على يد مؤسس بوكو حرام. ويوضح نصرالله على مدونته المدرجة على موقع الجمعية الملكية الإفريقية في لندن أن داود على خلاف مع قادة تمرد 2009، وأنه "أحد المعارضين الرئيسيين لمبايعة تنظيم (داعش)".
ويعتبر داود قياديًّا قويًّا مكلفًا بمكافحة التجسس والأمن الداخلي وفي الجماعة ويشرف على تدريب الانتحاريين والتخطيط للهجمات في المدن الكبرى، وفق نصرالله.
وأضاف الخبير النيجيري "أن داود انشق عن جناح غرب إفريقيا لتنظيم الدولة الإسلامية برفقة مئات المقاتلين ومن بينهم عدد من القادة الرافضين لمبايعة تنظيم داعش الأم وللوحشية القصوى التي يتسم بها شيكاو"، واتهموا شيكاو بأنه "مخالف لتعاليم محمد يوسف وبأنه كافر ومنحرف ورجل دين خبيث".
وأضاف أن داود اتصل بالحكومة النيجيرية لتشكيل تحالف للقضاء على فرع تنظيم “داعش”، مقابل الحصول على دولة ذات حكم ذاتي على أساس الشريعة في شمال البلادن موضحا أنّ هذا الاقتراح قد يغري أبوجا، علمًا أن داود يملك أسرارًا حساسة حول تمويل "بوكو حرام" وتنظيمها الداخلي ومعلومات كفيلة بمطاردة شيكاو والقضاء عليه.
ثلاث قيادات:

من خلال تصريحات الرئيس التشادي والخبير النيجيري وتعيينات تنظيم "داعش" تشير إلى أن جماعة بوكو حرام الآن تقودها ثلاثة تيارات اسياسية، تيار يدين بالولاء لتنظيم"داعش" بقيادة أبو مصعب البرناوي وهو لديه جزء لا بأس به من مقاتلي التنظيم ويتمتع بدعم قوي من قيادات "داعش" وكانت بداية ظهور البرناوي في أشرطة فيديو كمتحدث باسم بوكو حرام في يناير 2015. وفي أغسطس 2016 أعلن تنظيم الدولة "داعش" في أغسطس 2016 تعيين أبو مصعب البرناوي زعيمًا جديدًا لفرعها في غرب إفريقيا.
وتيار يدين بالولاء لأبوبكر شيكاو، وهم المجموعة التي تدين بالولاء لشيكاو والذي قد يغير نهجه بإعلان البيعة لتنظيم القاعدة؛ طمعًا في الحصول على دعمهم، بعد أن تخلى زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي عنه وتعين البرناوي واليًا على بوكو حرام.
وتيار ثالث يدين بالولاء محمد داود، وهو الذي يرفض بيعة تنظيم "داعش" ويسعي لتفوض مع الحكومة النيجرية؛ مما يشير إلى أن الجماعة قد تسقط من الداخل في ظل الصراع مع عدد من حكومات وسط وغرب إفريقيا.
ومن شأن الاقتتال بين أجنحة بوكوحرام أن يضعف التنظيم، ويقلل أيضًا من هجماتها على المدنيين والقوات الحكومية بالنظر إلى انشغالها في تصفية حساباتها الداخلية.
ومنافسة شيكاو وبرناوي وداود لكسب عقول وقلوب مقاتليهم أثرت بالسلب على معنويات المقاتلين، خاصةً بعد الهجوم العسكري المستمر من قوة المهام المشتركة الإقليمية.
التائبون:

تفكك "بوكو حرام" لن يقف عند صراع الأجنحة والقادة بل قد يتطرق إلى عملية التائبين والمنشقين عن التنظيم، وفي أبريل أعلن الجيش النيجيري أن ما يقرب من 800 من أعضاء الطائفة من مركز إعادة تأهيل الجهاديين السابقين استسلموا للحكومة النيجيرية. سواء كان بسبب التعب، أو ببساطة لأنهم أرادوا الانضمام إلى مجتمعاتهم المحلية، إلَّا أن استسلامهم يكشف عن شعور ضمني بخيبة الأمل مع التمرد.
ويُعد سجن كوجي، الذي يقع على مشارف العاصمة النيجيرية أبوجا، وهو منشأة أمنية متوسطة، مرحلة تجريبية لبرنامج مواجهة التطرف العنيف في سجون نيجيريا، أطلق في شهر مارس 2015.
وتقوم الفكرة الجوهرية لهذا البرنامج على "إعادة تأهيل" الرجال المتهمين بتهم تتعلق بالإرهاب، من خلال أنشطة مثل العلاج والرياضة والتعليم والتدريب المهني بحيث يتم تعديل سلوكهم، ومن ثم تقل مخاطر قدرتهم على تجنيد آخرين وهم داخل السجن، وفي نهاية المطاف يمكن إعادة دمجهم في المجتمع.
و يرأس فرديناند إيكوانج البرنامج الوطني لمكافحة التطرف، الذي يتبع بدوره لإشراف مكتب مستشار الأمن الوطني النيجيرية (أونسا). يتولى إيكوانج الإشراف على شبكة من المشاريع المترابطة التي ترمي إلى معالجة الدوافع الاقتصادية والاجتماعية للتجنيد في صفوف المتطرفين، فضلاً عن إرساء الأسس اللازمة لنزع السلاح والتسريح وجهود إعادة الإدماج بمجرد هزيمة بوكو حرام أو التوصل إلى اتفاق سلام معها.
ولدى إيكوانج موقف قوي تجاه الأشخاص الذين انخرطوا في أعمال العنف. أولئك الذين ارتكبوا الفظائع سوف يظلون في السجن تحت برنامج مكافحة التطرف. ولكن سيتم النظر في الإفراج عن الأشخاص غير القياديين الذين خضعوا لبرنامج مكافحة التطرف وسيسمح لهم "بمواصلة حياتهم"، وسيتم وضعهم تحت المراقبة.
وقال إيكوانج :إن المقياس ليس إذا كانوا سيتخلون عن معتقداتهم، ولكن إذا كان من المرجح أن يعودوا "لحمل البندقية" بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
وكوجي ليس السجن الوحيد الذي يوجد فيه أعضاء من جماعة بوكو حرام، إذ يوجد في سجن أجواتا، الذي يقع بالقرب من مدينة أونيتشا في الشرق، حوالي 100 شخص ممن سلّموا أنفسهم في وقت سابق من هذا العام، ومن المقرر أن يبدأ برنامج مكافحة التطرف في وقت قريب هناك؛ حيث سيتم تزويده بضباط تم تدريبهم في كوجي. وهناك منشآت أخرى تابعة لمكتب مستشار الأمن الوطني، وقد بدأت تمتلئ في ظل تزايد أعضاء "بوكو حرام" الذين يلقون أسلحتهم.
والجدير بالذكر أن المشاركة في برنامج مكافحة التطرف طوعية. ففي سجن كوجي، اختار أربعة سجناء عدم الانضمام إلى برنامج العلاج لأسباب عملية وليست أيديولوجية؛ ذلك أنهم يطعنون في اتهام الحكومة لهم بأنهم أعضاء في الجماعة.
بوكو حرام:

ما بين الصراع الداخلي وبرنامج مواجهة التطرف الذي تتبناه الحكومة النيجيرية يشير إلى أن هناك مؤشر تراجع في مستقبل "بوكو حرام"، التراجع لا يؤدي إلى نهاية التنظيم ولكن سيؤدي بشكل أكيد إلى تراجع وانحصار مخاطره على الدولة والشعب النيجيري.. فهل سيؤدي طريقًا الصراع الداخلي وجهود الحكومة النيجيرية إلى وضع حد لقوة "بوكو حرام"؟