بعد مقاطعة "العدال والإحسان".. هل يحسم "العدالة والتنمية" الانتخابات المغربية؟
الثلاثاء 20/سبتمبر/2016 - 12:43 م
طباعة

دعت جماعة "العدل والإحسان"- أكبر جماعة إسلامية في المغربية- إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المنتظرة في السابع من أكتوبر هذا العام، وهو ما قد يغير الحسابات الانتخابية للقوى السياسية، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية الذراع السياسية لجماعة "التوحيد والإصلاح" االمحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
مقاعطة الانتخابات:

وقد دعت جماعة "العدل والإحسان" المغربية إلى مقاطعة الانتخابات، باعتبارها انتخابات "لتزيين صورة الاستبداد وإطالة عمره".
وجاء في وثيقة مطولة لجماعة العدل والإحسان، شبه محظورة، نشرها موقعها على الانترنت، أن هذه الانتخابات «لا تختلف عن سابقاتها، ليس فقط فيما يتعلق بإطارها القانوني والتنظيمي، ولكن أيضا، وأساسا، فيما يتعلق بوظيفتها المتمثلة في تزيين صورة الاستبداد وإطالة عمره».
وبنت موقفها على «اعتبارات دستورية والسياسية وقانونية»، موضحة بأن عبثية العملية الانتخابية تتمثل في أنها تجري على أساس دستور يكرس الاستبداد نصًّا وممارسةً، وبالتالي «فدستور يكرس الاستبداد لا يفضي إلا إلى انتخابات شكلية تزين صورة المستبدين، وتحاول إخفاء استبدادهم البشع». وأضافت أن الدستور المغربي يفتقد للشرعية؛ لأنه «دستور ممنوح»، ويمنح للملك باحتكار أهم السلطات والصلاحيات.
كما انتقدت الوثيقة كون الدستور، الذي يمنح الملك كل السلطات، هو نفسه الذي يضعه فوق كل السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، إضافة إلى احتكاره المجال التشريعي الواسع في المجال الديني والعسكري والأمني، وترؤسه الكثير من المجالس، وامتلاكه حق التعيين في كثير من المناصب والوظائف المدنية والعسكرية والقضائية.
وذكرت الوثيقة أن قواعد اللعبة السياسية في المغرب أفرزت «ديمقراطية مغربية جد موجهة وجد مقننة، كرّست بشكل قانوني وسياسي غير سليم هيمنةً سلطويةً للمخزن داخل النسق السياسي المغربي على باقي الفاعلين، حيث لا يوجه النقد للمؤسسة الملكية، ولا حتى لمحيطها، وإنما لسلوك الحكومة وحدها، علما بأن الصلاحيات الحقيقية هي بيد البلاط الملكي لا بيدها». وأضافت الوثيقة «الأحزاب السياسية في المغرب لا تسعى إلى الحكم لكي تحكم كما هو الشأن في البلاد الديمقراطية، وإنما لتشارك فقط في هامش من السلطة ضيق جدا وفي نطاق مؤسسات دستورية صورية». كما انتقدت الوثيقة استمرار «احتكار المخزن للسلطة والمال والجاه والنفوذ»، مما «أدى إلى تسخير الإعلام الرسمي واستعمال الإعلام المشبوه للتسويق للرأي الواحد وتسفيه الرأي المخالف وإلى الإصرار على إقصاء ممنهج للجزء الأكبر من الشعب، ولقواه السياسية الحية».
وجردت الوثيقة أسبابا عدة أخرى ذات طبيعة اقتصادية وقانونية لتصل إلى الاستنتاج الذي أملى عليها موقف مقاطعة الانتخابات المقبلة.
قوة "العدل والإحسان"

لجماعة "العدل والإحسان" قوة وتأثير كبيرين في مسار نتائح الانتخابات المغربية وأي حراك سياسي بالمملكة، فهي تملك الجماعة قدرة على التعبئة في الشارع. وعلى الرغم من حظرها، تغض السلطات النظر عن أنشطتها. وكانت قاطعت الانتخابات المحلية التي تمت العام الماضي.
وقد شكلت الجماعة المحظورة أحد أبرز مكونات حركة "20 فبراير" التي مثلت النسخة المغربية لـ"الربيع العربي" وقادت حملة مقاطعة للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أعلنها الملك نهاية 2011. فهي ترفض الاعتراف بشرعية النظام الملكي وتنتقد تفرّد الملك بالسلطة والقرارات والثروات، كما ترى أن الوضع الحقوقي في المغرب متردٍ وأن هناك تضييقاً كبيراً على حرية التعبير والرأي.
كما تعدّ جماعة "العدل والإحسان" أكبر الجماعات الإسلامية المعارضة لحزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي، وهو ما قد يصب دعواتها لمقاطعة الانتخابات لصالح حزب" المصباح" بقيادة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.
وتصاعدت الخلافات بين جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية إبّان مسيرة حركة 20 فبراير التي تعدّ الجماعة نواتها الأساسية، فاختلف التنظيمان الإسلاميان حول الدستور والانتخابات واتّسمت سياسة الجماعة بالراديكالية؛ حيث قاطعت المسار الانتقالي، ولكنها فاجأت الرأي العام بمغادرة حركة 20 فبراير.
وتضيق السلطات المغربية على "جماعة العدل والإحسان" المحظورة وتلاحق أعضاءها وتمنع أنشطتها. والجمعية سياسية، ومعروفة بمعارضتها السلمية للنظام الملكي. وهي تطالب بلجنة مستقلة تعد دستوراً يعكس إرادة الشعب، وتمثل، بحسب مراقبين، أكبر تيار إسلامي في المغرب.
وتسعى تحركات جماعة العدل والإحسان لسحب بساط الشعبية من العدالة والتنمية على طبيعة العلاقة بين مكونات الحركات الإسلامية في المغرب، واللافت أن هذه الحركات التي تنطلق من نفس المرجعية الدينية تجد صعوبة في التفاهم والانسجام باعتبار أنها تتقاسم نفس الأطروحة ولكنها تختلف في التقييم والمناهج والخيارات السياسية.
ومعلوم أن العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح التي تعدّ الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية يختلفان في وجهات النظر بخصوص العديد من المسائل أهمها العلاقة بالسلطة، فالجماعة ترتكز في أدبياتها على مقومات أساسية مثل محورية الزعيم والتصادم مع السلطة في المقابل تؤمن حركة التوحيد والإصلاح بفكرة التغيير من داخل النظام وهو الطرح الذي تتبناه تقريبًا جل الأحزاب الإسلامية المنضوية تحت لواء تنظيم الإخوان المسلمين.
لا ترى جماعة "العدل والإحسان" في تجربة إسلاميي العدالة والتنمية في الحكومة أيّة إيجابية ما دامت المنظومة لم تتغير. وتعدّ مؤسسة الحكومة مسخرة وتفضّل توجيه سهام النقد مباشرة إلى المؤسسة الملكية.
وفي الجهة المقابلة يعتبر إسلاميو العدالة والتنمية الجماعة تنظيماً عدمياً عليه حسم خياراته، وهو ما عكسه تصريح لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران؛ حيث قال فيه: إن العدل والإحسان أمامها ثلاثة خيارات: "إما أن تشارك في العمل السياسي، أو تدخل في صراع مع السلطة، أو تبقى جماعة كبيرة، تستعرض قوتها، كلما اقتضت الضرورة". ولفت إلى أن خيار الانتظار خارج المؤسسات السياسية حتى يتحسن الوضع والحالة الاجتماعية وحتى القضاء على الفساد هو "خيار غير منطقي".
صفقة الإسلاميين:

في يونيو الماضي عقد جماعة "العدل والإحسان" وجماعة" التوحيد والإصلاح" اجتماعًا تناول موقف العدل والإحسان من الانتخابات البرلمانية، وعقدت الجماعتان لقاء بمدينة سلا في إطار المفاوضات بينهما قبيل الانتخابات البرلمانية .
يرى مراقبون أن قرار جماعة العدل والإحسان بمقاطعة الانتخابات البرلمانية هو في صالح حزب العدالة والتنمية حتى لا تضيع أصوات الإسلاميين، مع سعي حزب العدالة والتنمية على الفوز في الانتخابات المقبلة خاصة مع صعود نجم حزب الأصالة والمعاصرة بقيادة إلياس العماري الذي أكد معارضته للإسلام السياسي في أكثر من مناسبة؛ لذلك يعوّل بن كيران على الدعم الكلي لأتباع جماعة العدل والإحسان، وتأتي إعلان المقاطعة كصفقة بين الاسلاميين لحسم أهم انتخابات في المغرب.
ختامًا يبدو أن هناك صفقة تتم بين "التوحيد والاصلاح" و"العدل والإحسان" لحسم الانتخابات البرلمانية لصالح حزب العدالة والتنمية، في ظل المنافسة الشرسة من قبل حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما قد يغير نتائج الانتخابات المقبلة.