بين عمليات الجيش الأفغاني وتحركات واشنطن.. هل ترضخ طالبان للسلام في مواجهة "داعش"؟
الخميس 22/سبتمبر/2016 - 03:34 م
طباعة

تواصل القوات الأفغانية عمليتها عسكرية "شفق" والتي تستهدف فيها الجماعات المتشددة والمتطرفة في البلاد وفي مقدمتهم، جماعة طالبان أفغانستان وتنظيمي "داعش" و"خراسان"، وسط مساعي أمريكية للتفاوض مع حركة طالبان عبر باكستان للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب ويوحد الجهود في مواجهة "داعش" و"خراسان".
عملية "شفق"

في كلِّ صيفٍ تبدأُ القواتُ الأفغانية حملة عسكريةً جديدةً باسمٍ جديد، وأطلقت قوات الأفغانية حَمَلاتِ عسكرية ضد مقاتلي "طالبان " تحت عنوان "شفق"، في حين ردت حركةُ طالبان بإطلاق حملةٍ دفاعية مماثلةٍ أطلقوا عليها اسم حملةَ عماري تكريما لقائدهم ملا عمر، لاتي ذلك مع تحقيق مقاتلو الحركةانتصارات قوية مكنتهم من السيطرة على عدد من المناطق التي فقدوها في 2015.
منذ ذلك الحين كانوا يستطيعون شن هجماتٍ عسكريةٍ في مناطقَ بما فيها كابُل العاصمةُ، لكنْ بعدَ إطلاقِ حملة الشفق وتلقي ضرباتٍ عسكريةٍ من الأمريكيين، والجيشِ الأفغاني، وحركةِ طالبانَ نفسِها تراجع الدورُ الميدانيُّ لداعش في غرب أفْغانستان.
في الأشهر القليلة الماضية هدد مقاتلو طالبان ولاية هلمند الجنوبية، وانتقلوا بعد ذلك لتهديد العاصمة الإقليمية لاشكار جاه. وقد أشار تقرير إلى أن مقاتلي طالبان سيطروا على منطقة جاني خيل في إقليم باكتيا الشرقي الذي يقع على الحدود الشرقية مع باكستان التي يعتبرها مقاتلو طالبان ملجأ لهم.
كما تمكنت طالبان من السيطرة على مناطق في قندوز، تخار وبغلان شمالا، لكنها في الآن ذاته نشطة للغاية على طول حدود البلاد مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان. وقد تمكنت طالبان أيضا من السيطرة على مناطق تابعة للأقليات العرقية في البلاد (الطاجيك والأوزبك، الهزارة والتركمان، الخ). وتجدر الإشارة إلى أن طالبان لا زالت قادرة على المحافظة على السيطرة في المناطق التابعة لها، وهي قادرة أيضا على السيطرة على مناطق جديدة. ويقول كثيرون بأن مكاسب طالبان ليست إلا بفضل انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي منذ سنتين. ومن المؤكد أن طالبان استغلت الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الغربية، لكن ذلك يشير أيضا إلى فشل الحكومة الأفغانية وفشل للولايات المتحدة وحلف الناتو أيضا، فالجهمورية الإسلامية الأفغانية لا تزال ضعيفةً أمام طالبان.
من جانبه أطلق الجيش الأفغاني حملة "شفق" والتي لا تزالُ مستمرةً ، وسط تحقيق إنجازاتٍ كبيرةٍ يحرزُها الجيشُ الأفْغاني كلَّ يوم ، منها إعادةُ مناطقَ كثيرةٍ إلى إدارة حكومة كابل، وإحباطُ محاولاتٍ كثيرةٍ من طالبان لاحتلال على المناطق حُرِّرتْ مؤخرًا.
يمكنُ القولُ: إن داعش أفْغانستانَ وطالبانَ فقدوا سيطرتَهم الآن على المناطقِ التي استولَوا عليها مقارنةً 2014، التي أعلن فيها تنظيمُ الداعش الدَّولي فَرعَه في أفْغانستانَ.
تمدد "داعش"

الصراع بين الجيش الأفغاني وحركة طالبان أدى إلى تمدد "داعش"، وقد نشرت الأمم المتحدة تقارير تفيد بسيطرة تنظيم داعش على سمساحات كبيرة من الأراضي الأفغانية،على حساب حركة طالبان.
وكشف تقرير لجنة "القاعدة/طالبان" أن عدد المجموعات والأفراد الذين انضموا علناً إلى "داعش" أو يُعلنون مبايعته "يزداد في أقاليم أفغانية عدة"، وأن قوات مرتبطة بـ"داعش" متواجدة في 25 إقليماً في أفغانستان. ومعظم المنضمّين الجدد هم أفراد تمّ تجنيدهم من مجموعات المتمرّدين. بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لحركة "طالبان"، أو يُريدون الإعلان عن هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن طالبان "التقليدية".
ومن بين المنضمين أيضاً مؤيدون لتنظيم "القاعدة" و"عدد قليل" من غير الأفغان الذين جاءوا مباشرة من العراق وسوريا ويُشكّلون حسب الحكومة النواة الصلبة لـ"داعش" في هذا البلد.
وقدر الجيش الأمريكي بما بين ألف وثلاثة آلاف عدد مقاتلي تنظيم "داعش" الموجودين في أفغانستان، موضحا أنه يميل إلى التقدير "الاقل"، معظم هؤلاء هم من المقاتلين الأفغان والباكستانيين في حركة طالبان الذين خاب أملهم من قيادة الحركة وكذلك إسلاميين أوزبكستانيين ومحليين.
وتعني سيطرة داعش على أجزاء من أفغانستان، وقربه من خط دوراند، مزيدًا من القوة المالية لهذا التنظيم، الذي كتبت في شأنه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية قائلة: إن "داعش أفغانستان كارثة ينتظرها العالم. فتواجد تنظيم الدولة الإسلامية في جنوب آسيا يعني استفادته من تجارة المخدّرات والأفيون الذي تعتبر أفغانستان من أكبر الدول المصدرة لها في العالم، مثلما استفادت من نفط العراق وسوريا..".
أما خط دوراند فيعدّ من بين أكثر المواقع خطورة في العالم، وهو الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان ويمتد على مسافة 2640 كيلومترًا تغلب عليها المناطق الجبلية الوعرة. وعند الخطّ تحارب الولايات المتحدة وحلفاؤها حركة طالبان، بشقيها الأفغاني والباكستاني.
مساعٍ أمريكية

وعلى صعيد آخر تسعي الولايات المتحدة الأمريكية للتفاوض مع حركة طالبان عبر باكستان لإنهاء الصراع وتوحيد الجهود لمواجهة تنظيم "داعش" والذي يتمدد في أفغانستان.
وقد طالبت الولايات المتحدة الأمريكية من القيادة الباكستانية الوساطة لإعادة الاتصال مع حركة طالبان الأفغانية بقيادة الملا هيبت الله آخند زاده، وذلك في محاولة أمريكية جديدة لإنهاء الأزمة سلميًّا مع حركة طالبان.
مع تمدد "داعش" في أفغانسات، قررت واشنطن تغيير خطابها السياسي الذي يعتمد النهج المتكرر في اتهام باكستان بالتعاون سرًّا مع شبكة سراج الدين حقاني، إذ إن هذه الشبكة تعدّ الأقوى في حركة طالبان، وتركز نشاطاتها على مواجهة مخططات الإدارة الأمريكية، بإشراك قوات عسكرية هندية في أفغانستان لمواجهة نفوذ المخابرات العسكرية الباكستانية.
ويصف المراقبون للمشهد الأفغاني، أن السياسة الأمريكية تجاه حركة طالبان تعدّ مزدوجة، إذ أبرمت الحكومة الأفغانية- بموافقة أمريكية- اتفاقية سلام وهدنة مؤقتة مع رئيس الحزب الإسلامي قلب الدين حكمت يار، بمناسبة عيد الأضحى، تعهد خلالها الأخير بوقف كل العمليات العسكرية ضد الجيش الأفغاني، وذلك بعد محادثات سرية مع حكومة أشرف غني، استمرت قرابة العامين، إذ تستفيد الإدارة الأمريكية من قوة حكمت يار العسكرية ضد حركة طالبان، بينما تنسق في الوقت نفسه مع الحكومة الباكستانية للتوسط في قبول طالبان جلوسها على طاولة المفاوضات الأفغانية- الأمريكية، للتوصل إلى مصالحة وطنية شاملة.
من جانبه أسند رئيس الوزراء نواز شريف، مهمة الاتصال مع قيادات طالبان الأفغانية، خصوصًا شبكة سراج الدين حقاني، إلى مستشاره للشئون الخارجية سرتاج عزيز، المكلف بالإشراف على وزارة الخارجية، ورئيس المخابرات العسكرية الخارجية الجنرال رضوان أختر.
وقال رئيس طالبان، الملا آخندزاده، من مخبأه السري في أفغانستان، في رسالة إلى قادته العسكريين: إن حرب الولايات المتحدة للحركة بسبب تطبيقها الشريعة الإسلامية. لكنه تجنب ذكر أحد أهم مطالب مقاتليه، وهو انسحاب القوات الأمريكية والأطلسية من أفغانستان.
يُذكر أن القوات الأمريكية نشطت أخيرًا في استهداف قيادات لتنظيم داعش في خراسان، والذي سيطر على أجزاء كبيرة من المقاطعات الأفغانية فيها.
المشهد الأفغاني
يبدو أن وجود "داعش" بدا يتعاظم في أفغانستان وأيضًا استمرار القتال بين الجيش الأفغاني وحركة طالبان يعكس مساحة جيدة لتحرك تنظيم "داعش" في هدوء ليتسلل في إقامة "الإمارة الأفغانية" دون صعوبات تُذكر، وتحرك واشنطن من أجل مواجهة نفوذ تنظيم "داعش" يعد فرصةً أخيرةً قبل تحول أفغانستان للملجأ المثالي لقيادات "داعش" في ظل تراجع نفوذه في العراق وسوريا.. فهل تنجح واشنطن في التوصل لاتفاق مع طالبان؟