مَن قتل ناهض حتر.. أفكاره أم مواقفه؟
الأحد 25/سبتمبر/2016 - 11:33 ص
طباعة

أعلنت مصادر رسمية صباح اليوم الأحد 25 سبتمبر 2016 مقتل الكاتب الأردني ناهض حتر أمام المجمع الرئيسي للمحاكم في العاصمة عمان، وذلك بعد أسبوعين من نشره رسمًا اعتبر مسيئًا للذات الإلهية، فيما تشير بعد التقارير إلى أن المتشددين اغتالو المفكر اليساري الأردني لتأييده للرئيس السوري بشار الأسد.
اغتيال حتر:

أوردت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية في نبأ عاجل خبر مقتل الكاتب الأردني ناهض حتر أمام المحكمة، اليوم الأحد، بالعاصمة عمّان بثلاث طلقات، مشيرةً إلى أنه قد تم القبض على القاتل.
وأفاد شهود عيان أن مسلحاً مجهولاً فتح النار على حتر أمام قصر العدل بمنطقة العبدلي وسط عمان. وقالت وكالة الأنباء الأردنية: إن المسلح أطلق ثلاث طلقات على الكاتب قبل إلقاء القبض عليه.
وفور إطلاق النار تمكن رجال الأمن العام المتواجدون على مقربة من الحادث من القبض على مطلق النار والسلاح الناري الذي كان بحوزته، وبوشرت التحقيقات معه للوقوف على ملابسات الحادث. وقالت صحيفة "الغد" الأردنية: إن قاتل ناهض حتر دخل الأردن يوم أمس قادماً من بلد مجاور، وإنه كان يرتدي "دشداشة" وهو ذو لحية طويلة.
وقالت إدارة الإعلام الأمني في مديرية الأمن العام الأردنية، إنه "صباح اليوم أقدم أحد الأشخاص على إطلاق عيارات نارية باتجاه الكاتب ناهض حتر بالقرب من قصر العدل في منطقه العبدلي أثناء توجهه لحضور جلسة لدى المحكمة وأسعف على الفور إلى المستشفى وما لبث أن فارق الحياة".
وأضافت إدارة الإعلام الأمني أن "فور إطلاق النار تمكن رجال الأمن العام المتواجدون على مقربة من الحادث من القبض على مطلق النار والسلاح الناري الذي كان بحوزته وبوشرت التحقيقات معه للوقوف على ملابسات الحادثة".
وأوقف حتر في 13 أغسطس الماضي عقب نشره رسمًا كاريكاتوريًّا، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" اعتبر مسيئًا للذات الإلهية.
إثارة النعرات:
وقد أثارت قضية اتهام ناهض حتر، بالتطاول على الذات الإلهية، ردود أفعال واسعة داخل الشارع الأردني، عقب توجيه صادر من رئيس الوزراء الأردني، الدكتور هاني الملقي، إلى وزير الداخلية سلامة حماد، بالتحقق بما نسب إلى الكاتب ناهض حتر حول نشره مادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمس الذات الإلهية.. وطلب رئيس الحكومة، سرعة استدعاء الكاتب من خلال الحاكم الاداري، واتخاذ المقتضى القانوني بحقه.
وأكد "الملقي" أنه لن يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء للمقدسات، وأن القوانين ستطبق بحزم على كل من يقوم بمثل هذه الممارسات الطارئة على المجتمع الأردني، المتديّن والمحافظ، والمدافع دومًا عن حرمة الدين والمقدسات، علمًا بأن حرية التعبير مصانة للجميع لكن ضمن المحددات الدستورية والقانونية.
ووجه مدعي عام عمان إلى الكاتب اليساري المؤيد للنظام السوري تهمتي "إثارة النعرات المذهبية" و"إهانة المعتقد الديني"، وأعلن حظر النشر في القضية. ونفى حتر حينها ما اتهم به، مؤكدًا أنه "غير مذنب".
وكانت عقوبة أي من التهمتين المسندتين لحتر قد تصل في حال إدانته إلى الحبس ثلاث سنوات.
أبرز التصريحات عن قضية حتر كانت من قبل المحامي الشهير عبد الحكيم العسيلي الذي قال: "إن عشرات الشكاوى قدمت لمدعي عام عمان ضد حتر، إضافة إلى تسجيل دعوى قضائية ضد حتر في محكمة جنوب عمان ، وأيضًا هناك مطالبات بمحاكمة حتر أمام محكمة أمن الدولة".
وقبل اغتيال حتر، كان اتخذ الحكومة الأردنية قرار بحظر النشر لاحتواء الجدل ببعده الطائفي الحساس، خصوصًا وأن المركز الديني لبحوث التعايش الديني وبإسم الكنيسة التي تتبناه تبرأت من واقعة الكاتب حتر.
ودعا رئيس المركز الأب نبيل حداد لسن تشريع وقانون يحاسب كل من يسيء للدين وصدرت عن رجالات الدين المسيحي في الأردن مناشدات ترفض تعميم ما نشره حتر على المسيحيين في الأردن.
وكتب الوزير السابق محمد داوودية مقالا اعتبر فيه بأن حتر "أخطأ" لكنه لا يقصد وسيحاسبه القانون، داعيًا إلى وقف حملات التحريض ضد الرجل على أساس تصفية الخلافات السياسية معه.
كاريكاتور الذات الإلهية:

وكان حتر قد نشر رسمًا كاريكاتوريًّا- لم يرسمه- على صفحته الشخصية على فيسبوك بعنوان "رب الدواعش" ما أثار جدلًا واستياءً على مواقع التواصل الاجتماعي.
مما أثار غضب الشارع الأردني، وتقدم عدد من المحامين، بينهم المحامي محمد زياد أبو غنيمة، ببلاغات رسمية ضد ناهض حتر، تتهمه بإثارة النعرات الدينية ، والنيل من الوحدة الوطنية، وتعكير صفو العلاقات بين أبناء الوطن.
ومن جانبه، نفى “حتر” الإساءة للذات الإلهية.. قائلًا: إن كتاباتي دليلٌ واضحٌ على ذلك، أما الكاريكاتور المشار إليه في الاتهام الباطل ضدي، فهو يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهية عما يروّجه الإرهابيون.. وأوضح "حتر" أنه لا ولن يقبل من أحد التطاول أو الإساءة للذات الإلهية، وهناك فهم خاطئ للرسم المنشور، وقد أكدت على أن الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان: أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي؛ وهؤلاء موضع احترامي وتقديري، وهناك "إخوانجية داعشيون" يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية. وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون.
تحريض المتشددين:

وقبل اغتيال حتر، تعرض إلى حملة ممنهجة منقبل المتشددين وبعض الجماعات الإسلامية والتي كانت قضيته أحد الأوراق الانتخابية التي جرت الثلاثاء الماضي، فقد دشن الإسلاميون الأردنيون وخاصة جماعة (الإخوان) حملة اتهامات وانتقادات ضد الكاتب حتر، وأصدرت بيانًا دعت فيه السلطات الأردنية المعنية باتخاذ أقصى العقوبات ضد من يتطاول على المعتقدات الإسلامية.
وقال بيان للجماعة: "في سابقة خطيرة تابعنا اليوم ما صدر من إساءة سافرة وتطاول على الذات الإلهية، واستهزاء بمعاني اليوم الآخر، من قبل المدعو ناهض حتر، الأمر الذي يعتبر استفزازا لكل أردني، وتطاولا على معتقداته، وإساءة لدستور الدولة الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام".
وأضافت الجماعة: "كما تشكل هذه الجريمة إثارة للنعرات، وعبثًا بالقيم، وتفتح بابًا للفتنة؛ لذا ندعو الجهات الرسمية المعنية باتخاذ أقصى العقوبات بحق كل من يتطاول على معتقداتنا وديننا، كما نطالب دائرة قاضي القضاة، ووزارة الأوقاف، بالقيام بدورهما لمواجهة الحملة المنظمة التي تستهدف هويتنا وعقيدتنا الإسلامية، كما نهيب بعلمائنا أخذ دورهم والقيام بواجبهم لمواجهة فكر الإلحاد والتشويه لهذا الدين الحنيف".
من جانبه، استنكر حزب الوسط الإسلامي ما وصفه بـ"التصرف المشين" الذي وقع فيه أحد الكتاب من خلال نشره كاركاتيراً مسيئاً بحق الذات الإلهية.
وقال الحزب الذي كان انشق قبل سنوات عن جماعة (الإخوان) في بيان يوم السبت إنه في الوقت الذي نعمل فيه جميعاً على التصدي للفكر التكفيري الضال الذي يعمل على الإساءة لديننا وأمتنا، ونعمل على زيادة اللُحمة الوطنية، نجد أن بعض الناس يؤججون نيران الفتنة، ويدفعون الناس إلى أحضان التطرف والفكر الضال.
وأكد الحزب أن ما ينـطلق منه هذا الكاتب لا يمثل إلا رأيه، ولا ينسب إلا إليه، وأننا بلد قانون ومؤسسات هي التي تتولى محاسبة هذه الكاتب بعيداً عن صيحات إهدار الدم والقتل، فهذا انجرار إلى الفتنة لا يصح الوقوع فيها .لافتًا إلى أنه من حق الأردني أن يغضب لدينه وقيمه مما يدل على عمق الإيمان والانتماء، مؤكدًا بأن كلمة تقال من جاهل أو عابث أن تمس بأمن المجتمع وأمانه، وهذا لا يمثل طائفة ولا فئة بل يمثل رأيه وفكره الضال.
وطالب الحزب المؤسسات الدينية المختلفة أن تتخذ موقفاً حازماً لبيان رأيها وموقفها من هذا العابث وعلى رأسهم دائرة قاضي القضاة ودائرة الإفتاء ووزارة الأوقاف والمؤسسات الكنسية المختلفة.
داعيًا الحكومة أن تتخذ الإجراءات الحاسمة بحق كل مَن يثيرون الفتن بين الناس ويشككون بدينهم وقيمهم، ولا يستفيد من هذا إلا أعداء الوطن المتربصون به وبأبنائه.
علاقته بالأسد:

بعض المراقبين يرون أن قضية الإساءة إلى الذات الإلهية، ما هي إلا الخطأ الذي أدى إلى اغتيال حتر، بعد مواقفه المؤيدة للنظام السوري والرئيس بشار الأسد، معتبرًا أن الجماعات الإسلامية خلقت إطارًا شعبيًّا لعملية الاغتيال، عبر قضية الإساءة إلى الذات الإلهية.
والكتاب الأردني حتر، تربطه علاقات وطيدة بالنظام السوري، وعلى المستوى الشخصي مع الرئيس بشار الأسد، ومع زعيم "حزب الله" حسن نصر الله ، ويعد من الكتاب المناهضين للتطبيع مع إسرائيل، وسبق أن تقدم باستقالته من رابطة الكتاب الأردنيين، في شهر سبتمبر 2015 إثر كشف قناة الجزيرة مبكرا لفوز قائمة منافسه بكامل المقاعد، معلنة خسارة قائمة "مؤيدي بشار الأسد"، مما اعتبره ناهض حتر، سيناريو مسبق الصنع، لمصلحة الدوحة، في زمن أصبحت فيه أغلبية المثقفين، "خدما للبترودولار، يزيّنون "داعش" و"النصرة" و"جيش الإسلام" إلخ، برداء "ثورة مزعومة"، بحسب تعبيره المصاحب لاستقالته من رابطة الكتاب، آملًا أن يفتتح سلسلة استقالات للذين ما زالوا يملكون ضمائرهم، من رابطة الكتّاب الأردنيين.
"ناهض حتر" في سطور:

كاتب وصحافي يساري أردني، خريج الجامعة الأردنية قسم علم الاجتماع والفلسفة، ماجستير فلسفة في الفكر السلفي المعاصر.
يعتبر عراب الحركة الوطنية الأردنية في العقد الأول من القرن الحالي. وهناك من يربط بين توجيه تهمة الإساءة للذات الإلهية للكاتب ناهض حتر، وبين مواقفه السياسية والفكرية المعلنة، ككاتب يساري، يعتبر عراب الحركة الوطنية الأردنية في العقد الأول من القرن الحالي، وسجن مرات عديدة أطولها في الأعوام77 و79 و96 وتعرض لمحاولة اغتيال سنة 98 أدت به إلى إجراء سلسلة من العمليات الجراحية، وأضطر لمغادرة الأردن لأسباب أمنية إلى لبنان سنة 98، ثم عاد إلى عمان مؤخرًا .
وناهض حتر، الموقوف عن الكتابة في الصحافة الأردنية منذ شهر سبتمبر 2008. له عدة إسهامات فكرية في نقد الإسلام السياسي، والفكر القومي والتجربة الماركسية العربية. إسهامه الأساسي في دراسة التكوين الاجتماعي الأردني، ومن المؤلفات التي تظهر توجهه الفكري والسياسي، منها: دراسات في فلسفة حركة التحرر الوطني، والخاسرون: هل يمكن تغيير شروط اللعبة؟.. وفي نقد الليبرالية الجديدة: الليبرالية ضد الديمقراطية، ووقائع الصراع الاجتماعي في الأردن في التسعينيات، والملك حسين بقلم يساري أردني، والمقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ، والعراق ومأزق المشروع الإمبراطوري الأمريكي. يكتب حتر في صحيفة الأخبار اللبنانية.
المشهد الأردني:
اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر يطرح العديد من علامات الاستفهام في ظل قوة الجهاز الأمني الأردني في حماية الدولة والمواطنين، بالإضافة إلى أن قضية حتر معروفة، وهو ما كان يجب عليه اتخاذ تدابير أمنية لحماية المفكر الأردني- والذي قدم توضيحًا عن الرسم الساخر- وما يقصده منه، ولكن يبدو أن قضية حتر أدت إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر الاغتيال والتي تخطت قضية "الإساءة إلى الذات الإلهية"، مَن وراء اغتيال حتر وهل قوى داخلية وخارجية وراء اغتيال الكاتب المعارض لتيار للإسلام السياسي وقطر وتركيا، والمؤيد لبشار الأسد؟