قانون "جاستا" يضع المملكة السعودية في مرمى الإرهاب الأمريكي

الخميس 29/سبتمبر/2016 - 12:00 م
طباعة قانون جاستا يضع المملكة
 
 لا تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن توجيه سهام تهمة الإرهاب للدول التي تعتبرها عدوةً لها، ولكن في قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" والمعروف بـ"جاستا"، يبدو الأمر مختلفًا؛ حيث توجه واشنطن التهم إلى حليفتها الأكبر في منطقة الشرق الأوسط المملكة العربية السعودية تحت دعوى باطلة ستكون بداية بلا شك لأزمة أمريكية سعودية تلوح بالأفق. 
 حيث يتيح هذا القانون مقاضاة المملكة العربية السعودية، من قبل أسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر، ويرفع الحصانة للوجود السعودي بأمريكا، ويسمح بمقاضاة الحكومة السعودية؛ حيث يعطي الحق لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر أن تحصل على المليارات من الدولارات، على الرغم من عدم وجود أي أدلة تدين السعودية أو تثبت تورط حكومتها في ذلك، تحت دعوى أن 15 شخصًا من منفذي الهجوم الـ 19 سعوديون، وقد حاول باراك أوباما استخدام حق الفيتو الممنوح له كرئيس ضد جاستا، قائلاً: "إن هذا القانون سوف يضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية"، ولكن مجلس الشيوخ قام برفض فيتو أوباما ليزيد حدة الصراع والخطر في المنطقة. 
قانون جاستا يضع المملكة
ورغم الاستقطاب الحزبي المعروف عن الكونجرس الأمريكي، إلا أن التصويت بأغلبية ساحقة ضد فيتو الرئيس باراك أوباما جاء سريعاً وحاسماً، ليشكل بهذا سابقةً وتحديًا للبيت الأبيض، وليكون أول فيتو يتم نقضه بعد تمكن المجلسين من الحصول على أغلبية ثلثي الأصوات المطلوبة لجعل القرار نافذاً، وقد قرر مجلس الشيوخ التصويت عليه بعد أقل من ساعتين على تقديمه. وقال السيناتور تشاك شومر وهو سيناتور من ولاية نيويورك وأحد مقدمي مشروع القرار: إن القرار "قريب إلى قلبي وربما يحقق بعضاً من العدالة لضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر". ومرر القرار بتصويت 97 من الأعضاء مقابل صوت واحد للسيناتور هاري ريد الذي سيترك الكونجرس قريباً.
وسارع البيت الأبيض إلى وصف قرار الكونجرس بالمخجل بعد أن كان قد أسهب في شرح مخاطر تمريره على الأمن الوطني الأمريكي وإمكانية تعرض دبلوماسيين وجنود أمريكيين لملاحقات قضائية عبر دول العالم. وبهذا يتم نزع الحصانة الدبلوماسية عن الدول ومقاضاتها في المحاكم الأمريكية على عكس قرار مرر عام 1976 يعطي الحصانة الدبلوماسية للدول ذات السيادة.
الرئيس الأمريكي أوباما
الرئيس الأمريكي أوباما
وفي أول رد فعل قال الرئيس أوباما: إن نقض الفيتو يشكل سابقة خطيرة، وإن الأمر لا يتعلق بالمملكة العربية السعودية أو عائلات الضحايا بقدر ما هو متعلق بفتح الأبواب لملاحقه الجنود الأمريكيين والعاملين في البعثات الأجنبية في الخارج، وإن بعض النواب لم يقرءوا حتى تفاصيل القرار قبل التصويت عليه.
ويُظهر نقض الفيتو الرئاسي ضعف أوباما، وتخلي أعضاء حزبه الديمقراطي عنه. ويقول أعضاء في الكونجرس: إن القرار ليس موجهًا ضد أي حليف للولايات المتحدة وهو يقاضي حكومات وليس أفراداً، ولكن الضرر وإحراج الرئيس قد تم بالفعل رغم ترك هامش تعديل بعض بنود القرار لاحقاً، وهذا ما يعول عليه البيت الأبيض.
واعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إقرار هذا القانون من شأنه أن يولد تبعات خطيرة، وأن يقوض علاقة الولايات المتحدة مع العديد من الدول ومن بينها السعودية ويمس مبدأ سيادة الدول، ومن شأنه أن يعرضها ودبلوماسييها للملاحقة القانونية وللمحاكمات، كما من شأنه أن يعرض الولايات المتحدة ومواطنيها بدورهم للمحاكمة من قبل دول غربية، وأن هذا القانون الذي كان الهدف منه التعويض على عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول - وهو هدف نبيل - ستكون فاتورته باهظة لأنه سيعقد العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، كما قد يعرض الحكومة الأمريكية ومواطنيها ومؤسساتها للمحاكمة في الخارج فالدول التي لا تتمتع حالياً بمبدأ الحصانة هي تلك الراعية للإرهاب، وهي بحسب تصنيف الولايات المتحدة إيران والسودان وسوريا؛ لأنها متهمة بارتكاب أعمال إرهابية على الأراضي الأمريكية.
قانون جاستا يضع المملكة
وبحسب الصحيفة، فإن الاتحاد الأوروبي حذر من أن اعتماد مثل هذا القانون سيدفع بلدان أخرى إلى تطبيق نفس المبدأ مع تفسير مبدأ سيادة الدول بشكل فضفاض، وأن قانون جاستا انطلق من واقع أن 15 عنصراً من منفذي هجمات سبتمبر الـ 19 التابعين لتنظيم القاعدة كانوا سعوديين، إلا أنه بحسب لجنة التحقيقات الأمريكية المستقلة التي حققت في الهجمات لا دليل على الإطلاق يثبت ضلوع الحكومة السعودية أو أي من مسئوليها في تمويل الإرهاب وأن من شأن هذا القانون، مضافاً إلى الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران والحرب في اليمن، أن يعقد العلاقات مع السعودية أكثر فأكثر، على الرغم من أن الرياض شريكة في محاربة الإرهاب كما ختمت متسائلة ما هي كلفة صدور مثل هذا القانون لا سيما بعد أن هددت السعودية بسحب ملايين الدولارات من أمريكا؟!
وتحذّر أوساط رسمية وغير رسمية في المملكة العربية السعودية وحلفائها من أن القانون الذي يتيح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاتها ستكون له تداعيات سلبية؛ لأن المملكة تحتكم إلى ترسانة من الوسائل التي تكفل لها رد الفعل من ضمنها تجميد الاتصالات الرسمية وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأمريكي وإقناع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي على الحذو حذوها واتباع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار والسماح للقوات المسلحة الأمريكية باستخدام قواعد المنطقة العسكرية.
عبد الخالق عبدالله،
عبد الخالق عبدالله، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الإمارات
وقال عبد الخالق عبدالله، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الإمارات: "ينبغي أن يكون واضحًا لدى الولايات المتحدة وبقية العالم أنه إذا تم استهداف دولة من دول مجلس التعاون بكيفية غير عادلة فإنّ باقي أعضاء المجلس سيدعمونها، وأن جميع أعضاء المجلس سيساندون المملكة بكل ما يملكونه وبكل الطرق والأساليب، وقد أظهرت المملكة العربية السعودية خبرة في التعامل مع مثل هذه المواقف في التعامل مع مواضيع إقليمية ودولية من ضمنها التعامل مع حملة استهدفتها من قبل وزارة الخارجية السويدية العام الماضي، دفعت استكهولم إلى التراجع عن مواقفها تحت وطأة الردّ بعقوبات اقتصادية ضدها من قبل مجلس التعاون وحلفائه".
واعتبر مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لشئون الأمن الدولي شاس فريمان الذي شغل منصب سفير واشنطن في الرياض أثناء عملية عاصفة الصحراء، أنه بإمكان السعودية الرد على القانون بأساليب من شأنها أن تضع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية على المحك، مثل السماح وإجازات التحليق بين الأجواء الأوروبية والآسيوية واستخدام قواعد عسكرية في المنطقة تعد ضرورية لعمليات الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق وسوريا، وأنه من الممكن أيضًا أن يتسبب القانون في تجميع الاتصالات والعلاقات والإضرار بالتعاون بين الولايات المتحدة والسعودية فيما يخص مكافحة الإرهاب.
قانون جاستا يضع المملكة
من جهته، قدّر جوزيف غانيون، الباحث في معهد باترسون للاقتصاديات الدولية حجم الأصول الرسمية السعودية في الولايات المتحدة بين 500 مليار دولار وتريليون دولار وحتى أغسطس 2016م تمتلك المملكة 96.5 مليار دولار في أصول تحت إدارة وزارة الخزانة، تجعل منها المستثمر رقم 15 في لائحة مالكي أصول الخزانة الأمريكية.
كما اعتبر المدير التنفيذي للمجلس الاقتصادي السعودي-الأمريكي إد بورتون أن هناك عددا من الصفقات التي قد يلحق قانون "جاستا" ضررًا بها ومن جهته، حذّر رئيس غرفة التجارة الأمريكية- العربية ديفيد هامون من أنه لدى المملكة العربية السعودية حرية أن تختار شركاء من أوروبا وآسيا، معتبرًا أّن الولايات المتحدة لم تعد وحدها "اللعبة الموجودة في المدينة.. ولا أحد يمكنه التكهن بالأسلوب الذي سترد به المملكة العربية السعودية.
وحذّر الباحث في جامعة براون ستيفن كينزر من أن ردود الفعل قد لا تأتي مباشرة من السعودية، وإنما من دول مرتبطة بها أو تجمعها بها علاقات استراتيجية، وقال: إن ثمانية عقود من العلاقات السعودية- الأمريكية بصدد الدخول في عهد جديد، فيما أوضح عبد الخالق عبدالله أنّه يتوقع أن يرى مجلس تعاون خليجيًّا يتصرف بحزم وباستقلالية عن الولايات المتحدة في مناطق مثل اليمن والبحرين ومصر، قائلًا: "الأمر لا يتعلق بمجرد تهديد. إنه واقع".
قانون جاستا يضع المملكة
مما سبق نستطيع التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية أخطأت هذه المرة بتوجيه سهام تهمة الإرهاب للدول التي تعد حليفتها الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وهي المملكة العربية السعودية، وهو ما سيعني أنه ستكون هناك أزمة أمريكية سعودية ستتفاقم بلا شك خلال الأيام والشهور المقبلة. 

شارك