السلفيون والانتخابات المغربية
الأربعاء 05/أكتوبر/2016 - 12:39 م
طباعة

إن السلفية في المغرب هي نوع من الحركات الاجتماعية الدينية الوعظية التي تتبنى فعلاً جماعياً يسعى إلى تغيير القيم وتجديد الأخلاق، لكن أنماط عملها تبين حقيقة أخرى، فإلى جانب الدوافع المثالية التي تحرك هذه الحركات، فإن ثمة مصالح نفعية دنيوية تعتبر الأساس المفسر لقدرتها على التعبئة الاجتماعية.
ومن الملاحظ على الحركات السلفية في المغرب مرورها بمرحلتين مهمتين في سياق تطورها، فقد كانت المبادرات التنظيمية في البداية لا مركزية وغير منسقة وتطبعها التلقائية، حيث لم تكن تتميز إلا بشيء قليل من التنظيم وانعدام الوضوح في الأدوار والأهداف، وفي مرحلة ثانية بدأت مرحلة العمل المنظم والبناء الاجتماعي الذي تحددت فيه الأدوار وتبلورت الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة، مما جعلها في سياق الربيع العربي رقماً رسم تجاوزه في التنافس السياسي، فلا يكمن بأي حال الأحوال تفسير فوز التيارات الإسلامية في المغرب ومصر وتونس واليمن إن نحن لم نستحضر متغير الكتلة الناخبة السلفية التي لعبث لصالح هذه القوى .
ففي الحالة المغربية مثلاً يصعب -دون استحضار المتغير السلفي - تفسير حصول حزب العدالة والتنمية على خمس مقاعد برلمانية بغالبية المقاعد البرلمانية في مدينة مراكش إثر تشريعيات 2011، بعد أن كانت ممتنعة عليه كليّاً، وبشكل أسهم إلى حد بعيد في تصدر الحزب للمشهد السياسي المغربي، هذا ما أدى إلى تهافت أحزاب مغربية عدة من أجل ضم عشرات السلفيين إلى صفوفها، وترشيح بعضهم للانتخابات البرلمانية المقررة في 7 أكتوبر الجاري، في عودة ملفتة لهؤلاء إلى اللعبة السياسية، وفقًا لمسار سياسي باشره القصر الملكي من أعوام.

الشيخ حماد القباج
ولا يتجاوز عدد السلفيين المرشحين للانتخابات العشرات من أصل نحو 7 آلاف مرشح. وكان ترشيح حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يقود التحالف الحكومي للشيخ حماد القباج في أرقى أحياء مراكش، الوجهة السياحية الأولى في المملكة، وعدم قبول وزارة الداخلية لترشحه بتهمة "التطرف"، الأكثر إثارة للجدل.
ورغم أن القباج لم يتعرض للتوقيف أو السجن بتهمة "الإرهاب"، كما هو حال عدد من السلفيين المرشحين اليوم، تم رفض طلبه الترشح، مما دفعه إلى اللجوء إلى القضاء. وكان حاضرا بقوة في حملة حزب "العدالة والتنمية" في مدينة مراكش، وقدّم أتباعه الدعم إلى الحزب الإسلامي، خلال حملته الانتخابية مجانًا.

عبد الوهاب رفيقي المعروف بـ"أبو حفص"
ومن الوجوه السلفية المعروفة المرشحة للانتخابات، عبد الوهاب رفيقي المعروف بـ"أبو حفص"، وهو سلفي حكم عليه بـ30 سنة سجنا خفضت إلى 25 سنة، إثر تفجيرات 16 مايو 2003 في مدينة الدار البيضاء التي أودت بحياة 45 شخصا، بينهم 12 انتحاريا. وتم الإفراج عنه في 2012 بموجب عفو ملكي، في خضم الحراك الشعبي الذي قادته "حركة 20 فبراير" الاحتجاجية في المغرب. وهو اليوم مرشح باسم "حزب الاستقلال" المحافظ، أحد أقدم الأحزاب الوطنية في المغرب والمعارض للحكومة.
ولجأ حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يقدم نفسه على أنه ليبرالي اجتماعي معارض للإسلاميين، إلى ترشيح سلفيين، رغم أنه يرفض في شكل قاطع التحالف مع إسلاميي الحكومة، باعتبارهم "ظلاميين" و"يشجعون على التطرف".

ووفقًا للصحافة المحلية، حصل تقارب بين حزب "الأصالة والمعاصرة" والشيخ محمد المغراوي الذي عرف قبل اعوام بفتوى "جواز الزواج ببنت التسع سنوات". وأغلقت السلطات المغربية شبكة المدارس القرآنية التي كان يشرف عليها في المملكة لـ"شبهة نشر التطرف".
وكشف الإعلام المحلي أن بعض دور القرآن هذه اعيد فتحها، على أساس دعم أتباعه انتخابيا لحزب "الأصالة والمعاصرة"، وهو امر نفاه الناطق الرسمي باسم هذا الحزب في بيان رسمي اليوم.
وعلى غرار أبي حفص، صدرت في الماضي أحكام على عدد من السلفيين المرشحين للانتخابات بموجب قانون الإرهاب في المغرب. ولم تقبل السلطات معظم طلبات الترشيح، إما لعدم الأهلية بعد الخروج من السجن، إما لاعتبارات سياسية وانتخابية، مثل حالة القباج.
ورغم أن مشاركة رموز من التيار السلفي في الانتخابات البرلمانية المقبلة تبقى محدودة من حيث العدد، إلا أن البعض اعتبر السماح لهم بذلك بوجه عام مؤشراً على الرغبة في "الانفتاح" على هذا التيار الذي ظل خارج العملية السياسية الرسمية، بل ومعارضاً شرساً لقواعدها، وللخيار الديمقراطي عموماً.
وقال حزب العدالة والتنمية، في بيان له، إن "نهج إدماج أعضاء التيار السلفي المعتدل داخل المؤسسات والحياة العامة للبلد، من منطلق ما لهم من حقوق وعليهم من واجبات، قد أثبت نجاحه وفاعليته في ضمان مزيد من الأمن والاستقرار وتوسيع دائرة الاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب"، وهو الموقف الذي عبر عنه "أبوحفص"، الذي قضى أزيد من 8 سنوات من السجن بتهمة التحريض على الإرهاب، قبل أن يطلق سراحه في 2011، ضمن "شيوخ" سلفيين آخرين، بعفو من العاهل المغربي الملك محمد السادس.

واعتبر "أبوحفص" أن ترشحه للانتخابات "حق من حقوق المواطنة"، وقال إننا "كمواطنين بترشحنا نكون قد مارسنا حقاً من حقوق المواطنة أولاً"، مضيفاً: "تواجدنا في البرلمان سيعطي دفعة للشباب من أجل المشاركة في المؤسسات".
وقال "أبوحفص" إنه في حال حالفه النجاح وأصبح عضوا في البرلمان، فإنه سيشتغل أساساً على الملفات السياسية والحقوقية المتعلقة بواقع السجون، والعمل على الإفراج عن باقي السجناء السلفيين، وإدماجهم "بعدما صارت لديهم قناعة للعمل من داخل المؤسسات وممارسة العمل السياسي".
وأوضح أن "عدداً كبيراً من المعتقلين الحاليين والسابقين يحتاجون إلى صوت لهم في البرلمان للدفاع عن قضاياهم ومظالمهم"، معتبراً أن تواجد رموز من التيار السلفي في البرلمان "سيعطي قوة أكثر بعد الركود، الذي عرفه ملف المعتقلين الإسلاميين، طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الحكومة الحالية".
وأضاف "أبوحفص" أنه "منذ خروجنا من السجن ونحن نبذل مجهوداً كبيراً لمواجهة العنف والتطرف وتجنيب الشباب هذا المسار، والبرلمان بالنسبة لنا سيكون أحد واجهات هذا العمل من داخل المؤسسة التشريعية".
وأوضح أن "مشاركة هؤلاء الشيوخ - رغم أنها ذات طابع شخصي - إلا أن لكل واحد منهم متعاطفين كُثر وشباب يتأثرون بهم"، مضيفاً: "أنا شخصياً لم أتخذ هذا القرار إلا بعد مشاورات كثيرة مع عدد كبير من الشباب الذين أتعامل معهم".
واعتبر أنه من الإجحاف وصف مشاركة هؤلاء الشيوخ بـ"الفردية"، فـ"رغم أنها ليست حالة شعبية واسعة فإنها في المقابل ليست مجرد حالات فردية معزولة".
ومن جهته، قال محمد مصباح، الباحث بمعهد كروان لدراسات الشرق الأوسط بمدينة بوسطن الأمريكية، إن مشاركة هؤلاء السلفيين في الانتخابات البرلمانية "رمزية للتعبير عن وجود دينامية جديدة في المجتمع المغربي". ورأى أن فوز بعض رموز التيار السلفي "لن يؤثر في الخريطة الانتخابية للبلاد". وفي تحليله لترشح رموز من التيار السلفي في المغرب في هذه الانتخابات، قال مصباح إنه لا يمكن الحديث عن مشاركة التيار السلفي بالمغرب في الانتخابات البرلمانية، بل إن الأمر يتعلق بـ"مشاركة رموز من التيار السلفي".
وحذر من التعميم في هذا الإطار بالقول إنه "لا يمكن أن نعمم القول بأن السلفيين شاركوا، بل إن بعض الرموز قرروا خوض العملية الانتخابية".
ورغم هذه الملاحظة اعتبر أنه حتى لو كانت مشاركة رموز من التيار السلفي محدودة ورمزية، فإن هذا الأمر "في حد ذاته تطور جديد في سلوك السلفيين في المغرب".
وأوضح مصباح أن دوافع هؤلاء "الشيوخ" من الترشح في الانتخابات تختلف من واحد لآخر، لكن الاختلاف يظهر أكثر - حسب مصباح - في "تأصيل" المشاركة في الانتخابات من جانب هؤلاء الشيوخ.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي لم يقدم فيه عبدالكريم الشاذلي أي موقف من الديمقراطية والتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بعدما كان أصدر كتباً تكفّر الديمقراطية، فإن "أبوحفص" تبنّى موقفاً يمكن وصفه بـ"البراجماتية"، حيث اعتنق مبدأ المشاركة دون تأصيلها من داخل العقل السلفي.
ورغم منع القباج من الترشح فقد رأى مصباح أنه "عبّر عن مواقف ووضع أسس منهجية انطلاقاً من الفكر السلفي الممزوج بالعقل الحركي"، مستخلصاً أن القباج قد "تحول من السلفية التقليدية الوهابية إلى السلفية الحركية". وبلغ عدد المرشحين للانتخابات المغربية 6992 مرشحاً ومرشحة على 1410 لوائح (قائمة)، تتبارى على 395 مقعداً في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان).
وينافس في الانتخابات 30 حزباً سياسياً أبرزها "العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة الحالية، "الأصالة والمعاصرة" المعارض، إلى جانب الاستقلال (محافظ).
وتحاول الأحزاب المغربية الكبرى عبر جذب السلفيين، الفوز بصوت أكبر عدد من الناخبين المغاربة في مجتمع محافظ يتأثر كثيرا بالخطاب الديني. لكن أسبوعية "تيل كيل" الفرنسية تعتبر الظاهرة "محاولة للإدماج أكثر منها موجة ترشيحات" لكسب الأصوات.
وتعود السلفية المغربية إلى بداية القرن الماضي عندما أسهمت في مقاومة الاستعمار وتأسيس الأحزاب الوطنية خلال فترة الاستقلال.
خلال الحرب الأفغانية ضد السوفيت بين الثمانينيات والتسعينيات، سافر مئات المغاربة إلى أفغانستان للمشاركة في الجهاد، واعتقل عدد كبير منهم بعد تفجيرات 16 أيار 2003.
وبضغط من الشارع خلال الحركة الاحتجاجية التي حصلت في ظل انتفاضات "الربيع العربي"، صدر عفو ملكي أسفر عن إطلاق السلفيين المسجونين على أساس نبذ العنف و"البيعة لأمير المؤمنين" الملك محمد السادس. وكان بين مطالب "حركة 20 فبراير"، "إطلاق المعتقلين السياسيين".
واعتبرت دراسة صادرة عن مركز كارنيغي للأبحاث الأمريكي أن العفو الملكي عن عدد من السلفيين "يشهد لتحسن العلاقة بين النظام وعدد من قادة السلفية، ويعكس مراجعة الحكومة جزئيا لمقاربتها في محاربة التطرف".
وتقوم هذه المقاربة على "تعزيز الإسلام المغربي الصوفي والطرق الصوفية المرتبطة به كثقل موازن" ضد التطرف. لكن المجموعات الصوفية، مثل البودشيشية، وهي الأكبر في المملكة، "ليست مسيسة. وأظهرت أنها غير قادرة، رغم دعم الدولة، على خلق تيار اجتماعي ديني قوي بما يكفي ليكون بديلا عن السلفية، خصوصا في نسختها الجهادية".

الأستاذ الجامعي عبد الحكيم أبو اللوز
ويرى الأستاذ الجامعي عبد الحكيم أبو اللوز أن السلفيين ظلوا لسنوات "سلاحا في يد الدولة لمحاربة الإسلاميين أو اليساريين". وقد طبعت لحظتان أساسيتان إعادة تأهيل السلفيين، أولها العام 2014 حين أدى الملك محمد السادس صلاة الجمعة في مسجد ألقى فيه محمد الفيزازي الذي كان محكومًا بـ30 عامًا سجنًا بتهم الإرهاب، خطبة الجمعة. أما الثانية، فكانت خلال 2015، حينما جمعت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية السلفيين والعلماء المغاربة، بينهم القباج، في لقاء وطني رفعت الخلاصة التي توصل اليها إلى القصر الملكي.
ووفقًا للمؤرخ الفرنسي بيير فيرميرن، "هناك رغبة من القصر لإظهار السلفيين الذين كرّسوا أنفسهم للطعن في شرعية الملك، على أنهم عادوا إلى احترام قواعد اللعبة، وبالتالي يمكن مكافأتهم". ويقول: "كان مسارا طويلًا لإعادة الإدماج في الحياة العامة، لأنهم كالوا السباب للملكية، ثم شجعوا على العمليات الجهادية لتتم محاكمتهم وسجنهم، قبل أن يطلق سراحهم بعدما تابوا واعترفوا بإمارة المؤمنين".
ويعتبر المؤرخ الفرنسي "أنها السياسة الأكثر قدمًا في عرف المخزن المغربي (القصر ومحيطه)، والقائمة على إعادة إدماج المنحرفين (المغضوب عليهم) بعد معاقبتهم".
ويظل الهدف الاستراتيجي، في رأيه، "تشتيت أصوات الناخبين الإسلاميين خلال الانتخابات البرلمانية، في محاولة لامتصاص تنامي شعبية حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي"، في ممارسة يراها البعض "لعبا بالنار"، بينما يقول فيرميرن انها "ببساطة ممارسة السياسة".