قراءة تحليلية في إصرار تركيا على المشاركة في تحرير الموصل العراقية
السبت 08/أكتوبر/2016 - 06:53 م
طباعة

لا تزال الأهداف التركية غير المُعلنة من الوجود في شمال العراق محل درس وتحليل من قبل السياسين ومراكز البحث والدرسات، خاصة أن الخطوة التركية التي تم اتخذها منذ نحو عام جاءت في توقيت كانت العلاقات بين أنقرة وموسكو وصلت إلى طريق مسدود، ورجّح البعض وقتها أن تكون الخطوة التركية بمثابة مكايدة لروسيا التي تدعم الحكومة العراقية في حربها ضد "داعش" بقوة.
وبعد المصالحة بين تركيا وروسيا جاء قرار البرلمان التركي بتمديد الوجود العسكري في العراق، ليحدث حالة واسعة من الجدل والانتقاد للحكومة التركية التي ظن الكثير من المراقبين انها ستتراجع عن قرار التواجد في الشمال العراقي خاصة بعد المصالحة مع الروس.
وتعتبر الموصل العراقية تاريخيًا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا؛ فكانت المدينة العراقية منذ أقل من قرن جزءًا من السلطنة العثمانية، واحتلتها القوات البريطانية بعد توقيع "هدنة مودروس" عام 1918 بين السلطنة العثمانية والحلفاء، التي نصت على توقف الحرب بين القوات البريطانية والعثمانية، ولهذا اعتبرت السلطنة ما حصل يومها خرقا للهدنة، دون أن تنجح باستعادة الموصل.

ولاحقا، عندما وقعت تركيا "اتفاقية لوزان" عام 1923، التي تعتبر النهاية الرسمية للسلطنة العثمانية والاعتراف بالجمهورية التركية الجديدة وفق الحدود الجديدة المتفق عليها، بقيت قضية الموصل خارج المعاهدة لتبت فيها "عصبة الأمم"، التي أرسلت بدورها لجنة تقصي حقائق أوصت بأن تبقى المدينة تابعة للعراق، ووافقت تركيا على ذلك ووقعت اتفاقية ترسيم حدود مع العراق عام 1926، وبقيت الموصل تابعة للعراق، الذي غير اسم المحافظة إلى "نينوى".
ورغم أن نزاع الموصل انتهى من الناحية القانونية بإبرام هذه الاتفاقية، إلا أن الأتراك ظل في ذاكرتهم أن للموصل مستقبل غير الذي وضعته الاتفاقية؛ حيث وعد مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، نواب البرلمان المعترضين على الاتفاقية آنذاك، بالعمل على “استعادة الموصل في الوقت المناسب”، حين يكونوا أقوياء، وخصوصا لدى من يحمل أحلام وآمال تجديد الأمجاد العثمانية السابقة.
وبحسب السياسيين والبرلمانيين العراقيين، فإن تحرير الموصل بمشاركة تركيا، سيكرس في الحد الأدنى، أدوارا ومحاصصات طائفية وإقليمية جديدة قد تؤدي إلى تقسيم العراق فعليًا، حيث تعد القوي السياسية والعراقية التي لطالما طالبت بإقليم "عراقي سني" من أبرز المقربين لتركيا، لذلك أبدت الحكومة العراقية رفضها من المشاركة التركية في تحرير الموصل؛ خوفًا من مطالبة الكثير بالاستقلال وتقسيم العراق على أساس طائفي كما يحلم الأمريكان.

وقد عكست الأحداث الأخيرة رغبة تركيا في المشاركة في العملية التي يجهز لها الجيش العراقي لتحرير مدينة الموصل، حيث أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الموصل العراقية وتحديده موعد بدء تحرك الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية لدحر قوات تنظيم داعش الإرهابي جدلًا واسعًا بالأوساط المحلية العراقية؛ إذ وصف متخصصون الدور التركي في العراق بالمشبوه الذي يعرقل محاربة تنظيم داعش، لاسيما أن تصريحات أردوغان جاءت بدون تنسيق مع الحكومة العراقية.
وفيما يبدو إجراء آخر يعكس مدى التدخل السافر للحكومة التركية في معركة تحرير الموصل من يد "داعش"، أعلن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو ‘ن مشاركة الشيعة في تحرير الموصل لن تحقق السلام وتعرقل العملية، فيما اضطلاع الميليشيات التي دربها الجنود الموجودون في بعشيقة، بالمهمة.
وهناك أزمة فعلية بين بغداد وأنقرة على خلفية تواجد قوات تركية داخل الأراضي العراقية دون أن تحظى بغطاء قانوني سواء على مستوى طلب الحكومة العراقية، فضلاً عن تأكيد الولايات المتحدة أن تركيا ليست ضمن دول التحالف، لذلك يعتبر التواجد التركي في العراق هو خرق للسيادة العراقية، ولا يمكن القبول به بأي حال.

وقال مراقبون إن التواجد التركي في العراق ليس كما أعنلت أنه بهدف تدريب القوات العراقية لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي بقدر كونه فرض لسياسة الأمر الواقع، وأن أنقرة توجه رسالة للأطراف الدولية والاقليمية بأن هناك رأي تركي فيما يتعلق بقضايا المنطقة، والعراق يمتلك بحسب كثير من المراقبين حق الرد على هذا الخرق إلا أنه يتبع المسار الدبلوماسي وسياسة ضبط النفس، ويمارس ضغط على أنقرة متمثل في الذهاب إلى الجامعة العربية ثم إلى مجلس الأمن، وفي حال تمادي تركيا يمكن الانتقال إلى مستوى الحرب الاقتصادية وحتى العسكري.
وبحسب تقارير دولية، فإن تركيا تريد حدوث احتكاك عسكري مع القوات العراقية وتكرار ما حدث في الشمال السوري، وأن القيادة العراقية تدرك هذا السعي التركي لاستدراجها إلى الصدام العسكري، وأن أنقرة تسعي لتوسيع انتشارها من خلال هذا الاحتكاك لذا فإن الخيار الأول الذي تتبعه القيادة العراقية هو ضبط النفس واتباع الدبلوماسية.
ويبدو أن مشاركة قوات "الحشد الشعبي" في معركة تحرير الموصل، ستكون موضوع تجدد التلاسن بين بغداد وأنقرة، حيث صعد الطرفين لهجتهما في مسألة "الحشد الشعبي"، ليصبح مصير الحملة العسكرية لاستعادة الموصل غامضاً، فبعد يوم على تراشق كلامي بين رئيسي وزراء البلدين، هددت فصائل "الحشد الشعبي" بمقاتلة القوات التركية الموجودة في قاعدة في سهل نينوى.

زعيم فصيل "عصائب أهل الحق"، أحد تشكيلات "الحشد الشعبي"، أكد أن قوات الحشد ستشارك في العملية العسكرية العراقية لتحرير الموصل من سيطرة داعش، ولن نسمح لأردوغان وقواته بالمشاركة، وأضاف: "لا أردوغان ولا عائلة النجيفي يستطيعان منع مشاركة الحشد في معركة التحرير، وقوات الحشد ستحبط مخطط تقسيم الموصل، كما منعت مخططات سابقة في الأنبار وصلاح الدين، وسننتصر في الموصل ونبقى فيها".
وبدا ان الحديث التركي المستهجن حول قوات الحشد الشعبي ستتصاعد أكثر من ذلك، حيث دعا المرجع الشيعي محمد تقي المدرسي الولايات المتحدة إلى إقناع تركيا بسحب قواتها من نينوى، وقال في بيان موجهاً كلامه إلى المسؤولين الأتراك: "مَن بيته من زجاج عليه أن لا يرمي جاره بالحجارة، إنكم تعيشون أزمة وجود مع مطالبات ثاني أكبر مكونات بلدكم، الأكراد المحترمين، بحقوقهم، وخرجتم للتو من أعظم محنة، إذ يقبع عندكم مئة ألف سجين بعد المحاولة الانقلابية، وبينهم كبار المسؤولين، ولا يجدر بكم أن تزيدوا الطين بلة في بلدكم وبلدنا".
اللافت للنظر إلى أن تصاعد التلاسن العراقي التركي يأتي في توقيت سيئ، إذ يأتي بالتزامن مع اقتراب الحملة العسكرية لاستعادة الموصل، عاصمة "داعش" في العراق، فيما يستغل التنظيم هذه الأزمة ليحصل على المزيد من الوقت وتحصين دفاعاته في المدينة، فقد وضع خطة دفاعية متكاملة، ونشر حواجز أسمنتية على الطرق المؤدية إليها، وشن هجمات صاروخية مباغتة على قاعدة القيارة، وقال مسؤولون إنها تحمل مكونات كيماوية.

إلى ذلك، عبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن استغرابه إزاء تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن تحرير مدينة الموصل، قائلا إن تركيا ليس لها أي دور في العمليات العسكرية ضد التنظيم، فيما أبدى عدم رغبته بحدوث تصادم مع القوات التركية غير المرحب بها في شمال العراق، مؤكدا أنها عرقلت الجهود العراقية في محاربة “داعش”.
وكان أردوغان، أبدى قبل أسابيع رغبته في إجراء عملية عسكرية بالعراق مشابهة لما حدث بسوريا، في إشارة إلى عملية “درع الفرات” التي دخل على إثرها الجيش التركي في الشمال السوري وتحديدًا في جرابلس لدعم المجموعات السورية المعارضة، وعبر حينها الرئيس التركي عن اعتقاده بأن “العراق بحاجة إلى عمل مشابه”، معتقدًا أن حل مشكلة الموصل، الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش منذ 2014، يمر عبر الإصغاء إلى المنظور العقلاني لتركيا فيما يتعلق بالمنطقة.
من جانبه، أبدى وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، لنظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، استغرابه من التصريحات التركية، مؤكدا رفض العراق أي عملية عسكرية تتم على الحدود المشتركة دون علم بغداد، كما أن مراقبين أكدوا أن التصريحات التركية لها مدلولات كثيرة تتعلق برغبة أنقرة في توسيع نفوذها داخل العراق والإبقاء على جيشها متواجد في الشمال العراقي، خاصة بالموصل لتحقيق المصالح التركية.