أردوغان يعادي الجميع وأرمينيا تناضل ضد الإبادات الجماعية
الثلاثاء 21/مارس/2017 - 12:35 م
طباعة
قال الرئيس سيرج سركيسيان أن أرمينيا تناضل ليس فقط للاعتراف العالمي بالإبادة الجماعية الأرمنية، ولكن أيضاً ضد كل عمليات الإبادة الجماعية في العالم، وجاء كلام الرئيس سركيسيان في مقابلة مع وكالة الأنباء EFE الإسبانية وأضاف سركيسيان:
"نعم، نحن نعتبر أن الإنكار هو استمرار للجريمة ونعتقد أنه الإفلات من العقاب والإنكار يلدان جرائم جديدة".
وذكر الرئيس سركيسيان أن القيادة التركية الحالية انتُقدت بشكل صارم لسياسة انكارها مضيفاً: "ليس لدينا اتهام للشعب التركي وعلاوة على ذلك، لم نكن نهدف الى رفع الهستيريا المعادية لتركيا في بلدنا أو في العالم بأسره وأعتقد أن مراسم إحياء ذكرى الإبادة الأرمنية ليس لديها أي تأثير على العلاقات الأرمنية-التركية لعدم وجود تلك العلاقات من الأساس".
وأشار الرئيس الأرميني أن الاتصالات والمحادثات طويلة الأمد بين الدبلوماسيين الأرمن والأتراك في عام 2008 أسفرت عن وثائق وقال: "وقعنا وثيقتين وأقيم هذا التوقيع بحضور وزراء خارجية ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وانتظرنا حتى يصدّقوا الأتراك على الوثائق وكان من المقرر التصديق على حد سواء في البرلمانين التركي والأرمنيي. نحن ننتظر من أجل ذلك حتى الآن ونحن واثقون بأن تركيا لن تصدق على الوثائق لأنه من المعروف منذ فترة طويلة أن الأتراك أعربوا بوضوح وبصوت عال عن رأيهم: اليوم هم يربطون العلاقات الأرمينية-التركية مع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان، يقترحون شروط مسبقة بالنسبة لنا، نحن لا نعلن أن الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية من قبل تركيا هي شرط مسبق للعلاقات، ونحن عن أنفسنا لسنا على استعداد لقبول أي شروط مسبقة من قبل الأتراك. في القرن ال21 يجب أن تكون لدى الدول علاقات، دعونا لاقامة العلاقات الدبلوماسية، ثم كان بمقدورنا أن نناقش كل القضايا المتعلقة بالعلاقات الثنائية".
وكان اردوغان قد دخل في عداء مع ألمانيا، فهولندا، ثم بلغاريا، وأخيرًا روسيا.. فى أقل من أسبوعين، بدت تلك الدول ضحايا على نحو ما للتطاول التركى الأردوغانى، وربما للخيانة كذلك على طريقة ما جرى مع موسكو.
وذكرت تقارير صحفية ان الدولتان الأولى والثانية، كانتا فى مواجهة اتهامات الرئيس التركى بالفاشية والنازية لمجرد رفضهما استخدام أراضيهما كمنصات ترويج لرغبة أردوغان فى تنصيب نفسه ديكتاتورًا رسميًا بتحويل نظام بلاده البرلمانى إلى رئاسى يحقق له السيادة المطلقة، ويضع بين يديه كل مفاتيح حكم الفرد الواحد بلا منازع.
أما بلغاريا فبدت كمنصة تنشين لأنقرة عبر محاولة مفضوحة قامت بها الأخيرة للتأثير على شرائح مجتمعية بعينها فى انتخاب صوفيا التشريعية، وهو ما لم يقبل به البلد الأوروبى الشرقى فسحب سفيره من أرض العثمانيين.
وحتى الحليفة القيصرية، وقفت مشدوهة أمام تصرف أنقرة التى طعنت موسكو فى ظهرها بعد أيام معدودة من قمة فلاديمير بوتين ورجب أردوغان، عبر الحظر المفاجئ لاستيراد القمح الروسى.
يأتى هذا بينما التلويح الكبير يتواصل من قبل أردوغان، وجوقته بالتراجع عن اتفاق احتواء اللاجئين الموقع مع الأوروبيين، طالما أنهم لا يخضعون لابتزازاته.
السؤال، هل أوروبا جادة فى تلجيم أردوغان، أم أن الأمر لا يتعدى الهجوم الإعلامى عليه وعداء تقليدى من قوى اليمين الشعبوي صاحب خطابات التحريض الواضحة ضد غير المسيحيين وغير الأوروبيين؟.. لا يبدو ذلك واضحًا أو محسومًا على نحو كبير.
عمليًا، فإن حالة الهياج الكبير الذى يظهر عليها أردوغان وتصرفاته تجاه الداخل والخارج، فى الوقت الراهن، وقبل أسابيع من الاستفتاء على تغيير هوية الدولة التركية، إنما تكشف حالة من التوتر الممزوج بالرعب من عدم استتباب الأمور فى قبضته بالسرعة الكافية لوأد أى تخوم للمجابهة أو الاعتراض.
بطبيعة الحال، هو ينفخ فى مسألة الصلابة والاعتراضات الأوروبية تجاه مؤتمراته الدعائية، ومن قبل فى تداعيات الانقلاب الفاشل الذى جرى ضده الصيف الماضى، ومن مصلحته شد البلد ومنح الجميع شعورًا بأن الخطر والمؤامرة "من جوة وبرة" لا يزالا قائمين، حتى يتسنى له مواصلة إجراءته القمعية، ودفع الدولة إلى مزيد من الرضوخ المطلق له، سواء بإعادة حكم الإعدام لإرهاب أعدائه، والتضحية بالبعض منهم ليعتبر الباقين، أو بالمضى بخطى أكثر سرعة نحو تحويل تركيا البرلمانية إلى تركيا الرئاسية، بما ينصبه فعليًا سلطانًا متوجًا عليها إلى الأبد.
هو يدرك تمامًا أنه فى معركة فاصلة، لا تخص فقط الاستحواذ المطلق على الحكم، ولكن صياغة كتالوج نهائى لهوية الدولة التركية، يطلق الجمهورية العلمانية الأتاتوركية من جهة، ومن جهة أخرى يرسخ النهج الإسلامى الإخوانى كصبغة اجتماعية وحيدة لشكل الدولة.
صور التنكيل بالعسكريين إبان الانقلاب الفاشل لبعضهم على الباشا العثمانى الجديد فى 15 مايو 2016، وفى الخلفية لا يزال ينص الدستور التركى الحالى على أن الجيش هو الحامى الوحيد للديمقراطية والعلمانية، هى فى كل الأحوال رأس حربة أردوغان لتحويل الهدف السابق لدستور حياة في بلاده..
أصلًا، لم يلحظ كثيرون أن المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة، عكست مشهدًا هزليًا بشأن الجيش التركى، فإذا ما تم التسليم بالاتهام الأردوغانى لأنصار فتح الله جولن بالضلوع فى التحرك القاصر لخلع النظام، فهذا يعنى أن ثانى أكبر قوة عسكرية فى الناتو، والتى طالما كان يُضرب بها المثل فى العلمانية، والبعد عن الأدلجة، لم تعد مخترقة بمتدينين وحسب، وإنما صارت كذلك رهن صراع بين فصيلين إسلاميين، أحدهما يتبع الإخوان، والتنمية والعدالة، والآخر يتبع جمعية الخدمة المحافظة، ولا عزاء لأتاتورك فى قبره.
ومع ذلك لا يزال الأوروبيون والأمريكان، ورغم تعدد انتقاداتهم اللاذعة لأردوغان وإجراءاته العقابية ضد عشرات الآلاف من الأتراك من معارضيه، يحافظون على خط رفيع من المواءمة، لعلهم لا يخسرون إسهاماته المهمة فى الناتو، حيث يشكل ثانى أكبر نسبة مشاركة بعد الولايات المتحدة بأكثر من مليون جندى، وخشية أن يتملص أردوغان من اتفاقاته بشأن احتضان اللاجئين السوريين وإيقاف تدفقهم المزعج صوب الغرب.
النقطة الأخيرة لوَّح بها جميع وزراء أردوغان وهو ذاته فى كل المداخلات الإعلامية، والصحفية فى الداخل والخارج، طيلة الأسبوع الماضى.
فى حقيقة الأمر يخشى الأوروبيون والأمريكان بشدة ليس من انسحاب أردوغان من الناتو، فهذا لا يبدو واردًا، ولكن من أن يتجه إلى مزيد من التقارب مع بعض الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى، كبلغاريا واليونان، رغم عداء الدولتين لأنقرة، لكن السياسة لا تعرف ثوابت، وغيرهما، ممن يحملون توجهات سياسية متماهية على نحو ما مع موسكو، الأمر الذى سيشكل ساعتها "لوبى" روسيًا قويًا فى قلب الحاضنة العسكرية الأهم للغرب منذ الحرب العالمية الثانية.
الغرب قد يقبل أن يوجه أردوغان سياساته الاقتصادية للانفتاح شرقًا صوب تجمع شنغهاى وما شابه، لكنه لن يتحمل فاتورة تقارب سياسى عسكرى مع روسيا.
المعادلة السابقة، تدعم على نحو ما تحليلات تتحدث عن ضلوع الأوروبيين والأمريكان ولو بطريقة غير مباشرة، أو عبر وسطاء شرق أوسطيين، فى الانقلاب الفاشل على أردوغان لسد الطريق على تحالف عسكرى سياسى تركى روسى إيرانى.. تم فى الأخير بالمناسبة بشأن القضية السورية، حتى ولو غلف بعديد من المشاكل والاختلافات المبنية على مطامع كل بلد فى تركة دولة بشار الأسد.
الرؤوس النووية الأمريكية فى قاعدة أنجرليك التركية، تبقى كورقة ابتزاز تركية لواشنطن والغرب فى هذا الشأن.. العشرات من أنصار التنمية والعدالة، ومن الشرطة غير النظامية التابعة للحزب الإخوانى، حاصروا القاعدة إبان التعامل مع عناصر الانقلاب الفاشل، ويُقال إن ذلك كان السبب الرئيس فى قطع الولايات المتحدة لصمتها المريب تجاه ما يحدث على الأرض فى ليلة 15 يوليو الماضى، لتقرر ربما مرغمة على دعم أردوغان ونظامه كحكومة منتخبة ديمقراطية.
إلى جانب الرؤوس النووية، تُستخدم القاعدة كمنطلق لغارات التحالف الدولى لضرب داعش فى سوريا.. الأمريكان يعون جيدًا تكلفة منعهم من استخدامها، وعليه يقبلون بخطوط رجعة ومهادنة مع العثمانى الجديد.zبل إن دوائر مهمة فى واشنطن، تجد عذرًا لأردوغان فى توجهه نحو روسيا.. أنقرة تعتبر التحالف الأمريكى مع الأكراد الرامين لصناعة فيدرالية شمال سوريا على أمل ضمها لأقرانهم المنتشرين بالملايين فى جنوب تركيا وشمال العراق، إنما يضرب وحدة دولتهم، ومن ثم فلا يستقيم معه أى تهاون.
على هذا النحو، وطالما لم يتمكن الانقلابيون الساذجون من تخليص الجميع من أردوغان، فلا يجب مناهضته بقسوة بعد نجاته من الفخ.. هكذا يفكر البعض فى واشنطن وأوروبا.. طبعًا باستثناء اليمين الشعبوي المناهض لأنقرة بناءً على دوافع تناهض الإسلام كعقيدة بشكل عام.
باختصار، أردوغان سيخرج منتصرًا من معركته الحالية مع الأوروبيين، حتى لو خسر فرصة انضمامه إلى اتحادهم للأبد، فسليل الفكر الإخوانى يطمح فقط فى قنص الحكم لنفسه ورجاله وجماعته، وهدفه الأكبر يكاد يتحقق خلال أيام معدودة باستعادة آخر دول الخلافة من براثن العلمانيين وإعادتها إلى المتأسلمين