كاهن كاثوليكي يقدم قراءة هادئة في تقرير الحريات الامريكي

السبت 02/سبتمبر/2017 - 12:14 ص
طباعة كاهن كاثوليكي يقدم
 
صدر قبل أيام تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي حول أحوال «الحرية الدينية» في العالم، وهو الاول في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أبدى بزياراته إلى الفاتيكان والرياض والقدس اهتماماً كبيراً بالشأن الدينيوفي مناقشة ثرية لاهم بنود وفقرات التقرير كتب الاب رفعت بدر رئيس تحرير موقع ابونا الكاثوليكي للاعلام بالاردن  تقريرا مهما جاء فيه 
التقرير هذا العام (والمتعلق بأحداث عام 2016)، يبرز، مع كل أسف، صورة قاتمة –وقاتلة- عن أوضاع الحرية الدينية وهي عنصر أساسي من حقوق الانسان وحرياته الممنوحة من الله تعالى وليس من البشر، فيضع عديداً من الدول، ومنها العربية – في لائحة الدول التي تمارس اضطهاداً وتمييزا على أساس ديني وطائفي وعرقي.
وقد غذت الحركات العنيفة والارهابية، هذا التوجه في نفوس العديد من الشباب فامتهنوا القتل وألبسوه في كثير من الأحيان رداء دينياً. وفي الجانب الآخر أبدى التقرير – وهو بالتأكيد ليس ملزماً ونهائيا وقاطعا بما آل اليه من سلبيات وايجابيات- لكنّه أبدى «ارتياحاً» للحالة الدينية في العديد من الدول ومن بينها العربية، وبالأخص دولة الامارات العربية في انتهاجها وزارة باسم التسامح، واقرار قانون مكافحة خطابات الكراهية وازدراء الأديان.
وبالطبع لم نكن بحاجة الى تقرير سنوي يطل علينا من بعيد، لنعرف انّ هنالك أشخاصا يقتلون ويسبون ويهجّرون على أساس ديني أو عرقي، فالأخبار كل يوم تحمل الينا همومهم وأتعابهم وأخبارهم.
أما فيما يتعلق بالشأن الأردني، فالتقرير يثني –كما هو الحال سنويًا- على حالة التناغم الموجودة في مجتمعنا الأردني، وعلى التعددية التي تحترم مكوناتها بعضها بعضاً في داخل «الجسم الأردني الواحد»، وكذلك في استقبال المهجرين، ومنهم من جاء الينا مهجّراً دينياً، كما الحال مع مسيحيي الموصل فقدمنا لهم كل غالٍ ورخيص، ومن جملة ما قدّم بلدنا لهم الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية.
أما بعض النقاط الحساسة التي يسلط التقرير الضوء عليها، فمنها ما هو قديم ومشترك مع السنوات السابقة مثل رغبة بعض الجماعات الدينية في نيل الاعتراف الرسمي، ومنها ما يتحدث عن الانتقال من معتقد إلى آخر، بهدف الزواج أو غيره. ومنها ما يتحدث عن الخطابات بتغيير المناهج والكتب المدرسية الأمر الذي أحدث جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والفكرية والشعبية. وقد تم لذلك تأسيس المجلس الأعلى للمركز الوطني لتطوير المناهج برئاسة دولة الدكتور عدنان بدران، وكلنا ثقة بأنه مع الذوات المعيّنين معه، سيرفدون هذا الشأن بعلمهم ومهارتهم وخبراتهم، لما فيه خير للوطن والمواطن، وبالاخص في تضمين المناهج الدراسية تعريفا بالآخر الديني وسبل التعاون معه لخير الانسانية.
إلا انني توقفت كثيرأ عندما يشير هذا التقرير إلى ظاهرة أصبحت مقلقة في مجتمعنا وهي ازدياد خطابات الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أمر ليس جديداً، ولكنه أصبح بارزا في مجتمعنا، وهذا يتطلب منا جميعاً العمل على تقليصه إن لم يكن ازالته بالكامل. فمجتمعنا قد تغير ديموغرافياً، وصار لدينا العديد من الجنسيات والقوميات والاثنيات والانتماءات الدينية والطائفية. فهل نقابل هذا برفض الآخر، لاسيما عندما يتعلق الأمر باختلاف المعتقدات والأفكار؟ أم علينا أن نغلب الصالح العام والوحدة الوطنية وسلامة مجتمعنا من أي فكر الغائي، لكي لا يتحول هذا الالغاء من مجرد حوار فكري إلى ممارسة عنيفة وخاطئة مبنية على التعصب وفكر ايديولوجي يرفض التعاون مع الانسان لمجرد كونه مختلفاً.
خلاصة: التقرير الأمريكي ليس هو نهاية المطاف. لكن علينا سد الأبواب التي تأتينا منها الريح، وعلينا أولا وأخيرا تغليب قيم المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، قبل التفكير برفض آراء الآخرين ورؤاهم وتطلعاتهم ، لمجرّد كونهم مختلفين، وهذا يتطلب طبعا، العودة الى المربّع الاول في العملية التربوية: في تدريب الاجيال الطالعة على حسن استخدام وسائل الاعلام من ناحية، وعلى التربية على احترام الآخر من ناحية ثانية.

شارك