دوافع القتال بين «هيئة الشام» و«تحرير سوريا»
يُعدُّ الخلاف بين هيئة
تحرير الشام، وجبهة تحرير سوريا، أبرز الإشكاليات التي تواجه المناطق المحررة في
الشمال السوري؛ حيث تجاوز الخلاف بين الطرفين إطاره النظري، وامتد لمرحلة حركية
وصلت حدَّ الاقتتال الفعلي المتقطع بالأسلحة الثقيلة.
ويقف عدد من الأسباب السياسية
والعسكرية خلف حالة العداوة المتبادلة التي نشبت أخيرًا بين الطرفين، لعلَّ أهمها
رغبة «تحرير سوريا» في التقليل من نفوذ هيئة تحرير الشام في الشمال؛ خوفًا من أي
عملية دولية قد تتخذ من وجود الهيئة، التي كانت سابقًا جزءًا من تنظيم القاعدة،
مبررًا لغزو الشمال الذي يُعدُّ حتى الآن الحصن الآمن للفصائل التابعة للمعارضة
السورية المسلحة.
بالمقابل، رغبت «هيئة
تحرير الشام» في توسيع الرقعة الجغرافية الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري؛ لتضمن
لنفسها بذلك مكانة فاعلة في أي عملية مستقبلية تستهدف التسوية السياسية والعسكرية
في الشمال.
وفي الإطار نفسه، حاولت
الهيئة التمدد على الأرض، وتحقيق انتصارات عسكرية على بعض الفصائل؛ بهدف زيادة
قدرتها على استقطاب المقاتلين، فضلًا عن رغبتها في تعويض انشقاق بعض الفصائل
المسلحة عنها، مثل جيش الأحرار، وتنظيم حراس الدين، اللذين تعتقد الجبهة أن
انشقاقهما أدى إلى إضعافها نوعيًّا، ومن ثم باتت في حاجة إلى السيطرة على فصائل
جديدة من أجل اغتنام معداتها العسكرية.
ولا يمكننا أن نغفل عن
هدوء جبهات القتال مع النظام السوري، وما أدى إليه من تفاقم الخلافات بين تحرير
الشام مع بقية الفصائل، خاصة بعد أن تيقنت هيئة تحرير الشام أنها أكثر الفصائل
رفضًا من قبل الفصائل المحلية والقوى الدولية.
وتعتبر فصائل المعارضة
السورية المسلحة مطالبات النظام السوري بإخراج مقاتلي الهيئة من الغوطة الشرقية
سببًا كافيًّا لقتالها، اعتقادًا منهم أن الهيئة تمنح مبررات شرعية للنظام بشنِّ
حرب هوجاء على كلِّ المناطق التي توجد فيها الهيئة؛ انطلاقًا من انتمائها إلى
تنظيم القاعدة.
ولعبت عملية «درع الفرات»
التي أطلقتها القوات التركية في أغسطس 2016، دورًا في تفاقم الخلاف بين الهيئة
وفصائل المعارضة السورية؛ حيث بدأت الهيئة في نوفمبر 2017 قتالها ضد حركة نور
الدين الزنكي؛ خوفًا من قيام حركة الزنكي بوصل مناطق سيطرتها في ريف حلب الغربي،
بمناطق سيطرة فصائل قوات غصن الزيتون في ريف حلب الشمالي؛ ما يمنح الفرصة لبعض
فصائل قوات غصن الزيتون التي حلّ بعضها بواسطة الهيئة -تحت ادعاءات الفساد والتواصل
مع جهات أجنبية- في تنفيذ عمليات انتقامية ضد الهيئة.
وأسهمت الاغتيالات التي
نفذها كل طرف ضد الآخر في توسيع حلقة الاقتتال؛ حيث اغتالت حركة نور الدين الزنكي
القيادي في الهيئة «أبوأيمن المصري»، أثناء مروره على أحد حواجزها العسكرية في ريف
حلب الغربي، بعدما أطلقت النار على سيارته، ويعد «أبوأيمن المصري» أحد أبرز قيادات
الهيئة، وكان مشاركًا في معارك تنظيم القاعدة في الثمانينيات بأفغانستان؛ ما دفع
الهيئة للردِّ، واغتيال ابن قائد فصيل صقور الشام.
يُشار إلى أن كل طرف راهن
على طول المدى الزمني للمعارك التي تتم في مناطق متفرقة، اعتقادًا منه أن طول
المعركة يُسهم في استنزاف الطرف الآخر؛ ما سيمنحه اليد العليا لاحقًا، وعولت هيئة
تحرير الشام في حربها على الدعم الذي تتلقاه من الحزب التركستاني، بينما اعتمدت
جبهة تحرير سوريا على دعم بعض الفصائل، مثل صقور الشام، وفي الإطار نفسه، وقفت فصائل أخرى
على الحياد، وحاولت التوفيق بين الطرفين مثل فيلق الشام.
وبعد شهرين من الاقتتال
البيني الذي راح ضحيته أكثر من 1000 عنصر من الجانبين، توصلت هيئة تحرير الشام في
أبريل من العام الحالي لاتفاق مع جبهة تحرير سوريا بوقف إطلاق النيران على الأصعدة
كافةً، فضلًا عن إطلاق سراح جميع المعتقلين، وإزالة الحواجز على الطرقات.
كما تضمن الاتفاق البدء
الفوري بمشاورات موسعة؛ من أجل الوصول إلى حلٍّ شامل على الأصعدة كافة، بما فيها
السياسية والإدارية، فضلًا عن العسكرية والقضائية.
ويمكن أن نعتبر أن هذا الاتفاق نصر لهيئة تحرير الشام، التي انتزعت
اعترافًا بشرعية وجودها في الشمال السوري من الفصائل الإسلامية الرافضة لها.