«الهضيبي الابن».. مرشد الإخوان «الغامض»
في 27 نوفمبر لعام 2002
كان يُطلب ممن يدخل على مرشد جماعة الإخوان مكتبه أن يخلع نعليه أمام الباب، ثم
يجلس معه حافي القدمين، وهذا ما أكده الصحفي المصري عبداللطيف المناوي، حين أراد
أن يُجري حوارًا صحفيًّا مع المرشد السادس محمد المأمون الهضيبي -نجل حسن الهضيبي
المرشد الثاني لجماعة الإخوان (1950 - 1979)- وكان بذلك يضفي على شخصه قداسة
«الأولياء».
وُلد الهضيبي -الابن-
بإحدى قرى محافظة سوهاج في صعيد مصر، في الثامن والعشرين من مايو عام 1921، ثم
انتقل وأسرته إلى القاهرة؛ للالتحاق بمراحل التعليم المختلفة، فالتحق بكلية الحقوق
جامعة القاهرة، ثم عُيِّن وكيل نيابة، وتدرج في المناصب القضائية حتى ترأس محكمة
النقض، التي سبق لأبيه أن عمل رئيسًا لها.
لم يكن المنصب القضائي
وحده ما ورثه الهضيبي الابن عن أبيه، بل امتد الأمر لمنصب مرشد جماعة الإخوان في
نوفمبر 2002، إذ تمت مبايعة الشيخ مأمون الهضيبي مرشدًا سادسًا لجماعة الإخوان
-أسست عام 1928 على يد حسن البنَّا- خلفًا للمرشد الخامس مصطفى مشهور (1996 - 2002).
ورغم حديثه المتكرر عن
عدم سعيه إلى منصب المرشد، وأن أعضاء مكتب الإرشاد بايعوه عملًا بمبدأ «طالب
الإمارة لا يُولَّى»؛ إذ كثر الحديث آنذاك عن إمكانية تدويل منصب المرشد، واختياره
من خارج مصر، تحديدًا المراقب العام في لبنان -يقوم بدور المرشد في بلده- لذا قطع
«الهضيبي» الطريق على جماعة الإخوان في الأقطار العربية، وحصل على تزكية أعضاء
مكتب الإرشاد.
وغلب على شخصية المرشد
السادس الرغبة في السيطرة على مقاليد كل شيء، فطغت تصرفاته -كونه قاضيًا متقاعدًا-
على قراراته، فظل متحدثًا رسميًّا لجماعة الإخوان حتى بعد تعيينه مرشدًا، وهو الذي
أذاع بنفسه نبأ التصويت له بالإجماع من قِبَل 13 عضوًا من مكتب الإرشاد، إضافة إلى
رفضه تعيين نائب له، بزعم أنه لا يحتاج إلى مساعد له في إدارة شؤون الجماعة، وأن
هذا لا يتنافى مع الديمقراطية، قائلًا: «المرشد العام لجماعة الإخوان هو الذي
يختار نائب المرشد، وهذه مسألة غير ديمقراطية؛ لأنني أنفرد باختياره، إذن لا علاقة
لها بالنظام الديمقراطي للجماعة».
كما كان «الهضيبي» غير
راضٍ عن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان -أسسه مصطفى مشهور عام 1982- إذ لم يخلُ
تاريخه من وقائع وخلافات متكررة، منها إجبار كمال الهلباوي على الاستقالة من منصب
المتحدث الرسمي لإخوان الغرب؛ بزعم تعارض منصبه كمتحدث رسمي لجماعة الإخوان ككل مع
وظيفة «الهلباوي».
وفي مقابلة تلفزيونية له
عبر فضائية الجزيرة القطرية -قبل مبايعته مرشدًا عامًّا لجماعة الإخوان بخمسة
أشهر- أجاب «الهضيبي» عن سؤال للمذيع: «هل صحيح أنك لست متحمسًا لفكرة التنظيم
الدولي؟»، بقوله: «تنظيم دولي إيه اللي بتتكلم عنه! لا أريد أن أقول إن أمره
انتهى، ولكنها مسألة تخضع للظروف الأمنية، وتتأثر بالأحداث العالمية والمحلية، وكل
قُطْر له الحرية الكاملة والسيادة الكاملة على أمور قُطْره».
هدوء يصل إلى الشلل
وتسببت وفاة المرشد
الخامس مصطفى مشهور في نوفمبر 2002، ومن قبلها أحداث 11 سبتمبر 2001 في حالة هدوء،
تصل إلى الشلل لتحركات أعضاء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وكانت الظروف مواتية
لأن يحقق «الهضيبي» رغبته في إنهاء أمر التنظيم الدولي، الذي كان دائم الخلاف مع
قادته، خاصةً أنه أبدى ضيقه من تدخلات التنظيم الدولي ومحاولات أعضائه المشاركة في
قيادة جماعة الإخوان، التي ظلت في قبضة قيادات التنظيم المصري، وحاول جاهدًا
إضعافه والقضاء على فكرة «عالمية الجماعة».
وكان موقف «الهضيبي» من
العنف أو الجهاد متأرجحًا بين الإباحة والمنع، حسبما يقتضيه الظرف الذي تعيشه
جماعة الإخوان؛ إذ قال الدكتور ثروت الخرباوي -قيادي منشق عن جماعة الإخوان- في
كتابه «سر المعبد.. الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين»: إن «الهضيبي اعترف
في مناظرة عُقدت بمعرض الكتاب أوائل التسعينيات، أن الإخوان يتقربون إلى الله
بأعمال النظام الخاص -تنظيم سري عسكري أسس في الأربعينيات، وتورط في تنفيذ
اغتيالات وعمليات إرهابية- مسترسلًا: «ما يُباح للمجاهد لا يُباح لغيره»، وهكذا
برر لجوء جماعة الإخوان للعنف.
وبسؤاله عن «الجهاد» خلال
حوار صحفي نُشر بجريدة «الشرق الأوسط» عام 2003، وجواز القتال في العراق بعد الغزو
الأمريكي، قال الهضيبي: «الجهاد يبدأ بالكلمة، ويتدرج في القرآن والسُّنَّة،
فالكلام ممكن أن يؤدي إلى الشهادة، والجهاد ليس محصورًا في أن أذهب إلى القتال،
لكنّ هناك أمورًا كثيرة تشملها عملية الجهاد، وحين نأتي إلى حرب العراق، ويقولون
أرسلوا متطوعين، كيف نرسل متطوعين؟».
وتابع: «خلال حرب فلسطين
1948 أرسلنا عشرة آلاف مقاتل هناك في فلسطين، كيف أرسلناهم؟ كانت هناك عملية
اختيار لمن يذهب إلى الحرب، ودراسة لشخصيته وعقليته، وهل هو موثوق به أم لا، ثم
بعد ذلك يتدرب على السلاح».
كان حديثه عن تدريب
العناصر الراغبة في السفر للقتال على حمل السلاح، سببًا في سؤاله عن مدى وجود
«فيالق عسكرية» تابعة لجماعة الإخوان، فنفى وجود ذلك؛ بزعم أن الحكومة المصرية لا
تسمح بذلك، وقال: «من يريد الجهاد لابد أن يُنظِّم الموضوع تنظيمًا كاملًا، ويجب
أن تشرف الحكومة على هذه التنظيمات؛ حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى».
ظلت عقلية «الهضيبي» غير مفهومة، كما ظل هو محل خلاف واتهامات من
كثيرين، حتى إن عصام تليمة -قيادي إخواني هارب إلى تركيا- حاول الدفاع عن الهضيبي
الأب والابن، بعد وفاة الأخير عام 2004، فقال عنه إنه كان لا يسعى إلى مناصب، ولا
يريد التحكم في مصير التنظيم الدولي والجماعة ككل، مبينًا أن الهضيبي أرسل خطابًا
إلى الشيخ يوسف القرضاوي -القطب الإخواني الذي يعيش في قطر- بتاريخ 9 يناير 2004
يخبره أنه يود التنازل له عن منصبه كمرشد لجماعة الإخوان، لكن رفض «القرضاوي» جعله
متمسكًا بمنصبه حتى وافته المنية بعد هذا الخطاب بتسعة أشهر.