حافظ التيجاني.. صوفي رافق «البنّا» وتزوج من زينب الغزالي
الإثنين 23/يوليو/2018 - 04:01 م
طباعة
سارة رشاد
لم يأتِ تأسيس حسن البنّا (1906: 1949) لجماعة الإخوان في مصر عام 1928 اعتباطيًّا؛ فالرجل الذي يقول عنه حتى المخالفين له إنه «داهية» كان يعمل وفقًا لخطة تضمن له تأسيس قوي.
في كتاب «مذكرات الدعوة والداعية» (سيرته الذاتية) حدد «البنّا»، طريقه إلى هذا التأسيس، فوضع له خطوط عريضة، كان من بينها إقامة علاقات صداقة مع مشايخ الطرق الصوفية.
كان ذلك أواخر عام 1927، عندما عمد «البنّا» الذي أكمل وقتها عامه الواحد والعشرين إلى جذب داعمين ذوي ثقل لجماعته، من بين هؤلاء كان مشايخ الطرق الصوفية المقيمين في الإسماعيلية أو هؤلاء المترددين عليها لإعطاء دروس دينية.
وكان «البنّا» الذي قطن آنذاك المدينة يحرص -بحسب ما أورده بمذكراته- على حضور دروس هؤلاء المشايخ، لا للاستماع لهم بل لإقامة حوار معهم «بلغتهم»، يعقبه طلب التفرد بهم لمناقشتهم عن «محنة الأمة»، التي ينتهي منها إلى حتمية وجود جماعة دينية جديدة تحمل عبء إحياء الدين، هي جماعته «الإخوان» التي يطلب منهم بعد ذلك الانضمام لها.
العالم الصوفي الذي أحضر الطريقة التيجانية إلى مصر، الشيخ الحافظ التيجاني، كان ضمن هؤلاء الذين اختارهم «البنّا» للالتحاق بجماعته، ويقول مؤسس الإخوان إنه ارتبط بعلاقة قوية به حتى إنه كان أحد الداعمين لإقامة جماعة الإخوان.
ولم تنفِ الكتابات الصوفية المتناولة لسيرة «التيجاني»، هذا المعلومة، إذ يقولون إنه كان يدعم إقامة الشريعة الإسلامية، وهو نفس الهدف الذي رفعه «البنّا» عندما فكر في تأسيس جماعة.
إلا أن السبيل الذي رأى «التيجاني» أنه موصل إلى الشريعة، اختلف كليةً عن سبيل «البنّا»، فبينما حرص مؤسس الإخوان على العمل السياسي بغرض الوصول إلى السلطة ومن ثم إقامة الدولة الدينية، حذر «التيجاني» منه، معتبرًا أن تطبيق الشريعة يأتي عقب توعية الناس توعية دينية تهيئهم لاختيار الساسة الحريصين على إقامة الشريعة، ومن ثم تقوم الدولة الدينية.
ومن صداقة «البنّا» إلى الزواج من أبرز القيادات النسائية الإخوانية، زينب الغزالي (1917: 2005) كانت محطات علاقة «التيجاني» بالإخوان، وفي تعريفها بزينب الغزالي رصدت الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان، عقد الزواج الذي تم بين الغزالي والتيجاني، فتقول: إن «القيادية الإخوانية أخذت عهدًا على نفسها ألا تتزوج حتى تنشر دعوة جمعية دينية أشرفت على تأسيسها عام 1937، سميت بـ«السيدات المسلمات»، وحددت عشر سنوات لنشر هذه الدعوة، إلا أنها تزوجت من «التيجاني» بعد خمس سنوات من تأسيس الجمعية أي حوالي 1942.
وكانت «الغزالي»، في هذه الأثناء، على علاقة بجماعة الإخوان، إذ كانت متعاطفة لكنها لم تمنح البيعة لـ«البنّا» (نص يتلوه أفراد الإخوان قبل انضمامهم للجماعة حتى يدرجوا كأعضاء رسميين).
ورغم أن علاقة الزواج دامت لعامين فقط، إلا أن زينب الغزالي استمرت على تواصل بـ«التيجاني»، وتسرد القيادية الإخواني في مذكراتها «أيام من حياتي»، إنها كانت مدعوة في أحد الأيام على العشاء بمنزل طليقها «التيجاني»، وتعرفت هناك على الجهادي من أصول فلسطينية، صالح سرية، الذي شكّل بعد ذلك تنظيم «الفنية العسكرية» (تنظيم جهادي مسلح تأسس عام 1974).
وتعرّف «سرية» (انتقل من فلسطين إلى العراق 1948، والتحق هناك بجماعة الإخوان)، على «التيجاني» فور وصوله مصر، عبر ترزي كان على تواصل بالشيخ.
ويقول «سرية» في نص التحقيقات معه على خلفية «الفنية العسكرية»: إنه طلب من الترزي أن يوصله بالشيخ «التيجاني»، وبالفعل زاره في بيته وبدأ في التردد على زاويته حتى التقى «زينب الغزالي» هناك في الفترة بين 1971 و 1972، وطلب منها وقتها أن ترتب له موعدًا مع مرشد جماعة الإخوان آنذاك مأمون الهضيبي؛ ليستشف منه مدى استعداد إخوان مصر على مواجهة النظام السياسي المصري عسكريًّا.
من هو التيجاني؟
هو رجل دين، وعالم صوفي يصنّفه التراث الصوفي كأبرز الرموز الدينية التي عاشت في القرن الماضي.
ولد «التيجاني» في 1896، بمحافظة المنوفية بدلتا مصر، وتعلق منذ نشأته الأولى بعلم الحديث وحب التصوف، حتى إنه تربى على أيدي مشايخ طرق منها النقشبندية والشاذلية والخلوتية.
وفي 1919 عندما كان في عامه 23 تقريبًا أخذ «التيجاني» عن مشايخ الطريقة التيجانية (ذات أصول مغربية) لينقلها إلى مصر ويتولى هو نشر منهجها عبر مجلة سميت «طريق الحق»، اهتم مشايخ الأزهر باقتنائها لتطرقها إلى تقديم تفسير جديد للقرآن والأحاديث النبوية.
وتختص التيجانية عن باقي الطرق الصوفية في مصر بأنها تهتم بإقامة الزوايا دون المساجد، والزاوية في الصوفية عبارة عن دار تقيمه الطريقة مخصص لتربية المُريدين، وفي تبريره لذلك يقول «التيجاني»، إنه أخذ بذلك بتعليم مباشر من الرسول.
وكان يقيم «التيجاني» في زوايا طريقته ما يُعرف بـ«جلسات الفكر والمراقبة»، وفيها يجلس الشيخ داخل الزاوية بعد أن يغلق كل الأبواب والنوافذ ويطفئ الأنوار، ليطلب من المُريدين استحضار الله في قلوبهم لمدة ربع الساعة، وتقام هذه الجلسات لمساعدة الصوفي على الخشوع في الصلاة والذكر.
كما كان يعكف على تقديم دروس في الحديث، إذ يعتبر أحد أبرز رجال الحديث في عصره، وحدد الشيخ في حياته أولوية الدفاع عن الصوفية الحقة بعيدًا عن الخرافات المنسوبة لها، حتى مات في 5 يونيه سنة 1978.
وتنسب التيجانية الأصلية بالمغرب للشيخ أحمد التيجاني، من أصول جزائرية، حيث تنقل في حصوله على العلم بين تونس والمغرب ومصر والجزائر، إلى أن استقر في المغرب وأسس طريقته.
وتعتبر «التيجانية» أكثر الطرق انتشارًا في المغرب العربي وغرب أفريقيا، إذ يحظى مشايخها بنفوذ سياسي في بلدانهم، ويتولى شيخ الطريقة في المغرب التواصل مع مشايخ الطرق في البلدان الأخرى؛ لاطلاعه على أمور تربية المُريدين.
في كتاب «مذكرات الدعوة والداعية» (سيرته الذاتية) حدد «البنّا»، طريقه إلى هذا التأسيس، فوضع له خطوط عريضة، كان من بينها إقامة علاقات صداقة مع مشايخ الطرق الصوفية.
كان ذلك أواخر عام 1927، عندما عمد «البنّا» الذي أكمل وقتها عامه الواحد والعشرين إلى جذب داعمين ذوي ثقل لجماعته، من بين هؤلاء كان مشايخ الطرق الصوفية المقيمين في الإسماعيلية أو هؤلاء المترددين عليها لإعطاء دروس دينية.
وكان «البنّا» الذي قطن آنذاك المدينة يحرص -بحسب ما أورده بمذكراته- على حضور دروس هؤلاء المشايخ، لا للاستماع لهم بل لإقامة حوار معهم «بلغتهم»، يعقبه طلب التفرد بهم لمناقشتهم عن «محنة الأمة»، التي ينتهي منها إلى حتمية وجود جماعة دينية جديدة تحمل عبء إحياء الدين، هي جماعته «الإخوان» التي يطلب منهم بعد ذلك الانضمام لها.
العالم الصوفي الذي أحضر الطريقة التيجانية إلى مصر، الشيخ الحافظ التيجاني، كان ضمن هؤلاء الذين اختارهم «البنّا» للالتحاق بجماعته، ويقول مؤسس الإخوان إنه ارتبط بعلاقة قوية به حتى إنه كان أحد الداعمين لإقامة جماعة الإخوان.
ولم تنفِ الكتابات الصوفية المتناولة لسيرة «التيجاني»، هذا المعلومة، إذ يقولون إنه كان يدعم إقامة الشريعة الإسلامية، وهو نفس الهدف الذي رفعه «البنّا» عندما فكر في تأسيس جماعة.
إلا أن السبيل الذي رأى «التيجاني» أنه موصل إلى الشريعة، اختلف كليةً عن سبيل «البنّا»، فبينما حرص مؤسس الإخوان على العمل السياسي بغرض الوصول إلى السلطة ومن ثم إقامة الدولة الدينية، حذر «التيجاني» منه، معتبرًا أن تطبيق الشريعة يأتي عقب توعية الناس توعية دينية تهيئهم لاختيار الساسة الحريصين على إقامة الشريعة، ومن ثم تقوم الدولة الدينية.
ومن صداقة «البنّا» إلى الزواج من أبرز القيادات النسائية الإخوانية، زينب الغزالي (1917: 2005) كانت محطات علاقة «التيجاني» بالإخوان، وفي تعريفها بزينب الغزالي رصدت الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان، عقد الزواج الذي تم بين الغزالي والتيجاني، فتقول: إن «القيادية الإخوانية أخذت عهدًا على نفسها ألا تتزوج حتى تنشر دعوة جمعية دينية أشرفت على تأسيسها عام 1937، سميت بـ«السيدات المسلمات»، وحددت عشر سنوات لنشر هذه الدعوة، إلا أنها تزوجت من «التيجاني» بعد خمس سنوات من تأسيس الجمعية أي حوالي 1942.
وكانت «الغزالي»، في هذه الأثناء، على علاقة بجماعة الإخوان، إذ كانت متعاطفة لكنها لم تمنح البيعة لـ«البنّا» (نص يتلوه أفراد الإخوان قبل انضمامهم للجماعة حتى يدرجوا كأعضاء رسميين).
ورغم أن علاقة الزواج دامت لعامين فقط، إلا أن زينب الغزالي استمرت على تواصل بـ«التيجاني»، وتسرد القيادية الإخواني في مذكراتها «أيام من حياتي»، إنها كانت مدعوة في أحد الأيام على العشاء بمنزل طليقها «التيجاني»، وتعرفت هناك على الجهادي من أصول فلسطينية، صالح سرية، الذي شكّل بعد ذلك تنظيم «الفنية العسكرية» (تنظيم جهادي مسلح تأسس عام 1974).
وتعرّف «سرية» (انتقل من فلسطين إلى العراق 1948، والتحق هناك بجماعة الإخوان)، على «التيجاني» فور وصوله مصر، عبر ترزي كان على تواصل بالشيخ.
ويقول «سرية» في نص التحقيقات معه على خلفية «الفنية العسكرية»: إنه طلب من الترزي أن يوصله بالشيخ «التيجاني»، وبالفعل زاره في بيته وبدأ في التردد على زاويته حتى التقى «زينب الغزالي» هناك في الفترة بين 1971 و 1972، وطلب منها وقتها أن ترتب له موعدًا مع مرشد جماعة الإخوان آنذاك مأمون الهضيبي؛ ليستشف منه مدى استعداد إخوان مصر على مواجهة النظام السياسي المصري عسكريًّا.
من هو التيجاني؟
هو رجل دين، وعالم صوفي يصنّفه التراث الصوفي كأبرز الرموز الدينية التي عاشت في القرن الماضي.
ولد «التيجاني» في 1896، بمحافظة المنوفية بدلتا مصر، وتعلق منذ نشأته الأولى بعلم الحديث وحب التصوف، حتى إنه تربى على أيدي مشايخ طرق منها النقشبندية والشاذلية والخلوتية.
وفي 1919 عندما كان في عامه 23 تقريبًا أخذ «التيجاني» عن مشايخ الطريقة التيجانية (ذات أصول مغربية) لينقلها إلى مصر ويتولى هو نشر منهجها عبر مجلة سميت «طريق الحق»، اهتم مشايخ الأزهر باقتنائها لتطرقها إلى تقديم تفسير جديد للقرآن والأحاديث النبوية.
وتختص التيجانية عن باقي الطرق الصوفية في مصر بأنها تهتم بإقامة الزوايا دون المساجد، والزاوية في الصوفية عبارة عن دار تقيمه الطريقة مخصص لتربية المُريدين، وفي تبريره لذلك يقول «التيجاني»، إنه أخذ بذلك بتعليم مباشر من الرسول.
وكان يقيم «التيجاني» في زوايا طريقته ما يُعرف بـ«جلسات الفكر والمراقبة»، وفيها يجلس الشيخ داخل الزاوية بعد أن يغلق كل الأبواب والنوافذ ويطفئ الأنوار، ليطلب من المُريدين استحضار الله في قلوبهم لمدة ربع الساعة، وتقام هذه الجلسات لمساعدة الصوفي على الخشوع في الصلاة والذكر.
كما كان يعكف على تقديم دروس في الحديث، إذ يعتبر أحد أبرز رجال الحديث في عصره، وحدد الشيخ في حياته أولوية الدفاع عن الصوفية الحقة بعيدًا عن الخرافات المنسوبة لها، حتى مات في 5 يونيه سنة 1978.
وتنسب التيجانية الأصلية بالمغرب للشيخ أحمد التيجاني، من أصول جزائرية، حيث تنقل في حصوله على العلم بين تونس والمغرب ومصر والجزائر، إلى أن استقر في المغرب وأسس طريقته.
وتعتبر «التيجانية» أكثر الطرق انتشارًا في المغرب العربي وغرب أفريقيا، إذ يحظى مشايخها بنفوذ سياسي في بلدانهم، ويتولى شيخ الطريقة في المغرب التواصل مع مشايخ الطرق في البلدان الأخرى؛ لاطلاعه على أمور تربية المُريدين.