ياسر سعد.. طريق طويل من التطرف إلى الوسطية
الإثنين 23/يوليو/2018 - 04:34 م
طباعة
محمد الدابولي
في أبريل 1974، شهدت مصر عملية إرهابية تستحق التوقف عندها ودراسة تبعاتها؛ حيث قامت مجموعة متطرفة عُرفت فيما بعد باسم «تنظيم الفنية العسكرية»، بمحاولة اقتحام مستودع أسلحة «الكلية الفنية العسكرية» بالقاهرة؛ من أجل الاستيلاء على ما بها من أسلحة وذخيرة، لاستخدامها في العمليات الإرهابية، مثل اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتدشين ما يُسمى بالدولة الإسلامية.
أُسس هذا التنظيم على يد «صالح سرية» فلسطيني الأصل، الذي حظي بعلاقات قوية وواسعة مع جماعة الإخوان المسلمين، ومتشبعًا بفكرها ومتأثرًا بالقيادية الإخوانية «زينب الغزالي» الذي التقاها في مناسبات عدة.
ويرجح نشأة هذا التنظيم إلى فترة ما بعد 1967، معتمدًا على العديد من الشباب المتحمس دينيًّا والغاضب من نكسة 1967، ومن أبرز هؤلاء الشباب كارم الأناضولي، وطلال الأنصاري، وأخيرًا ياسر سعد الذي وافته المنية اليوم الإثنين 2018.
يُعدُّ «سعد» من أبرز قيادات تنظيم «الفنية العسكرية»؛ حيث مثلت تجربته من التحول من التطرف إلى الاعتدال والسماحة نموذجًا، يمكن الاهتداء به في معالجة الفكر المتطرف، وكيفية استيعاب العناصر المتطرفة.
الإخوان وتنظيم الفنية العسكرية
شغل «سعد» منصبًا قياديًّا داخل تنظيم الفنية العسكرية، حتى أصبح أميرًا لإحدى المجموعات بها التي قامت بمحاولة الانقلاب على الرئيس أنور السادات في أبريل 1974، حينما قام أعضاء التنظيم بمهاجمة مبنى الفنية العسكرية، وتم القبض عليه، إلا أنه حصل على البراءة لكنه عاد وشارك في عملية أخرى؛ ما أدى إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا.
وأكد سعد على تبعية تنظيم الفنية العسكرية لجماعة الإخوان؛ حيث وصف أعضاء التنظيم بأنهم جنود في صفوف الجماعة رغم إنكار الجماعة تبعية التنظيم لها.
وأوضح «سعد» أن «صالح سرية» كان مبعوث الإخوان في التنظيم، كما كانت تجمعه علاقات وطيدة مع مرشد الجماعة الأسبق «حسن الهضيبي»، الذي وافق على منهج سرية في الانقلاب العسكري.
محاولة إحياء التنظيم وحادث القنصلية
أُلقي القبض على أعضاء التنظيم، وحُكم على أعضائها بالإعدام والمؤبد والبراءة، وكان نصيب «سعد» البراءة نظرًا لأنه لم يكن في محيط الفنية العسكرية، إلا أن «سرية» بعث لعناصر التنظيم بضرورة إحياء التنظيم مرة أخرى عبر تقسيمه إلى أربعة أقسام (مدني ـ جيش ـ دعوي ـ حرب عصابات)، إلا أن سعد ورفاقه لم ينجحوا في إعادة إحياء التنظيم، الأمر الذي دفعهم إلى إجراء عملية لتهريب المسجونين على ذمة قضية الفنية العسكرية في عام 1977 عن طريق الاستيلاء على أسلحة رجال الشرطة، واستخدامها في عملية التهريب؛ ما أدى إلى القبض على «سعد» والحكم عليه بـ15 عامًا سجنًا.
التحول الذاتي ومواجهة التطرف
من أسباب تحول سعد عن جماعة الإخوان إدراكه بأن الجماعة دائمًا ما كانت تمارس سياسة الالتفاف على السلطة السياسية، فمن ناحية تبدي التزلف والموالاة لها وإقناعها بأنها من تحارب الفكر المتطرف والإرهابي من ناحية، ومن ناحية أخرى تدعم التنظيمات الإرهابية المعادية للدولة، وتعمل على إسقاطها، وهو ما حدث في حادث الفنية العسكرية، حيث أنكرت الجماعة علاقتها بالتنظيم رغم أنه ولد من رحمها، وادعت أنها تعمل على محاربة الفكر المتطرف والإرهابي.
لذا فليس من عجب أن يكون الشيخ «ياسر سعد» من أول العناصر التي بدأت عملية المراجعة الفكرية داخل السجون حتى قبل عناصر الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، وتدريجيًّا تحول «سعد» إلى الفكر الوسطي المعتدل المتمثل في المنهج الأزهري الأشعري.
بعد خروجه من السجن عمل سعد على أمرين، أولهما مواجهة الفكر المتطرف المنعوت بالجهادي، والدعوة إلى الفكر الوسطي المتمثل في منهج الأزهر الشريف القائم على العقيدة الأشعرية، ويرى ضرورة دعم الأزهر لمواجهة الإرهاب.
الجبهة الوسطية.. النفير في مواجهة التكفير
بعد ثورة 25 يناير رأى العديد من القيادات الفكرية المصرية المعنية على مواجهة التطرف والإرهاب ضرورة إنشاء كيان تنظيمي لمواجهة الفكر المتطرف الآخذ في النمو وقتها؛ ما دفع كلا من الشيخ ياسر سعد، والكاتب صبرة القاسمي، والشيخ أحمد راشد، والقيادي الإخواني السابق خالد الزعفراني إلى تدشين «الجبهة الوسطية لمواجهة الفكر التكفيري في مصر»، وتولى سعد منصب رئيس اللجنة الدينية بها والمعنية في الأساس في تفنيد حجج المتطرفين والتكفيريين.
هدفت الحركة إلى الدعوة إلى المنهج الوسطي السليم، والبعد عن التطرف والغلو والإرهاب، والرد على التكفيريين، مستغلين تجربة المراجعات الفكرية التي نجحت في تحول الكثيرين عن الفكر المتطرف، كما لم تكتف الحركة بمحاربة التطرف في القطر المصري بل عملت على نشر الفكر الوسطي في الأقطار الإسلامية، مثل السعودية وأفغانستان والجزائر وتونس.
وحاليًّا، تعكف الجبهة الوسطية على إصدار مشروع يتضمن كل أعمال «سعد» الفكرية والدينية والبالغة حوالي 20 كتابًا؛ من أجل بلورتها لتكون نبراسًا يُهتدى به في مواجهة ظلام القوى التكفيرية.
مواقف وطنية
كان لسعد العديد من المواقف الوطنية الداعية لمحاربة التكفير والتطرف ودعم الدولة المصرية، حيث حرص على عقد العديد من المؤتمرات الجماهيرية بعد ثورة 30 يونيو في سيناء والبحيرة والجيزة؛ من أجل مواجهة الفكر المتطرف، ومن ضمن تلك المواقف أيضًا رفض الادعاءات التي تحاول جماعة الإخوان ترويجها من حين للآخر بأن حلايب وشلاتين سودانيتان، مؤكدا أن كل الوثائق تثبت مصريتهما، كما طالب مرارًا وتكرارًا بضرورة تقديم الدعم الكامل للأزهر، معتبرًا إياه كعبة العلم والعلماء التي حفظت الشريعة الإسلامية، فهو الحامي للمنهج الوسطي القويم.
الجهاد الديمقراطي
كان لسعد تجربة سياسية بعد ثورة 25 يناير حيث قام بمحاولة تأسيس حزب سياسي تحت مسمى (حزب الجهاد الديمقراطي) لمواجهة حزب جماعة الإخوان وقتها «الحرية والعدالة» الذي رأى فيه سعد بأنه لن يجلب الخير لمصر، وسوف يعمل على تقسيمها على غرار ما حدث في السودان، وهو ما أدى إلى شنِّ جماعة الإخوان هجومًا عليه في محاولة لإفشال تجربة الحزب، وخلال الانتخابات الرئاسية 2012 أعلن ياسر سعد أن حزبه سيدعم مرشح الرئاسة «أحمد شفيق»، وهو ما يعد خروجًا عن الإجماع الإسلاموي وقتها بدعم مرشح الإخوان «محمد مرسي»، وهو ما يُعَبِّر عن توجهات الحزب وياسر سعد في بناء دولة مدنية حديثة بعيدًا عن الفكر الإسلاموي.
أُسس هذا التنظيم على يد «صالح سرية» فلسطيني الأصل، الذي حظي بعلاقات قوية وواسعة مع جماعة الإخوان المسلمين، ومتشبعًا بفكرها ومتأثرًا بالقيادية الإخوانية «زينب الغزالي» الذي التقاها في مناسبات عدة.
ويرجح نشأة هذا التنظيم إلى فترة ما بعد 1967، معتمدًا على العديد من الشباب المتحمس دينيًّا والغاضب من نكسة 1967، ومن أبرز هؤلاء الشباب كارم الأناضولي، وطلال الأنصاري، وأخيرًا ياسر سعد الذي وافته المنية اليوم الإثنين 2018.
يُعدُّ «سعد» من أبرز قيادات تنظيم «الفنية العسكرية»؛ حيث مثلت تجربته من التحول من التطرف إلى الاعتدال والسماحة نموذجًا، يمكن الاهتداء به في معالجة الفكر المتطرف، وكيفية استيعاب العناصر المتطرفة.
الإخوان وتنظيم الفنية العسكرية
شغل «سعد» منصبًا قياديًّا داخل تنظيم الفنية العسكرية، حتى أصبح أميرًا لإحدى المجموعات بها التي قامت بمحاولة الانقلاب على الرئيس أنور السادات في أبريل 1974، حينما قام أعضاء التنظيم بمهاجمة مبنى الفنية العسكرية، وتم القبض عليه، إلا أنه حصل على البراءة لكنه عاد وشارك في عملية أخرى؛ ما أدى إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا.
وأكد سعد على تبعية تنظيم الفنية العسكرية لجماعة الإخوان؛ حيث وصف أعضاء التنظيم بأنهم جنود في صفوف الجماعة رغم إنكار الجماعة تبعية التنظيم لها.
وأوضح «سعد» أن «صالح سرية» كان مبعوث الإخوان في التنظيم، كما كانت تجمعه علاقات وطيدة مع مرشد الجماعة الأسبق «حسن الهضيبي»، الذي وافق على منهج سرية في الانقلاب العسكري.
محاولة إحياء التنظيم وحادث القنصلية
أُلقي القبض على أعضاء التنظيم، وحُكم على أعضائها بالإعدام والمؤبد والبراءة، وكان نصيب «سعد» البراءة نظرًا لأنه لم يكن في محيط الفنية العسكرية، إلا أن «سرية» بعث لعناصر التنظيم بضرورة إحياء التنظيم مرة أخرى عبر تقسيمه إلى أربعة أقسام (مدني ـ جيش ـ دعوي ـ حرب عصابات)، إلا أن سعد ورفاقه لم ينجحوا في إعادة إحياء التنظيم، الأمر الذي دفعهم إلى إجراء عملية لتهريب المسجونين على ذمة قضية الفنية العسكرية في عام 1977 عن طريق الاستيلاء على أسلحة رجال الشرطة، واستخدامها في عملية التهريب؛ ما أدى إلى القبض على «سعد» والحكم عليه بـ15 عامًا سجنًا.
التحول الذاتي ومواجهة التطرف
من أسباب تحول سعد عن جماعة الإخوان إدراكه بأن الجماعة دائمًا ما كانت تمارس سياسة الالتفاف على السلطة السياسية، فمن ناحية تبدي التزلف والموالاة لها وإقناعها بأنها من تحارب الفكر المتطرف والإرهابي من ناحية، ومن ناحية أخرى تدعم التنظيمات الإرهابية المعادية للدولة، وتعمل على إسقاطها، وهو ما حدث في حادث الفنية العسكرية، حيث أنكرت الجماعة علاقتها بالتنظيم رغم أنه ولد من رحمها، وادعت أنها تعمل على محاربة الفكر المتطرف والإرهابي.
لذا فليس من عجب أن يكون الشيخ «ياسر سعد» من أول العناصر التي بدأت عملية المراجعة الفكرية داخل السجون حتى قبل عناصر الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، وتدريجيًّا تحول «سعد» إلى الفكر الوسطي المعتدل المتمثل في المنهج الأزهري الأشعري.
بعد خروجه من السجن عمل سعد على أمرين، أولهما مواجهة الفكر المتطرف المنعوت بالجهادي، والدعوة إلى الفكر الوسطي المتمثل في منهج الأزهر الشريف القائم على العقيدة الأشعرية، ويرى ضرورة دعم الأزهر لمواجهة الإرهاب.
الجبهة الوسطية.. النفير في مواجهة التكفير
بعد ثورة 25 يناير رأى العديد من القيادات الفكرية المصرية المعنية على مواجهة التطرف والإرهاب ضرورة إنشاء كيان تنظيمي لمواجهة الفكر المتطرف الآخذ في النمو وقتها؛ ما دفع كلا من الشيخ ياسر سعد، والكاتب صبرة القاسمي، والشيخ أحمد راشد، والقيادي الإخواني السابق خالد الزعفراني إلى تدشين «الجبهة الوسطية لمواجهة الفكر التكفيري في مصر»، وتولى سعد منصب رئيس اللجنة الدينية بها والمعنية في الأساس في تفنيد حجج المتطرفين والتكفيريين.
هدفت الحركة إلى الدعوة إلى المنهج الوسطي السليم، والبعد عن التطرف والغلو والإرهاب، والرد على التكفيريين، مستغلين تجربة المراجعات الفكرية التي نجحت في تحول الكثيرين عن الفكر المتطرف، كما لم تكتف الحركة بمحاربة التطرف في القطر المصري بل عملت على نشر الفكر الوسطي في الأقطار الإسلامية، مثل السعودية وأفغانستان والجزائر وتونس.
وحاليًّا، تعكف الجبهة الوسطية على إصدار مشروع يتضمن كل أعمال «سعد» الفكرية والدينية والبالغة حوالي 20 كتابًا؛ من أجل بلورتها لتكون نبراسًا يُهتدى به في مواجهة ظلام القوى التكفيرية.
مواقف وطنية
كان لسعد العديد من المواقف الوطنية الداعية لمحاربة التكفير والتطرف ودعم الدولة المصرية، حيث حرص على عقد العديد من المؤتمرات الجماهيرية بعد ثورة 30 يونيو في سيناء والبحيرة والجيزة؛ من أجل مواجهة الفكر المتطرف، ومن ضمن تلك المواقف أيضًا رفض الادعاءات التي تحاول جماعة الإخوان ترويجها من حين للآخر بأن حلايب وشلاتين سودانيتان، مؤكدا أن كل الوثائق تثبت مصريتهما، كما طالب مرارًا وتكرارًا بضرورة تقديم الدعم الكامل للأزهر، معتبرًا إياه كعبة العلم والعلماء التي حفظت الشريعة الإسلامية، فهو الحامي للمنهج الوسطي القويم.
الجهاد الديمقراطي
كان لسعد تجربة سياسية بعد ثورة 25 يناير حيث قام بمحاولة تأسيس حزب سياسي تحت مسمى (حزب الجهاد الديمقراطي) لمواجهة حزب جماعة الإخوان وقتها «الحرية والعدالة» الذي رأى فيه سعد بأنه لن يجلب الخير لمصر، وسوف يعمل على تقسيمها على غرار ما حدث في السودان، وهو ما أدى إلى شنِّ جماعة الإخوان هجومًا عليه في محاولة لإفشال تجربة الحزب، وخلال الانتخابات الرئاسية 2012 أعلن ياسر سعد أن حزبه سيدعم مرشح الرئاسة «أحمد شفيق»، وهو ما يعد خروجًا عن الإجماع الإسلاموي وقتها بدعم مرشح الإخوان «محمد مرسي»، وهو ما يُعَبِّر عن توجهات الحزب وياسر سعد في بناء دولة مدنية حديثة بعيدًا عن الفكر الإسلاموي.