عباسي مدني.. «سلطان الدم» في الجزائر

الجمعة 27/يوليو/2018 - 04:11 م
طباعة عباسي مدني.. «سلطان عبدالرحمن صقر
 
سنوات من اللهب والدم، اكتوت بها الجزائر، وكانت قُراها مسرحًا لأبشع العمليات الإرهابية من تقتيل وذبح وتنكيل، وغيرها من الصور اللاإنسانية التي خلفتها أيادي الإرهاب الوحشي الهمجي، مستخدمة «البلاطي والفؤوس والسيوف»، وسفكت بها دماء أكثر من 200 ألف شهيد من أبناء الجزائر، وكان المتصدر الأوحد لهذا المشهد الدامي، ما عرفت بالجبهة الإسلامية للإنقاذ بزعامة «عباسي مدني».

كان طموح «مدني» مؤسس الجبهة، أن يكون زعيمًا على شاكلة «الخميني» في إيران، فأسس وترأس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي تصدرت نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية مطلع التسعينيات، وفي يناير 1992، وعقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية في عام 1991، التي حققت فيها الجبهة فوزًا، حرض «بلحاج» عناصر الجبهة والشعب الجزائري عامة على حمل السلاح والخروج على الجيش الجزائري، بعد إلغائه نتائج الانتخابات لتدخل الجزائر في ذلك الوقت ما عُرِف بـــ«العشرية السوداء».

ومن ثم، أعلنت الحكومة الجزائرية حالة الطوارئ في فبراير 1992، وألقي القبض على الآلاف من عناصر الجبهة، وبدأت حملة مطاردة واسعة لمن بقي من كوادرها خارج السجون، وعرفت في ذلك الوقت بـ«العشرية الحمراء» كناية عن حمامات الدم التي دخلت بها البلاد.

ومن اللافت للنظر احتضان قطر له الآن، حيث يقيم بها حاليًا، ويعيش حياة رغدة، في مبنى فخم بوجوده مع أفراد عائلته، ويتقاضى راتبًا يقارب 15 ألف دولار، كهبة من أمير قطر، وحصل أحد أحفاده على الجنسية القطرية، ويلعب حفيده بمنتخب قطر لكرة اليد، وهو ما يؤكد الرعاية القطرية المستمرة لكل أيادي الإرهاب التي تلوثت بدماء الأبرياء.

من هو؟
ولد عباسي مدني في 28 فبراير 1931، في سيدي عقبة بولاية «بسكرة»، وتعلم على يد والده مبادئ الدين، وتخرج في مدارس «جمعية العلماء المسلمين»، كما درس بالمدارس الفرنسية في صغره، إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، وحصل على إجازة الفلسفة عام 1970، وشهادة دكتوراه في الجزائر، ثم شهادة دكتوراه دولية من بريطانيا في علوم التربية بين 1978.

مارس مهنة تدريس علم النفس التربوي بكلية العلوم الإنسانية في جامعة «بوزريعة» بالعاصمة، وحارب عباسي الاحتلال الفرنسي خلال الخمسينيات القرن الماضي، وكان عضوًا في المنظمة السرية التي فجرت الثورة الجزائرية، واعتقل في 11 نوفمبر الثاني 1954، وقضى في السجن سبعة أعوام، وبعد الاستقلال انضم إلى حزب جبهة التحرير الوطني.

برز كواحد من وجوه التيار الإسلاموي في الجزائر خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ومارس النشاط الدعوي والسياسي متأثرًا بفكر الكثير من المفكرين، مثل، عبدالحميد بن باديس ومالك بن نبي، وأنشأ «مدني» عام 1963 جمعية «القيم الإسلامية»، التي حظرها الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1970.

وفي 1982 ألقي القبض عليه من قبل السلطات الجزائرية، على خلفية ما يعرف بأحداث الحي الجامعي، في «بن عكنون» بالجزائر العاصمة، حيث شارك بالتجمعات في النداء الذي وجهوه إلى الحكومة مطالبين بالإصلاح وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبعد الإفراج عنه واصل نشاطه مع بعض الدعاة والعلماء تحت رابطة الدعوة الإسلامية التي كان يرأسها أحمد سحنون.

وبعد إقرار التعددية السياسية في البلاد بموجب دستور 1989، أسس وعدد من رفاقه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي الحركة التي بدأت تقلق السلطات الجزائرية مطلع التسعينيات، فقد حددت خطها الفكري في مذكرة قدمتها إلى رئيس البلاد «الشاذلي بن جديد» في السابع من مارس 1989، تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، زاعمة أنها تسعى إلى إقامة نظام حكم مدني تعددي يرتكز على مبدأ الحاكمية لله والسلطة للشعب، وإقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام.

ألقي القبض على «عباسي مدني» في 31 أغسطس 1991 من مكتبه بمقر الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالعاصمة، وفي 16 يوليو 1992 حكمت عليه المحكمة العسكرية في البليدة (جنوبي العاصمة) بالسجن 12 عامًا بعد إدانته بالمس بأمن الدولة.

وفازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي جرت في 21 ديسمبر 1991، على الرغم من اعتقال زعيمها عباسي مدني، لكن إلغاء الانتخابات فجر العنف في البلاد.

وفي 15 يوليو1997 أطلقت السلطات الجزائرية سراحه مع الرجل الثالث في الجبهة «عبدالقادر حشاني» (اغتيل لاحقًا في 22 نوفمبر 1999)، وفي الأول من سبتمبر التالي وُضع «عباسي» قيد الإقامة الجبرية حتى أفرج عنه هو ونائبه «علي بلحاج».

في 23 أغسطس 2003 سُمح لعباسي بمغادرة البلاد لتلقي العلاج في ماليزيا ثم قطر، ومنعت السلطات الجزائرية قياديي الجبهة مدني وبلحاج من ممارسة أي نشاط سياسي، بما في ذلك حق التصويت أو الترشيح في أي انتخابات.

في 13 نوفمبر 2003، أعلن «مدني» «المبادرة الشعبية الوطنية لحل الأزمة بالجزائر» لإنهاء العنف والخروج بالبلاد من أزمتها السياسية والاجتماعية، مؤكدًا أنها مبادرة جماعية تجمع الشعب الجزائري وكل من له استعداد للمشاركة فيها.

شارك