عبدالحليم محمود.. صوفي نال رضا الإخوان والسلفيين
الإثنين 30/يوليو/2018 - 10:13 ص
طباعة
سارة رشاد
بحكم المواقف الكثيرة التي اتخذها الشيخ الأزهري، وثراء الفترة التي حل فيها مسؤولًا عن أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي «الأزهر الشريف»، فكريًّا، فقد أحدث الكثير من الرؤى حول مواقفه الدينية والسياسية.
فبينما يراه الأزاهرة، الشيخ الشجاع الذي تصدى للأنظمة الحاكمة ودافع عن قيمة منصبه، رآه مثقفون شيخًا، تماهى مع السلطة في بعض المواقف، للدرجة التي جعلته يسكت عن زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات للكنيست الإسرائيلي عام 1977، ويدعم موقفه ضد ما عرف إعلاميًّا بــ«انتفاضة الخبز» (مظاهرات شعبية خرجت ضد نظام السادات عام 1977 اعتراضًا على تحريك أسعار بعض السلع الغذائية).
الإمام عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف في الفترة بين (1973: 1978)، والذي ربما كان السلفيون، وجماعة الإخوان، تحديدًا، قد أظهرا أكثر المواقف غرابةً حياله، فرغم المذهب الصوفي الذي يتبناه، حتى إن المتصوفة يرونه مجدد التصوف، و«غزالي العصر» نسبة إلى الإمام «أبوحامد الغزالي» (رجل دين بارز عاش في القرن الحادي عشر الميلادي)، دعمه الإخوان والسلفيون، معتمدين على محطات في حياته طالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو المطلب نفسه الذي ترفعه هذه التيارات، ويجعلها تدعم أي شخصية تطالب بها، حتى لو كانت مختلفةً معها.
نشأة أزهرية
ولد «عبدالحليم محمود» بقرية «أبوأحمد»، وتعرف اليوم بـ«قرية السلام»، وهي من ضواحي مدينة بلبيس، بمحافظة الشرقية، في دلتا مصر عام 1910، لأب أزهري حرص على أن يلتحق نجله بالأزهر، ومن قريته حيث التعلم في الكُتّاب، إلى المعاهد الأزهرية؛ إذ حصل على العالمية عام 1932، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في جامعة السربون بفرنسا، التي حصل منها على رسالة الدكتوراه في التصوف عام 1940، كانت أولى محطات الشيخ الصوفي.
تدرج الشيخ بعد عودته إلى مصر، في مراتب علمية بدأها من كلية أصول الدين (إحدى الكليات الدينية التابعة لجامعة الأزهر)؛ إذ كان أستاذًا للفلسفة ثم عميدًا للكلية؛ لينتقل في عام 1969، لمجمع البحوث الإسلامية أمينًا له، ثم شغل بعد ذلك منصب وكيل الأزهر، فوزيرًا للأوقاف المصرية، ثم رئيسًا لبعثة الحج، ثم شيخًا للأزهر في مارس عام 1973.
خلال الفترة التي تولى فيها مشيخة الأزهر، اتخذ مواقف كانت سببًا في جلب إجماع الإسلاميين حوله، فيقول عنه محمد شهاب، الإخواني الفلسطيني القيادي بحركة المقاومة الإسلامية في غزة (حماس)، في مذكراته التي نشرت في صحيفة «صوت الحق والحرية» الفلسطينية بتاريخ 16 ديسمبر 1994م: «اعتبره الإخوان واحدًا منهم، رغم أنه ليس من الإخوان، وكان المرشد عمر التلمساني(المرشد الثالث لجماعة الإخوان)، يزوره في بيته مقدمًا كل مظاهر التبجيل».
كما خصصت له الموسوعة التاريخية الرسمية للإخوان، المعروفة باسم «إخوان ويكي»، ملفًّا يشيد بسيرته، على الرغم من أن الموسوعة مخصصة فقط لقيادات الإخوان، أو هؤلاء المرتبطين بالجماعة فكريًّا أو تنظيميًّا، ويعتبر تطرق الموسوعة للشيخ الصوفي «استثناء» سببه الرضا الإخواني عليه، لاسيما كتابة عبدالحليم محمود في بعض الأحيان مقالات في صحف الجماعة «الدعوة»، «الاعتصام».
تطبيق الشريعة
يعد موقف «محمود»، من تطبيق الشريعة الإسلامية، وتشكيله لجنة أزهرية، مهمتها صياغة قوانين مستقاة من القرآن الكريم، السبب الأول في إعجاب الإسلاميين به، كما كان له موقف في قضية اغتيال وزير الأوقاف المصري الأسبق، الشيخ محمد حسين الذهبي (1915 ــ 1977م) التي أُدينت فيها جماعة التكفير والهجرة (أسست بداية السبعينات واعترف زعيمها شكري مصطفى، بمسؤوليتها عن عملية الاغتيال).
إذ قررت المحكمة آنذاك الاستعانة بالأزهر في إدانة فكر «التفكير والهجرة»، عبر عرض ملف القضية ونص اعترافات المتهمين عليه، إلا أن الشيخ رفض القطع بإدانتهم، أو رفض أفكارهم، مشيرًا إلى أن الإدانة تقتضي الجلوس مع هؤلاء، والتعرف منهم على المراجع التي استقوا منها أفكارهم، وكيف فهموها، والظروف التي عاشوا فيها؛ حتى يتسنى الحكم على فكرهم، وتسبب هذا الرأي في هجوم المحكمة على الأزهر الشريف، فيما احتفظ الإسلاميون بهذا الموقف للرجل؛ إذ اعتبره بعضهم داعمًا لهم.
وزاد الإخوان على وجه الخصوص في تقدير الشيخ؛ نظرًا لوقوفه في وجه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حينما تناول الأخير الأزهريين، في أحد خطاباته بنوع من التهكم، ليقرر عبدالحليم محمود، خلع اللباس الأجنبي الذي كان يرتديه في فرنسا وحتى فترة ما بعد عودته، ليرتدي الزي الأزهري حتى وفاته، كنوع من الاعتزاز بالأزهر، أيضا بحكم العداء التاريخي بين جماعة الإخوان، وعبدالناصر(تعقب أفراد الجماعة وأدخلهم السجون نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات)، اعتادت الجماعة تقدير أي شخص كان له موقف مناهض لعبدالناصر.
للمثقفين رأي آخر
وعلى عكس الصورة التي حاول الإسلاميون تقديمها حول الشيخ من كونه مناهضًا للأنظمة الحاكمة، قدّم وزير الثقافة المصري السابق، حلمي النمنم، (في الفترة من سبتمبر 2015 إلى يناير 2018 وهو كاتب صحفي، ومؤرخ)، في كتاب «الأزهر.. الشيخ والمشيخة»، قراءة مختلفة حول مواقف الشيخ من الأنظمة؛ إذ ذهب إلى أنه كان أول الداعمين لحكم الرئيس الراحل أنور السادات، بحكم محاربة الأخير للشيوعية؛ ما يتسق مع رفض الشيخ لها.
ولهذا السبب يقول «النمنم»: إن شيخ الأزهر سكت على انهاء النظام المصري لـ«انتفاضة الخبز» 1977، لقناعته برواية النظام بأن الشيوعيين، هم من وقفوا وراءها، كما زار الولايات المتحدة الامريكية؛ بدعوة رسمية، بدعوى أن واشنطن تحارب الشيوعية؛ ولهذا السبب يُرصد للشيخ مؤلفات كثيرة، حول مفهوم الشيوعية من منطلق إسلامي، وموقف الإسلام منها.
وإلى جانب هذه المواقف، يبقى للشيخ هوية صوفية، يعبر عنها إنتاجه الفكري حول التصوف، ففي تعريفه للصوفية يقول: «إنه نظام الصفوة المختارة، إنه نظام هؤلاء الذين وهبهم الله حسًّا مرهفًا، وذكاءً حادًّا، وفطرة روحانية، وصفاء يكاد يقرب من صفاء الملائكة».
وبعد وفاته في عام 1978، دفن في ضريح كان قد بناه لنفسه بقريته بمحافظة الشرقية، ويحيي متصوفة وأزهريون ذكرى وفاته كل عام، فيما يُعرف بـ«مولد الشيخ عبدالحليم محمود».
فبينما يراه الأزاهرة، الشيخ الشجاع الذي تصدى للأنظمة الحاكمة ودافع عن قيمة منصبه، رآه مثقفون شيخًا، تماهى مع السلطة في بعض المواقف، للدرجة التي جعلته يسكت عن زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات للكنيست الإسرائيلي عام 1977، ويدعم موقفه ضد ما عرف إعلاميًّا بــ«انتفاضة الخبز» (مظاهرات شعبية خرجت ضد نظام السادات عام 1977 اعتراضًا على تحريك أسعار بعض السلع الغذائية).
الإمام عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف في الفترة بين (1973: 1978)، والذي ربما كان السلفيون، وجماعة الإخوان، تحديدًا، قد أظهرا أكثر المواقف غرابةً حياله، فرغم المذهب الصوفي الذي يتبناه، حتى إن المتصوفة يرونه مجدد التصوف، و«غزالي العصر» نسبة إلى الإمام «أبوحامد الغزالي» (رجل دين بارز عاش في القرن الحادي عشر الميلادي)، دعمه الإخوان والسلفيون، معتمدين على محطات في حياته طالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو المطلب نفسه الذي ترفعه هذه التيارات، ويجعلها تدعم أي شخصية تطالب بها، حتى لو كانت مختلفةً معها.
نشأة أزهرية
ولد «عبدالحليم محمود» بقرية «أبوأحمد»، وتعرف اليوم بـ«قرية السلام»، وهي من ضواحي مدينة بلبيس، بمحافظة الشرقية، في دلتا مصر عام 1910، لأب أزهري حرص على أن يلتحق نجله بالأزهر، ومن قريته حيث التعلم في الكُتّاب، إلى المعاهد الأزهرية؛ إذ حصل على العالمية عام 1932، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في جامعة السربون بفرنسا، التي حصل منها على رسالة الدكتوراه في التصوف عام 1940، كانت أولى محطات الشيخ الصوفي.
تدرج الشيخ بعد عودته إلى مصر، في مراتب علمية بدأها من كلية أصول الدين (إحدى الكليات الدينية التابعة لجامعة الأزهر)؛ إذ كان أستاذًا للفلسفة ثم عميدًا للكلية؛ لينتقل في عام 1969، لمجمع البحوث الإسلامية أمينًا له، ثم شغل بعد ذلك منصب وكيل الأزهر، فوزيرًا للأوقاف المصرية، ثم رئيسًا لبعثة الحج، ثم شيخًا للأزهر في مارس عام 1973.
خلال الفترة التي تولى فيها مشيخة الأزهر، اتخذ مواقف كانت سببًا في جلب إجماع الإسلاميين حوله، فيقول عنه محمد شهاب، الإخواني الفلسطيني القيادي بحركة المقاومة الإسلامية في غزة (حماس)، في مذكراته التي نشرت في صحيفة «صوت الحق والحرية» الفلسطينية بتاريخ 16 ديسمبر 1994م: «اعتبره الإخوان واحدًا منهم، رغم أنه ليس من الإخوان، وكان المرشد عمر التلمساني(المرشد الثالث لجماعة الإخوان)، يزوره في بيته مقدمًا كل مظاهر التبجيل».
كما خصصت له الموسوعة التاريخية الرسمية للإخوان، المعروفة باسم «إخوان ويكي»، ملفًّا يشيد بسيرته، على الرغم من أن الموسوعة مخصصة فقط لقيادات الإخوان، أو هؤلاء المرتبطين بالجماعة فكريًّا أو تنظيميًّا، ويعتبر تطرق الموسوعة للشيخ الصوفي «استثناء» سببه الرضا الإخواني عليه، لاسيما كتابة عبدالحليم محمود في بعض الأحيان مقالات في صحف الجماعة «الدعوة»، «الاعتصام».
تطبيق الشريعة
يعد موقف «محمود»، من تطبيق الشريعة الإسلامية، وتشكيله لجنة أزهرية، مهمتها صياغة قوانين مستقاة من القرآن الكريم، السبب الأول في إعجاب الإسلاميين به، كما كان له موقف في قضية اغتيال وزير الأوقاف المصري الأسبق، الشيخ محمد حسين الذهبي (1915 ــ 1977م) التي أُدينت فيها جماعة التكفير والهجرة (أسست بداية السبعينات واعترف زعيمها شكري مصطفى، بمسؤوليتها عن عملية الاغتيال).
إذ قررت المحكمة آنذاك الاستعانة بالأزهر في إدانة فكر «التفكير والهجرة»، عبر عرض ملف القضية ونص اعترافات المتهمين عليه، إلا أن الشيخ رفض القطع بإدانتهم، أو رفض أفكارهم، مشيرًا إلى أن الإدانة تقتضي الجلوس مع هؤلاء، والتعرف منهم على المراجع التي استقوا منها أفكارهم، وكيف فهموها، والظروف التي عاشوا فيها؛ حتى يتسنى الحكم على فكرهم، وتسبب هذا الرأي في هجوم المحكمة على الأزهر الشريف، فيما احتفظ الإسلاميون بهذا الموقف للرجل؛ إذ اعتبره بعضهم داعمًا لهم.
وزاد الإخوان على وجه الخصوص في تقدير الشيخ؛ نظرًا لوقوفه في وجه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حينما تناول الأخير الأزهريين، في أحد خطاباته بنوع من التهكم، ليقرر عبدالحليم محمود، خلع اللباس الأجنبي الذي كان يرتديه في فرنسا وحتى فترة ما بعد عودته، ليرتدي الزي الأزهري حتى وفاته، كنوع من الاعتزاز بالأزهر، أيضا بحكم العداء التاريخي بين جماعة الإخوان، وعبدالناصر(تعقب أفراد الجماعة وأدخلهم السجون نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات)، اعتادت الجماعة تقدير أي شخص كان له موقف مناهض لعبدالناصر.
للمثقفين رأي آخر
وعلى عكس الصورة التي حاول الإسلاميون تقديمها حول الشيخ من كونه مناهضًا للأنظمة الحاكمة، قدّم وزير الثقافة المصري السابق، حلمي النمنم، (في الفترة من سبتمبر 2015 إلى يناير 2018 وهو كاتب صحفي، ومؤرخ)، في كتاب «الأزهر.. الشيخ والمشيخة»، قراءة مختلفة حول مواقف الشيخ من الأنظمة؛ إذ ذهب إلى أنه كان أول الداعمين لحكم الرئيس الراحل أنور السادات، بحكم محاربة الأخير للشيوعية؛ ما يتسق مع رفض الشيخ لها.
ولهذا السبب يقول «النمنم»: إن شيخ الأزهر سكت على انهاء النظام المصري لـ«انتفاضة الخبز» 1977، لقناعته برواية النظام بأن الشيوعيين، هم من وقفوا وراءها، كما زار الولايات المتحدة الامريكية؛ بدعوة رسمية، بدعوى أن واشنطن تحارب الشيوعية؛ ولهذا السبب يُرصد للشيخ مؤلفات كثيرة، حول مفهوم الشيوعية من منطلق إسلامي، وموقف الإسلام منها.
وإلى جانب هذه المواقف، يبقى للشيخ هوية صوفية، يعبر عنها إنتاجه الفكري حول التصوف، ففي تعريفه للصوفية يقول: «إنه نظام الصفوة المختارة، إنه نظام هؤلاء الذين وهبهم الله حسًّا مرهفًا، وذكاءً حادًّا، وفطرة روحانية، وصفاء يكاد يقرب من صفاء الملائكة».
وبعد وفاته في عام 1978، دفن في ضريح كان قد بناه لنفسه بقريته بمحافظة الشرقية، ويحيي متصوفة وأزهريون ذكرى وفاته كل عام، فيما يُعرف بـ«مولد الشيخ عبدالحليم محمود».