سليم عبو اليسوعي.. راهب المقاومة الثقافية والفكرية
الأربعاء 26/ديسمبر/2018 - 03:26 م
طباعة
روبير الفارس
خسر لبنان رائدا في التعليم والثقافة والفكر انه البروفسور والفيلسوف والكاتب الأب سليم عبو اليسوعي، الذى رحل يوم الأحد 23 ديسمبر 2018، وكان قد دعا في جميع كتاباته لحرية الفكر والتعبير بكل اشكالها الرئيس السابق لجامعة القدّيس يوسف في بيروت ، عن عمر ناهز 90 عاما.
ولد سليم عبو في العاصمة اللبنانية بيروت سنة 1928. دخل الرهبنة اليسوعيّة في فرنسا سنة 1946 حيث تابع علومه الأدبيّة والفلسفيّة واللاهوتيّة.
سنة 1961 نال شهادة الدكتوراه في الآداب. ونتيجة إغلاق المعهد العالي للآداب، أسّس كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة سنة 1977 وظلّ عميدها حتى سنة 1992.
تولَّى رئاسة جامعة القدّيس يوسف في بيروت 1995 وحتى عام 2003. وشغل منصب منسِّق شبكة “ثقافات ولغات وتطوّر” المنبثقة عن الوكالة الجامعيّة للفرنكوفونيّة، وذلك من عام 1993 حتى عام 1999. وهو مدير منشورات جامعة القدّيس يوسف وأستاذ الكرسيّ الجامعيّ لويس د. – المعهد الفرنسي لأنتربولوجيا تفاعل الثقافات.
جامعة القديس يوسف
وجامعة القديس يوسف جامعة كاثوليكية خاصة لبنانية للتعليم العالي أسسها الاباء الرهبان اليسوعيون – الجزويت - في عام 1875 في بيروت، لبنان، معروف عنها مدرسة الطب ومستشفاها،و فندق ديو دو فرانس وتعترف الدولة اللبنانية رسميا بالجامعة وشهادات الدبلوم التي تمنحها بما يتوافق مع قانون تنظيم التعليم العالي في لبنان. في بيروت وتضم الجامعة كليات العلوم الطبية وللعلوم والتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية،
وتوجد ثلاثة فروع للجامعة في صيدا (جنوب)، زحلة (البقاع)، وطرابلس (شمال). بالإضافة إلى ذلك، فإن الجامعة تضم 12 قسم و22 مدرسة متخصصة.
افكار عبو
يركّز البروفسور عبو أبحاثه على التقاء الحضارات في العالم، ومظاهر التثاقف، والصراعات حول الهوّية، والتعددية الثقافيّة والمواطنة.كاتب، وفيلسوف، وعالم أنتروبولوجيا، نشر العديد من المؤلفات اغلبها باللغة الفرنسية ومنها" فلسفة علم الانثربولوجيا" و"وقت الاعتراف " معني العؤلمة وقلق الهوية " وغيرها من الكتب والابحاث ويكشف نعي كل التيارات في لبنان عن مكانة واهمية الاب سليم ودوره في الحياة الفكرية في لبنان
فقد قال عنه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري "أن بوفاة الرئيس السابق لجامعة القديس يوسف، الأب سليم عبو نخسر مفكرا وفيلسوفا وكاتبا كرّس حياته للحوار وللدفاع الثقافي عن حرية لبنان وسيادته واستقلاله". وأضاف عبر "تويتر": "كان رحمه الله صديقا للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أقام معه جلسات حوار مغلقة وطويلة، وعملا معا للعيش الواحد والسلم الأهلي والحفاظ على المؤسسات الديمقراطية والدولة".
و نعى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأب عبو وغرّد على حسابه الخاص عبر "تويتر"، قائلًا، "وداعاً سليم عبو رسولاً للقيم اليسوعية النبيلة، وبشيراً للحق والحرية والانسان، ونجماً مضيئاً للفكر والعلم والثقافة والكرامة الوطنية".
أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي فنعاه عبر "تويتر" قائلاً: "رحل الاب سليم عبو الملهم والمفكر لثورة الارز وربيع بيروت، كم كان صلبا في قناعاته في ضرورة رفض نظام الهيمنة السوري ودفاعه عن التنوع الثقافي العنوان الاساس للصيغة اللبنانية. رحل وغيوم الظلام السوداء تطل من الشرق.رحل وسرطان القوميات يجتاح الغرب.سنفتقده كثيرا في صفائه وهدوئه".
ونعى وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس الخوري، الأب عبو، وقال في بيان: "رحل الأب عبو كما عاش، أعماله كانت لها دلالاتها وإشاراتها الواضحة، إنه اليسوعي الملتزم والمنفتح".
وأضاف: "حين تجتمع معه يأسرك بتواضعه وبسعة معرفته، مسيحي الهوى وطني الفؤاد، طبع جامعة القديس يوسف بأفكاره فأضحت المركز المشعل للحوار والالتقاء، حر عاش حياته يبدي الرأي من دون مواربة أو رياء".
وختم: "رحل سليم عبو عنا بالجسد، ولكن يبقى بيننا من خلال ما كتب، ومن علم له ديمومة البقاء، والمنهل لنا جميعا وللأجيال القادمة عبر الارث الثقافي والتربوي والوطني الذي تركه لنا".
آلان حكيم: ونعاه وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم قائلاً: "يغادرنا تاركا بصمات الضمير الحر والكلمة القوية التي كانت تدوّي في خطاباته في وجه الاحتلال والذي لطالما آمن بالجامعة اليسوعية كمنبر للحرية والسيادة والديمقراطية وبدورها في بناء الوطن إلى جانب دورها التعليمي".
أما رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل فكتب عبر "تويتر": "الاب سليم عبو احد أعمدة العلم والمقاومة الكيانية والثقافية في لبنان... طبع تاريخ لبنان برعايته جيلاً شاباً مناضلاً اطلق من الجامعة اليسوعية المقاومة الطالبية في مواجهة الاحتلال السوري وواكب المراحل التأسيسية الفكرية لثورة الأرز لكنه رحل قبل ان يرى السيادة ناجزة".
ورثى النائب زياد الحواط، الأب سليم عبو، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر" قال فيها: "رحل الأب سليم_عبو الذي كرس حياته للدفاع عن السيادة والحرية والاستقلال والعلم والثقافة. كان الملهم لجيل من طلاب الجامعة اليسوعية ولبنان في مقاومة الاحتلال السوري.
ننحني أمام مسيرته النضالية، وسيبقى معنا حاضرا في كل تحرك حتى استرجاع السيادة كاملة على كامل تراب لبنان".
ونعى النائب نديم الجميّل الأب سليم عبو، وقال في بيان: “بصمت مُهيب، غادرنا إلى جوار الرب الأب سليم عبو رئيس الجامعة اليسوعية السابق، الذي آمن بربه كرسول سلام وآمن بلبنان وطن الحرية والسيادة والاستقلال ورسالة السلام”.
وأضاف: “كان رحمه الله، رجل فكرٍ ورجل دين. لذا لقّبه البعض بأب المقاومة الثقافية والفكرية انطلاقاً من مواقفه الوطنية التي دعت الطلاب والشباب للتعبير عن آرائهم بحرية بعيداً عن الغوغائية، وقد كان مؤمناً بما قام به بشير من إصلاحات قُبيْل تسلّمه مقاليد الحكم، مما دفعه لإصدار كتابه الشهير: Bachir, ou l’Esprit d’un Peuple "البشير او روح الشعب "شارحاً فيه ومُحللاً المواقف الوطنية التي اعتمدها الرئيس اللبناني بشير الجميل وعمل بها في مسيرته النضالية”.
وتابع: “الأب سليم عبو، يفتقده الشباب والمثقفون اللبنانيون ونفتقده نحن، قيمةً فكرية وأدبية ووطنية، أعطت طابعاً مُميّزاً للحركات الوطنية عبر دفعه الشباب للمشاركة بثورة الأرز عام 2005 من أجل المطالبة بالخروج السوري من لبنان ليستعيد لبنان دوره الريادي في نشر ثقافة الديمقراطية والحرية”.
وختم: “رحل الأب سليم عبو، في غمرة أزمة لبنان الوجودية وقبيل عيد ولادة المسيح، تاركاً لنا إرثاً ثقافياً وفكرياً عظيماً، رحل الى جوار الرب والقديسين والشهداء بصمت وهدؤ. قال كلمته ومشى. رحمه الله”.
وأصدرت الدائرة الإعلامية في "القوات اللبنانية" بياناً نعت فيه الاب عبو، جاء فيه: "ينعي حزب "القوات اللبنانية" ببالغ الأسى الى جميع اللبنانيين وفاة الرئيس السابق لجامعة القديس يوسف البروفيسور الأب سليم عبو الذي يغيب عنّا في أسبوع ميلاد المسيح وهو الذي افنى شطر العمر رسولاً للقيم اليسوعية النبيلة، وبشيراً للحق والحرية والانسان، ونجماً مضيئاً للفكر والعلم والثقافة، فولدّت هذه الدينامية التثاقفية الحضارية الإنسانية التي ميزّت مسيرة الأب عبو بعضاً من نواة حركةٍ طالبية استقلالية، شكلّت مع سواها من المحطات الوطنية والاستحقاقات السياسية والمواقف النضالية، البراعم الأولى للربيع اللبناني الذي ازهر حريةً وسيادة واستقلال.
اليوم يُنكّس علمٌ آخر من اعلام الفكر المُلتزم والموقف الحر والثقافة المبدعة الخلاّقة في لبنان والشرق، لكن السارية تبقى منتصبة بانتظار ان يعود ويرتفع عليها اسم سليم عبو من جديد مُجسَدّاً بأجيالٍ وأجيالٍ من الطلاّب الخريّجين الذين تدرّجوا على يده، ونهلوا من فكره، وتشرّبوّا كاسات الكرامة الوطنية من معين قلمه، ويشقّون دروب المستقبل على خطاه.
لقد كان الأب سليم عبو يرمز الى الجانب الثقافي لمقاومة الإحتلال في لبنان، بما يتكامل مع الجوانب الثانية لعمل المقاومة اللبنانية دفاعاً عن الكرامة والوجود والمصير، وهو اذ يغيب اليوم بالجسد عنّ ارضه وشعبه ورهبنته وجامعته، إلاّ ان المقاومة الثقافية التي ارساها وشكّل عمودها الفقري خلال مسيرته الوطنية والأكاديمية، ستبقى جزءاً خالداً من الإرث الحضاري للمقاومة اللبنانية على هذه الأرض، الآن والى دهر الداهرين.
رحل فيلسوف الحريات ومُنظّر التعددية الثقافية وتلاقي الحضارات، رحل رجل الجرأة الأدبية والمقاومة الثقافية في زمن الوصاية يوم عزّ فيه المقاومون وكَثُر فيه المتمّلقون، رحل احد رجالات المقاومة اللبنانية الأوفياء الأنقياء، رحل صديق البشير، فخسارتنا كبيرة جداً، لكن ايماننا يبقى اكبر بألاّ تبخل ارحام الأمهات على شعبنا بأمثال سليم عبو، حاضراً ومستقبلاً.
اليوم اسلم الأب سليم عبو الروح، لكن الروح التي بعثها في الحركة الشبابية الاستقلالية عبر محاضراته وكتاباته لن تُسلم روحها ولن تستسلم وستبقى تشّع إيماناً ونقاوةً ومقاومةً حتى تحقيق الحلم وولادة لبنان الجديد.
إن حزب "القوات اللبنانية" يتقدّم بأحّر التعازي القلبية الصادقة من عائلة الأب سليم عبو الصغرى ومن عائلته اللبنانية الكبرى، كما يتقدّم بالتعازي من الرهبنة اليسوعية ومن جامعة القديس يوسف، معاهداً الله بأن تبقى ذكراه خالدة في وجدان المقاومة اللبنانية.