السيد ياسين.. الكونية والأصولية وما بعد الحداثة
الثلاثاء 03/سبتمبر/2019 - 02:10 م
طباعة
حسام الحداد
ليس من السهل الكتابة عن مفكر وعالم اجتماع بقامة السيد ياسين الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده (3 سبتمبر 1933 - 19 مارس 2017) ، وهو واحد من أهم المفكرين والكتاب في مصر والوطن العربي، أثرى الحياة العلمية والأكاديمية بأفكاره وكتاباته وأبحاثه والعديد من الدراسات السياسية والاجتماعية، خلال مسيرته العلمية الطويلة، التي عمل فيها في وقت مبكر على الشخصية العربية والفكر القومي ومفهوم المواطنة وحوار الحضارات، كما توقّف طويلًا أمام العولمة، مفهومها وتأثيرها وانعكاساتها عربيًّا وعالميًّا. لكن مع تصاعد التطرف والتكفير والعنف وتبنّي الجماعات الإرهابية القتلَ منهجًا ونظرية في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، بدأ السيد ياسين العمل على تحليل ونقد الظاهرة ليقدم خارطة مهمة لجماعات الإسلام السياسي، كاشفًا ومفندًا الأسس التي قامت عليها مجمل أفكار وآراء قادتها.
وتنطلق رؤى وتحليلات السيد ياسين سياسيًّا وثقافيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا من قراءات علمية عميقة للقضايا والظواهر والأحداث والمشكلات التي يتعرض لها المجتمع المصري والعربي. فهو يتابع التغيرات والتطورات في مناهج البحث، جنبًا إلى جنب الدراسات والبحوث التي تتناول ما يطرأ في المنطقة العربية والعالم، ويجيد طرح الأسئلة ولا ييئس من البحث عن إجابات لها.
ومن بين أهم الأسئلة التي طرحها السيد ياسين، تلك التي طرحها علينا تحت عنوان "أسئلة القرن الحادي والعشرين" والتي تضمّنها كتابه "الكونية والأصولية وما بعد الحداثة" والذي يناقش في جزأيه الأول والثاني ومن خلال مجموعة مترابطة من الدراسات والمقالات ثلاثة موضوعات أساسية: الكون، والأصولية، وما بعد الحداثة.
والكتاب يبدأ بمقدمة لسيرة ذاتية للكاتب تلقي الضوء على التكوين الثقافي لجيل كامل من المثقفين المصريين الذين مارسوا الحياة بوعي في الأربعينيات وتشكلت عقولهم في إطار من النهضة، وفي مناخ الحركة الوطنية.
ويتصدر الكتاب دراسة أكاديمية عن الثورة الكونية يطرح فيها الكاتب رؤيته للمتغيرات العالمية. والجزء الأول يتناول نقد العقل التقليدي، والثاني أفرده المؤلف لتناول أزمة المشروع الإسلامي المعاصر.
يقول السيد ياسين: "لقد بلغت موجة الإرهاب الفكري مداها بمناداة أحد الكتاب بالتحديد المسبق لمناطق فكرية آمنة لا ينبغي على أي باحث أو مفكر أن يقترب منها.
ألا يذكرنا ذلك بلوائح محاكم التفتيش التي كانت تنشر في المانيفستو أسماء الكتب المحرَّمة التي لا ينبغي تداولها، وإلا تعرَّض من يفعل لذلك للتعذيب والعقاب الشديد؟ وهل نعود بعد عشرات السنين مِن فتح أبواب الفكر على مصراعيها، إلى تحديد قائمة بالمحرمات التي لا يتاح لأي عقل إنساني أن يتعرض لها بالبحث والتحليل؟ وهل بهذه الاستراتيجية الثقافية المتخلفة يمكن لنا حقًّا أن نعيش عصرنا، وأن نجتهد في فهم النصوص الإسلامية، وفق شروط الاجتهاد؛ حتى نرقى إلى مستوى العصر؟".
تلك الأسئلة التي طرحها السيد ياسين في كتابه عام 1996، قبل بداية القرن الحالي، ما زالت تشغل العديد من دوائر البحث والفكر والثقافة، فما زال الصراع قائمًا بين من يتوهمون امتلاك الحقيقة المطلقة من أصحاب الفكر التقليدي والمحافظ والذين يرون أي تجديد في البحث العلمي إنما هو بمثابة صراع على الهوية وضرب للعقيدة، وكأن تلك العقيدة هشة ضعيفة يغيرها بحث أو دراسة أو مناقشة أو حتى مقال في صحيفة.
ويستمر السيد ياسين في كتابه بمناقشة أزمة العقل السياسي العربي فيؤكد أنه "ليس لدينا شك في أن العقل السياسي العربي يمر بأزمة عميقة. وهذه الأزمة لها مظاهر متعددة، من بينها غلبة السلفية السياسية– إن صح التعبير– على مجمل أطروحات التيارات السياسية الفاعلة في المحيط العربي. وإذا أضفنا إلى هذه المظاهر العجز الواضح عن التعامل الإيجابي الفعال– من وجهة النظر الفكرية– مع المتغيرات العالمية، والبلبلة الكبرى التي أعقبت الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، لأدركنا أننا أمام ظاهرة تستحق التحليل". ويستطرد قائلًا: ".. لا بد أن نتبنى تعريفًا واضحًا لما نعنيه بالسلفية السياسية. في تقديرنا أن لها معنيين: الأول يشير إلى التمسك بممارسات سياسية قديمة وعدم الاقتناع بأن تغير الظروف جدير بإحداث التغيير في اتجاهات وأساليب الممارسة. ويمكن القول بأنه في كل مجتمع سياسي إنساني معاصر، هناك سلفيون يتخندقون في المواقع الفكرية القديمة، ولا يريدون أن يخرجوا منها ليستنشقوا هواء التجديد، ويدافعوا باستماتة عن رؤى وأفكار وقيم تجاوزها التاريخ، وأصبحت مفارقة لروح العصر.
غير أنه يمكن القول إنه في المجتمعات السياسية الحية تغلب تيارات التجديد والمعاصرة على التيارات السلفية، ومن ثم فهي لا تمثل سوى جيوب فكرية منعزلة، وليست مؤثرة على التيار الفكري العام، ولا فاعلة في توجيهات المجتمع أو سياسة الدولة. غير أنه في مجتمعنا العربي يمكن القول بأن الغلبة في الواقع هي لهذه التيارات السلفية السياسية، مما يؤدي إلى وجود أزمة حقيقية يتعين مواجهتها".
هكذا كان يرى الدكتور سيد ياسين السلفية المسيطرة على العقل العربي والمهيمنة عليه في كل مناحي الحياة، مما جعل مجتمعاتنا العربية خارج التاريخ، ولم نتكشف هذا جليًّا إلا بعد تفشي الحالة الداعشية في المنطقة العربية بعد ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي، فبدلًا من دخول مجتمعنا للعصر الحديث وطرق أبواب الحداثة على مستوى الفكر والواقع وجدنا أنفسنا داخل الماضي بوصول السلفية بتنوعها إلى مقاليد السلطة السياسية.
حياته:
ولدّ السيد ياسين بمحافظة الإسكندرية في 3 سبتمبر 1933، وتخرَّج في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة القاهرة في علم الاجتماع والعلوم السياسية، عمل بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قبل أن يسافر إلى فرنسا ليدرس القانون والعلوم الاجتماعية في جامعتي ديجون (1964 - 1966) وباريس (1966)، وخلال تلك الفترة اهتم بعلم الاجتماع الأدبي الذي كان لايزال ناشئا وقتها، وكذلك علم الاجتماع السياسي.
لدى عودة السيد ياسين إلى مصر، انضم سنة 1968 إلى مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بالأهرام، الذي لم يلبث أن تحول في عهد الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل إلى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي شارك ياسين في تأسيسه، قبل أن يتولى رئاسته في الفترة من 1975 إلى 1994. وقد أسس ياسين أثناء رئاسته للمركز وحدة الدراسات الاجتماعية.
شغل ياسين منصب الأمين العام لمنتدى الفكر العربي في الأردن (1990 ـ 1997)، وعمل مساعدًا بوزارة الخارجية المصرية، ومديرا بوزارة البحث العلمى، وأستاذًا لعلم الاجتماع السياسي في المركز الوطنى للابحاث الاجتماعية والعلوم الجنائية، ورئيسًا للجنة رصد المتغيرات الوطنية، إلى جانب عضويته بالمجلس الأعلى للثقافة.
من مؤلفاته
أسس البحث الاجتماعي، 1963م، مع أخرين،
التحليل الاجتماعي للأدب، 1970م
الشخصية العربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر، 1973م
الصهيونية أيدلوجية عنصرية، 1977م
السياسة الجنائية المعاصرة: دراسة نقدية للدفاع الاجتماعي، 1977م
دراسات في السلوك الإجرامي،
الشخصية العربية بين تصور الذات ومفهوم الآخر،
مصر بين الأزمة والنهضة،
تحليل مفهوم الفكر القومي، 1987م
تحولات الأمم والمستقبل العالمي، 2010م
آفاق المعرفة في عصر العولمة، 2011م، الهيئة المصرية العامة للكتاب،
الشعب على منصة التاريخ، 2013
صعود وسقوط حركات الإسلام السياسي،
ما بعد الثورة: الزمن التنموى والتحديث الحضارى،
الجوائز والتكريم
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1996)
وسام العلوم والفنون والآداب (مصر، 1995)
وسام الاستحقاق الأردني من الطبقة الأولي (المملكة الأردنية، 1992)
جائزة أفضل كتاب في مجال الفكر عن كتاب "الوعي التاريخي والثورة الكوينية" (معرض القاهرة الدولي للكتاب، 1995)
جائزة سلطان بن علي العويس (الإمارات العربية المتحدة، 2013)
وفاته
توفي السيد ياسين في مستشفى الشيخ زايد التخصصي بمدينة 6 أكتوبر في الساعات الأولى من صباح الأحد 19 مارس 2017.