عمر التلمساني.. مجدد شباب الجماعة
الإثنين 04/نوفمبر/2024 - 08:45 ص
طباعة
حسام الحداد
عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني (4 نوفمبر 1904 - 22 مايو 1986)هو المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، سمي بالتلمساني نسبة إلى أصوله من ولاية تلمسان الجزائرية، وقد تميز بقدرته الفائقة على الحوار واحتواء معارضي الجماعة من التيارات العلمانية والإسلامية الأخرى في مصر، يعتبر عمر التلمساني مجدد شباب الجماعة والذي أعاد تنظيمها بعد خروج أعضائها من السجون في أيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
حياته
ولد في حارة حوش قدم بالغورية قسم الدرب الأحمر بالقاهرة في 4 نوفمبر عام 1904م.
تعلم عمر التلمساني العزف على العود وفشل كشاعر.
دخل السجن عام 1954م ثم في عام 1981م ثم في عام 1984م.
كان جد عمر التلمساني رجل علم وحصل على الباشوية من السلطان عبد الحميد.
نشأ في بيت واسع الثراء، فجده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر، جاء إلى القاهرة، واشتغل بالتجارة، وفتح الله عليه بالمال الوفير، فلجأ إلى القرآن يعتصم به، وتدثر بالانطواء على نفسه يزكيها بجهد صامت، واجتهاد كبير.
في سن الثامنة عشرة تزوج وهو لا يزال طالبًا في الثانوية العامة، وظل وفيًا لزوجته؛ حتى توفاها الله في أغسطس عام 1979م، بعد أن رزق منها بأربعة من الأولاد حصل على ليسانس الحقوق، واشتغل بمهنة المحاماه، وفي شبين القناطر كان مكتبه، وظل يدافع عن المظلومين، حتى جاءت سنة 1933م التي التقى خلالها حسن البنا في منزله، وبايعه، وأصبح من الإخوان المسلمين وكان أول محامٍ يدخل جماعة الإخوان المسلمين.
انضمامه للإخوان
إنضم عمر التلمساني لجماعة الإخوان المسلمين علي يد مؤسس الجماعة حسن البنا في عام 1933 بعد أن دعاه لحضور دروسه اثنان من الإخوان هما "عزت محمد حسن" وكان معاون سلخانة بشبين القناطر، والآخر "محمد عبد العال"، وكان ناظر محطة قطار الدلتا في محاجر "أبي زعبل".
التلمساني في مكتب الإرشاد
عقب عودة الإخوان المسلمين للعمل العلني ـ أو شبه العلني ـ بعد إفراج الرئيس الراحل السادات (1972) عن كوادرها المعتقلين والشروع في إعادة تشكيل الهيكل التنظيمي القديم للجماعة، والذي كان علي حال من التردي والضعف الشديدين وهو ما أدركه المرشد العام وقتها حسن الهضيبي ولكن القدر لم يمهله لبناء تنظيم الإخوان علي المستوي المحلي "داخل مصر" وإن كان قد انصرف بجهده لبناء "حركة الاخوان المسلمين العامة" أي التنظيمات القطرية للإخوان في محاولة لرأب صدع الانقسامات التي عرفت الطريق للكثير من التنظيمات القطرية للإخوان في الدول العربية ولإخضاعها لسلطة مكتب الإرشاد العام وتفعيل تبعيتها للمرشد العام. وعقب وفاة الهضيبي (1973) لجأ رجال النظام الخاص في الجماعة
(الحرس القديم) إلي خطة تهدف إلي ضم شباب الجماعات الدينية التي بدأت تنتشر في الجامعات المصرية عقب هزيمة 1967 في محاولة جادة لإعادة بعث جماعة الإخوان من جديد، علي ضوء المناخ المواتي الذي وفره لهم السادات. وكان الحرس القديم في جماعة الإخوان قد نجح (خاصة الدور الذي قام به مصطفي مشهور رمز الحرس القديم وصقر الجماعة) في إزاحة عدد من القيادات التاريخية للإخوان التي كانت توصف بالاعتدال والواقعية مثل محمد فريد عبدالخالق النائب الأول للمرشد وصالح أبو رفيق النائب الثاني وصالح عشماوي وكيل الجماعة بل وسعي لمحاصرة التلمساني (المرشد العام الثالث والذي خلف المرشد العام الثاني حسن الهضيبي).
وبالفعل ـ وبفضل الإمكانات التي وفرها السادات بشكل مباشر للإخوان أو تلك التي سعي الإخوان بشكل غير مباشرـ لاستغلالها بدأت الدماء الجديدة والأجيال الجديدة، خاصة من شباب الجامعات تعرف الطريق للبناء التنظيمي للإخوان، ولم تكن هذه العناصر الشابة مجرد "رقم" يضاف للقدرات التنظيمية للإخوان، بل حملت معها أفكارا جديدة. وأحيانا رؤي مغايرة لتلك التي اعتادت الجماعة ترويجها والعيش في كنفها عقودا طويلة.
ونجح المرشد العام الثالث ـ عمر التلمساني ـ داهية الإخوان، الذكي، البسيط، المتواضع، طويل النفس، لدرجة أنه رسم خطة لمدة خمسين سنة أطلق عليها خطة المشي في "خطوات متوازية " للتسلل إلي الأنشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنقابات والمدارس والجامعات.
إنها خطة تحاشي "الاصطدام مع النظام" لأن الإخوان سيعدون أنفسهم بعد اليوبيل الذهبي ـ 50 عامًا ـ لمقاعد الحكم.
وإلي حد كبير، نجح التلمساني في إعمال أفكاره واستطاع جذب عناصر شبابية لجماعة الإخوان، سرعان ما لعبت أدوار البطولة في مسلسل مسيرة تطور وتنامي الإخوان في عقود السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وضخت أفكارا وصنعت تجارب وممارسات مثلت رصيدا متميزا للجماعة علي مستوي الكم والنوع علي السواء. وهذا يستدعي أن نسلط الضوء ـ سريعاـ علي هذه التجربة. تجربة تيار الإخوان السبعيني وعلاقته التنظيمية والفكرية مع تيار الحرس القديم من قيادات الإخوان التاريخية. إنها حقبة التفاعل ـ الذي وصل في أحيان منه لحد الصراع بين تيارين تيار الحرس القديم والتيار السبعيني. أو بعبارة أخري "المحافضون والمجددون" داخل جماعة الإخوان المسلمين.
"الديني والسياسي". وأفكار جيل إخواني جديد:
لم يكف الإخوان قط عن المطالبة بإلغاء قرار حل الجماعة الصادر عام 1945، فتقدموا في مارس 1976 مع ظهور المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي بطلب لإعادة الجماعة إلي العمل رسميا، ثم أقاموا دعوي قضائية تطالب بإلغاء قرار الحل، إلا أن القضاء رفض البت في هذه الدعوي.
وعلي أثر صدور قرار تنظيم الأحزاب عام 1979 أصرت الجماعة علي استعادة شرعيتها القانونية
كحزب سياسي، إلا أن السادات أحال الأمر إلي وزيرة الشئون الاجتماعية، وطلب من المرشد العام للجماعة التواصل معها. إلا أن التلمساني لسبب مالم يقم بهذا الاتصال، وعوضا عن ذلك الاتصال الذي كان من الممكن أن ينهي المسألة دخل قانونيو الجماعة في جدل حقوقي، ولكنه في جوهره سياسي، مؤكدين أن قرار حل الجماعة عام 1945 لم يكن خاصا بها، بل تطبيقا لقانون حل الأحزاب السياسية، ومن هنا فإن من حق الجماعة أن تستعيد شرعيتها بعد إلغاء ذلك القانون، والنص في الدستور (الذي تم تعديله أكثر من مرة في السبعينيات) علي أن الحياة السياسية تقوم علي أساس التعددية الحزبية.
كان عمر التلمساني المرشد العام الثالث أول من طرح علي الجماعة فكرة تكوين حزب سياسي في ظل قرار الدولة باستمرار سريان قرار حل الجماعة، وقد تخطى التلمساني بفكرته تلك مبدأ إخوانيا تقليديا رسخه البنا يقوم على رفض الحزبية، ولم يكن ما طرحه التلمساني تُقية أو أسلوبا أدواتيا لإعادة الجماعة إلي الشرعية (كما يؤكد المهندس أبو العلا ماضي) وإنما رؤية سياسية جديدة تؤمن بإمكانية ـ بل ضرورة ـ اندماج الجماعة في النسق التعددي التنافسي المعلن.
لقد كان التلمساني في الماضي وفديا وإخوانيا في آن واحد، فكان الوفد يرشحه في قوائمه الانتخابية دون اعتراض من البنا رغم خصومة البنا الحادة مع قيادة الوفد، وكان يعرف مزايا التعددية السياسية ويقدرها، ويؤمن بآلياتها على نحو ما في خدمة الدعوة الإخوانية وإتاحة فضاءات فاعلة لها.
من هنا جاء طرح التلمساني في عام 1984 لفكرة الحزبية لأول مرة بشكل فاجأ الإخوان التقليديين.
لم يطرح التلمساني الفكرة انطلاقا من لغط أيديولوجي ،بل من مصلحة عملية بحتة، فقد كان قانون الانتخابات وقتها ينص علي أن المرشح لمجلس (انتخابات 1984) يجب أن يكون حزبيا أو أن يرشح نفسه على إحدى القوائم الحزبية.
من هنا طرح التلمساني علي الجماعة ضرورة التكيف مع القانون وتشكيل حزب سياسي يمثل واجهة لها.
وقد واجه التلمساني معارضة مزدوجة من الحكومة والإخوان معا، غير أنه واصل طرحه، مبررا عداء البنا للحزبية بظروف وأوضاع أحزاب تلك الفترة وليس من حيث المبدأ، كان التلمساني يعرف أنه يراوغ قادة الجماعة، ولكنه استخدم تلك الحيلة في محاولة لإقناعهم، بيد أنها باءت بالفشل.
(أبو العلا ماضي: رؤية الوسط في السياسة والمجتمع ،ص119)
جدد التلمساني طرحه حول تحول الجماعة إلي حزب سياسي قبيل وفاته عام 1986.
ولم يقف هذه المرة عند مستوي الطرح والمناقشة، وإنما بادر بمساعدة قوة من أبناء جيل السبعينيات التجديدي في كتابة برنامج سياسي تحت اسم "حزب الشوري" وبعد وفاته كرر أبناء هذا الجيل المحاولة مرتين باسم مختلف "حزب الإصلاح" ولم تحظ محاولتهم في المرتين برضا قادة الحرس القديم، الأمر الذي أدي إلي وأد التجربة للمرة الثانية.
كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو الذي قاد التجربة الثالثة عام 1995 الخاصة بحزب الإصلاح، ثم قاد عضو الإخوان البارز في نقابة المهندسين محمد السمان تجربة رابعة في نفس العام 1995 تحت اسم "حزب الأمل" وأخيرا جاء دور مجموعة حزب الوسط وأبو العلا ماضي لتكتمل مأساة هذا التيار، برفض تيار الحرس القديم لهم للمرة الخامسة، ولتبدأ فصول مأساة جيل الوسط الذي مازال مشروعهم تنظره محكمة القضاء الإداري للمرة الثالثة حتي الآن.
لقد أثارت مبادرة شباب الإخوان التقدم بحزب جدلا كبيرا في صفوف الجماعة، سرعان ما تطور إلي صراع مازالت فصوله تتهادي حتي لحظة كتابة هذه السطور.
حزب الوسط: ( وجوب الفصل بين الوظيفة الدعوية الإصلاحية والوظيفة السياسية التنافسية) ( المرجع السابق ص 88)
بوفاة الشيخ عمر التلمساني ـ المرشد العام للإخوان ـ الذي نجح إلي حد كبير في إقامة جسور من التواصل والثقة والمودة مع جيل الشباب في تنظيم الإخوان منذ استطاع جذب قيادات ونجوم الجماعة الإسلامية التي نشطت في صفوف الشباب، وبخاصة طلاب الجامعات للعمل والانضواء تحت لواء "الإخوان المسلمين". ومكن الشيخ ـ لبعض القيادات الشابة ـ من أن تكون صاحبة نفوذ داخل الجماعة، وأن تقدم بعضا من رؤاها الفكرية الجديدة خاصة ما يتعلق بكيفية العمل السياسي وسط قطاعات الجماهير المختلفة. ووصل بعضهم إلي مستويات تنظيمية رفيعة داخل الجماعة
(عضوية مكتب الإرشاد)، وبالطبع لم تخل ـ تلك المرحلة ـ من صراعات مكتومة أحيانا. ومتفجرة في أحيان أخري بين رؤي هذا التيار الذي مثله جيل السبعينيات وبين قيادات الحرس القديم في الجماعة. لكن ظل وجود التلمساني بقدراته ومهاراته القيادية رمانة الميزان في حالة الشد والجذب بين رؤي هذا التيار ورؤي الحرس القديم وبرحيل التلمساني (1986). انتهت مرحلة وبدأت مرحلة جديدة. كانت تجلياتها الأولي اختيار الحرس القديم لرجل ضعيف ليتولي منصب المرشد العام خلفا للتلمساني حتي يتسني لهم العودة إلي صدارة الحدث من جديد، وبالفعل تم لهم ما أرادوا، وجاء حامد أبو النصر مرشدا عاما ومعه مصطفي مشهور أحد أبرز نجوم الحرس القديم (والجهاز الخاص) للجماعة نائبا له، كان مشهور وقتها خارج مصر وعاد فور سماعه بموت التلمساني.
من تلاميذه
قد راهن عمر التلمساني على تجديد شباب الجماعة. اجتهد لتربية جيل جديد يتولى رفع رايتها، فكانت رعايته لرموز نذكر بعضهم. منهم الدكتور "محمد حبيب" والدكتور "إبراهيم الزعفراني" والأستاذ "ثروت الخرباوي" والدكتور "عبدالمنعم أبو الفتوح" والدكتور "عبدالستار المليجي" والأستاذ "خالد داوود" و "محمد عبدالقدوس".
كتابه ذكريات لا مذكرات
بدأ عمر التلمساني في كتابة هذا الكتاب قبل أن يدخل عامه الثمانين ويقول فيه عن نفسه " فقرأت أول ما قرأت كتب أبى زيد الهلالى سلامة وقرأت عن عنترة بن شداد وسيف بن ذى يزن، ثم تدرجت إلى قراءة كل روايات "اسكندر ديماس" وابنه وتعرفت إلى أبطال قصصه الذين كانت شجاعتهم والدفاع عن معشوقاتهم تملك عليّ كل أوقاتى فى شهور الإجازة، وقرأت الأرض لإميل زولا فلم تنل منى اهتماما لوقاحتها وخروجها عن حيز الذوق واللياقة رغم الطنطنة التي أثيرت حولها .
قرأت البؤساء وكل ما كتبه المنفلوطي وبكيت بحرارة مع مآسيه كنت نهما فى القراءة ورغم كل هذا العشق للأدب لم أستطع أن أكون أديبا أو موسيقيا رغم حبى للموسيقى وعزفي على العود لسنين ولم أستطع أن أكون شاعرا رغم كل محاولاتي الفاشلة وعرضت ما أكتب من الشعر على بعض الشعراء فقالوا لي إن ما تكتبه كلام مسجوع في أبيات وليس شعرا .
وكان آخر بيت شعر كتبته :
خضعت لوحى قريحتي الأشعار.. ورنت إليها الغُرّد الأطيارُ
ومن هذا البيت تستطيع أن تحكم إن كان شعرا أو تخريفا . فكففت، ولسبب لا أدريه صرفنى الله عن كل هذه المحاولات الفنية التي فشلت فيها فشلا لامثيل له إن لم تكن مثالا للهزال الفنى أو الفن الهزيل السخيف .
وأقبلت على القراءات الدينية فقرأت تفسير الزمخشري وابن كثير والقرطبي وسيرة ابن هشام وغيرها من السير قرأت أسد الغابة والطبقات الكبرى ونهج البلاغة والأمالي والعقد الفريد لابن عبد ربه والعقد الفريد لابن سيده والبخاري ومسلم ، ومن الجلدة الى الجلدة ورغم كل ذلك فإنى أؤمن بأن ما قرأته قطرة من بحر لا تروى الظمأ .
الشيء الوحيد الذى استفدته من وراء كل هذه المعاناة أنني أعرف للناس أقدارها فلم أمس إنسانا بقلمي ولا بلساني حتى الذين هاجموني ونالوا منى لخلافى معهم في الرأي.
حول شخصية التلمساني
شهادة المحامي والكاتب وعضو مكتب الارشاد السابق مختار نوح التي وردت في مقالة بجريدة ‘الوطن’ اليومية الخاصة، قال:
أفرج الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله عن جميع أعضاء الإخوان المسلمين، فلم يعتمد عمر التلمساني مؤسس الجماعة الثاني على كل فكر حسن البنا وإنما انفتح على المجتمع وتكامل مع الجميع على قواعد الحركة الإصلاحية التي تتضامن مع كافة أطياف المجتمع في نشر الإصلاح بين الناس، كما اعتمد على شباب قادم الى الجمعية ولم ينبت فيها أو يعتنق فكر الانفصال عن المجتمع، فحدث قبو اجتماعي رائع لجماعة اصبحت لا تخاصم على أساس الرأس ولا تهجر بسبب الخلاف الاجتماعي أو الرؤى السياسية إلا أنه وبوفاة الاستاذ عمر التلمساني رحمه الله، عاد إلى أرض مصر من الخارج أصحاب الفكر الواحد والرأي الواحد وسارعوا الى الوجود تدريجياً. وبنفس الفكرة القديمة كان حوارهم مع الآخر حوار يفتقد القبول ويتسم بالتعالي والعناد، وعادت مع وجودهم فكرة الرأي الواحد والفئة الواحدة التي تقتل في سبيل الله من وجهة نظرها حتى انتهى الأمر بالجماعة إلى انعدام الكفاءات وسيطرة الرأي الواحد واكتفاء الأفراد في القاعدة الإخوانية بمناقشات وهمية يصدر بعدها الرأي من الفرد الواحد أو المجموعة الواحدة عن عبارة فحواها ‘هذا الأمر من فوق’ حتى أضاع ذلك الذي يجلس ‘فوق’ كل الجماعة. لكن السيد مختار نح تناسى أن انفتاح التلمساني عليه رحمة الله على الجميع وابتعاده عن بعض أفكار حسن البنا، حدث فقط، بعد خروجه من المعتقل عام 1982، وليس قبلها، لأنه ظل معادياً لتعدد الأحزاب مثل البنا، على الرغم من أن الرئيس الراحل أنور السادات عليه رحمة ربك أخذ بها عام 1976، ومقالاته في مجلة ‘الدعوة’ الشهرية شاهدة على ذلك، وعلى موقفه غير الودي من الأقباط. وحدث التحول بعد أن تواجه هو نفسه ومعه عدد من قادة الجماعة في المعتقل وجهاً مع رموز خصومهم التاريخيين، من الوفديين والناصريين ومن قساوسة الكنيسة الأرثوذكسية، وتلاقى الجميع لأول مرة وتحاوروا معاً، واكتشف كل فريق أن ما كونه عن الآخر في حاجة الى تغيير، واتفقوا على انه بعد خروجهم من المعتقل لابد أن يتلاقوا ويتعاونوا، وكان هذا أهم فائدة تحققت من قيام السادات باعتقالات سبتمبر 1981، وبعد خروج التلمساني من المعتقل اعلن الايمان بالتعددية الحزبية، وكان أول ما قام به زيارة مقر حزب التجمع اليساري، وألقى كلمة في اجتماع سياسي، ثم زار البابا شنودة الثالث بعد إلغاء قرار عزله، وكان معه في الزيارة جابر رزق المستشار الصحافي للجماعة، وقال انهم فوجئوا بشخصية وثقافة البابا وانه لم يكن كما تصوروه، وتوالت التطورات، بأن حدث أول تحالف بين الإخوان وحزب الوفد في انتخابات مجلس الشعب بترشيح عشرة على قوائمه عام 1984.
وفي انتخابات 1987، شكلوا التحالف الإسلامي مع حزبي العمل والأحرار، وبعدها خاضوا الانتخابات منفردين بعد أن عادت إلى الدوائر الفردية وتعاونوا مع فريق من الناصريين، ومع كثير من قادة نظام مبارك بأن كانوا يخلون لهم الدوائر ولا ينافسونهم فيها، وبعد وفاة التلمساني تم اختيار حامد أبو النصر مرشدا عام وسار سيرة التلمساني وبعده جاء مصطفى مشهور لتقع الجماعة نهائيا في قبضة التنظيم الخاص، بتحالفه مع أنصار سيد قطب، وكان مشهور قد تسبب في أزمة خطيرة عندما صرح بعدم تجنيد الأقباط في الجيش، مقابل دفعهم الجزية، وكانت حجته من أغرب ما قيل، وهي أن الجيش المصري قد يقاتل ضد جيش مسيحي، وهنا سيجد الأقباط أنفسهم في مأزق خطير بين الولاء للدين والولاء للوطن.
مؤلفاته
ذكريات لا مذكرات.
شهيد المحراب.
حسن البنا الملهم الموهوب.
بعض ما علمني الإخوان.
في رياض التوحيد.
المخرج الإسلامي من المأزق السياسي.
الإسلام والحكومة الدينية.
الإسلام ونظرته السامية للمرأة.
قال الناس ولم أقل في عهد عبد الناصر.
من صفات العابدين.
يا حكام المسلمين... ألا تخافون الله
لا نخاف السلام ولكن.
الإسلام والحياة.
حول رسالة نحو النور.
من فقه الإعلام الإسلامي.
أيام مع السادات.
آراء في الدين والسياسة.
وفاته
جنازة التلمساني
توفي عمر التلمساني يوم الأربعاء 22 مايو 1986 بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 82 عامًا، ثم صُلِّي عليه بجامع "عمر مكرم" بالقاهرة، وكان تشييعه في موكب شارك فيه أكثر من نصف مليون نسمة من الجماهير فضلاً عن الوفود التي قدمت من خارج مصر.... وحضر رئيس الوزراء، وشيخ الأزهر، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ورئيس مجلس الشعب، وبعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ومجموعة كبيرة من الشخصيات المصرية والإسلامية إلى جانب حشد كبير من السلك الدبلوماسى.. العربي والإسلامي. حتى الكنيسة المصرية شاركت بوفد برئاسة الأنبا إغريغوريوس في تشييع الجثمان.