الإخوان والانتخابات الأمريكية ..الوهم القاتل
الثلاثاء 17/نوفمبر/2020 - 10:37 ص
طباعة
روبير الفارس
مازالت المتابعات لاثار الانتخابات الرئاسية الأمريكية تحظى باهتمام إعلامي وتحليل محتوى وخاصة فيما يتعلق بأوهام جماعة الإخوان الإرهابية المبنية على هذه الانتخابات وفي إطار ذلك نشر الكاتب الكبير حلمي النمنم وزير الثقافة الأسبق تقرير مهم في مجلة المصور قال فيه
كثير من المتابعات العربية للانتخابات الأمريكية؛ وكذلك التعليقات على فوز «بايدن»؛ تكشف عن حالة فكرية ونفسية يجب التوقف عندها؛ ليحدد كل منا موضع أقدامه، ونكتشف بعض العقليات التى تحاول أن تؤثر فينا أو تسيطر علينا.
يمكن القول إنه حتى عدة شهور مضت؛ كان المتصور أن «دونالد ترامب» سيفوز فى الانتخابات وأنه لا يوجد لدى الديمقراطيين منافس له؛ وكان الحزب الديمقراطى يمر بأزمة البحث عن وجه جديد ينافس فى الانتخابات؛ حتى جاءت كورونا، واستخف الرئيس ترامب بها، هو على المستوى الشخصى لم يكن يلتزم بالإجراءات الاحترازية؛ كان يرفض ارتداء الكمامة وغير ذلك؛ قارن موقفه مع الرئيس الصينى مثلًا أو الرئيس الروسى
؛ ومع ازدياد أعداد الإصابات فى الولايات المتحدة؛ حتى صارت هى الأولى عالميا فى أعداد الضحايا وأعداد المصابين، وجدها الديمقراطيون الفرصة السانحة، فخرجت هيلارى كلينتون تندد بسياسات ترامب مع كورونا، رغم أنها ظلت صامتة منذ ٢٠١٦، وخرج الرئيس أوباما ينتقد سياسات ترامب؛ وأمسك بها المرشح «جو بايدن»؛ وهكذا فإن السبب الأكبر لخسارة ترامب هو فشله فى التعامل مع أزمة كورونا أى أنه خسر لسبب محلى تماما؛ لم يخسر كما يتصور البعض لأنه أعلن ما أطلق عليه «صفقة القرن» وليس بسبب أن أقر خطوة الحكومة الإسرائيلية بنقل عاصمتها إلى القدس؛ باختصار لم يكن الشرق الأوسط بكل قضاياه عنصرا حاسما فى الانتخابات الأمريكية؛ وهذا أمر واقع يجب أن نقر وأن نعترف به؛ ولا نخدع أنفسنا؛ وفى معظم الانتخابات الأمريكية يفضل الناخب المرشح الذى يعبر عن قضايا الحياتية المباشرة، هذه المرة كانت قضية الكورونا ومعها كل القضايا الصحية للمواطن الأمريكى هى التى حددت بوصلة الاختيار؛ التى ركز عليها المرشح جو بايدن؛ أما الرئيس ترامب الذى تنتهى ولايته فى السادس من يناير القادم؛ فإنه أيضا كان يبرر عدم اتخاذ المزيد من الإجراءات بخصوص كورونا لأسباب اقتصادية؛ تتعلق بحياة المواطن اليومية؛ كانت وجهة نظره أن إغلاق المدن بالكامل؛ معناه توقف الحياة التجارية والمصانع؛ بما يمكن أن يؤدى إلى انهيار اقتصادى يدفع ثمنه ملايين الأسر؛ التى سيفقد عائلوها فرص العمل والرزق؛ وهذا يعنى أن طرفى المعركة الانتخابية دارا حول قضية داخلية بامتياز، وليس حول قضايا لمنطقتنا وبلادنا.
لو أدركنا ذلك فإن المهللين لفوز بايدن عليهم أن يتريثوا قليلًا والحزانى لخسارة ترامب عليهم أن يمسكوا بمشاعرهم قليلًا.
وقال النمنم
• يتصور البعض أن بايدن سوف يعيد جماعة الإخوان الإرهابية إلى المشهد؛ أن يتصور الإخوان ذلك فهذا شأنهم وقد اعتدنا منهم الغباء السياسى والتعلق بقشة الأجنبى، هم كذلك من أيام حسن البناء وعلاقاته بالاحتلال البريطانى؛ أما أن يتصور بعضنا ذلك؛ فلابد أن نقول لهم بملء الفم مخاوفكم مبالغ فيها؛ مصدر المخاوف أن بايدن كان نائبا للرئيس أوباما؛ عراب الإخوان سنة ٢٠١٢؛ وكان زميلا لهيلارى كلينتون الداعم الأخير للإخوان والتى تبنت - تقريبا- محمد مرسى وخيرت الشاطر؛ نعم هذا حدث؛ لكن تفاصيل المشهد تنبئنا بأن دعم الإخوان كان نهجا أمريكيا؛ وجدناه من الرئيس بوش الابن؛ الذى ضغط خلال انتخابات مجلس الشعب سنة ٢٠٠٥ لصالح الإخوان وكان يلح ويضغط على الرئيس مبارك ليترك الإخوان فى الحكم؛ ثم جاء أوباما من بعده وأكمل المشوار.
كانت السياسة الأمريكية تراهن على أن الإخوان يمكن أن يتسلموا المنطقة؛ومارس أوباما ذلك منذ سنة ٢٠١١؛ لكن خاب رهانهم وفشل الإخوان فشلا ذريعًا؛ وقامت ثورة ٣٠ يونيه.، أثناء وجود أوباما؛ واتخذت قرارات ٣ يوليو ٢٠١٣ فى وجود أوباما وتولى الرئيس عدلى منصور؛ وأمام نزول ٣٠ مليون مصرى إلى الشارع لم يكن ممكنا للإدارة الأمريكية أن تفتح فمها بكلمة وتتدخل؛ وليتنا نتذكر أنه حين طلب وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى من ملايين المصريين النزول لتفويض القوات المسلحة لمواجهة الإرهاب؛ يومها صدر عن الإدارة الأمريكية تصريح بأنها لا تحبذ نزول ملايين المصريين إلى الشوارع مرة أخرى؛ وأنهم يريدون من وزير الدفاع المصرى أن يعيد النظر فى مطلبه إلى المصريين تخوفا من أن يؤدى ذلك إلى أعمال عنف؛ ومع ذلك لم يتراجع وزير الدفاع ونزل عشرات الملايين وقدمنا التفويض، ومازال التفويض قائما إلى اليوم.
وأكد النمنم انه
باختصار الكلمة للشعب المصري؛ فى ذلك الصيف غاية ما فعلته الإدارة الأمريكية أن عرقلت عملية صيانة بعض الأسلحة لدينا؛ التى استوردناها منهم؛ فكانت النتيجة أن اتجهت مصر إلى «تنويع مصادر السلاح» ؛ وبهذه الخطة صار جيشنا هو التاسع عالميًا؛ من حيث التسليح والتدريب.
وفى سنة ٢٠١٤ بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيسا للجمهورية وفى رحلته الأولى إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة استقبله الرئيس أوباما وحاول أن يكون ودودًا؛ وقال للرئيس كلمات طيبة؛ والتقت هيلارى كلينتون بالرئيس وحاولت فى اللقاء أن تنفض يدها من الإخوان ومن رجلهم فى الاتحادية د. محمد مرسى؛ وقالت حاولت أن أنصحه؛ لكنه لم يستجب؛ وفى تلك الزيارة التقى أساطين الحزب الديمقراطى بالرئيس السيسى منهم هنرى كيسنجر ومادلين أولبريت؛ ليؤكدوا جميعا احترامهم لاختيارات الشعب المصرى ومساندتهم لمصر.
الإخوان ثبت فشلهم الذريع وهم الآن مجموعة من الفلول يحتمون بالرئيس التركى أردوغان المكروه دوليا، ولم تراهن أى إدارة أمريكية على جماعة لا وجود لها فى الشارع المصري؛ ولا فى الواقع؛ هم مجموعة فلول أو مرتزقة لدى أردوغان؛ وغاية مناهم أن يبقى محتفظا بهم كذلك فى حظيرته.
باختصار من يتصور أن الرئيس الأمريكى المنتخب؛ سوف يكون مندوب مكتب الإرشاد أو التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية داخل البيت الأبيض واهم، «بايدن» ابن المؤسسة الأمريكية وابن الدولة العميقة ؛ وما يهمه هو الصالح الأمريكي، الإخوان كانوا مجرد أدوات لديهم، وثبت أنهم أدوات مشلولة، أما تصريحات بايدن أثناء الانتخابات عن المسلمين فى الولايات المتحدة، فهذه عن مواطنين أمريكيين؛ ولدوا بها وتم تهميشهم فى السنوات الأربع الماضية؛ فضلا عن ذلك فهى تصريحات انتخابية مثلها مثل تصريحاته عن إسرائيل وعن الصهيونية؛ قال إنه ليس يهوديا ولكنه صهيونى.
وفى العموم فإننا سوف نرى مشهدا جديدا خلال العام القادم، الإخوان الآن فى حظيرة الرئيس التركى وكفالته؛ ونعرف أن بايدن أعلن عن توقيع عقوبات على تركيا بسبب صفقة صواريخ إس ٤٠٠ مع روسيا والتى يعتبرها البنتاجون تهديدا للسلاح الأمريكي؛ بايدن هاجم ترامب لأنه لم يفرض عقوبات على الرئيس التركى؛ وإذا نفذ بايدن ما قال به؛ سوف يكون على الإخوان السعداء بفوز بايدن الاختيار بين أحدهما (أردوغان.. بايدن)؟
الإخوان فى مصر؛ كما هم فى عدد من بلاد المنطقة؛ باتوا خارج الحسابات السياسية والدولية الكبرى.، النموذج أمامنا فى تونس مع حركة النهضة. حيث التراجع الشعبى والفشل وفقدان الثقة بهم دوليا. وإذا كان الشعب المصرى أزاح الإخوان وهم فى السلطة وكانت الإدارة الأمريكية تساندهم؛ فهل يمكن أن يعودوا إليها وهم خارج مصر؛ وباتوا جماعة إرهابية فى نظر معظم دول الغرب، ومفرخة للإرهاب وللإرهابيين.
أما الرئيس ترامب فإنه لم يتخذ موقفا صارما من الإخوان، ووعد فى حملته الانتخابية سنة ٢٠١٥ أن يدرج الإخوان كجماعة إرهابية بمجرد دخول البيت الأبيض، ولم ينفذ ذلك، نعم هو لم يدافع عن الإخوان؛ لكنه لم يتخذ منهم موقفا عدائيا؛ هو تجاهل ذلك الملف، وكان مشغولا بأمور أخرى؛ هو اكتفى بتصريح أنه يساند مصر فى معركتها مع الإرهاب والإرهابيين.
لا نعرف أنه حاول إدراج الإخوان كجماعة إرهابية ورفض طلبه، باختصار كانت لديه ولدى الكونجرس قضايا أهم؛ الإخوان قضيتنا نحن وقضية دول المنطقة.
معركة الانتخابات الأمريكية كشفت أن معظم النخب فى المنطقة العربية يعلقون آمالهم على الإدارة الأمريكية؛ ومن يتحدثون عن الديمقراطية ينتظرون المدد الأمريكى، الذين يريدون شكم إسرائيل يتوقعون المساندة الأمريكية؛ وهو أمر أشبه بعشم إبليس فى جنة ربنا؛ الإخوان دائما يتعلقون بقوة أجنبية؛ لذا لا نجد غرابة فى تهليلهم لفوز»بايدن».
الحل هنا وليس هناك؛ فى بلادنا ومن شعوب المنطقة؛ الإدارة الأمريكية راهنت على الإخوان حين وجدوا أنهم ينالون ثقة المواطنين فى انتخابات مجلس الشعب سنة ٢٠٠٥؛ بالإضافة إلى أن الإخوان قدموا أنفسهم للأمريكيين، باعتبارهم من المؤمنين بالحلم الأمريكى والسائرين على دربه؛ عصام العريان قالها ذات مرة فى أحد اجتماعاته معهم نحن جماعة علمانية؛ لا تحاسبونا على اسمنا وصدقهم الأمريكان؛ لكن كما يقول المصريون «المياه تكذب الغطاس» وصل الإخوان إلى الحكم فى سنة ٢٠١٢ وتبين فشلهم وعجزهم التمام، فى السياسة الدولية لا أحد يراهن على جماعة فاشلة وعاجزة، الفاشلون ينفض العقلاء أيديهم منهم؛ فلا مبرر لقلق ومخاوف البعض، هو قلق مبالغ فيه ومخاوف فات أوانها وزمانها.
الولايات المتحدة إلى الآن دولة عظمى؛ لديها الكثير من الأزمات، وعلاقتنا بها منذ سنة ١٩٧٤؛ وهى ليست علاقة رئيس برئيس؛ ولكن دولة عريقة بمؤسساتها وهى مصر؛ ودولة إقليمية كبرى؛ يهم الولايات المتحدة أن تحافظ على علاقاتها معها؛ كما يهمنا نحن أيضًا تلك العلاقات.
تاريخيا كانت الكلمة للشعب المصرى؛ الإدارة الأمريكية أى إدارة لن تقف ضد إرادة المصريين بشكل مباشر؛ لأنها لو فعلت ذلك فإنها تخسر سمعتها الدولية كبلد ديقراطى؛ والنماذج أمامنا عديدة فى تاريخنا؛ نكتفى بالإشارة.
إلى ثلاثة منها:
- الأولى: كان الرئيس الأمريكى ويلسون قد أطلق تصريحات سنة ١٨ أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى من حق الدول المستعمرة أن تنال استقلالها، هزت تلك التصريحات بعض المصريين، وانطلقت شرارة ثورة ١٩، ومجاملة للإنجليز تراجع ويلسون عن تصريحاته وساند الإمبراطورية البريطانية، لكن المصريين لم يتوقفوا، وقامت ثورتهم وتحققت بعض مطالبهم، ولم يكن أمام ويلسون وبريطانيا سوى الانحناء أمام هذه الثورة، ونالت مصر استقلالها فى تصريح ٢٨ فبراير سنة ١٩٢٢، نعم كان استقلالًا مشروطًا لكنه فتح الباب للاستقلال التام.
- الثانية: فى الخامس من يونيه ١٩٦٧ تعرضت مصر لعدوان من إسرائيل، تبين أن الرئيس الأمريكى جونسون أعطى الضوء الأخضر به، كان جونسون يمقت الرئيس عبدالناصر من أيام تأميم قناة السويس، وكان هدفه أن يتم الإطاحة به، إثر الهزيمة، ولكن هب المصريون فى ٩ و ١٠ يونيه ١٩٦٧ يرفضون تنحى عبدالناصر، ولم يكن للإدارة الأمريكية أن تتدخل فى هذا الأمر، وما إن توفى جونسون حتى جاءت إدارة جديدة عملت مع الدولة المصرية على استعادة العلاقات.
- الثالثة: عشناها جميعًا سنة ٢٠١٣، ويهمنا فيها أن صوت الشعب المصرى كان الأقوى، وقد واجهنا الإرهاب سنة ٢٠١٣ فى سيناء دون مساندة أو دعم من الإدارة الأمريكية، ونجحنا فى ذلك، لكن على مستوى مؤسسات الدولة لنا علاقات قوية وعميقة، أتحدث عن وزارة الخارجية هنا وهناك، لنتذكر أن رفض الشعب المصرى للسفيرة باترسون، دفع الإدارة إلى سحبها من مصر، قبل أن تكمل مدتها.
باختصار التعامل ليس فقط مع الرئيس الأمريكى، لكن مع المؤسسات العميقة، وهذا ما يجب أن نحرص عليه، وللمتخوفين، فإن الدولة المصرية سنة ٢٠٢٠ ليست هى دولة سنة ٢٠١١، والولايات المتحدة سنة ٢٠٢٠ ليست هى نفسها سنة ٢٠١١، موازين القوة لم تعد كما كانت وعوامل الضعف التى كانت عندنا ليست قائمة الآن.. فى سنة ٢٠١١، كان لدينا احتدام طائفى إسلامى قبطى وكانت لدينا أزمة التوريث التى أضعفت النظام السياسى، وكان لدينا رئيس تجاوز الثمانين من العمر، وتعرض لعدة أزمات صحية، وكانت الولايات المتحدة هى القوة العظمى الأولى والوحيدة، الآن تغير الأمر، هناك روسيا والصين، وهناك احتدام فى الداخل الأمريكى وأزمة كورونا وما تبعها من أزمات اقتصادية وعلاقات فردية مع الاتحاد الأوربى ومع الصين وغيرها.
لهذا كان يجب أن نكون أقل قلقًا وأكثر ثقة بأنفسنا وبالدولة المصرية.
وحول وهم الإخوان في بايدن كتب
عبداللطيف حامد تقرير بعنوان
سجلهم الأسود يفضحهم الجماعة الإرهابية الخطر الأكبر على بايدن
جاء فيه
فى البداية لم أشعر بأى اندهاش من الترحيب الإخواني المبالغ فيه بوصول جو بايدن إلى البيت الأبيض وتولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والرهان عليه مبكرا حتى قبل انطلاق السباق الانتخابي في دعمها ضد الشعوب العربية وخصوصا المصريين بعدما لفظتها وعزلتها عدة عواصم عربية شعبيا وسياسيا، لأن تلك الجماعة الإرهابية لها تاريخ طويل، ومتعدد المراحل، وكثير المحطات في جريمة الاستقواء بالخارج على مختلف ألوان وأشكال القوي الأجنبية، وبالطبع منها الأمريكان لتوفير الحماية، وصد سيناريوهات التخلص من مشروعها المعادي للوطن وناسه ومؤسساته بوصاية خارجية مهما كان الثمن، وبأى وسيلة، فهذا التنظيم تجسيد واضح لمبدأ ميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة»، من تنفيذ الأجندات المسمومة المضادة للبلد، وحتى قيادة مؤامرة تفكيكه لو لزم الأمر طالما مصلحة الجماعة تحكم، ولا استغراب في هذا المسلك القذر، ولا تهويل من مستواه، لأنها ضبطت متلبسة به مرات عديدة، وفى مواقف مديدة، وكله موثق بالأدلة والمستندات فضلا عن الصوت والصورة والأمثلة تعصى على الحصر.
لكن يكفي أن أنعش ذاكرة حضراتكم بمقولة المرشد الأسبق للإرهابية«مهدى عاكف» «طز في مصر»، وحتى عندما فتح له بعض صبيان الجماعة في الإعلام أبواب التراجع والهروب أصر على موقفه بغباء وعنجهية فكرر الكلمة البذيئة المرة تلو المرة وكأنها تطرب آذان كوادر وقواعد جماعته البغيضة.
لكن في ظنى - وليس كل الظن أثما - أن التنظيم الدولي للإخوان وكوادر الجماعة الهاربين في تركيا وقطر وغيرهما وما يمتلكون من أذرع ومنصات إعلامية يعيشون في وهم كبير، أشبه بالسيدة التي يراودها حلم الأمومة بعد فوات الأوان، ودخولها مرحلة الشيخوخة، فيصور لها عقلها الباطن أن الأمر مازال ممكنا، وأن ما ضاع وانتهى يمكن العودة إليه، رغم أنه بالعلم والتجربة لن يعود الماضى، وعلى رأى الست أم كلثوم «قول للزمان ارجع يا زمان»، وهذا يجعلني على يقين أن حلم الإخوان سيتحول إلى كابوس عندما يفيقون من سكرتهم الكاذبة على إدراك أن إدارة الرئيس بايدن ليست كسابقتها وقت الرئيس الأسبق أوباما حتى لو كان الأمل الإخوانى معقودا على أن بايدن كان نائبا للرئيس خلال تلك الإدارة، ويرجع هذا الأمر إلى عدة عوامل أولها أن بايدن كان هو الوحيد من فريق أوباما الذي عارض بشدة تأجيج نار أحداث الربيع العربي في مصر ٢٠١١، لأنه سياسي مخضرم وكان يعلم أن العواقب ستكون وخيمة في حال وصول التيارات المتطرفة للحكم في العواصم العربية وعلى رأسها مصر، أما العامل الثاني فهو تغير الظروف الإقليمية والدولية عما كانت عليه، فكافة الدول الغربية اكتوت بجحيم التنظيمات الإرهابية في عقر دارها، وأصبحت على يقين أن دعم جماعة الإخوان التي هي أصل كل الكيانات المتشددة سيزيد الطين بلة، ويجعلها تدفع ثمنا باهظا من أمنها واستقرارها، وما حدث من تجميع الإرهابيين والقتلة الأجانب في سوريا وليبيا على سبيل المثال ثم عودتهم لبلادهم ليس خفيا على أحد، ويأتى في صدارة أسباب إعادة التفكير من إدارة بايدن حول دعم جماعة الإخوان الإرهابية ألف مرة، تحول مصر إلى دولة قوية ومؤثرة إقليميا ودوليا إلى جانب ما حقتته من نجاحات تنموية في جميع المجالات تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الست الأخيرة، متسلحا بالالتفاف الشعبي حوله، ووعى المصريين الذي أفسد مؤامرات متتالية، ومخططات متتابعة لشق الصف الوطنى أو إحداث فتنة بين الشعب وقيادته السياسية، وبالتالي من المستحيل أن تستثمر إدارة بايدن من جديد في تنظيمات الإسلام السياسي عموما بالمنطقة العربية، وفى مقدمتها تنظيم الإخوان الإرهابي المعزول شعبيا، بعد القضاء على مشروعهم وأجندتهم المعادية لفكرة الدولة الوطنية.
وفى الوقت نفسه لا أعتقد كغيري من المتابعين للمشهد الأمريكي أن تغير اسم أو شخصية الرئيس الأمريكي كفيلة بتنكر أي إدارة أمريكية لموقفها وسياساتها من التنظيمات الإرهابية المحسوبة على جماعة الإخوان مهما كان حجم اختلاف الرؤية بين الحزبين الديمقراطي والجمهورى، صحيح أن التنظيم الدولي لتلك الجماعة لعب كثيرا على أفكار الحزب الديمقراطى، ووظفها في بعض الأحيان لاختراق المجتمع الأمريكي من بوابة حرية الرأى والتعبير، وترويج شعار «المظلومية» الذي تتقنه الجماعة جيدا، لكن شتان ما بين دعم جماعة سلمية سابقا، وبين دعم جماعة إرهابية حاليا باعتراف واشنطن نفسها عندما تأكدت مؤسساتها من أدلة الإدانة، ففي عام ٢٠١٨ وضعت بعض الأذرع المسلحة لتنظيم الإخوان الإرهابي مثل «لواء الثورة» و»حركة حسم» على قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يقطع الشك باليقين أن صناع القرار في بلاد العم سام مدركون خطورة هذه الجماعة بفروعها المختلفة والممتدة كأذرع الأخطبوط في عدة عواصم شرقية وغربية، ولا يتوقف الخطر على مصر فقط، ولن يغير فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من الموقف شيئا، وحتى لو دبرت وتآمرت شلة المنتفعين من تمويل الإخوان في الدوائر الأمريكية المؤثرة أو المؤلفة قلوبهم إخوانيا سيجدون آخرين يرفعون في وجوههم السجل الأسود لإرهاب الجماعة.
واضاف عبد اللطيف حامد قائلا
وبالطبع عند الحديث عن هوامش تحركات إدارة بايدن فيما يتعلق بالعلاقة مع القاهرة مهما كانت انحيازاته بغض النظر عن مخططات الإخوان أو غيرهم من الحاقدين على إنجازات المصريين في هذه المرحلة، لا يمكن إغفال محددات وثوابت السياسة الخارجية المصرية في تعاملاتها مع القوى الدولية الكبرى وعواصمها من واشنطن إلى موسكو وبكين مرورا بالاتحاد الأوربى، خاصة مع استراتيجية إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الـ ٦ سنوات الماضية التي عمقت فيها مصر علاقاتها مع كل القوى الكبرى وليس قوة واحدة فقط، إلى جانب أن العلاقات المصرية الأمريكية مهمة على جميع المستويات باعتبار أن مصر دولة محورية، وعلاقات الدولتين قوية اقتصاديا وتجاريا وعسكريا ودبلوماسيا، وأمنيا، واستخباراتيا، ومن غير المنطقى أن يتوهم البعض حدوث تأثر سلبي بشكل جذري لتلك العلاقات المتشابكة مع وجود إدارة جمهورية أو ديمقراطية، وأقصى ما قد حدث ويمكن أن يحدث أن يرتفع مستواها ويهبط وفقا لبعض المتغيرات الطارئة لكن تظل العاصمتان حريصتين على بقائها وتماسكها، ومن المعلوم بالضرورة أن واشنطن تعتبر مصر شريكا استراتيجيا في تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط كله.
وفى الختام لدىّ قناعة بأن التصعيد الإخواني في ملف تعامل بايدن مع قضايا المنطقة، وتوجيه الاتهامات الجوفاء للدول العربية وأنظمتها، الهدف منه إبعاد الأنظار عن نوايا ومواقف الإدارة الأمريكية الجديدة المناهضة للنظام التركي حليف التنظيم الدولي للإخوان، وراعي منصاتهم الإعلامية العميلة، ومدبر المأوي للهاربين منهم، ويحضرني هنا ما قاله بالصوت والصورة جو بايدن ضد أردوغان أثناء حواره نهاية ٢٠١٩ مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بالحرف الواحد «سأعمل مع المعارضة التركية لإسقاط أردوغان»، ويرجع هذا الموقف المعلن من بايدن إلى جرائم أردوغان المتواصلة داخليا ضد حقوق الإنسان وقمع الأكراد وكل معارضى سياساته الفاشلة سياسيا واقتصاديا إلى جانب بلطجته الخارجية في منطقة شرق المتوسط، وتورطه في التوتر بين أنقرة وقبرص واليونان، وغيرها من مناطق النزاعات.