" اليمنيون يتعرَّضون لإبادةٍ جسديةٍ وثقافيةٍ" .. دراسة جديدة تكشف جرائم الميليشيا
أكدت دراسة يمنية بعنوان
" اليمنيون يتعرَّضون لإبادةٍ جسديةٍ وثقافيةٍ" للباحث همدان العليي، ان
اليمنون تحت سلطة ميليشاي الحوثي يتعرضون لإبادةٍ جسديةٍ وثقافيةٍ، لاتفا الى أن
ميليشيا الحوثي استفادت من التجارب التي مرت خلال العقود والعصور الماضية، واستطاعت
ابتكار أساليب جديدة نجحت -إلى حد كبير- في تضليل اليمنيين والمجتمع الدولي في سبيل
تحقيق طموحها التاريخي المعروف والمتمثل بحكم اليمنيين وامتلاك رقابهم.
ولأن التمييز العنصري سلوك
وثقافة مجرمَّة دوليًّا في عصرنا الحديث -على الأقل نظريًّا- فقد عملت الحوثية على
إخفاء المنطلقات العنصرية والعرقية التي تستند عليها في حربها على اليمنيين، فهي لا
تقول صراحة إنها تقاتل لأن من ينتمون إلى سلالة يحيى الرسي -التي جاءت من خارج اليمن-
أحق بحكم اليمنيين ولو بالقوة، كما كان أجدادهم يقولون ويفعلون، إلا في حدود ضيقة وغير
مباشرة، لكنها تستعير شعارات سياسية ووطنية وقومية ودينية مختلفة للاختباء خلفها، مثل:
القدس، والاستكبار العالمي، والفساد، ومحاربة الفقر، وغيرها من المفاهيم التي تستخدمها،
والشعارات التي ترفعها لتضلل بها المجتمع اليمني والمتابع الدولي، وتتخذ منها وسيلة
للسيطرة على الحكم، وفقا لدراسة.
ولفتت الدراسة الى أن التعريف
الدقيق للجذور الفكرية والعقائدية العنصرية لجماعة الحوثي؛ والقصد هنا هو التعريف الذي
يكشف عن الجانب العرقي المغلف بالطائفية، ويشير بوضوح إلى الدوافع والمنطلقات التي
تجعل هذه الجماعة السلالية تمارس جرائمها المختلفة في اليمن، وضحه ان هذا التردد ناتج
عن اعتقاد بعض اليمنيين أن عدم الإشارة إلى الأبعاد العرقية المغلفة بالدين، كفيل بإبقاء
الخلاف في إطاره الوطني بما يعزز المواطنة المتساوية، ويسهم في ترسيخ قيم الدولة التي
ترعى كل اليمنيين وتساوي بينهم. وبالتأكيد هذا مقصد نبيل، لكن الحقيقة أننا بحاجة إلى
إظهار جذور المشكلة اليمنية بشكل واضح ودقيق كي ننجح في معالجتها عن طريق إقامة دولة
المواطنة المتساوية بين اليمنيين كلهم بلا استثناء أي عرق، أو مذهب، أو دين.
ولو عقدت مقارنة بين دوافع
الحوثيين التي تجعلهم يتركون منازلهم ويرفعون السلاح في وجوه اليمنيين، وبين الدوافع
التي جعلت اليمنيين يقفون ضد هذه الجماعة دفاعًا عن وجودهم؛ فسنجد أن اليمنيين بمختلف
تكويناتهم الدينية والسياسية والمجتمعية لا يواجهون جماعة الحوثي لأنهم يعتقدون أنهم
أفضل من سلالة الرسي التي تحدد الحكم في ما يسمى بـ "البطنين"، بل لأنهم
ينشدون دولة عادلة ليست قائمة على التمييز العنصري بين فئات المجتمع، وفي المقابل سنجد
الحوثيين يقاتلون الإرادة اليمنية الجامعة بدافع اعتقادهم بالانتماء إلى العرق المقدس،
ولأنهم كذلك، فقد قرر مذهبهم أن يكونوا هم الحكام وغيرهم مجرد رعايا وعبيد، وهذا ما
يرفضه الناس في اليمن، وفقا للدراسة.
وتكثيفًا لما سبق، يمارس
الحوثيون جرائمهم ضد اليمنيين من منطلقات عرقية مغلفة بالدين، ويواجه اليمنيون هذا
الإرهاب ضدهم بالبحث عن المواطنة المتساوية التي تستوعب كل اليمنيين دون استثناء عرق
أو مذهب أو دين. ويمكن للمهتم أن يفتش في أدبيات وكتب ومؤلفات ونظريات جماعة الحوثي
للوقوف على ما أشرنا إليه، فسيجد أن الفكرة الحوثية قائمة على أساس تمكين سلالة -من
يدعون أنهم ينتسبون إلى سلالة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)- من حكم رقاب وأموال
ومصائر اليمنيين.
وقالت الدراسة أن
جماعة الحوثي لا تمارس الإبادة بمفهومها التقليدي المتعارف عليه، أي: جمع الناس في
مكان ما وذبحهم، أو رميهم بالرصاص الحي، أو حرقهم، أو دفنهم وهم أحياء في مقابر جماعية
كما حدث في القرون الماضية، لكنهم ينفذون الإبادة السياسية، والإبادة الجسدية، والإبادة
الثقافية التي يعدُّها كثير من خبراء القانون شكلًا من أشكال الإبادة الجماعية.
أما الإبادة السياسية فتتجسد
في قيام الحوثيين باجتثاث الأحزاب السياسية برمتها بمجرد ما يسيطرون على أي منطقة،
وهذا ما حدث لكل الأحزاب اليمنية، وعلى رأسها حزبا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني
للإصلاح، فقد تم تصفية بعض قياداتهما، وتهجير بعضها خلال السنوات القليلة الماضية.
وعندما نقول الإبادة الجسدية، فما يتعرض له اليمنيون من قتل وتهجير بدوافع عرقية وطائفية
في صعدة وعمران وتعز وعدن ومأرب والبيضاء وبقية المحافظات اليمني، يعدُّ إبادة جسدية
جماعية وإن بدت في نظر بعض المتابعين جزئية.
إن ما تتعرض له قبائل مأرب
على وجه التحديد يمكن وصفه بالإبادة الجسدية الجماعية، وآلاف اليمنيين وهم من السكان
الأصليين يتعرضون للإبادة بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المفخخة والحصار المطبق،
ومن شواهد ذلك أن حوالي 35 ألف يمني يسكنون مديرية العبدية في مأرب أغلبهم من النساء
والأطفال وكبار السن يتعرضون لحصار حوثي منذ حوالي شهر، ويمنع عنهم الغذاء والدواء
والأكسيجين المنقذ للحياة، ويتم قصفهم بالصواريخ البالستية، وعندما يتم نقل المصابين
جراء هذا القصف إلى المستوصف الوحيد في المديرية، يقوم الحوثيون بقصفه للإجهاز على
الجرحى وإبادتهم، وهو ما حدث في 13 أكتوبر الجاري.
وتترك حركة الحوثي السلالية
المدن، وتتوجه إلى القرى التي تتواجد فيها أعرق القبائل اليمنية للسيطرة عليها، وعندما
تنجح في السيطرة على قبيلة دون قتال تهجر من يعارضها فيها، وتبدأ بنشر فكرها بالقوة
في المساجد وبين طلاب المدارس، أما القبيلة التي تدافع عن نفسها فتستهدف أهلها بالقتل
والتهجير، وهذا يعني "إبادة جسدية" للسكان الأصليين الذين رفضوا اعتناق معتقدات
الحوثيين. وعندما ينتهون من قتل الآباء أو تهجيرهم، يلتفتون إلى الأبناء فيخضعونهم
لدورات خاصة بهم لنشر فكرهم الحوثي العنصري ضد معتقد آبائهم، وهذا ما يوصف بـ
"الإبادة الثقافية".
ولكي توصف جرائم الحوثيين
بالإبادة الثقافية، يجب أن تتوفر عدد من الأركان التي استخدمت في تحديد وقوع الإبادة
الجماعية الجسدية، وهي:
1-
الركن المادي: يتمثل هذا
في القيام أو الامتناع بأفعال/عن لأفعال تهدد المصالح الجوهرية، لفئة معينة دينية،
أو عرقية، أو سياسية معينة، على أن يكون القصد من هذه الأعمال القضاء على معتقدات أو
ثقافة جماعة أو أقلية معينة بشكل جزئي أو كلي، وسواء نجحوا في ذلك أم لا، ويجب أن تشكل
هذه الأفعال أثرًا ملموسًا يصيب المعتقدات الثقافية أو الفكرية لهذه الجماعة. ويتوجب
لقيام جريمة الإبادة الثقافية أن تكون الجريمة موجهة ضد جماعة لتغيير هويتها وثقافتها.
ومن أمثلة هذه الممارسات
التي تعدُّ جريمة إبادة ثقافية في اليمن تسخير العملية التعليمية الأساسية والثانوية
والجامعية والمهنية لتغيير هوية وثقافية اليمنيين دون رضا أولياء الأمور والطلاب أنفسهم،
وتجنيد الأطفال بهدف صياغة أفكارهم ومعتقداتهم، واستغلال كافة وسائل الإعلام لنشر فكرهم
الذي لا يرتضيه اليمنيون، والإلزام بما يسمى بالدورات الثقافية التي تقيمها للموظفين
قسرًا، والتهجير، وتفجير المنازل، والتجويع بهدف تركيع المواطنين وتغيير ثقافتهم، وتغيير
أسماء الشوارع والقاعات والمؤسسات، ومصادرة الكتب، وملاحقة أصحاب المعتقدات المخالفة،
وغيرها من الممارسات التي يصعب حصرها.
2-
الركن المعنوي: يتمثل في
توافر القصد العام، وهو العلم بأركان الجريمة وإرادة ارتكابها، ويتطلب أيضًا إلى جانبه
القصد الخاص النية الإجرامية البعيدة، غير أنه لا معنى لوجود القصد الخاص دون القصد
العام، وعلى هذا الأساس فإن الركن المعنوي لجريمة الإبادة الثقافية، يقوم على القصد
الجنائي العام، وهو قصد ارتكاب الجريمة بدافع سياسي أو ديني أو عنصري، والقصد الخاص
هو نية إلحاق ضرر جسيم بمعتقدات الجماعة الفكرية أو الثقافية أو محوها بصورة نهائية.
(٦) أي: نيّة المتهم في ارتكاب جريمة المحو الثقافي. ويمكن إدراك هذا الركن في إعلان
الحوثي نشر ما يصفونه بـ "الهوية الإيمانية"، و"الثقافة القرآنية"،
و"الراية الإيمانية" وهي مشاريع فكرية هدفها اجتثاث هوية اليمنيين التاريخية،
وإلغاء التنوع العقائدي، وعلى رأسها الفكر السني الذي يمثل الأغلبية في اليمن. مقابل
ذلك نشر معتقدات الجماعة التي تجعل من حكم السلالة الرسية شرطًا أساسيًا من شروط الإسلام
والوطنية، ومن يخالف ذلك فهو كافر أو ملحد، أو على أقل تقدير خائن، أو عميل، أو فاسد،
وكل هذه تهم تعطي الحوثيين غطاء لإبادة كل من يتم وصفهم بها، سواء كان شخصًا، أم عائلة،
أم قبيلة، أم حزبًا سياسيًا.
تقوم جماعة الحوثي بتبني
خططًا ومشاريع معلنة لنشر هذه الأفكار في الأوساط المجتمعية، وتسخر إمكانياتها لتحقيق
ذلك بالترهيب والترغيب، وبالتالي فإن الركن المعنوي متوفر في جريمة الإبادة الثقافية
المرتكبة من قبل جماعة الحوثي؛ لأن هذه الجماعة قيادة وأفراد لديها القصد في تغيير
هوية اليمنيين واجتثاث ثقافتهم، ولديها العلم بجميع مراحل جرائم الإبادة والنتائج المترتبة
عن هذه الجرائم.
3-
الركن الشرعي: يتمثل في
كون الفعل مجرّمًا في القانون.
محليًّا، لا يمكن معاقبة
أي مجرم إلا بقانون وفق مبدأ لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص أو بقانون، لكن الأمر يختلف
في القانون الدولي، فمعظم الأفعال المصنفة جريمة إبادة ثقافية، تجد أصلها في الأعراف
الدولية(٧). وفي الوضع اليمني، كثير من الجرائم التي يمارسها الحوثيون بغية محو هوية
اليمنيين يعاقب عليها القانون المحلي، أما على المستوى الدولي، فقد تعامل القانون الدولي
الإنساني مع العديد من هذه الجرائم، ويمكن اعتبار اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية
والمعاقبة عليها والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1969، واتفاقية
لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية 1954م، مداخل قانونية للتعامل مع هذا النوع من الجرائم
الحوثية المرتكبة في اليمن.
4-
الركن الدولي: يتمثل في
طبيعة الحقوق المعتدى عليها، فمعظم هذه الحقوق أصبحت من صميم اهتمام القانون الدولي
الذي لا يشترط أن يكون الجاني والمجني عليه ينتمون إلى دول مختلفة، بل يمكن أن يكونوا
من دولة واحدة(٨). فعلى سبيل المثال: الإبادة الجماعية التي تعرضت لها قبيلة التوتسي
على يد قبيلة الهوتو في جمهورية رواندا، والتي بسببها تأسست المحكمة الجنائية الدولية
الخاصة برواندا من قبل مجلس الأمن الدولي(٩). وبالتالي، فإن الركن الدولي حاضر في جريمة
الإبادة الثقافية التي يتعرض لها اليمنيون على يد جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
ولفتت الدراسة إلى جماعة
الحوثي التي أشعلت الحرب وتسببت بحدوث أكبر أزمة إنسانية معاصرة، تصرُّ على تمييز نفسها
عرقيًّا عن بقية اليمنيين، فهي ترى نفسها عرقًا مختلفًا ومميزًا، وهذا التميز يستتبعه
استحقاق ديني، وسياسي، واقتصادي، وثقافي، واجتماعي، تعمل على أخذه من اليمنيين بقوة
السلاح؛ وبالتالي، لا تحتاج المحاكم الدولية إلى أن تبذل جهدًا كي تحدد المسؤولين عن
جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها اليمنيون منذ فترة طويلة.