سامح فايز يرصد التاريخ العائلي للتطرف في "شجرة الجهاد "

الإثنين 31/يناير/2022 - 11:48 ص
طباعة سامح فايز يرصد التاريخ روبير الفارس
 
ينطلق كتاب "شجرة الجهاد التاريخ العائلي للتطرف " للباحث المتخصص في حركات الاسلام السياسي سامح فايز.
والصادر مؤخرا عن دار سما  من  أن السعي لإثبات الفرضية القائلة إن تلك التنظيمات خرجت جميعها من وعاء واحد، أو من وعاء جماعة الإخوان تحديدًا، هو سعي محكوم عليه بالفشل من البداية، وأن إثبات الفرضية يحتاج إلى آلية مختلفة، آلية تعتمد على تنفيذ خريطة جغرافية تتبع مسار الجهاد، بالأسماء، والأحداث، والتواريخ، توضح بشكل لا تشكيك فيه حجم تداخل العلاقات، أو تنفيذ ما يمكن أن نطلق عليه، «شجرة العائلة الجهادية»، نرصد فيه تحركات جميع الأسماء التي انتهجت العمل التنظيمي المسلح، بداية من النظام الخاص التابع لجماعة الإخوان الإرهابية، وحتى اللحظة.  حيث يؤكد سامح ان هناك صعوبة في تتبع مسار خريطة الجماعات المتطرفة، حتى على أعضاء تلك الجماعات  أو فهم تداخلاتها وتحولاتها، خصوصًا مع السرية الشديدة التي تعمل بها تلك الجماعات، تلك السرية التي جعلت زوجة أبوحمزة المهاجر أمير القاعدة في العراق، والذي ساعد على تنصيب أبوبكر البغدادي خليفة للمسلمين هناك، جعلتها تجهل أهمية زوجها في تلك التنظيمات، أو أنه عضو بجماعات جهادية من الأصل
ويقول سامح فايز في مقدمة الكتاب . كتٌبت مئات المقالات، والكتب، والأبحاث، عن فكر التطرف والتكفير، المنبثق من وعاء واحد، تنهل منه التيارات الدينية المتطرفة، تركز تلك المقالات على أفكار المودودي، وسيد قطب، ومحمد عبد السلام فرج،.. وغيرهم، معتبرة أن ذلك دليل على وجود ربط حقيقي بين جميع التنظيمات والتيارات الدينية المتطرفة في كل مكان، غير أن تلك الفرضية يسهل نسفها، وهو ما اتبعته جماعات الإسلام السياسي، من نفي أى علاقة لها بعمليات العنف، وفي أوقات أخرى ينسبون تلك العمليات لأجهزة مخابراتية، داخلية وخارجية، بحجة أن الأنظمة الحاكمة تسعى لخلق فضاء من الرعب يزيد من عمر سيطرتهم على شعوبهم.
يزيد من نسف الفرضية أيضا، أن التنظيمات الإرهابية تتبع هيكل عنقودي في تشكيلاتها، إلى جانب سرية شديدة في آليات العمل، يجعل من الصعب الحصول على معلومة مكتملة عنهم،  وصعوبة إدراك هل العمليات المتطرفة المتناثرة في الفضاءات المكانية المختلفة، محلياً، ودولياً، يجمعها رابط تنظيمي واحد، وهل الهجمات التي وجهت كنموذج، للقاهرة، والمحافظات المصرية المختلفة، في أثناء الأربعين عاماً الأخيرة، خرجت من نفس الحاضنة، أضف إلى ذلك إتباع تلك التنظيمات لمانيفستو يعتمد على عدة مراحل، قائمة على نشر مجموعة من العمليات الإرهابية الصغيرة، المنتشرة في عدة محافظات مختلفة، ربما لا يكون بينها رابط ظاهر، لكن الهدف الرئيسي، إحداث حالة من الفوضى، يطلق عليها في فقه تلك الجماعات اسم، «شوكة النكاية»، وهى العمليات التي تهدف إلى خلق مناطق عنف، تساعد على خلخلة سيطرة الدولة عليها، مما يساهم أكثر في دعم قدرة التنظيمات الإرهابية على العمل في تلك المناطق، وهو ما يطلق عليه، مرحلة «إدرة التوحش»،  وهى المرحلة التي تنتهي بسيطرة تلك الجماعات على بعض المناطق التي تعمل من خلالها، في سبيل تأسيس دولتها الإسلامية الخاصة، وهى المرحلة الثالثة المسماه، «شوكة التمكين».
وهو ما حدث في الشام، من تأسيس تنظيم الدولة لإسلامية في العراق والشام «داعش»، وأيضا هو ما حاولت بعض الجماعات إحداثه في مصر، بتأسيس دولة الإسلام في مصر وليبيا «دولم».
إلى جانب السرية الشديدة في العمل واتباع حرب العصابات في المناطق المختلفة، فإن معدل الانشقاقات بين صفوف تلك الجماعات كبير جدًا، ما يتسبب في خروج عدة مجموعات جهادية مختلفة، تتباين آلياتها في فرض سيطرتها على المناطق التى تتمركز فيها، وتعود أسباب تلك الانشقاقات، للإختلاف على أسلوب التمكين والسيطرة، في الدول التي يتمركزون فيها، كما حدث مع مجموعات الجهاد التي بدأت نشأتها عقب إعدام سيد قطب، وقد خرجت تلك المجموعات إلى النور طلبا للثأر من قتلته، واتفقوا في البداية على فكرة الإنقلابات العسكرية، وأنها السبيل للوصول للسلطة، ثم بعد ذلك انشقت مجموعة عنهم تمركزت في محافظة الاسكندرية يديرها رفاعي سرور ويحيى هاشم، وسبب الانشقاق عائد لاقتناع مجموعة الاسكندرية أن حرب العصابات هى الطريق الأفضل، وليست الانقلابات العسكرية، ثم أسس بعد ذلك أيمن الظواهري جماعة الجهاد عام 1988 في بيشاور بباكستان، واتبع اعتقاد منظر الجهاد محمد عبد السلام فرج، والذي كتب أن الوصول للسلطة سوف يتم عن طريق القيام بانقلاب عسكري مدعوم بتحرك مدني في الشارع، فعمل الظواهري على اختراق الجيش بتجنيد عناصر عدة داخله، وهو ما اتبعته المجموعات الجهادية منذ بدايتها، عندما جندت عصام القمري، والعيدروس، ويحيى هاشم، وعبود الزمر، والإسلامبولي، أما بخصوص الشق المدني فقد بدأت جماعة الجهاد بتأسيس معسكرات تدريب لها بأفغانستان، والذي ذهبت إليه عدة مجموعات للتدريب بداية من عام 1989 ثم عام 1990 وحتى عام 1993، وكانت فترة التدريب تستمر لمدة ثلاثة شهور، ثم يعود العضو إلى مصر، دون أن ينفذ أى عمليات تكشفه للسلطة الحاكمة، أو ما يسمى بالخلايا النائمة، في انتظار ساعة التحرك، وكان شرط اختيار تلك العناصر ألا تكون معروفة للأنظمة الأمنية، وألا يكون لها سابق عمل جهادي، غير أن ذلك المخطط تم كشفه بطريق الصدفة عام 1993، ليسقط أكثر من 1000 جهادي تم تدريبهم في أفغانستان، وهى القضية المشهورة إعلاميا باسم تنظيم «طلائع الفتح»، الجناح المسلح لجماعة الجهاد المصرية، ثم حدث تحول فكري جذري في تاريخ الجماعات الجهادية، كان سبباً في انشقاق تلك الجماعات فيما بعد لمسميين، يحكمان العنف عالميا الآن، داعش، والقاعدة.
الجبهة الإسلامية العالمية
ويقول سامح  انه في عام 1998 تحالفت جماعة الجهاد المصرية بقيادة أيمن الظواهري، مع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، ودشنا ميثاق «الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والأمريكان»، وقد كانت المجموعات الجهادية، والجماعة الإسلامية، يتبعون في السابق فقه، «قتال العدو القريب»، واعتقادهم هنا عائد إلى أن قيام الدولة الإسلامية لن يتم، إلا بتطهير المجتمع أولا من الحكومات الكافرة، وأن محاربة تلك الحكومات أهم من محاربة إسرائيل، لكن التحالف مع تنظيم القاعدة اتبع فقه آخر، والقائم على «قتال العدو البعيد»، والمبني على ضرورة مقاتلة أمريكا وإسرائيل الداعمتين لتلك الحكومات الكافرة، والمحاربتان للإسلام في العالم، من وجهة نظر التنظيمات الجهادية، ورفض العديد من قيادات الجهاد في مصر ذلك التحالف، غير أن الظواهري وحده كان يملك سلطة إقرار التحالف، الذي تحول لاندماج عام 2001 بتأسيس قاعدة الجهاد، والتي أسس لها أبو مصعب الزرقاوي فرعًا في العراق باسم «قاعدة الجهاد في العراق»، ثم بمرور الوقت أصبحت «قاعدة الجهاد في العراق والشام»،  ونصب زعيمهم خليفة، لتصبح «دولة الإسلام في العراق والشام» - «داعش»، والذي اعتبرته القاعدة خروجا على بيعتهم.
خلاف قديم
التباين بين داعش والقاعدة كان له جذوره التاريخية؛ في الاختلافات الفقهية بين الجماعات المتطرفة، بين تكفير المجتمع بالكامل، أو تكفير الحكومات فقط، بين الحكم على الشخص أنه مسلم بظاهر إسلامه، أم يجب عليه أن ينضم لجماعة معينة حتى يصبح مسلمًا، وإلا اعتبروه كافرًا، بين مقاتلة الجيش والشرطة فقط، أو قتل المتعاونين معهم، أو قتل المجتمع الكافر بأكمله، وهى التنظيمات التي عرفت بأسماء مختلفة، بين، جماعة المسلمين، المشهورة إعلاميا باسم جماعة التكفير والهجرة، والتي انبثقت عنها جماعة تكفيرية أخرى اسمها، جماعة التوقف والتبين، وبين مجموعات الجهاد، ثم اندماج تلك المجموعات مع الجماعة الإسلامية تحت مسمى تنظيم الجهاد عام 1979 بقيادة محمد عبد السلام فرج، وهو التنظيم الذي قام بعملية اغتيال السادات الرئيس المصري السابق، ثم تفكك تحالف تلك التنظيمات ليتم تأسيس جماعة الجهاد المصرية عام 1988 في بيشاور بباكستان، والتي أسسها أيمن الظواهري، وكان أميرا للجماعة الشيخ سيد إمام، واسمه الحركي الشيخ فضل، ثم انفراد أيمن الظواهري بإمارة الجماعة عام 1988.
أيضا انشقاق مجموعة الشوقيين عن الجماعة الإسلامية في مصر نهاية الثمانينات، وتأسيسهم تنظيم الشوقيين في محافظة الفيوم، وهو التنظيم الموسوم بالعنف الشديد في محاربة الدولة، وكان أكثر تطرفًا وشراسة من بقية الجماعات الدينية الأخرى، وقد تأثر مؤسس ذلك التنظيم بأفكار جماعة التوقف والتبين التكفيرية؛ بعد أن قابل أحد قياداتها في السجن منتصف الثمانينات، وهو نجيب عبد الفتاح اسماعيل، ابن عبد الفتاح إسماعيل، المنظر الأول لجماعة التكفير والهجرة، الذي حكم عليه بالإعدام في قضية تنظيم 1965 مع سيد قطب، ومحمد يوسف هواش. ومؤخرا قبض على الأمير السابق لجماعة الشوقيين، الذي تولى الإمارة بعد مقتل شوقي الشيخ أميرها الأول، ظابط الشرطة السابق حلمي هاشم، وقد كشفت التحقيقات أنه كان مفتيا لداعش، وهو الذي أفتى وسمح بعمليات الذبح الشرسة التي نفذتها داعش ضد أسراها، متأثرا بفكر شوقي الشيخ أمير الجماعة السابق، المنشق عن الجماعة الإسلامية.
تلك الجماعات الحركية، كان يسير بجوارها وبشكل متوازي، لا يقل خطورة، جماعات فكرية تعمل على نشر الدعوة للفكر السلفي، على رأسها جماعة أنصار السنة المحمدية، والتي فرض أعضاء مجموعات الجهاد في طورهم الأول، منتصف الستينيات، على أعضاء التنظيم، المواظبة على دروس شيخ أنصار السنة المحمدية، في مسجد «قولة» بعابدين، مقر جماعة أنصار السنة، الشيخ محمد خليل هراس، أيضا الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، والدعوة السلفية العلمية، وجماعة أهل السنة والجماعة، التي أسسها عبد المجيد الشاذلي عضو جماعة الإخوان السابق، المقبوض عليه في قضية تنظيم 1965، وقد أسسها بمساعدة رفيقه في الجماعة والسجن أحمد عبد المجيد عبد السميع، زوج ابنة محمد يوسف هواش، والذي أعدم مع سيد قطب، وعبد الفتاح إسماعيل، في قضية تنظيم 1965، وقد اشتهرت دعوة أهل السنة والجماعة باسم التيار القطبي، وهو الاسم الذي أطلقته عليهم الأجهزة الأمنية؛ لتأثرهم الشديد بكتابات سيد قطب، وترويجهم لها، ويعتبر امتداد لتلك الدعوة في سيناء، ما قام به الشيخ أسعد البيك، منظر السلفية الجهادية هناك، والذي قبض عليه في أحداث سيناء 2005 والتي نفذتها جماعة التوحيد والجهاد، الجماعة التي أسسها ابن سيناء خالد مساعدة متأثرا بجماعة التوحيد والجهاد فى العراق التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي.
خريطة العنف الديني المسلح
الخريطة الجهادية التي أوردناها سلفًا، تجعل من الصعب حتى على أعضاء تلك الجماعات تتبع مسارها، أو فهم تداخلاتها وتحولاتها، خصوصًا مع السرية الشديدة التي تعمل بها تلك الجماعات، تلك السرية التي جعلت زوجة أبو حمزة المهاجر أمير القاعدة في العراق، والذي ساعد على تنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين هناك، جعلتها تجهل أهمية زوجها في تلك التنظيمات، أو أنه عضوًا بجماعات جهادية من الأصل، وهى المسألة التي تكررت بقوة بعد ثورة  يونيو 2013، عندما أذاعت فضائيات مختلفة، صور كثيرة لشباب قيل أنهم مختطفين من قبل الشرطة المصرية، وأنهم يعانون حالات اختفاء قسري، ثم تم الاكتشاف تباعا أن تلك الحالات، قتلت أثناء الاشتباكات بين تنظيمات داعش، والحكومات العربية، ولم يصدق الأهل انضمام أبناءهم لتلك التنظيمات، إلا عندما نشرت المكاتب الإعلامية التابعة لداعش صور أبناءهم وهم يقاتلون في صفوف مقاتلي الشام.
ما سبق يشير إلى أن السعي لإثبات الفرضية القائلة أن تلك التنظيمات خرجت جميعها من وعاء واحد، أو من وعاء جماعة الإخوان تحديدا، هو سعي محكوم عليه بالفشل من البداية، وأن إثبات الفرضية يحتاج إلى آلية مختلفة، آلية تعتمد على تنفيذ خريطة جغرافية تتبع مسار الجهاد، بالأسماء، والأحداث، والتواريخ، توضح بشكل لا تشكيك فيه حجم تداخل العلاقات، أو تنفيذ ما يمكن أن نطلق عليه، «شجرة العائلة الجهادية»، نرصد فيه تحركات جميع الأسماء التي انتهجت العمل التنظيمي المسلح، بداية من النظام الخاص التابع لجماعة الإخوان الإرهابية، وحتى اللحظة.

شارك