"المجلة " تفتح ملف اللاجئون السوريون في لبنان وتركيا
الأربعاء 01/يونيو/2022 - 02:22 م
طباعة
روبير الفارس
نشرت " المجلة " السعودية التى تصدر بلندن في عددها الاخير تقرير موسعا إلقت من خلاله الضوء على أوضاع اللاجئين السوريين في كل من تركيا ولبنان، ارتباطا بما يشهده البلدان من استحقاقات سياسية (انتخابات رئاسية ومحلية في تركيا العام القادم 2023- انتخابات نيابية فى لبنان تم إجراؤها منتصف مايوالماضي )، وذلك من خلال المحورين الآتيين:
اولا اللاجئون السوريون في تركيا
قال التقرير الذى كتبه أحمد طاهر في واقع مؤلم لم يغب عن المشهد السياسي التركي منذ اندلاع الأزمة السورية، ومحاولات جميع الأطراف السياسية التركية توظيفه لتحقيق مصالحها، تأتي قضية اللاجئين السوريين كمحور للنقاش والجدل الذي يبرز على السطح بين الحين والآخر مع كل حدث سياسي تشهده الساحة التركية أو مع كل استحقاق انتخابي يقترب موعده، وهو ما يتجدد اليوم مع قرب الاستحقاقات التركية في العام القادم 2023، حيث تصاعد الخطاب السياسي بين الحكومة وأحزاب المعارضة بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف الذي يحمل أبعادًا عدة؛ سياسية واقتصادية وديموغرافية وأمنية. ففي الوقت الذي تحاول فيه المعارضة التأكيد على إخفاق الحكومة التركية ليس فقط في إدارة مثل هذا الملف وإنما في سياستها بصفة عامة بما يمثل من خطوة مهمة في سبيل زعزعة هيمنة النموذج الإردوغاني على مفاصل الدولة التركية، ويقود هذا التوجه حزب الشعب الجمهوري الذي يأخذ من قضية اللاجئين بصفة عامة واللاجئين السوريين على وجه الخصوص مدخلا لتوجيه الانتقادات إلى الحكومة التركية، مستندًا إلى مجموعة من المبررات التي تدعم وجهة نظره، من بينها:
أن سياسة الهجرة واللجوء التي تبنتها الحكومة كانت خاطئة وغير مخطط لها، وغير محسوبة، ولم يتم إجراء دراسة جدوى جيدة، وهو ما فتح الأبواب أمام كل هذا العدد الهائل من اللاجئين والمهاجرين تحت شعارات تلائم خطاب حزب العدالة والتنمية وتوجهاته، الذي أخفق في إدارة الملف ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى فوضى يعاني منها المجتمع التركي اليوم.
وقال احمد طاهر أن اللاجئين السوريين لا يرون أي مستقبل لهم في تركيا، بل ويسعون للهجرة إلى الدول الأوروبية إذا ما سمحت لهم الظروف، مستندين في ذلك على تقرير أعده الحزب في هذا الخصوص عبرت عنه النائبة جامزه أكوش إلجيزدي، ممثلة الحزب في البرلمان التركي بقولها: «التقرير الذي أعددناه يشير إلى أن السوريين يريدون الذهاب إلى الدول الغربية.. وإذا فتحت تركيا حدودها، فإن 90 في المائة من السوريين هنا سيتجهون إلى الغرب»، وهو ما يعني من وجهة نظر الحزب أن ما تحملته تركيا في هذا الخصوص إنما ترك تأثيراته على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهد مزيدا من الأزمات بسبب جائحة كوفيد-19 خلال العامين الماضيين وتفاقمت أبعادها مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير هذا العام (2022).على الجانب الآخر من المشهد يأتي الموقف الحكومي معضدًا توجهاته في هذا الملف من زاوية أن البعد الإنساني كان يحتم على الدولة التركية أن تقف إلى جوار الشعب السوري في مواجهة سياسة القمع والتنكيل التي انتهجها نظام بشار الأسد. فضلا عن أن هؤلاء اللاجئين قد دعموا الاقتصاد التركي بكفاءتهم وخبراتهم وجهدهم، حيث أصبح عدد كبير من السوريين جزءاً من نظام الإنتاج والتوظيف في تركيا.الكثير من اللاجئين، ليسوا متحمسين للبقاء بشكل دائم خارج بلادهم. لكن لديهم مخاوف بشأن التغير الثقافي والتمييز ضد أبنائهم.ولكن في خضم تصاعد الأزمة التي يواجهها النظام التركي اليوم والتي تمثل خصمًا من رصيده السياسي في الاستحقاقات القادمة، دفع ذلك الرئيس رجب إردوغان إلى ضرورة أن لا يترك ملف اللاجئين السوريين خطابًا في يد المعارضة تستغله ضد حزبه، فجاء تصريحه الأخير معبرًا عن رؤيته بشأن التعامل مع هذا الملف بقوله إنه «يُحضّر لعودة مليون سوري إلى بلدهم على أساس تطوعي، من خلال تمويل استحداث ملاجئ وبنى مناسبة لاستقبال سوريين في شمال غربي سوريا، بمساعدة دولية»، وتشمل هذه الرؤية وفقًا لما أعلنه الرئيس أيضًا إنشاء نحو 250 ألف وحدة سكنية، في 13 منطقة في الشمال السوري، فقد ورد على لسانه أن «المشروع الذي سننفذه مع المجالس المحلية لثلاث عشرة منطقة مختلفة، وعلى رأسها أعزاز، جرابلس، الباب، تل أبيض ورأس العين، اكتمل تماماً.. وأن المشروع يشتمل على التجهيزات اللازمة للحياة اليومية؛ من السكن إلى المدرسة والمستشفى، وكذلك الزراعة والصناعة».والحقيقة أن هذا التوجه الحكومي رغم أنه لم يكن وليد اللحظة الراهنة، إذ سبق أن قامت الحكومة التركية منذ بدء عملياتها العسكرية في سوريا عام 2016، بإعادة حوالي 500 ألف سوري فيما أنشأته من مناطق آمنة في الشمال السوري، إلا أنه في الوقت ذاته يواجه تحديات عدة في التطبيق، سواء تعلقت هذه التحديات بموقف السوريين المتواجدين على الأراضي التركية، إذ تشير عديد التقارير إلى أن كثيرا من اللاجئين السوريين في تركيا، يرفضون العودة إلى بلادهم، بعد أن أسسوا حياة مستقرة في تركيا، كما أن كثيرين منهم يرون أن الأسباب التي دفعتهم لمغادرة سوريا لم تتغير بعد، كي يعودوا لها من جديد، في ظل وجود نفس النظام السياسي الذي فروا منه في سدة الحكم، أو تعلقت هذه التحديات بقدرة الحكومة التركية التي تواجه أزمة اقتصادية طاحنة من أن تتمكن من توفير التمويل اللازم لإنشاء هذه الوحدات السكنية ببنيتها الأساسية وخدماتها اللوجستية في 13 منطقة، وإن رأى البعض أن التقارب التركي الأخير مع كل من الإمارات العربية والسعودية يمكن أن يساعد في تمويل مثل هذه الخطة، وإن كان الأرجح أن هذا الرأي غير دقيق في ظل تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مختلف دول العالم بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.وعن اللاجئون السوريون والاستحقاق النيابي في لبنان قال احمد طاهر
على وقع أزمة معقدة الأبعاد ومتشابكة الفواعل ومتداخلة العوامل، يحاول اللبنانيون رسم مستقبلهم السياسي عبر استحقاق نيابي جرى في الخامس عشر من مايو (2022)، لم يفرز إلا برلمانًا مفككًا يضيف عبئا جديدًا على الدولة اللبنانية التي تعاني من تضخم شديد ومدمر؛ اقتصاديًا، حيث فقدت الليرة اللبنانية 90 في المائة من قيمتها كما انتشر عجز على نطاق واسع في الكهرباء والأدوية والوقود، ووصل معدل الفقر الآن إلى أكثر من 80 في المائة من السكان.وسياسيًا، حيث تشهد الساحة صراعًا حقيقيًا بين الكتل والقوى السياسية التى أخفقت جميعها في أن تقدم روشتة إنقاذ للدولة، بسبب غلبة المصالح الشخصية والفئوية من جانب، وتعميق الارتباطات والتحالفات الإقليمية والدولية من جانب آخر.في ظل هذا الوضع المأساوي الذي وصلت إليه لبنان، لم تكن مفاجأة أن تُوجه بعض أصابع الاتهام إلى اللاجئين السوريين البالغ عددهم ما يزيد على 1.5 مليون لاجئ، وكأنهم هم أسباب المشكلة التي تواجهها الدولة اللبنانية اليوم، وإن كان صحيحًا أن هؤلاء اللاجئين يمثلون عبئا على الدولة وميزانيتها، إلا أنه من الصحيح أيضًا أنه يمكن الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم إذا ما أُحسن توظيفها بعيدًا عن الصراعات السياسية والخطابات العاطفية التي تستهدف حصد الأصوات في عملية انتخابية تُمكّن أحد الأطراف من الوصول إلى السلطة ليعيد إنتاج ذات الأزمات والمشكلات. فما شهدته الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة أعطت نموذجًا حقيقيًا للتوظيف السياسي لملف اللاجئين السوريين واستخدامه من جانب الحكومات لتبرير إخفاقاتها على غرار ما جاء على لسان وزير العمل اللبناني مصطفى البيرم، بأن اللاجئين السوريين «باتوا عبئا، ولبنان لم يعد قادرا على أن يكون شرطيا لمصالح الدول الأخرى... وإنه من غير المقبول أن يدفع اللبنانيون ثمن الصعوبات الاقتصادية من كيسهم، بينما يتلقى السوريون مساعدات مباشرة بالدولار».