تحتفل مصر بذكرى مرور عشر سنوات على ثورة 30 يونيو، إحدى أهم المناسبات الوطنية للمصريين، والتي خرج خلالها الملايين لإزاحة جماعة «الإخوان» الإرهابية من حكم البلاد.
4 أيام، كانت هي قمة انتفاضة الشعب المصري لتحدث ثورة عارمة تم الإعداد لها قبل عدة أشهر، وعندما جاء الوقت في 30 يوينو/حزيران 2013 استمر غليان الشارع المصري حتى 3 يوليو/تموز «موعد إزاحة عام أسود من تاريخ مصر»، بعدما سيطرت حالة من الإقصاء والاستبعاد لصالح الجماعة وأتباعها خلال عام حكمت فيه الجماعة مصر من خلال مكتب الإرشاد، ما أنتج تراجعاً بكل الملفات الداخلية والخارجية لمصر.
أسباب ثورة 30 يونيو
أنهى الشعب المصري حكم المعزول محمد مرسي، بعد عام وثلاثة أيام فقط قضاها في الحكم، ارتكب خلالها أخطاء فادحة أنهت العلاقة بينه وبين الشعب في خلال هذه المدة الزمنية من عمر مصر، التي كانت البلاد فيها أحوج ما تكون لاستثمار كل يوم للبناء والتقدم والنمو والاستقرار.
وبحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، فإنه كان هناك عدد من الأخطاء الرئيسية التي تسبّبت في استياء الرأي العام الشعبي من حكم «الإخوان»، مما أدى لزواله في النهاية.
السياسات الخارجية
فشلت الزيارات المتعددة التي قام بها مرسي شرقاً وغرباً في فتح آفاق التعاون البناء بين مصر ودول عديدة في العالم، وبات واضحاً أن علاقات مصر الخارجية تقزمت في دول بعينها تدعم حكم «الإخوان» في مصر، وتراجعت علاقات مصر بدول محورية عديدة خاصة في العالم العربي.
أزمة مياه النيل
أيضاً المعالجة السلبية لمباشرة دولة إثيوبيا بناء سد النهضة، كشفت عن الافتقاد لأسس التعاطي مع الأزمات الممتدة منها أو الناشئة، فضلاً عن سوء إدارة الحوار مع القوى السياسية وبثه على الهواء عبر التلفزيون، بما ساهم في توتر العلاقات مع الجانب الإثيوبي، وأجهض أسس الحوار السياسي معه.
استقطاب داخلي
رسخ حكم مرسي على مدار عام حالة من الاستقطاب الحاد، وقسّم المجتمع المصري بين مؤيد للمشروع الإسلامي الذي يمثله الرئيس وجماعته، وبين مناهض له يوصف في أغلب الأحيان بـ «العلماني». وبدلاً من أن يتفرغ الشعب المصري للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك بين التأييد والرفض.
وعمل حكم مرسي وبسرعة كبيرة على ترسيخ «الأخونة»، ونشر هذا الفكر رغم تنامي الشعور المعادي له من يوم لآخر.
الدفاع والأمن
العنصر الأهم كان افتعال الأزمات الرامية إلى تشتيت جهود الأمن والحد من اكتمال البناء الأمني، وكانت أبرز المشاهد إحياء ذكرى أحداث محمد محمود، واستاد بورسعيد، وإحداث قلاقل أمنية من آن لآخر بالعديد من المحافظات خاصة بورسعيد والسويس.
وإصدار العديد من القرارات والإعلانات الدستورية التي تسبّبت في زيادة الضغط الشعبي على الجهاز الأمني بالخروج في مظاهرات عارمة، فشهدت مصر أول حالة سحل لمواطن على مرأى العالم أجمع.
هذا بالإضافة للإفراج عن سجناء جهاديين من ذوي الفكر المتطرف استوطنوا سيناء، وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية متطرفة، تستمد العون من أنفاق التهريب التي حظيت بالدعم والحماية من رئيس الدولة ذاته.
ونفذت هذه الجماعات فعلاً شنيعاً بالإجهاز على 16 من جنود وضباط من الأمن وقت الإفطار في رمضان، وبعد أشهر تم اختطاف سبعة جنود قبل أن يفرج عنهم بفعل حشود الجيش لتعقب الإرهابيين، وتدخل جماعة الرئيس للإفراج عن الجنود. فضلاً عما تكشف بعد إقصاء محمد مرسي من كون هذه الجماعات المتطرفة السند لجماعة «الإخوان» في حربها الإرهابية ضد الدولة.
الأمن الغذائي والخدمي
استمرت الأزمات الغذائية والارتفاع المتواصل في أسعار السلع والخدمات دون تدخل حكومي يسعى لوقف جشع التجار، رغم سعي الحكم إلى تحسين منظومة توزيع الخبز، وعبوات البوتجاز.
كما تكررت وبشكل متواصل أزمات البنزين والسولار، بما أثر على الحركة الحياتية للمصريين، وانعكس ذلك على الانقطاع المتكرر للكهرباء.
الثقافة والفنون والآداب
كان هناك اتجاه واضح للإخوان نحو تغيير هوية مصر الثقافية، والعمل على ارتدادها لحساب توجهات متشددة، بدءاً من منع عروض الباليه بدار الأوبرا، إلى إقصاء قيادات الثقافة والفنون والآداب، مقابل إحلال قيادات تدين بالولاء للجماعة الداعمة للحكم.
عداء الإعلام والصحافة
نشبت عداوة سريعة بين «الإخوان» والإعلام المصري؛ لدوره السريع في كشف المثالب أمام الرأي العام، وبات الإعلام هدفاً مباشراً لتحجيمه، بل وإقصاء رموزه.
كما سعى «مرسي» لأخونة مؤسسات الدولة المصرية الصحفية والإعلامية، في محاولة لتأسيس الفكر «الإخواني» من جهة، والحد من تأثير الإعلام المضاد من جهة ثانية.
القضاء والحريات العامة
دأب مرسي و«الإخوان» على افتعال أزمات متتالية مع القضاء، بدءاً من إقصاء النائب العام، إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصار الرئيس، ثم محاولة تحجيم دورها في دستور ديسمبر/كانون الأول 2012، فإصدار إعلانات دستورية وقرارات تمسّ بالسلب القضاء والحريات العامة ومؤسسات الدولة، تسبّبت في إثارة غضب الرأي العام، الذي عبر عن ضيقه بإحراق مقار لحزب الرئيس، فعاد مرسي عن بعض إعلاناته وقراراته، ومضى في أخرى مما تسبب في زيادة الحنق الشعبي عليه وعلى جماعته.
وكانت الضربة الأخيرة التي سددها القضاء للرئيس المعزول مرسي هي الإشارة إليه بالاسم وعدد كبير من قيادات جماعته بالتعاون مع «حماس» و«حزب الله»، في واقعة اقتحام سجن وادي النطرون.
النقل والمواصلات
تعهد مرسي بحل مشكلة المواصلات ضمن خمس مشاكل تعهّد بحلها خلال المئة يوم الأولى من حكمه، فاستفحلت مشكلة المواصلات خلال العام الذي شهد كوارث يومية للطرق، أبرزها حادث مصرع 50 طفلاً على مزلقان بأسيوط.
الاقتصاد والمال
«تراجع معدلات النمو، زيادة الدين العام، تآكل الاحتياطي النقدي، تهاوي مؤشرات البورصة، تراجع تصنيف مصر الائتماني».. كلها مؤشرات عكست انهيار الاقتصاد المصري في حكم جماعة «الإخوان» الإرهابية، فبدلاً من محاولة النهوض بالبلاد وتشجيع الاستثمار، كان يتم محاربة المستثمرين لصالح رموز «الإخوان»، إلى جانب «أخونة» المناصب الاقتصادية في الدولة مثل وزارة المالية ووزارة الاستثمار، دون الالتفات لمعايير الكفاءة أو القدرة على إدارة هذه المناصب الحيوية.
كيف انتهت الأزمة؟
4 أيام هي عمر الثورة، وهي كل ما جرى في الوقت ما بين 30 يونيو حتى 3 يوليو 2013 في مصر، ولكنها أيام فارقة في تاريخها، فقد جاء انحياز الجيش للشعب ليحدث الصدمة الكبرى للجماعة.
فمع تزايد الحشود الشعبية الهائلة بشوارع وميادين مصر في عام 2013، تحركت القوات المسلحة من أجل استيعاب ذلك الغضب الشعبي، وأصدرت بياناً حاسماً وقويّ اللهجة، منحت من خلاله فرصة أخيرة للسلطة والقوى السياسية 48 ساعة.
وذكر البيان أنه في حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة، فإن القوات المسلحة ستعلن عن خريطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها.
ومع تعنت «الإخوان» بقيادة محمد مرسي، ورفضهم لمطالب الشعب، التي على رأسها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تدخلت القوات المسلحة لوضع خريطة المستقبل، وعطلت العمل بالدستور بشكل مؤقت، وأدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، مع إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون مصر خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.
هذا بالإضافة لتشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة، تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة تلك المرحلة العصيبة، فضلاً عن تشكيل لجنة تضمّ كل الأطياف والخبرات؛ لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتاً.
وناشدت القوات المسلحة، المحكمة الدستورية العليا، لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب، والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.
كما أقرت وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام، ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة، وإعلاء المصلحة العليا لمصر، مع اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة المصرية ليكون شريكاً في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
وكذلك تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
وفي النهاية، نجحت القوات المسلحة المصرية في منع البلاد من الدخول في نفق مظلم، وحمت الشعب المصري من بطش وعنف الجماعة الإرهابية ومخططاتها لاختطاف الهوية المصرية ونشر الفوضى والخراب.