التعاون المعقد: تأثيرات التحالف بين واشنطن وطالبان على الأمن العالمي أمام تهديدات داعش في خراسان

الجمعة 19/يوليو/2024 - 08:19 ص
طباعة التعاون المعقد: تأثيرات علي رجب
 

في الوقت الحاضر، يشهد العالم مسارًا معقدًا من التحالفات والتباينات في مواجهة التهديدات الإرهابية في جنوب آسيا، وخاصة في وسط اسيا وخاصة أفغانستان وشبه القارة الهندية، هناك جدل كبير حول مدى فعالية وأهمية التعاون بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في هذا السياق، وهل يمكن أن يساهم هذا التعاون في تعزيز الأمن العالمي أم أنه مجرد تحالف غير مستقر.

منذ سيطرة طالبان على أفغانستان، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تحديات جديدة في التعامل مع الجماعات الإرهابية، خاصة داعش في خراسان. على الرغم من أن طالبان تعتبرت طوال فترة حكمها السابق داعمة للجماعات الإرهابية، إلا أنها أعلنت عن تعازمها على محاربة داعش والتعاون مع الدول الدولية في هذا السياق.

في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية أكد ماثيو ميلر، المتحدث باسم الوزارة، على ضرورة عدم تنفيذ هجمات إرهابية من قبل حركة طالبان في أفغانستان. وأكد ميلر أن منع الجماعات الإرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ أعمال إرهابية كان وسيظل أولوية قصوى للولايات المتحدة في التعامل مع طالبان.

ميلر أشار إلى أن الشعب الباكستاني عانى كثيرًا من التطرف والإرهاب، مما يجعل لدينا مصالح مشتركة مع شعب وحكومة باكستان في مكافحة التهديدات الأمنية الإقليمية. وأضاف: "نواصل دعوتنا لحركة طالبان بضرورة ضمان عدم تنفيذ هجمات إرهابية من الأراضي الأفغانية".

وختم ميلر بالقول إن هذه القضية تظل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة في التعامل مع طالبان، مؤكدًا التزام الوزارة الأمريكية بمواصلة الضغط على طالبان لتحمل مسؤولياتها الدولية وتأمين السلام والأمن في المنطقة.

تأتي هذه التصريحات في ظل استمرار الجهود الدبلوماسية والأمنية للتعامل مع التحديات المتعلقة بالأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب في جنوب آسيا.

 

خريطة الجماعات الارهابية في أفغانستان

بعد سقوط حكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية (نظام 2001) في أغسطس 2021، أصبحت أفغانستان مأوىً رئيسيًا للجماعات الإرهابية المحلية والدولية، ومنطقة أزمة أمنية.

ومع تولي حركة طالبان السلطة، تعمل كمنظمة توفر التدريب والإمدادات اللوجستية والوثائق الرسمية والدعم المالي للجماعات المتطرفة في أفغانستان، مما يجعلها محورًا رئيسيًا لأنشطة الجماعات الإرهابية في المنطقة.

ويعد تنظيم القاعدة، حليف أيديولوجي رئيسي لحركة طالبان وشريك أساسي  في عودة الحركة إلى السلطة مرة خرى، يستفيد بشكل كبير من البنية التحتية التي تم إنشاؤها في أفغانستان.

ووتشير تقارير  ومراكز أبحاث دولية إلى أن تنظيم القاعدة يحقق أرباحًا كبيرة من قطاع التعدين، ويدير عدة مدارس دينية تعرف باسم "المدارس الدينية"، تُعتبر مراكز لتعليم وتجنيد الأعضاء. كما تم توزيع وثائق الجنسية وجوازات السفر الأفغانية على الأعضاء الأجانب، وتأسيس مستوطنات سكنية لهم.

تنظيم القاعدة الإرهابي يعمل حاليًا على تعزيز هياكله الداخلية، وقد تم تعيين بعض الشخصيات الأفغانية البارزة في مناصب حكومية. كمجموعات إرهابية أخرى، مثل حركة طالبان الباكستانية، وعسكر طيبة، وجيش محمد، وسيباه الصحابة، والحركة الإسلامية لتركستان الشرقية-الأويغور، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وأنصار الله في طاجيكستان، فهي تعمل كأذرع أيديولوجية لحركة طالبان في أفغانستان، وتتمتع بتأثير كبير داخل صفوف طالبان الفكرية والعسكرية. فصل هذه الجماعات عن طالبان أو العكس من ذلك يعد تحديًا كبيرًا، يماثل فصل الماء عن اللبن في تعقيده.


تعاون استخبارتي أمريكي مع طالبان

في الآونة الأخيرة، تم تداول أنباء عن التعاون المحتمل بين المخابرات الأمريكية وحركة طالبان، ورغم أن هذا التعاون كان واضحًا بطريقة ما منذ أيام الخريف، إلا أن الولايات المتحدة لا تملك القدرة أو الرغبة في تحويل أفغانستان إلى ساحة للصراعات مع القوى الإقليمية القوية مثل روسيا والصين.

 

بالمقابل، تدعي حركة طالبان أن تنظيم داعش خراسان ليس له وجود في أفغانستان وأنه لا يشكل أي تهديد للمنطقة أو العالم. ومع ذلك، تظهر الأحداث يومًا بعد يوم، مع هجمات مستمرة على إيران الداخلية، وهجمات صاروخية على أوزبكستان وطاجيكستان، أن حركة طالبان الباكستانية تكتسب قوة وتنفذ هجماتها في باكستان، بالإضافة إلى الهجمات التي وقعت في موسكو وتوجيه المئات من أفراد داعش خراسان تحت غطاء طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة.

 

الآن، بعد إعلان الولايات المتحدة عن هذا التعاون المحتمل، يُتصور سيناريوهات خطيرة لتهديدات أمنية بسبب داعش في خراسان في أفغانستان والعالم. يتطلب ذلك من الولايات المتحدة إدارة الشأن العام بذكاء لإقناع الرأي العام الأمريكي المرتابط والمتشائم بشأن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بخطورة الوضع، حيث من الممكن أن يحدث حادث أكبر من هجمات 11 سبتمبر على التراب الأمريكي إذا لم تُتخذ الخطوات اللازمة.

 

النقطة الأساسية هي التواجد الميداني، الذي يجب أن لا يُخصص للعمل فقط من قبل القوى العظمى مثل الصين وروسيا. من جهة أخرى، يجب على حركة طالبان تحسين صورتها العالمية بعد أن تم إثبات كذبها فيما يتعلق بعدم وجود داعش خراسان في أفغانستان. ومن هنا، نحن بحاجة إلى استعداد لمزيد من التهديدات الإرهابية الخطيرة ضد الشعب الأفغاني، خاصة ضد الهزارة والشيعة والجماعات الأخرى التي تُعد أعداءً لكل من طالبان وداعش في خراسان وغيرها من البلدان.

 

التأثيرات المحتملة لهذه التهديدات قد تكون محدودة على المصالح الأمريكية المباشرة حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع حركة طالبان، ولكن السؤال المهم هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تحقيق ذلك كما هو متوقع في اجتماع الدوحة الثالث. يجب أن نعترف بأن القيم الإنسانية الحديثة قد تكون تضحية لتنافس القوى العالمية، وهل قصرت الولايات المتحدة شعارها في محاربة الإرهاب إلى محاربة الإرهاب الذي يخدم مصالحها؟

 

بشكل طبيعي، قد تتسبب هذه التهديدات في أقل قدر من الضرر على المصالح المباشرة للولايات المتحدة حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع طالبان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تحقيق ذلك كما شهدنا في اجتماع الدوحة الثالث.

 

 

 

شارك