الدروز فى صراع الشرق الأوسط : كيف يُمهد هجوم مجدل شمس لتنفيذ مخطط إسرائيل؟

الثلاثاء 13/أغسطس/2024 - 08:57 م
طباعة الدروز فى صراع الشرق علي رجب
 
مؤخراً، تعرضت منطقة مجدل شمس السورية فى مرتفعات الجولان المحتلة لهجوم مروع، يوم 27 يوليو 2024، أسفر عن مقتل 12 طفلاً سوريا درزيًا، مما أحدث صدمة وحزنًا عميقًا فى أوساط الطائفة الدرزية، وأثار تساؤلات حول هوية الدروز وتاريخهم فى المنطقة، خصوصاً فى ظل الأوضاع الحالية التى تميزها مشاريع «الدويلات» الدينية والطائفية والعرقية. هذه المشاريع تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع الأجندات السياسية، بما فى ذلك دعم مشروع الدولة اليهودية. من خلال تعزيز أوضاع الطوائف والأقليات كجزء من الاستراتيجية الإقليمية، يسعى بعض القوى إلى تحقيق أهدافه الخاصة على حساب استقرار المنطقة وتماسك المجتمعات.

الطائفة الدرزية وتحدياتها

هذا الهجوم العنيف سلط الضوء على التحديات الكبيرة التى تواجهها بنى معروف " الموحدون الدروز " التى تعيش فى مناطق متعددة تشمل إسرائيل ومرتفعات الجولان ولبنان وسوريا والأردن، كما أظهر المعاناة التى تعانيها هذه المجموعة العربية الدرزية فى ظل الظروف الحالية.
أما عن تاريخ الدروز من قاهرة المعز إلى بلاد الشام فيعيش الموحدون الدروز فى المناطق الجبلية والصحراوية فى لبنان وسوريا وإسرائيل والأردن، وتمتاز بخصائص دينية وثقافية فريدة تميزها عن باقى السكان، نشأت الطائفة الدرزية فى قاهرة المعز خلال عهد الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله (٩٩٦-١٠٢١ ميلادي).
بدأت الدعوة الدرزية فى مصر بين عامى ١٠١٧-١٠٢٠ ميلادى على يد محمد بن إسماعيل الدرزي، الذى يعتبر أحد مؤسسى الطائفة، حيث انفصلت الدعوة عن المذهب الإسماعيلى الشيعي.
هناك مراجع تشير إلى أن المؤسس الفعلى للطائفة هو حمزة بن على بن محمد الزوزني، الذى كتب النصوص الدينية الدرزية. بدأت الدعوة فى القاهرة واستمرت حتى عام ١٠٤٣ ميلادي، وبعدها أصبحت مقتصرة على أفراد الطائفة وأبنائهم فقط. بعد اختفاء الحاكم بأمر الله، قمع الخليفة الفاطمى الظاهر لإعزاز دين الله (١٠٢١-١٠٣٦ ميلادي) أتباع الطائفة بوحشية، مما أدى إلى تقليص عددهم بشكل كبير فى القاهرة وانتشارهم فى الشام ولبنان وسوريا، بقيادة المقتنى بهاء الدين (السموقي). وانسحب المقتنى من الحياة العامة فى عام ١٠٣٧ ولكنه استمر فى كتابة رسائل رعوية توضح العقيدة الدرزية حتى عام ١٠٤٣، حيث توقفت عمليات التبشير وتوقف الدروز عن قبول التحولات إلى إيمانهم.
بحلول ذلك الوقت، استقرت الدرزية فى شمال فلسطين، مع أقدم المجتمعات الدرزية المسجلة حول جبل الشيخ؛ الذى ظل موقعًا رئيسيًا للمجتمعات الدرزية طوال تاريخها.

التوزيع الجغرافي

تتواجد الطائفة الدرزية فى مناطق متعددة منها سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، مع تركيز رئيسى فى جبل حوران، الذى يشمل مدنهم وقراهم مثل السويداء وشهبا وصلخد. تُقدّر الطائفة الدرزية المعاصرة بنحو ٢.٦ مليون نسمة حول العالم، مع أكبر جالية درزية فى سوريا التى يبلغ تعدادها بين ٧٠٠ إلى ٨٥٠ ألف شخص، وفقًا للمركز الدولى للدراسات الاستراتيجية "RIAC".

إمارات الدروز: من الحمدانية إلى الانتداب الفرنسي

على الصعيدين السياسى والثقافي، شكلت الطائفة الدرزية جزءاً أساسياً من تاريخ منطقة الشام، حيث برزت من خلال شخصيات بارزة وأحداث مهمة. يُعتبر الحمدانيون (التغالبة) من أبرز القوى التاريخية التى ارتبط اسمها بالدولة الحمدانية التى أسسها سيف الدولة الحمدانى فى حلب والموصل. أما خلال فترة الحكم العثماني، نزح دروز آخرون من فلسطين بسبب الصدامات والمعارك ضد العثمانيين واستقروا فى قرى جبل الدروز وقاموا بتعميرها.
وفى لبنان تمتع الموحدون الدروز بفترات من الاستقلال السياسي، حيث أنشأوا إمارات خاصة بهم كانت تُعرف بمسميات مختلفة، مثل "إمارة جبل لبنان" و"إمارة الشوف" و"إمارة جبل الدروز"، فقد تأسست إمارة جبل لبنان فى عام ١٥١٦ على يد الأمير فخر الدين المعنى الأول، الذى اختار بعقلين عاصمةً لحكمه. لكن بسبب نقص المياه فى بعقلين، انتقل الأمير إلى دير القمر، التى أصبحت عاصمة للإمارة. استمرت دير القمر كمركز السلطة حتى تولى بشير الثانى الشهابى الحكم، حيث حول قاعدة الإمارة إلى بيت الدين.
كما يُعتبر الأمير فخر الدين المعنى الثانى (١٥٧٢ - ١٦٣٥م) من أبرز القادة الدرزيين فى لبنان. تولى الحكم فى إمارة الشوف منذ حوالى عام ١٥٩٠ حتى ١٦٢٣، وقام بتوحيد جميع إمارات الساحل الشامي. يعتبر فخر الدين الثانى من أعظم أمراء بلاد الشام ولبنان، حيث امتدت سيطرته على الأراضى بين يافا وطرابلس. نال اعتراف ورضا الدولة العثمانية، ويُعتبر من أعظم الشخصيات الوطنية فى لبنان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر. يُلقب بـ "مؤسس لبنان الحديث" بسبب سيطرته على جميع الأراضى التى تشكل لبنان المعاصر، بعد أن كانت تحت حكم أمراء متعدّدين قبل عهده.
أيضا يعد الأمير بشير الثانى الشهابى الكبير (١٦٩٧ - ١٨٤٢) هو أحد أبرز أمراء جبل لبنان من آل شهاب، وقد حكم المنطقة من عام ١٦٩٧ حتى ١٨٤٢. يعتبر بشير الثانى آخر أمير فعلى للبنان، حيث جاء بعده أمير صورى عُين من قبل العثمانيين بدلاً من الأمراء الذين كانوا يُختارون من قبل أعيان الشعب.

الحرب العالمية الأولى

فى الحرب العالمية الأولى، سعى وجهاء جبل الدروز، بقيادة سليم الأطرش، إلى تجنب الانخراط فى الحرب وإعفاء أبناء الجبل من الخدمة العسكرية. تسببت الحرب فى انقسامات بين الدروز إلى فريقين؛ أحدهما مؤيد للأتراك بقيادة سليم الأطرش، والآخر مناصر للحلفاء بقيادة سلطان باشا الأطرش. انحاز غالبية الدروز إلى الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين بقيادة الشريف حسين بين عامى ١٩١٦ و١٩١٨.
الانتداب الفرنسي: مع تقسيم فرنسا وبريطانيا لمناطق النفوذ وفقًا لاتفاقية سايكس-بيكو عام ١٩١٦، أصبحت السويداء ضمن النفوذ الفرنسي، حيث أنشأت فرنسا دولة جبل الدروز بين عامى ١٩٢١ و١٩٣٦. ثار الدروز ضد سلطات الانتداب الفرنسى فى عام ١٩٢٥، وخاضوا سلسلة من المعارك انتهت بهزيمتهم. فى عام ١٩٣٦، دمجت فرنسا "دولة جبل الدروز" ضمن سوريا. فى عام ١٩٤٥، قاد سلطان الأطرش تمردًا ناجحًا ضد الفرنسيين، مما جعل جبل الدروز أول منطقة فى سوريا تتحرر من الحكم الفرنسي.
بعد الاستقلال، اصطدم الموحدون الدروز فى سوريا بمواقف الإدارة الجديدة للبلاد، فى عام ١٩٤٥، أثار وصف الصحف للدروز بـ "الأقلية الخطيرة" غضب سلطان باشا الأطرش، الذى هدد بإنهاء الهدوء إذا لم تُراجع الحكومة موقفها.
كما تعرض المجتمع الدرزى لهجوم مكثف من قبل الحكومة السورية بقيادة أديب الشيشكلى من ديسمبر ١٩٤٩ إلى فبراير ١٩٥٤، حيث قصف الشيشكلى جبل الدروز بالأسلحة الثقيلة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وتدمير العديد من المنازل.
بعد أزمة ٢٠١١، تأثرت الأوضاع فى جبل الدروز بسبب الحرب السورية، وهاجر العديد من الدروز إلى الجنوب هربًا من عدم الأمان فى دمشق، وشهدت المنطقة توترات مع المعارضة السنية. قاد الدروز تشكيل ميليشيات محلية للدفاع عن أنفسهم، واستمرت التحركات الدرزية ضد حكومة بشار الأسد.
أيضا منذ استقلال لبنان، لعب الموحدون الدروز دورًا سياسيًا بارزًا. كان كمال جنبلاط، الزعيم الدرزى البارز، يتمتع بجاذبية كبيرة وحقق احترامًا واسع النطاق بفضل معارضته للزعيم كميل شمعون، بما فى ذلك تحريضه على انتفاضة ضد شمعون فى عام ١٩٥٨، مما أكسبه تأييد القوميين العرب. تولى جنبلاط عدة مناصب وزارية، وعُين وزيرًا للداخلية بفضل جاذبيته بين مختلف الطوائف، مما مكنه من إدارة الشئون الداخلية للبلاد بفعالية.
بعد اغتيال جنبلاط فى عام ١٩٧٧، انتقلت الزعامة السياسية للطائفة الدرزية فى لبنان إلى ابنه وليد جنبلاط، الذى أصبح شخصية مؤثرة فى السياسة اللبنانية وغالبًا ما كان يُعتبر صانع الملوك. عُرف وليد جنبلاط بمعارضته للتدخل السورى فى لبنان، مما منح سياسته توجهاً غربياً واضحاً. كما تُعَدُّ مدينة الأزرق فى الأردن أكبر تجمع لـ"بنى معروف" حيث يتوزعون فى العاصمة عمان، الزرقاء، الرصيفة، أم القطين، العقبة، والمفرق، ويشكلون الأغلبية المطلقة فى مدينة الأزرق. بدأت مرحلة استقرار الدروز فى الأزرق منذ عام ١٩١٨، عندما انتقلت أولى العائلات الدرزية إلى هناك، وتبعهم مزيد من العائلات فى عام ١٩٢٤ بعد تدهور الوضع فى جبل الدروز.
وعلى المستوى السياسى كانت أول حكومة أردنية تشكلت فى ١١ أبريل ١٩٢١ برئاسة رشيد طليع، وهو درزي، وقد شكل طليع الحكومة الثانية فى ٥ يوليو ١٩٢١، كما كان رجال حزب الاستقلال، ومن بينهم دروز مثل فؤاد سليم والأمير عادل أرسلان وعجاج نويهض والدكتور سليمان النجار وفريد طليع، قد قدموا من دمشق بهدف الثورة ضد الفرنسيين وطردهم من سوريا.

الدروز فى الجولان المحتل وأراضى الخط الأخضر

ومع التغيرات السياسية التى شهدتها المنطقة منذ ٢٠١١، وصولا إلى استهداف مجدل شمس، تكشف الأوضاع للموحدين الدروز عن أزمة داخل "أراضى الخط الأخضر، فأبناء الطائفة الدرزية فى الأراضى المحتلة ينقسمون إلى قسمين رئيسيين من التوزيع الجغرافي: فى الجولان السورى المحتل وهى الأراضى العربية السورية التى احتلتها إسرائيل فى ٥ يونيو ١٩٦٧ والذين يشكلون نحو ٢٥ ألفًا، والقسم الآخر فى المناطق الفلسطينية المحتلة حيث يقدر عددهم بنحو ١٢٥ ألفًا، وهم يحق لهم قانونا الحصول على الجنسية السورية أو الإسرائيلية وعادةً ما يعتبرون أنفسهم مواطنين سوريين.
وعرضت إسرائيل على سكان الجولان الجنسية الإسرائيلية، لكن فى عام ١٩٨٢، فشلت محاولات فرض الجنسية الإسرائيلية بالقوة على سكان الجولان، بعد أن التف السكان حول القيادة الروحية التى أصدرت فتوى بمقاطعة من يقبل بالجنسية الإسرائيلية. وقد قوبل حصار القوات الإسرائيلية لقرى الجولان، وخاصة مجدل شمس، بمقاومة قوية من السكان الذين تمسكوا بجنسيتهم العربية السورية ورفعوا العلم السوري.
وفى يوليو ٢٠١٠، اندلعت مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية وسكان مجدل شمس بعد اقتحام منزل لتفتيشه. أدت هذه المواجهات إلى تدخل الجيش الإسرائيلي، وتم الإفراج عن أفراد الشرطة المحتجزين بعد الحصول على ضمانات بعدم تكرار مثل هذه المداهمات.
ولكن بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام ٢٠١١، سعى عدد متزايد من الدروز فى الجولان المحتل إلى الحصول على الجنسية الإسرائيلية، حيث يحمل الآن حوالى ٢٥٪ من المجتمع هذه الجنسية. وبينما أصبح بعضهم أكثر ارتباطًا بالمجتمع الإسرائيلي، لا يزال آخرون متمسكين بهويتهم كسوريين.
أما الدروز فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فيعرفون باندماجهم مع السلطات الإسرائيلية، وهو ما يميزهم عن باقى المجتمعات العربية فى البلاد، فى عام ١٩٤٢، دعمت الطائفة الدرزية القوات اليهودية فى مواجهة تهديد القيادة السنية بالسيطرة على قبر شعيب (قبر يثرون) فى طبريا. ومنذ ذلك الحين، شارك الجنود الدروز فى جميع الحروب العربية الإسرائيلية. وهم المجموعة العربية الوحيدة المجندة فى جيش الدفاع الإسرائيلي، حيث يساهمون فى تأمين الحدود والأعمال الدبلوماسية.
وتم تجنيد الدروز "عرب ٤٨" بشكل كامل فى الجيش الإسرائيلى منذ عام ١٩٥٧. وشاركوا فى وحدات مثل كتيبة الدورية ٢٩٩ التى تحولت إلى كتيبة مشاة عام ١٩٧٤، ولعبت دورًا مهمًا فى الصراعات الإسرائيلية.
يعتبر الدروز بارزين جدًا فى قطاع الأمن، حيث يشكلون نسبة كبيرة من العاملين فى المؤسسات الأمنية مثل جيش الدفاع الإسرائيلي، الشرطة، وزارة الأمن العام، والشاباك (الـ"شيفا"). فى ١٢ مجتمعًا درزيًا، يُعتبر فرع الجهاز الأمنى هو الأكبر من حيث نسبة الأشخاص العاملين فيه مقارنة بالأنشطة الدفاعية الأخرى.
ويعمل العديد من الدروز فى قطاع الأمن بنسبة تتجاوز حصة أفراد المجموعات العرقية الأخرى، حيث تبلغ نسبتهم ٢٨.٦٪ من العاملين فى هذا المجال. وهذا يعكس التزامهم العميق بالأمن القومى وتفانيهم فى أداء واجباتهم.
وفى العام الدراسى ٢٠٢٣-٢٠٢٤، بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس الدروز ٣.٧٤١، مقارنة بـ ٣.٦٣٣ فى العام الدراسى السابق - بزيادة قدرها ٢.٩٪. وتظهر البيانات أيضًا أنه فى العام ٢٠٢٣ كان هناك ١٨٥ عضوًا فى هيئة التدريس الدرزية فى مؤسسات التعليم العالي، مقارنة بـ ١٨٣ فى ٢٠٢٢. وفى عام ٢٠٢٢، تم تسجيل ٢٤.١ ألف درزى فى دوائر الخدمات الاجتماعية التابعة لوزارة الضمان الاجتماعي.
فى السنوات الأخيرة، شهدت الطائفة الدرزية تعزيزًا كبيرًا فى اتجاهات الاحتراف والتعليم العالي. ففى عام ٢٠٠٠، تم تسجيل ١٧٠٠ طالب درزى فى المؤسسات الأكاديمية. وبحلول عام ٢٠١٥، ارتفع عدد الطلاب إلى ما يزيد على ٢.٧٪ ضعف العدد السابق، مما يعكس زيادة ملحوظة فى اندماج الدروز فى المجتمع الإسرائيلى وتحسن مستواهم التعليمى والمهني.
وعلى مر السنين، دعمت الحكومة الإسرائيلية القيادة الروحية الدرزية ومنحتها مزايا خاصة، والمتمثلة فى المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى والذى يرأسه حاليا الشيخ موفّق طريف، وقد كانت هناك محاولات لتعميق وعى الدروز بهويتهم الطائفية من خلال خطوات مثل الاعتراف بالطائفة كطائفة دينية مستقلة، وإنشاء نظام قضائى دينى خاص بها، وتطبيق قانون التجنيد الإلزامى على الدروز، وتوفير فرص تعليمية مثل تعلم الطيران المدني.
ورغم هذه السياسات، لا يزال التوتر قائمًا بين الدولة الدينية اليهودية والمجتمع الدرزي، حيث تواصل الطائفة الدرزية مطالبها بتحقيق المساواة الكاملة وإلغاء القوانين التى تعتبرها تمييزية.
وفى يوليو ٢٠١٨، قوبل قانون "الدولة القومية للشعب اليهودي" بردود فعل غاضبة من قبل الدروز، الذين اعتبروا أن القانون يُنزلهم إلى درجة مواطنين من الدرجة الثانية. كما شمل احتجاجهم أيضًا قانون كامينيتس الذى شدد تطبيق البناء غير القانوني، مما أثار استياءً كبيرًا بينهم.

آفاق إقامة دولة درزية

تعيش الأقليات الدرزية فى مناطق ذات أزمات متصاعدة، حيث يشكل الجهاديون تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار فى المناطق التى يسكنها الدروز. فى سوريا، يشكل الدروز أقلية دينية وعرقية محاطة ببيئة متقلبة، ويواجهون تهديدات من الجماعات الجهادية التى تسعى لزعزعة استقرار المناطق الدرزية. ردًا على هذه التهديدات، عملت المجتمعات الدرزية على تعزيز قدراتها الدفاعية وتهيئة التنسيق الداخلى بينها.
وفى الأراضى المحتلة يواجه الدروز أزمة التمييز من قبل الدولة اليهودية رغم الاندماج الكامل ووجود دروز فى البرلمان الإسرائيلى "الكنيست" وأعضاء فى الأحزاب السياسية وفى الإدارة المدنية وكذلك فى الحكومة، لكن قانون "الدولة اليهودية" أوجد شرخا عميقا بين الدروز فى الأراضى المحتلة والسلطات الإسرائيلية.
وتعود فكرة إقامة دولة درزية إلى القرن العشرين، حيث كان للدروز دولتهم الخاصة فى بعض الفترات التاريخية. اليوم عاد إحياء التراث فكرة الدولة الدرزية فى ظل مخططات الشرق الأوسط الجديد والقائم على "دويلات دينية وطائفية وعرقية"، حيث تسعى مخططات أمريكية وإسرائيلية إلى استعادة فكرة "الدولة الدرزية" والتى ينتشر الدروز فى مناطق التماس بين الأراضى العربية المحتلة "فلسطين" والجولان العربى والأراضى العربية فى سوريا ولبنان وصولا إلى الأردن، بما يحقق الأهداف الإسرائيلية فى وجود دولة تشكل "حزاما" فاصلا بين الدولة اليهودية المزعمة والدول العربية "على تقسيم دينى ومذهبي- السنة والشيعة".
وتتمتع المناطق الدرزية بأهمية استراتيجية كبيرة نظرًا لموقعها الجغرافى الحيوى عند تقاطع حدود إسرائيل والأردن ولبنان وسوريا، بما فى ذلك مرتفعات الجولان. هذه الأهمية جعلت من هذه المناطق محط اهتمام خاص فى السياسة الإسرائيلية، خاصة بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ والتى شهدت استيلاء إسرائيل على أجزاء واسعة من الأراضى العربية التى يقطنها الدروز تاريخيا.
لذلك يعد دعم إسرائيل لمشروع الدولة الدرزية يأتى مع تعقيدات عدة. يتباين الموقف داخل المجتمع الدرزي، حيث يعارض العديد من الدروز اللبنانيين والسوريين فكرة إقامة دولة درزية خوفًا من أن يصبحوا "دمى فى يد إسرائيل". تعكس هذه الخلافات الداخلية التحديات التى تواجه مشروع إقامة الدولة الدرزية.

خطة ييجال ألون

بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧، اقترح السياسى الإسرائيلى ييجال ألون خطة لإنشاء دولة درزية تكون موالية لإسرائيل. كانت الفكرة تهدف إلى إقامة حزام أمنى يعزل إسرائيل عن الدول العربية المعادية، وتتناسب مع مفهوم "تحالف المحيط" الذى يدعو إلى بناء تحالفات استراتيجية مع دول غير عربية وغير إسلامية. كان الهدف من هذه الخطة تأمين إسرائيل من التهديدات الإقليمية وضمان استقرار حدودها.
على الرغم من العزلة الدولية التى تعانى منها إسرائيل، فقد تم تأجيل فكرة إقامة الدولة الدرزية فى تلك الفترة بسبب الضغوط الدولية والتحديات السياسية. ومع ذلك، منذ بداية الأزمات فى عام ٢٠١١ وما تلاها، عادت الفكرة إلى الواجهة، مع التركيز على إمكانية إنشاء حزام درزى حول الدولة اليهودية كإجراء استراتيجى لتعزيز الأمن الإقليمى لإسرائيل.

التطورات الأخيرة

فى يونيو ٢٠١٥، تصدت منطقة الخضر السورية لهجوم من المتشددين الإسلاميين، وتلقت مساعدة مسلحة تحت إشراف القوات الأمنية الإسرائيلية. هذا التدخل يعكس التزام إسرائيل بالحفاظ على الأمان فى المناطق الدرزية وضمان حماية المجتمعات الدرزية من التهديدات الجهادية. رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى (تساهال) صرح بأن الجيش يعمل على أساس "تحالف الدم مع إخواننا الدروز"، وهو تعبير عن العلاقة الوثيقة بين الدروز الإسرائيليين وإخوانهم فى سوريا.
كما صرح أيوب قرا، نائب وزير الشئون الإقليمية آنذاك، وهو درزى الأصل، بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدى فى حال تفاقم الوضع مع الدروز السوريين. وأكد أن إسرائيل قد تتدخل عسكريًا ضد الجماعات المتشددة مثل الدولة الإسلامية وجبهة النصرة إذا لزم الأمر. وأضاف سياسى إسرائيلى بارز آخر بأن "تساهال" قد تدخل سوريا قريبًا وتستولى على القنيطرة لتصبح مركزًا للدولة الدرزية.
وتظهر التصريحات والاقتراحات أن إسرائيل مهتمة بإنشاء دولة درزية عازلة لحمايتها من الجهاديين فى حال سقوط نظام بشار الأسد. الأهمية الاستراتيجية للمناطق الدرزية وموقعها الحساس يلعبان دورًا محوريًا فى صياغة السياسات الإسرائيلية تجاه المنطقة. إن الدعم الإسرائيلى للمجتمعات الدرزية فى ظل التهديدات الجهادية يعكس استراتيجيتها لحماية مصالحها الأمنية وتعزيز وجودها الاستراتيجى فى المنطقة.
بالمجمل، إن فكرة إقامة دولة درزية تعكس الرغبة الإسرائيلية فى استخدام المجتمعات الدرزية كأداة لتعزيز الأمن الإقليمى وضمان حماية إسرائيل من التهديدات الخارجية. ومع ذلك، تبقى هذه الفكرة معقدة ومتداخلة مع الأوضاع الإقليمية المتغيرة والتحديات السياسية.

شارك