السيسي في تركيا.. إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية وتأثيرها على الديناميات الإسلامية

السبت 24/أغسطس/2024 - 12:53 م
طباعة السيسي في تركيا.. أميرة الشريف
 
في سياق التطورات والتحولات التي تشهدها المنطقة، تبرز زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، المقررة في 4 سبتمبر المقبل، كحدث سياسي ودبلوماسي بارز، وفق وسائل إعلام تركية.
 تأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه العالم العربي والإسلامي تحولات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية، حيث تعيد دول المنطقة ترتيب أوراقها وتحالفاتها في مواجهة التحديات الراهنة.
ما يضفي على هذه الزيارة أهمية خاصة هو السياق التاريخي للعلاقات بين مصر وتركيا، اللتين تجمعهما روابط تاريخية عميقة، لكن علاقاتهما مرت بتوترات وتحديات كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
في هذا السياق، تأتي الزيارة كإشارة قوية إلى رغبة البلدين في تجاوز الماضي، وبناء مستقبل مشترك يقوم على المصالح المتبادلة. وبالنظر إلى التحركات الدبلوماسية المكثفة التي سبقتها، فإن هذه الزيارة قد تكون نقطة تحول مهمة في العلاقات بين القاهرة وأنقرة، ومرجعًا للاستقرار والتعاون في المنطقة.

زيارة تاريخية في ظل تحولات كبيرة

منذ فترة، كانت العلاقات بين مصر وتركيا متوترة، حيث ظهرت خلافات سياسية واستراتيجية بسبب قضايا إقليمية حساسة، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تطورًا ملحوظًا في هذه العلاقات، بفضل تحركات دبلوماسية مكثفة من الجانبين، بهدف إعادة بناء الثقة وتحسين العلاقات الثنائية.
وتعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها للرئيس السيسي إلى تركيا، مما يجعلها خطوة تاريخية تعكس تحولًا جادًا في سياسة البلدين تجاه بعضهما البعض، وهي ليست مجرد زيارة عادية، بل فرصة لتوقيع اتفاقيات ثنائية في العديد من المجالات المهمة التي يمكن أن تشكل قاعدة قوية للتعاون المستقبلي.
ومن المتوقع أن يتم خلال الزيارة مناقشة الخطوات الواجب اتخاذها لتحقيق الهدف الجديد في حجم التجارة البينية بين البلدين، ليرتفع إلى 15 مليار دولار بدلاً من الرقم الحالي وهو 10 مليارات دولار.

مرافقة وفد اقتصادي بارز وأجندة متنوعة

سيرافق الرئيس السيسي في هذه الزيارة وفد يضم أسماء مصرية بارزة من عالم الأعمال، مما يشير إلى الأهمية الاقتصادية التي يوليها الجانبان لهذه الزيارة، بحسب مصدر دبلوماسي بارز.
ومن المتوقع أن تكون المحادثات بين الزعيمين المصري والتركي محورها الرئيسي تعزيز التعاون الاقتصادي وتطوير الاستثمارات المشتركة.
كما سيتم التركيز بشكل خاص على التعاون في مجالات الطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال والطاقة المتجددة والتعدين، وهي قطاعات حيوية لكلا البلدين وتمثل محورًا للتعاون الاستراتيجي المستدام.
وستشمل المحادثات مناقشة سبل تعزيز التعاون في مجالات أخرى مثل الصحة والسياحة والدفاع، والتي تعتبر من المجالات الواعدة التي يمكن أن تسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بشكل شامل. بالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة جهود زيادة التعاون بين الجامعات في البلدين، وتعزيز الدراسات والبحوث في مجال الإعلام والاتصال، وهو ما يعكس اهتمام الجانبين ببناء علاقات ثقافية وأكاديمية متينة.

إعادة فتح صفحة جديدة في العلاقات

تأتي زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا في إطار فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وهي خطوة استهلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارته إلى القاهرة في 14 فبراير 2024.
 كانت تلك الزيارة الأولى له إلى مصر منذ 12 عامًا، وأعطت إشارة قوية إلى رغبة البلدين في تجاوز الخلافات السابقة وبناء علاقة استراتيجية تقوم على المصالح المشتركة.
ومن المتوقع أن تسهم الزيارة الحالية في تعميق هذا الاتجاه، حيث أعلن سفير تركيا لدى مصر، صالح موطلو شن، أنه سيتم التوقيع على اتفاقيات تشمل الجوانب التجارية والاقتصادية والثقافية والصحية.
 وأوضح شن في عدة تصريحات له أن العلاقات بين البلدين تحت قيادة الرئيسين السيسي وأردوغان تشهد تطورًا مستمرًا يشمل كل المجالات من الاقتصاد إلى الثقافة، ومن السياحة إلى الصناعة، ومن التعليم إلى الصحة.
 هذا التوجه يعكس إرادة حقيقية لدى القيادة السياسية في البلدين لتعزيز التعاون وتحقيق المصالح المشتركة في مختلف المجالات.

إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية وتأثيرها على الديناميات الإسلامية

كما تعد الزيارة نقطة تحول بارزة في إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية، حيث تعكس تحولًا استراتيجيًا في العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وتأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تغييرات كبيرة في التحالفات الإقليمية، وتعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون الثنائي بعد سنوات من التوتر. 
تحاول مصر وتركيا من خلال هذه الزيارة تجاوز خلافاتهما السابقة وبناء شراكة قوية تستند إلى المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة.
 وهذا التحول قد يساهم في إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية بطرق جديدة تؤثر بشكل كبير على الديناميات الإسلامية في المنطقة.
من المتوقع أن يكون لهذا التقارب بين مصر وتركيا تأثيرات ملموسة على الديناميات الإسلامية الإقليمية، حيث يمكن أن يغير ميزان القوى بين الحركات الإسلامية والدول الداعمة لها. 
فمصر وتركيا تمثلان لاعبين رئيسيين في السياسة الإسلامية الإقليمية، وتعاونهم قد يؤثر على استراتيجيات الحركات الإسلامية المختلفة، بما في ذلك تلك التي تتبنى الأيديولوجيات الإخوانية.
 كما أن تعزيز التعاون بين البلدين قد يساهم في تغيير التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة على كيفية تعامل هذه الحركات مع القوى الإقليمية والدولية.

التحديات المحتملة أمام التعاون المستقبلي

على الرغم من الأجواء الإيجابية التي تحيط بهذه الزيارة، إلا أن هناك تحديات عديدة قد تواجه مسار التعاون المستقبلي بين مصر وتركيا، من أبرزها التباينات في المصالح بشأن بعض القضايا الإقليمية الحساسة، مثل الصراع في ليبيا والموقف من جماعات الإسلام السياسي.
هذه القضايا كانت سببًا رئيسيًا في توتر العلاقات بين البلدين في السنوات الماضية، ولا تزال تشكل عقبة أمام تحقيق تقدم سريع في العلاقات الثنائية.
إضافة إلى ذلك، فإن التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة تفرض على البلدين ضرورة التنسيق الدائم والتفاهم العميق حول القضايا المشتركة، وهو ما يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة وتعاونًا مستمرًا على أعلى المستويات.
كذلك التوترات المستمرة بين القاهرة وتل أبيب، وكذلك الأجواء المشحونة بين أنقرة وتل أبيب، من المتوقع أن تترقب إسرائيل هذه الزيارة عن كثب.
 يتوقع أن تشهد المباحثات بين السيسي وأردوغان مناقشات حول قضايا حساسة مثل ملف غزة ومحاكمة بنيامين نتنياهو، ما يزيد من أهمية وترقب هذه الزيارة في الدوائر الإسرائيلية.
ووفق مراقبون فستكون مخرجات هذه الزيارة وما يتبعها من خطوات عملية مؤشرًا مهمًا على مدى قدرة البلدين على تجاوز هذه التحديات وتحقيق التعاون المثمر.
إن زيارة السيسي ستفتح الباب أمام فصل جديد من التعاون الاستراتيجي بين القاهرة وأنقرة، ونجاح الزيارة في تحقيق أهدافها يتوقف على مدى قدرة البلدين على تجاوز التحديات الحالية وبناء شراكة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
كما أن هذه الزيارة قد تكون بداية لمسار جديد من العلاقات التي تتسم بالتعاون والشراكة في مختلف المجالات، لكنها أيضًا تضع على عاتق الجانبين مسؤولية كبيرة لضمان استدامة هذا التعاون وتحقيق النتائج المرجوة منه.
في المجمل، يمكن القول إن الطريق لا يزال طويلًا، ويتطلب الكثير من العمل والتفاهم المتبادل، لكن هناك إرادة واضحة من كلا الجانبين لتحقيق النجاح وفتح آفاق جديدة للتعاون بما يخدم مصالح البلدين ويعزز من استقرار المنطقة في ظل التحديات المتزايدة.

شارك