تبادل الرسائل بين حزب الله وإسرائيل.. هل تتجه جبهة لبنان إلى التهدئة؟
في أعقاب الهجوم المكثف الذي شنته حركة حزب الله اللبناني على شمال إسرائيل وهضبة الجولان، تبادل الطرفان رسائل عبر وسطاء اليوم الأحد، تشير إلى عدم رغبة أي منهما في التصعيد نحو حرب شاملة. وكشف دبلوماسيان لوكالة "رويترز" أن الجانبين سعى إلى تهدئة الأوضاع بعد واحدة من أكبر عمليات تبادل إطلاق النار بينهما خلال الأشهر العشرة الماضية.
تفاصيل الهجوم والرد الإسرائيلي
أطلق حزب الله، المدعوم من إيران، مئات الصواريخ والطائرات بدون طيار من لبنان نحو أهداف في إسرائيل. وقد أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، نداف شوشاني، أن الهجوم كان جزءًا من خطة أكبر ولكن تم إحباطه إلى حد كبير. وأضاف أن الجيش الإسرائيلي دمر "آلاف منصات" الصواريخ في جنوب لبنان باستخدام "نحو 100 طائرة حربية". ووفقًا للجيش، كانت معظم هذه المنصات موجهة نحو شمال إسرائيل، وبعضها نحو وسطها.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن بلاده تتابع الوضع في بيروت بعناية وعازمة على استخدام كل الوسائل لحماية مواطنيها. وفي الوقت نفسه، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن بلاده لا تسعى إلى حرب شاملة ولكنها ستتصرف وفقًا للتطورات على الأرض.
جهود التهدئة وتجنب التصعيد
في الوقت الذي رصدت فيه صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤشرات على رغبة الجانبين في خفض التصعيد، أشارت التقارير إلى أن حزب الله وإسرائيل أبديا رغبة في تجنب دوامة من التصعيد التي قد تؤدي إلى صراع أوسع. أطلقت إسرائيل نحو 100 طائرة حربية على أهداف في لبنان، بينما رد حزب الله بمئات الصواريخ على شمال إسرائيل. ورغم أن التبادل كان عرضًا كبيرًا للقوة، فقد أسفر عن عدد قليل من الضحايا وأضرار محدودة.
تصريحات زعيم حزب الله وتقييم الأوضاع
قال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، إن الرد الذي نفذته الجماعة كان "ردًا أوليًا" وأشار إلى أن العملية قد انتهت، مما يعني إمكانية العودة إلى وضع أكثر هدوءًا. وأضاف نصر الله أنه إذا لم يكن تأثير الرد الأولي مرضيًا، فإن الجماعة قد تتصرف وفقًا لذلك.
تحليل الخبراء
شهدت بيروت بعد الإعلان حالة من الارتياح وسط المواطنين والمراقبين السياسيين، الذين كانوا قلقين من أن التصعيد قد يؤدي إلى نزاع طويل الأمد. كما أن الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية خفف من التوترات في المدينة التي كانت تعاني من حالة من القلق والخوف من تصاعد القتال.
إعلان حزب الله عن انتهاء عملية الانتقام قد خفف من حدة التوتر في بيروت وأعاد حالة من الهدوء إلى العاصمة اللبنانية. على الرغم من أن الوضع ما زال هشا، فإن الأمل في التهدئة قد يسهم في استقرار الأوضاع في المنطقة في الفترة القادمة.
قال داني سيترينوفيتش، الذي شغل منصب رئيس شؤون إيران في الجيش الإسرائيلي، إن حزب الله لا يريد حربًا واسعة وقد يكون راضيًا عن نتائج التصعيد الحالي.
وأكد مهند حاج علي، نائب مدير الأبحاث في مركز مالكولم كير كارنيجي للشرق الأوسط، أن الخسائر المحدودة على الجانب الإسرائيلي أوضحت أن حزب الله يريد احتواء الصراع، وفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
من جانبه يقول فراس إلياس، أستاذ الاستراتيجية والأمن الوطني في جامعة الموصل، إن حسابات إيران وحزب الله في الحرب تختلف بشكل كبير عن حسابات الأطراف الأخرى. عندما تجد إيران وحلفاؤها أنفسهم في مواجهة حرب مفروضة، مثل الوضع الحالي مع إسرائيل، يعتبرون عدم الدخول المباشر في الحرب، مع الحفاظ على مستوى معين من التصعيد، انتصارًا بحد ذاته.
ويضيف إلياس، إن الهدف الرئيسي هو البقاء على قيد الحياة، وهو أولوية تتفوق على خوض حرب غير مضمونة النتائج. في حالة إيران، يشمل هذا التهديد المشروع الإيراني الكامل في المنطقة.
وأوضح إلياس أن الاستراتيجية الإيرانية للرد على إسرائيل تتضح بشكل تدريجي، وتتمثل في "التصعيد المتناوب"، حيث تقوم بتشغيل ساحة تلو الأخرى لتوزيع مساحات الرد وتكاليفه، مما يضع إسرائيل في مأزق الرد على جبهات متعددة في آن واحد. الهجوم الذي نفذه حزب الله اللبناني اليوم هو جزء من هذا الهجوم المستمر، وقد يشمل أيضًا انخراط جماعة الحوثي.
ولفت إلى أن الإيرانيون يفضلون عدم التورط المباشر في الرد إلا إذا أجبرتهم إسرائيل على ذلك، لتفادي مسؤولية إفشال الحل السياسي في غزة ومنح فرصة للحكومة الإيرانية للعمل داخليًا وخارجيًا.
ويرى إلياس، أن الهجوم الذي شنّه حزب الله اليوم يمثل خطوة مهمة في ترسيخ حتمية الرد على إسرائيل، بغض النظر عن النتائج العملية لهذا الرد. فهو يعد هجومًا يتجاوز مستوى المعركة ولكنه لا يصل إلى مستوى الحرب الكاملة، حيث يدرك حزب الله الحسابات الدقيقة التي تتحرك بها إسرائيل، مما قد يجعله يتجنب توسيع نطاق الحرب لتفادي الثمن الباهظ. هذا الوعي دفع حزب الله للإعلان عن انتهاء الهجوم على إسرائيل في وقت لاحق.
في ظل الوضع الحالي، يبدو أن كلا الجانبين يسعى إلى تجنب التصعيد الإضافي وتجنب الدخول في صراع أوسع. ومع استمرار الجهود الدبلوماسية للتهدئة، فإن الوضع قد يظل متوترًا لكن مع احتمال العودة إلى مستوى أقل من المواجهات.
التحليل الذي قدمه خبراء في المنطقة يشير إلى أن حزب الله أراد تجنب الدخول في صراع شامل مع إسرائيل، وهو ما يفسر قرارهم بإنهاء العمليات بعد تحقيق الرد المطلوب. ويبدو أن كلا الجانبين يسعى حاليًا إلى العودة إلى حالة من الاستقرار النسبي وتجنب أي تصعيد إضافي قد يهدد الأمن الإقليمي.