تفكيك الخطاب الداعشي.. افتتاحية صحيفة "النبأ" حول أحداث بنجلاديش

الجمعة 20/سبتمبر/2024 - 08:25 ص
طباعة تفكيك الخطاب الداعشي.. حسام الحداد
 
يعكس تنظيم داعش في افتتاحية صحيفة "النبأ" العدد 461 الصادر فجر 20 سبتمبر 2024، رؤيته للأحداث السياسية في بنجلاديش، والتي شهدت اضطرابات وتغييرات جذرية في هرم السلطة، مشيرا إلى أن ما جرى هو مجرد تداول للسلطة بين الطواغيت دون تغيير حقيقي في طبيعة الحكم. تحاول هذه القراءة تفكيك الخطاب الداعشي في هذه الافتتاحية، وبيان الأسس العقدية والفكرية التي يعتمد عليها التنظيم في تسويغ موقفه من الثورات والأحداث السياسية، مع تسليط الضوء على مفاهيمه الخاصة حول الجهاد والتغيير الاجتماعي والسياسي، ومدى توافق هذا الخطاب مع الواقع السياسي والتاريخي في بنجلاديش وغيرها من دول العالم الإسلامي.
تأتي افتتاحية صحيفة "النبأ" التابعة لتنظيم داعش كجزء من حملتهم الإعلامية المستمرة لتأطير الأحداث الجارية بما يتماشى مع رؤيتهم الأيديولوجية المتشددة. وتناقش الاضطرابات الأخيرة في بنجلاديش وتقدم تفسيرًا يتناغم مع منظور الجماعات الإرهابية، حيث يتم التركيز على "فساد" الحكومات وأنظمة الحكم في العالم الإسلامي، وضرورة تبني الجهاد كسبيل لتغيير الواقع.
تحليل السياق:
الافتتاحية تبدأ بتسليط الضوء على الأحداث السياسية الأخيرة في بنجلاديش، التي شهدت اضطرابات أدت إلى هروب رئيسة الوزراء. يتم مقارنة هذه الأحداث بما جرى في بعض الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي. الهدف من هذا التحليل هو ربط بنجلاديش بالتجارب السياسية الفاشلة في العالم العربي، مما يُمهد لفكرة أن كل الثورات الشعبية التي لا تتبع الشريعة الإسلامية محكوم عليها بالفشل.
البنية اللغوية والبلاغية:
الخطاب يستخدم لغة حادة ومباشرة لتوصيل رسالته، مستغلًا التكرار والمبالغة لتأكيد فكرة الفشل في تغيير الأنظمة السياسية غير الإسلامية. مثلًا، تكرار استخدام مصطلح "الطاغوت" للتعبير عن الحكومات غير الإسلامية يعزز من الشيطنة المتعمدة لتلك الأنظمة. هذا الأسلوب يسعى إلى تضخيم العدو الخارجي والداخلي، وتقديمه على أنه معادي للإسلام، مما يخلق شعورًا بالاستعجال والمواجهة.
السلطة والتوجيه:
الخطاب يحاول فرض رؤية داعش على القارئ من خلال تقديم أنفسهم كمصدر الشرعية الدينية الوحيد. كل الانتفاضات والثورات التي لا تتبنى منهجهم الإرهابي يتم وصفها بالفاشلة والكافرة. يتم الإشارة إلى أن الحكم بالشريعة الإسلامية هو الحل الوحيد، وأن أي نظام آخر هو "كفر"، بغض النظر عن طبيعته.
الاستغلال الأيديولوجي:
تستغل الافتتاحية الأحداث السياسية في بنجلاديش كوسيلة للترويج لأيديولوجية العنف والإرهاب. يتجلى هذا في الانتقال السريع من توصيف الواقع السياسي إلى الدعوة لتبني الجهاد كحل. من خلال تصوير الإصلاحات السياسية والاقتصادية على أنها سطحية وغير مجدية، وتسعى الافتتاحية إلى إقناع الشباب المسلم بأن الجهاد هو الطريق الوحيد لتغيير "حقيقي" و"جوهري". وهذا يظهر جليًا في النص من خلال الانتقادات الموجهة للإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية بأنها لا تؤدي إلى أي تغيير جذري.
الرمزية والمجاز:
الافتتاحية مليئة بالرمزية التي تهدف إلى تحفيز القارئ على التحرك. يتم تصوير الأعداء بشكل مجازي على أنهم طواغيت يجب اجتثاثهم من جذورهم، وهذا يُستخدم لتحفيز المشاعر الجهادية. المصطلحات مثل "الجهاد"، "الطاغوت"، و"الشريعة" تُستخدم بشكل متكرر لخلق إطار سردي يحشد القارئ نحو التصرف بناءً على هذه المعتقدات.
تشويه الآخر وإلغاء التنوع الفكري:
خطاب الافتتاحية يعتمد على إلغاء شرعية أي فكرة أو حركة سياسية لا تتبنى منهج داعش الإرهابي. حيث يتم نزع الشرعية عن أي حركة ديمقراطية أو إصلاحية، بغض النظر عن مطالبها أو أهدافها. هذا النمط من الإقصاء يشوه التنوع الفكري والسياسي في العالم الإسلامي، ويُظهر التنظيم كحامل للحق المطلق. إضافة إلى ذلك، يتم اتهام الآخرين بالتحالف مع قوى معادية للإسلام مثل "الهندوس" أو "الصليبيين"، مما يعمق من الشيطنة لكل من يخالفهم.
تأطير الهويات والأدوار:
تضع الافتتاحية الشباب المسلم في بنجلاديش والعالم الإسلامي في إطار دور الضحية. يتم تصويرهم كضحايا لسياسات كافرة ولعقائد منحرفة. هذا التأطير يسعى إلى تحفيز الشباب للانضمام إلى صفوف الإرهابيين، من خلال خلق انطباع بأنهم محاصرون ويحتاجون إلى التحرر عبر الجهاد.
النتائج المتوقعة والدعوات للحركة:
لا تكتفي الافتتاحية فقط بتشخيص الأوضاع، بل تنتهي بدعوة صريحة للجهاد والعمل العسكري. هذه الدعوة تأتي في سياق تشجيع الشباب على استغلال "الثغرات" في الأنظمة الحالية لجمع الأسلحة والاستعداد للجهاد. هذا النمط من الخطاب يعتمد على تقديم حل وحيد يُظهر الجهاد كواجب ديني لا يمكن تجاوزه.
الخلاصة:
خطاب داعش في افتتاحية صحيفة "النبأ" يتميز بالثبات على الأيديولوجية المتشددة التي تعتمد على التشويه والإقصاء، ويستغل الأزمات السياسية والاجتماعية في الدول الإسلامية للترويج لأفكار الجهاد والعنف كحل وحيد لتغيير الأنظمة. يعتمد هذا الخطاب على بنية لغوية تهدف إلى شيطنة الآخر، مع إلغاء التنوع الفكري والسياسي، وتقديم رؤية ضيقة تفتقد إلى الواقعية في فهم تعقيدات الأنظمة السياسية والاقتصادية.
تحليل الخطاب يُظهر كيف يستخدم التنظيم الأحداث العالمية لتدعيم دعايته الأيديولوجية، مع التركيز على تحفيز الشباب المسلم من خلال تقديم الجهاد كطريق لتحقيق السيادة والشريعة.

شارك