اتفاق المصرف المركزي في ليبيا.. خطوة نحو الاستقرار أم فرصة لتنامي الإرهاب؟

الجمعة 27/سبتمبر/2024 - 09:42 ص
طباعة اتفاق المصرف المركزي أميرة الشريف
 
تعيش ليبيا أزمة عميقة منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، حيث أدى الانقسام السياسي إلى بروز حكومات متنافسة في الشرق والغرب، هذا الانقسام تسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، مما فتح المجال أمام انتشار التطرف والإرهاب.
ويعد المصرف المركزي محورًا أساسيًا لإدارة إيرادات النفط، وهي المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا.
وقد كانت أزمة قيادة المصرف المركزي إحدى أبرز تجليات هذا الانقسام، إذ يعتبر المصرف حجر الزاوية في إدارة إيرادات النفط التي يعتمد عليها الاقتصاد الليبي بشكل كبير، ومع تصاعد الخلافات حول إدارته، تأثر الاقتصاد الوطني سلباً وازدادت حدة الأزمة الإنسانية في البلاد.
ومع استقرار قيادة المصرف، يُتوقع أن يتحسن إنتاج النفط وصادراته، مما يخفف من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
 فالاستقرار الاقتصادي قد يؤدي إلى تخفيف التوترات الاجتماعية والسياسية، ويقلل من البيئة الخصبة التي يمكن أن تستغلها الجماعات الإرهابية لتجنيد الأفراد.
في هذا السياق، جاء الاتفاق الأخير الذي وقع بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة كخطوة تهدف إلى تهدئة بعض التوترات الاقتصادية.
وفي خطوة مهمة نحو معالجة الأزمة المالية التي تعاني منها ليبيا، وقع وفدا الهيئتين التشريعيتين المتنافستين في شرق وغرب البلاد، يوم الخميس 26 سبتمبر 2024، اتفاقاً لتسوية أزمة قيادة مصرف ليبيا المركزي.
ويهدف الاتفاق الذي تم بحضور ممثلين عن المجتمع الدولي، إلى تعيين محافظ مؤقت للبنك ونائبه، مما قد يسهم في تخفيف التوترات حول إدارة المصرف وإيرادات النفط، والتي أدت إلى انخفاض حاد في إنتاج النفط الليبي وصادراته.
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، أنها توصلت إلى تسوية بين الأطراف الليبية بعد جولة مشاورات جديدة تناولت أزمة إدارة المصرف المركزي، الذي شهد تنافساً على السلطة لأكثر من شهر.
 وأكدت البعثة في بيانها أن ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اتفقوا على تعيين قيادة جديدة للمصرف.
وبحسب نص الاتفاق، تم ترشيح ناجي عيسى، مدير إدارة الرقابة والنقد، لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، ومرعي البرعصي كنائب له، وسيتولى مجلس النواب بالتعاون مع مجلس الدولة تعيين المرشحين خلال أسبوع من توقيع الاتفاق.
ورغم أهمية هذا الاتفاق في تحسين إدارة المصرف المركزي وضمان تدفق الإيرادات النفطية، إلا أن تأثيره يمتد إلى جوانب أخرى تتعلق بالصراع الأوسع على السلطة في ليبيا، وخاصة ما يتعلق بتنامي الإرهاب.
 ففي ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي ساهمت فيها أزمة المصرف المركزي، استغلت الجماعات المتطرفة مثل داعش هذا الفراغ للتمدد وتجنيد الشباب الليبيين، حيث استفادت هذه الجماعات من الفوضى السياسية والانهيار الاقتصادي لتوسيع نفوذها، مستغلة الفراغ الأمني والبطالة المنتشرة بين الشباب الليبيين.
 وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من تباطؤ حاد، ازدادت قدرة هذه الجماعات على تقديم بدائل مغرية للشباب المحبطين الذين لم يعودوا يجدون فرص عمل أو أمل في مستقبل أفضل.
 كما أن الفقر والبطالة في ليبيا يشكلان عاملاً رئيسياً في تجنيد المتطرفين، حيث توفر الجماعات الإرهابية دخلاً وحماية للأفراد مقابل الولاء والمشاركة في عملياتها المسلحة.
ورغم أن الاتفاق حول قيادة المصرف المركزي قد يساهم في تخفيف حدة التوترات الاقتصادية، إلا أن الجماعات المسلحة والمتطرفة قد تسعى لتعطيل هذا الاتفاق بأي وسيلة ممكنة.
فكلما اقتربت ليبيا من تحقيق الاستقرار السياسي أو الاقتصادي، زادت محاولات هذه الجماعات لتقويض تلك الجهود، حيث أن الهجمات على المنشآت النفطية أو البنية التحتية الاقتصادية قد تصبح أدوات في يد الإرهابيين لتعطيل تنفيذ الاتفاق وعرقلة أي تقدم نحو استقرار دائم.
في هذا الإطار، يجب على المجتمع الدولي ألا يكتفي بدعم الجهود الاقتصادية فحسب، بل ينبغي أن يتضافر الدعم الاقتصادي مع جهود أمنية قوية لمكافحة الإرهاب في ليبيا. الدعم الدولي قد يلعب دوراً محورياً في تعزيز قدرة المؤسسات الليبية على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، ولكن أي محاولة لتحقيق الاستقرار المالي تحتاج إلى وقت وجهود مستمرة لضمان عدم استغلال الوضع الحالي من قبل المتطرفين.
وبالرغم من أن الاتفاق قد يؤدي إلى تحسين بعض جوانب الأزمة الاقتصادية، فإن معالجة التطرف والإرهاب في ليبيا تتطلب أكثر من مجرد استقرار اقتصادي.
 يجب أن تقترن هذه الجهود بإصلاحات مؤسسية طويلة الأمد تهدف إلى بناء دولة قادرة على تقديم الخدمات الأساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث أن ضمان وجود فرص عمل وتعليم حقيقي للشباب الليبي سيكون ضرورياً في تقليص تجنيد الجماعات المتطرفة للشباب.
 فالاستقرار السياسي والاقتصادي هو المفتاح لمواجهة هذه التحديات، ويجب أن يكون مصحوباً بإرادة سياسية قوية لبناء ليبيا موحدة وآمنة.
وترتبط الفقرات المختلفة المتعلقة بالاتفاق حول المصرف المركزي وتنامي التطرف والإرهاب في ليبيا بشكل وثيق، حيث أن تحقيق الاستقرار المالي هو جزء من الحل الشامل للأزمة الليبية.
ومع ذلك، لا يمكن التغافل عن الأبعاد الأمنية التي تتطلب مواجهة حاسمة مع الجماعات الإرهابية التي تسعى لاستغلال أي فرصة لتعطيل جهود الاستقرار.

شارك