الخروج من الدوحة واحتدام الغضب في غزة: ماهي خسائر حماس؟
مع تعثر الجهود الرامية إلى وقف الحرب على قطاع غزة، والتوصل إلى صفقة لتبادل الرهائن بين حركة حماس وإسرائيل، والتي كانت على رأس أولويات الرئيس جو بايدن - أبلغ المسؤولون الأمريكيون نظراءهم القطريين قبل نحو أسبوعين بضرورة التوقف عن منح حماس اللجوء في الدوحة؛ ووافقت قطر وأخطرت حماس قبل نحو أسبوع، بحسب تقارير إعلامية متعددة، وطالبت قادة الحركة بالخروج من الدولة الخليجية.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، اليوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2024، إن قادة فريق حركة حماس للمفاوضات ليسوا متاوجدين في العاصمة الدوحة.
وأضاف الأنصاري أنه لم يتم إغلاق المكتب السياسي لحماس في الدوحة بشكل نهائي.
القرار جاء وسط فشل مسارات التفاوض بين حركة حماس وإسرائيل، وتبادل الطرفين مسؤولية فشل المفاوضات، وهو ما انعكس بالتأزم الوضع الإنساني في قطاع غزة واستمرار آلية الحرب في القطاع.
وتستضيف قطر مسؤولي حماس في الدوحة منذ عام 2012 عندما نقلت الحركة مقرها خارج دمشق وسط الحرب الأهلية السورية. وحثت الإدارات الأمريكية المتعاقبة من كلا الحزبين قطر على العمل كقناة تواصل لحماس.
وقال دبلوماسيان أمريكيان لشبكة "إن بي سي نيوز" إن حماس طُلب منها أيضا مغادرة قطر والانتقال إلى تركيا في أبريل. ولكن بعد فشل المسؤولين هناك في إجبار حماس على الموافقة على صفقة الرهائن، تم التراجع عن هذا القرار بسرعة، على حد قولهما.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" :" بعد رفض حماس المقترحات المتكررة للإفراج عن الرهائن، لا ينبغي أن يكون قادتها موضع ترحيب في عواصم أي شريك أمريكي". "لقد أوضحنا ذلك لقطر بعد رفض حماس قبل أسابيع لمقترح آخر للإفراج عن الرهائن".
غضب فلسطيني ضد حماس
بعد إعلان قرار طرد حماس، انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي منشورات وتغريدات تهاجم قادة حماس وتتهمهم بالاستمرار في ترفهم ورفاهيتهم في الخارج، رغم المعاناة اليومية التي يواجهها سكان غزة.
ومع استمرار الحرب، تزايدت مظاهر المعارضة العامة لحماس أو انتقادها بين الفلسطينيين في غزة. ويتهم كثيرون حماس بالفشل في مواجهة الحرب على القطاع، ويحملون الحركة المسؤولية عن العواقب الوخيمة التي تواجهها الآن.
منشورات وفيديوهات شبكات التواصل الاجتماعي التي تداولها نشطاء غزّيون تشير إلى غضب شديد من قادة حماس، وتتهمهم بالتمسك بـ "النعيم والرفاهية" في الوقت الذي يواجه فيه المدنيون في غزة تدميرًا مستمرًا بسبب الحرب.
وأشار العديد من المنتقدين لحماس إلى أن القادة في الخارج "يتمتعون بحياة رغيدة بعيدًا عن معاناة الشعب الفلسطيني"، في حين أن الشعب الفلسطيني في غزة يعاني من الحصار والقصف المستمر.
وقال احد سكان غزة : "قادة حماس في قطر ما بيمشوا خطوة إلا في سيارات فاخرة، وبيعيشوا في قصر، والشعب في غزة تحت القصف والحصار! هم عايشين في رفاهية ولا يهتمون بما يحدث لنا. هل يحق لهم أن يعظونا ويقولوا لنا عن الصمود بينما هم يعيشون في عز؟"
وأضاف مواطن فلسطيني أخر، من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة: "أنقذوا من ما زالوا على قيد الحياة، أنهوا الحرب، وامنحونا فرصة للتعافي. لم نعد نتعرف على أنفسنا؛ تغيرت وجوهنا بسبب هذه الحرب المستمرة التي تلتهمنا".
وعبر المواطن الغزاوي عن إحباطه من قادة حماس، داعيا إياها إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، قائلا: "أولئك الذين بدأوا هذا يجب أن يوقفوه. أين قادتنا؟ فليجلسوا مع حكومة الاحتلال وينهوا الحرب قبل أن تقضي علينا كما يريد نتنياهو".
ان هذه المشاعر تنعكس في استطلاع حديث للرأي اجراه معهد التقدم الاجتماعي والاقتصادي وهو منظمة بحثية فلسطينية مستقلة. ووفقا للدراسة فإن اقل من 5% من الفلسطينيين في غزة يريدون ان تحكم حماس في حكومة انتقالية بعد الحرب، وتتوقع الاغلبية ان تسيطر السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح على القطاع. ويعارض ما يقرب من 85% من سكان غزة استمرار سلطة الحركة على غزة .
القادة في مواجهة الانتقادات
في المقابل، أشار المراقبين إلى أن موقف قادة حماس قد يكون معقدًا، فهم يعتبرون أن وجودهم في قطر قد يساهم في تأمين الدعم السياسي والمالي للحركة، خاصة في ظل الضغوط الدولية المستمرة على قادة حماس. لكن، وبينما تستمر الانتقادات الشعبية في الداخل، يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون: "هل يمكن لحماس أن تظل الحركة في مكنتها داخل القطاع في وقت يعيش فيه هؤلاء في رفاهية بعيدة عن معاناتهم؟"
ويقول المحلل الفلسطيني زيد الايوبي في تصريحات خاصة لـ"بوابة الحركات الاسلامية" إن "القرار القطري سيشكل تحديًا جديدًا لقادة حماس المتعودين على حياة الرفاهية في الدوحة، وهو ما يضع الحركة وقادتها في اختبار حقيقي، حول مدى إمكانية تقديم مصلحة الشعب الفلسطيني في القطاع على مصالح الحركة ".
وأضاف الإيوبي أن قطر سهلت لحركة حماس فرصة الاستمرار في التعبئة السياسية والإعلامية على المستويين العربي والعالمي، وقدمت لها منابر إعلامية وتغطية واسعة عبر قنواتها ومؤسساتها، وهو ما قد تخسره الحركة في الخروج من الدوحة وعدم التوصل لاتفاق مع اسرائيل".
وتابع الايوبي أن قطر لم تكن مجرد مكان للإقامة بالنسبة لقادة حماس، بل كانت بمثابة قاعدة دعم استراتيجي، سواء على المستوى الدولي أو في علاقاتها مع بعض القوى الإقليمية، مضيفا أن قطر توفر لحركة حماس حماية من الضغوط الأمنية التي قد يتعرضون لها في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. كما أن الدوحة تمثل نقطة ارتكاز مهمة لنقل رسائل الحركة إلى العالم العربي والرأي العام العالمي، بما في ذلك من خلال وسائل الإعلام القطرية مثل قناة الجزيرة.
وتابع الايوبي أن الخروج من الدوحة سيكبد الحركة خسائر فادحة على مستوى السياسة والاقتصاد، فضلاً عن الجانب الأمني"، مضيفا أن "قطر تمنح حماس درجة من الحرية في الحركة والتواصل، وتوفر لهم الأمن الشخصي في وقت تتعرض فيه قيادات حماس لأكبر الاغتيالات في مناطق أخرى".
وتابع المحلل السياسي
الفلسطيني أن خروج حماس من قطر خسارة فادحة للحركة من الناحية الاقتصادية، حيث
اعتادت الحركة على تلقي دعم مالي مباشر وغير مباشر من الدوحة. العديد من المشاريع
والمساعدات التي كانت قطر تقدمها لحماس ستصبح في مهب الريح، مما قد يؤدي إلى مزيد
من الضغوط على الحركة ماديا".
وقبل 7 اكتوبر قدمت للمجموعة مئات الملايين من الدولارات كمساعدات سنوية، بعلم وتعاون الحكومة الإسرائيلية، وفقا لمجلس العلاقات الخارجية الامريكي، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك.
ويضيف الايوبي ان الأمن هو أحد أبرز القضايا التي تثار حول مغادرة قطر، حيث يُخشى أن يتعرض قادة حماس للملاحقة أو الاستهداف في حال انتقلوا إلى دول أخرى في المنطقة. الدوحة وفرت لهم درجة عالية من الحماية الشخصية، في وقت يواجه فيه القادة بالاغتيال أوالاعتقال وهو ما لايتوفر في عاصمة أخرى.
وتنقسم قيادة حماس بين الجناح العسكري، ومقره غزة، والمكتب السياسي، الذي كان كبار مسؤوليه متمركزين في قطر. وشمل ذلك إسماعيل هنية، الذي قاد المكتب السياسي لحماس من عام 2017 إلى يوليو 2024، عندما قُتل أثناء زيارة دبلوماسية إلى العاصمة الإيرانية طهران، في عملية اغتيال يُعتقد أن إسرائيل نفذتها. ولا يزال المكان الذي ستنتقل إليه حماس غير واضح، لكن إيران قد تكون أحد الخيارات.