نعيم قاسم بين التفاوض والتهديد.. حزب الله يرسم ملامح لبنان ما بعد الحرب

الخميس 21/نوفمبر/2024 - 12:18 ص
طباعة نعيم قاسم بين التفاوض
 
أعلن الأمين العام لجماعة "حزب الله" اللبنانية نعيم قاسم أن جماعته قرأت ورقة المفاوضات الأمريكية لوقف إطلاق النار وأبدت ملاحظات عليها وقدمتها للمبعوث الأمريكي، آموس هوكستين، وذكر أن الحزب يتفاوض تحت سقفين، كما وجه رسالة تحمل أربعة محاور للرأي العام اللبناني حول خطط حزب الله لما بعد الحرب، وذلك في كلمة متلفزة ألقاها الأربعاء. 
وقال قاسم في الكلمة عن زيارة هوكستين الأخيرة إلى بيروت: "استلمنا ورقة المفاوضات وقرأناها وأبدينا ملاحظات عليها ولدى الرئيس بري ملاحظات وملاحظاتنا متناغمة ومتلاحقة وقُدمت للمبعوث الأمريكي وتم النقاش معه فيها بالتفصيل". 
وتابع الأمين العام لحزب الله قائلا: "قررنا ألا نتكلم في الإعلام عن مضمون الاتفاق ولا عن الملاحظات التي لدينا... فلنترك هذا النقاش يجري بشكل هادئ لنعرف إذا كان سيصل لنتيجة أم لا". 
وأردف قاسم في كلمته قائلا إن حزبه موافق على هذا المسار التفاوضي إذا كانت إسرائيل تريد ذلك وأضاف: "لا أحد يستطيع أن يضمن أن تؤدي هذه المفاوضات إلى وقف إطلاق النار ووقف العدوان لأن الأمر متروك لنتنياهو"، على حد تعبيره.
وأعلن قاسم أن حزب الله يفاوض تحت سقفين: "الأول هو سقف وقف العدوان بشكل كامل والثاني هو حفظ السيادة اللبنانية"، حسب قوله. 
ووجه قاسم رسالة تحمل 4 خطوط عريضة للمسار الذي يعتزم حزب الله سلوكه بعد نهاية الحرب، ولخص هذه المحاور بالقول: "أولا: سنبني معا بالتعاون مع الدول والقوى التي ستساعد في إعادة الإعمار. وثانيا: سنقدم مساعدة فعالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستورية. ثالثا: ستكون خطواتنا السياسية تحت سقف الطائف بالتعاون مع القوى السياسية. رابعا: سنكون حاضرين في الميدان السياسي بقوتنا التمثيلية والشعبية لمصلحة الوطن لنبني ونحمي في آن معا". 
وفي سياق متصل، اعترف نعيم قاسم بأن الحزب عاش "حالة ارتباك" لأيام بعد مقتل أمينه العام السابق، حسن نصرالله، في 27 سبتمبر الماضي لكنه ادعى أن حزب الله "تعافى منها". 
وكانت إسرائيل قد اغتالت قبل أسابيع خليفة نصرالله، هاشم صفي الدين، بعد أن قتلت غاراتها عددا كبيرا من قادة الصف الأول في الجناحين السياسي والعسكري في حزب الله منذ بداية عملياتها في لبنان. 
ونعى قاسم، مسؤول العلاقات العامة في حزب الله، محمد عفيف، وتوعد باستهداف تل أبيب ردا على ضرب إسرائيل للعاصمة اللبنانية بيروت. 
يذكر أن عفيف كان قُتل الأحد الماضي، بغارة إسرائيلية على مقر حزب البعث العربي الاشتراكي في منطقة رأس النبع ببيروت.
تحليل الخطاب:
تُعد تصريحات نعيم قاسم، الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية، في كلمته المتلفزة الأخيرة، نموذجًا لخطاب سياسي وعسكري متشابك يجمع بين التفاوض والتهديد، وبين العمل السياسي والهيمنة العسكرية. تعكس هذه التصريحات فهمًا استراتيجيًا للواقع المحلي والإقليمي، في ظل تصعيد عسكري مع إسرائيل ومسار تفاوضي مفتوح. يهدف هذا المقال إلى تحليل خطاب قاسم باستخدام منهج تحليل الخطاب، مع تفكيك رسائله الظاهرة والضمنية، وبيان أثره على السياق اللبناني والإقليمي.
أولاً: التفاوض تحت "سقفين" – قراءة في لغة الخطاب
يشير نعيم قاسم إلى أن حزب الله يخوض التفاوض تحت سقفين:
وقف العدوان بشكل كامل: يظهر هذا السقف كأولوية ضمن الخطاب، حيث يحاول قاسم ترسيخ صورة الحزب كمدافع عن الشعب اللبناني في مواجهة "العدوان الإسرائيلي".
حفظ السيادة اللبنانية: يُوظف هذا الشعار لتبرير مشاركة حزب الله في المفاوضات، رغم الانتقادات المتكررة لدوره كجهة عسكرية مستقلة تتجاوز سلطة الدولة اللبنانية.
رفض قاسم الكشف عن محتوى الاتفاق أو طبيعة الملاحظات المقدمة للمبعوث الأمريكي آموس هوكستين، يُظهر استراتيجية خطابية تُبقي الطرف الآخر والجمهور اللبناني في حالة من الترقب. هذا الغموض يُستخدم كأداة ضغط، لترك المجال مفتوحًا أمام مناورات الحزب في سياق تفاوضي حساس.
و من جهة أخرى، يُظهر قاسم مرونة في قبول التفاوض إذا كان هناك نية إسرائيلية حقيقية لوقف العدوان. ومن جهة أخرى، يُحذّر من احتمالية فشل المفاوضات، محمّلًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسؤولية ذلك.
هذا الجمع بين المرونة والتصعيد يضع الحزب في موقع يستطيع فيه التراجع أو التصعيد حسب تطورات الموقف، مما يعكس استراتيجية سياسية مدروسة.

ثانيًا: الرسائل الموجهة للرأي العام اللبناني
ركز قاسم في خطابه على رسم مسار مستقبلي واضح للبنان، مقسّمًا إلى أربع محاور:
إعادة الإعمار بالتعاون مع الدول والقوى: يستهدف هذا المحور طمأنة الجمهور بأن حزب الله لن يكتفي بالدور العسكري، بل سيشارك في الجهود التنموية.
المساهمة في انتخاب رئيس للجمهورية: يُظهر هذا البند الحزب كفاعل سياسي ملتزم بالدستور والقانون.
الالتزام باتفاق الطائف: محاولة لتقديم الحزب كمدافع عن التوافقات الوطنية، رغم الانتقادات المستمرة بأنه يتجاوز الطائف في سياساته وممارساته.
حضور سياسي شعبي: تأكيد على أن الحزب سيبقى لاعبًا رئيسيًا في الحياة السياسية اللبنانية بعد انتهاء الحرب.
بينما يتحدث قاسم عن إعادة البناء، فإنه يتجنب الخوض في تفاصيل تمويل هذه الجهود، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها لبنان.
كما يعكس الالتزام الظاهري باتفاق الطائف رغبة في استرضاء القوى السياسية الأخرى، لكنه قد يكون مجرد غطاء لممارسة نفوذ أكبر تحت شعار الالتزام بالشرعية.
و يتبنى قاسم خطابًا يحاول طمأنة اللبنانيين بأن الحزب سيساهم في إعادة الاستقرار، مما يهدف إلى تعزيز الدعم الشعبي وسط الظروف المتوترة.
ثالثًا: الاعتراف بالارتباك واستعادة الهيبة
اعترف نعيم قاسم بحالة "الارتباك" التي عاشها الحزب بعد اغتيال أمينه العام السابق، حسن نصرالله، وخليفته هاشم صفي الدين. ورغم هذا الاعتراف، حرص على التأكيد أن الحزب تعافى سريعًا.
الاعتراف بالارتباك يُظهر الحزب بصورة إنسانية تُحاكي تعاطف الجمهور، لكنه يوظفه كأداة لإبراز قوته التنظيمية وقدرته على تجاوز الأزمات.
كما ان الإشارة إلى مقتل القادة البارزين تُستخدم لاستنهاض العاطفة الوطنية والعداء تجاه إسرائيل، مع تعزيز صورة الحزب كقوة مقاومة قادرة على الردع.
و التأكيد على التعافي السريع يُستخدم كرسالة موجهة للأطراف الداخلية والخارجية، بأن الحزب لا يزال قويًا وفعالًا رغم الضربات الموجعة التي تلقاها.
رابعًا: التهديد والتصعيد العسكري
تعهد قاسم بالرد على إسرائيل بعد مقتل مسؤول العلاقات العامة في الحزب، محمد عفيف، بغارة استهدفت مقرًا في بيروت.
توظيف التهديد كأداة ضغط: الخطاب العسكري يهدف إلى الحفاظ على توازن الردع مع إسرائيل، مع التأكيد على قدرة الحزب على الرد بقوة، رغم انخراطه في مسار تفاوضي.
استخدام الرمزيات: يُستغل مقتل شخصيات بارزة كرموز تعزز السردية التي تربط بين استهداف الحزب والعدوان على لبنان ككل.
رسائل موجهة لإسرائيل: التهديد باستهداف تل أبيب يحمل رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن استمرار الغارات لن يكون دون ثمن، ما يعكس رغبة الحزب في إبقاء خطوط المواجهة مفتوحة.
خاتمة:
يُظهر خطاب نعيم قاسم توازنًا بين لغة التفاوض والتهديد، وبين السعي لطمأنة الداخل اللبناني وإبراز القوة أمام إسرائيل. في الوقت نفسه، يحمل هذا الخطاب غموضًا استراتيجيًا يُبقي الخيارات مفتوحة أمام حزب الله، سواءً في سياق التفاوض أو التصعيد. ومع ذلك، يظل السؤال: هل يستطيع الحزب تحقيق التوازن بين أهدافه العسكرية والسياسية دون أن يدفع لبنان وشعبه ثمنًا باهظًا؟ هذا التساؤل يضع تصريحات قاسم تحت المجهر، كجزء من لعبة سياسية إقليمية معقدة.

شارك