سوري مغترب: يأمل المسيحيون أن تضع القوى الدولية ضمانة أن تكون سوريا الجديدة دولة مدنية

الأربعاء 18/ديسمبر/2024 - 01:13 م
طباعة سوري مغترب: يأمل روبير الفارس
 
المهندس فادي حنا توما مغترب سوري في ألمانيا منذ العام  2001- مدير مشاريع إدارة هندسية لمجموعة من المواقع في فرانكفورت . وله رؤية خاصة في قراءة المشهد السوري المضطرب حاليا .قد يختلف معها اخرون ولكن من المهم الاستماع لها 
في البداية كيف تري واقع المسيحيين وطوائفهم في سوريا ؟
المسيحيون شريحة متنوعة من الشعب السوري ويتواجدون في مختلف المحافظات على امتداد الجغرافية السورية وينتمون للكنائس الرسولية التقليدية في غالبيتهم بالإضافة للكنائس الانجيلية. تتناقص بشكل مضطرد نسبة المسيحيين في سوريا مع مرور السنين وتقل اعدادهم لأسباب مختلفة. كان هناك دائماً نزيف هجرة للمسيحيين خارج سوريا لكن النزيف الأكبر والذي شمل جميع مناطق تواجدهم حصل بعد الأزمة السورية الأخيرة اعتباراً من العام ٢٠١١
. لماذا تتعدد الكراسي البطريركية في أنطاكية ؟
أنطاكية بسبب الظروف التاريخية التي مرت بها عبر الزمن والخلافات اللاهوتية المتعاقبة بين التيارات المسيحية انقسمت لعدة كنائس إقليمية او محلية لتصل اليوم إلى اربع بطريركيات مستقلة عن بعضها البعض جميعها تعتبر نفسها امتداد لكرسي انطاكية: الموارنة الكاثوليك والروم الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس والكاثوليك.
 تقع الأقليات في شرك تاريخي وهو تأييد الحاكم والخضوع له وعندما يحدث تغير للحاكم تخضع للحاكم الجديد بنفس المبررات بحجة كونهم أقلية لايمكن أن تصطدم بالنظام .كيف تري الأمر لاهوتيا وواقعيا وكيف تخرج الكنيسة من هذا الفخ.؟
 في سوريا تجد الكنائس نفسها منذ زمن بعيد بحكم العامل الديموغرافي جزر صغيرة في محيط إسلامي الطابع حكومياً وتشريعياً فتعتمد من اجل التمسك والحفاظ على مزايا تحتاجها إلى تقديم الولاء للسلطات الحاكمة لتحتمي تحت ظل قانون يمنحها استقلالية في ادارة شؤونها الروحية وأوقافها. لا يكون الأمر دائماً خالياً من المحاذير والمطبات عندما تتمادى السلطة في البطش والاستبداد من اجل تثبيت اركان حكمها ولا تملك الكنيسة عندها سوى التزام الصمت في أحسن الأحوال إذا قدر لها ذلك وامتلكت قياداتها هامش يتيح لها الصمت، والا فإنه يتم استدراجها لتكون ورقة تستخدمها السلطة من أجل تحقيق غايات معينة داخلية وخارجية. الأمر لاهوتياً يؤثر طبعاً وبشكل كبير على مصداقية الكنيسة كمؤسسة روحية ينبغي عليها أن تتجنب التجاذبات السياسية وتسمو فوق الاستخدام السياسي لها لأغراض دعائية، ويستفحل هذا الأمر بشكل كبير عندما تجد السلطة في بعض رجالات الكنيسة من لا يمانع أيضاً من أجل منافع شخصية وهوس الأضواء والزعامة والاستقواء في أن يتم استخدامه كحجر شطرنج في لعبة السلطة مع المجتمع والرأي العام الداخلي والخارجي. تنجح الكنيسة نسبياً في اجتناب الوقوع في هذا الفخ عندما يفلت رجال اكليروس من الرقابة الأمنية على الترشيحات فيصلون لمناصب روحية ويلتزمون بدورهم الديني ودعوتهم الروحية بشكل أساسي ويبتعدون بشكل جيد وملحوظ قدر المستطاع عن ركوب موجة موالاة السلطة بطريقة مبالغ فيها وتتجاوز حدود المقبول. اليوم طوت سوريا صفحة مريرة وطويلة من حكم الأسدين الأب والابن وتجد الكنائس السورية نفسها أمام واقع جديد لم تعتد عليه ومطلوب من قياداتها أن تستخلص العبر من الماضي وتؤسس لعلاقة جديدة مع نظام حكم جديد
. ماهي قراءتك الخاصة لبيانات الكنائس بعد سقوط بشار ؟
أجدها من بعض الكنائس السورية المهمة مخيبة للآمال ومتوقعة في نفس الوقت. مخيبة للآمال لأنها تجاهلت تماماً أن تهنئ الشعب السوري بسقوط نظام لا يختلف اليوم عاقلان على وصمه بكل الصفات السيئة، وحدها بعض الكنائس السورية المهمة من خلال بياناتها تجد نفسها غير معنية بأن تشترك مع بقية اطياف الشعب السوري في قول الحقائق وإنما اكتفت في هذه البيانات بالمطالبة بأن تراعي السلطات الجديدة حقوق المسيحيين، وهي بذلك استمرت بنفس العقلية الأقلوية تجاه حاكم تستعطي حقوقها منه وتجد في إعطاءها هذه الحقوق البديهية انجازاً كبيراً وفضلاً ومنة. بيانات لكنائس كانت متوجسة جداً من ذكر سقوط بشار الأسد والتعبير عن موقفها من هذا السقوط لأنها كانت متورطة مع النظام السابق في نهجه الدعائي والبروباغندا التي واجه فيها الشعب السوري ووصم فيه كل معارضيه من هذا الشعب بأنهم ارهابيين فهجرهم بعد أن دمر أماكن عيشهم في المدن والبلدات والقرى. الكنائس المحلية السورية لم تخرج طوال سنين الأزمة السورية عن الخطاب الذي فرضته عليها السلطة وارتضت أيضاً هي نفسها أن تكون بوقاً لهذا الخطاب، لذلك كان متوقعاً من كنائس في بياناتها اليوم أن تتهرب من أي مساءلة عن الماضي فأغفلته وابتعدت عن ذكره. كان سيكون من الجيد أن تتلاقى هذه الكنائس في خطابها مع بقية السوريين في إدانة النظام السابق وخصوصاً أن جرائمه التي خرجت للعلن كانت صادمة بكل المقاييس وتجاهلها في بيانات لكنائس كان مستغرباً جداً وينظر له ذوي ضحايا تلك الجرائم بعين الريبة.
. هناك تضارب في الاخبار القادمة من سوريا بعد سقوط النظام فيما يخص الأقليات والمسيحيين فماهي الحقيقة وهل هناك وقائع اضطهاد وما حقيقة الانذار بدفع الجزية ومنع احتفالات عيد الميلاد؟
تضارب الاخبار موجود وحصل وسيحصل عندما تستقي الناس معلوماتها عن الاحداث في سوريا من مصادر للأخبار غير موثوقة ولا مهنية ولديها اجندات معروفة. عند سقوط أي نظام سياسي تنشط فلوله وكل الجهات الداخلية والخارجية المتضررة أو غير الموافقة على طبيعة النظام الحديد في بث الاخبار والشائعات والأكاذيب، وفيما يخص المسيحيين سيكون التركيز على التخويف من الاستهداف والاضطهاد والمضايقات. الوقائع على الأرض أظهرت منذ دخول الفصائل الإسلامية مدينة حلب وهي حاضنة مسيحية مهمة ثم مروراً بكل المدن والمناطق حتى دمشق بأن المسيحيين لم يتعرضوا لمضايقات جديرة بالذكر حتى الآن، وحرصت الفصائل على تقديم التطمينات للمسيحيين من خلال اللقاء المباشر مع الأساقفة والكهنة الذين ظهروا بدورهم في بيانات مرئية أعلنوا فيها ارتياحهم وحتى دعوتهم للشباب المسيحي خارج سوريا للعودة والمساهمة في بناء سوريا الجديدة. من خلال تواصلي الشخصي مع سوريين مسيحيين مقيمين في مناطق مختلفة من سوريا أكدوا لي ارتياحهم الشديد لزوال حكم الأسد ووصفوه بالكابوس وفندوا اي ادعاءات او اشاعات عن تعرض المسيحيين لمضايقات.
 في رايك ماهو مستقبل المسيحيين في سوريا؟
 مستقبل المسيحيين في سوريا مرتبط بعدة عوامل تتعلق ليس فقط بمقدرتهم على التعامل مع هذا المستقبل وإنما أيضاً بالأجندة الدولية والإقليمية المرتبطة بحاضر سوريا ومستقبلها. سوريا سياسياً واقتصادياً انهارت في السنين الأخيرة وحولها النظام السابق إلى دولة تحتضر وشبه فاشلة وهي بحاجة إلى رعاية أممية لتنهض من جديد. يأمل المسيحيون أن تضع القوى الدولية المؤثرة على المشهد السوري في اعتبارها ضمانة أن تكون سوريا الجديدة دولة مدنية تكفل حقوق جميع ابناءها كمواطنين وليس رعايا وخصوصاً أن المجتمع السوري متنوع إلى جانب الاغلبية العددية المسلمة السنية. لا يمكن إغفال أن اللاعب الإقليمي الأكبر حالياً وصاحب النفوذ على حكومة دمشق الجديدة سيكون تركيا، وسيكون بالتأكيد من الجيد، نظراً لطموحات شريحة واسعة من الفصائل الإسلامية التي أزاحت نظام بشار الأسد على الأرض في فرض رؤيتها لدستور سوري جديد، أن تضغط تركيا ومن خلفها المجتمع الدولي بطريقة فاعلة في اتجاه أن يكون النظام في سوريا نظام علماني بصبغة إسلامية ربما شبيه بالنظام الموجود في تركيا. نظام كهذا سيكون طبعاً أفضل بكثير من فرض قوانين إسلامية متشددة على المجتمع السوري. صحيح أن التيار الإسلامي موجود في سوريا وحاضر بقوة، لكن يبقى المجتمع السوري له خصوصية متنوعة لا يستقيم معها إقصاء الآخر المختلف ومصادرة الحريات وتقويض الدولة المدنية. نامل خيراً

شارك