الهجوم الانتحاري في قندوز دلالاته وسياقاته وتأثيره على تنامي التطرف

الأربعاء 12/فبراير/2025 - 04:15 م
طباعة الهجوم الانتحاري حسام الحداد
 

 أعلن تنظيم الدولة (داعش) في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأربعاء مسؤوليته عن هجوم انتحاري أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل في اليوم السابق، خارج بنك في شمال أفغانستان حيث كان موظفو حكومة طالبان يتقاضون رواتبهم.

الهجوم الانتحاري الذي استهدف تجمعًا لعناصر طالبان أمام أحد البنوك في قندوز بأفغانستان، والذي تبناه تنظيم الدولة (داعش)، يطرح عدة تساؤلات حول طبيعة الصراع بين التنظيمين، ومدى استقرار الوضع الأمني في ظل حكم طالبان، وتأثير هذه العمليات على مستقبل التطرف والتجنيد في المنطقة. فعلى الرغم من ادعاءات طالبان بأنها تمكنت من القضاء على التهديد الجهادي، إلا أن استمرار مثل هذه العمليات يكشف عن تحديات أمنية عميقة قد تعيد تشكيل خارطة التهديدات الإرهابية في البلاد.

1. السياق السياسي والأمني للهجوم

منذ عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، كان أحد أهم تحدياتها يتمثل في فرض سيطرة أمنية شاملة وإثبات قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الداخلي، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي والفوضى التي أعقبته. ورغم أن الحركة تمكنت من تقليص العديد من التهديدات الداخلية، فإنها لم تستطع القضاء على الخطر الذي يمثله تنظيم داعش – فرع خراسان (داعش-خ). فالتنظيم، الذي يُعد المنافس الجهادي الأبرز لطالبان، استمر في تنفيذ عمليات إرهابية ضد القوات الحاكمة ومسؤوليها، مستهدفًا تقويض شرعيتها وإظهار عجزها عن تأمين البلاد. وتستند استراتيجية داعش إلى تنفيذ هجمات نوعية ضد مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي لطالبان، مما يثير تساؤلات حول قدرة الحركة على بسط سيطرتها الكاملة على أفغانستان.

في هذا السياق، شهدت أفغانستان عدة هجمات بارزة تعكس استمرار التهديد الذي يمثله داعش. ففي مارس 2024، استهدف التنظيم تجمعًا لعناصر طالبان في مدينة قندهار، التي تُعتبر المعقل التاريخي للحركة، مما شكل ضربة رمزية كبيرة. كما تمكن في ديسمبر 2024 من تنفيذ عملية اغتيال ضد وزير شؤون اللاجئين، خليل الرحمن حقاني، داخل مكتبه في كابول، وهو هجوم يعكس اختراقًا أمنيًا خطيرًا لقدرات طالبان الاستخباراتية. هذه العمليات تؤكد أن داعش لم يفقد قدرته على التنظيم والتخطيط، رغم الضغوط التي تمارسها طالبان عبر حملات القمع والاعتقالات. ومن الواضح أن الصراع بين الطرفين ليس مجرد مواجهة أمنية، بل هو صراع أيديولوجي وسياسي عميق، حيث يرى داعش في طالبان حركة "منحرفة" عن النهج الجهادي، بينما تسعى طالبان إلى ترسيخ حكمها باعتبارها السلطة الشرعية الوحيدة في أفغانستان.


2. دلالات الهجوم: ما وراء الصراع بين داعش وطالبان

يكشف الهجوم الانتحاري في قندوز عن أبعاد أعمق تتجاوز مجرد المواجهة العسكرية المباشرة بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش-خ) وحركة طالبان، إذ يعكس صراعًا على الشرعية والسيطرة، فضلاً عن أنه يشير إلى تحول في تكتيكات داعش نحو استهداف البنى التحتية الحيوية ورموز الحكم. فبدلاً من تنفيذ هجمات عشوائية ضد المدنيين، يبدو أن التنظيم يتبنى استراتيجية أكثر تعقيدًا تهدف إلى تقويض سلطة طالبان وإضعاف صورتها كحكومة قادرة على توفير الأمن والاستقرار. كما أن اختيار التوقيت والمكان يحمل رسائل سياسية واقتصادية، تؤكد على رغبة داعش في إظهار طالبان كحركة غير قادرة على حماية أتباعها أو إدارة شؤون الدولة بفاعلية. ومن هنا، فإن تحليل دلالات الهجوم يكشف عن عدة أبعاد مهمة يجب التوقف عندها.

استراتيجية استنزاف طالبان

يسعى تنظيم داعش إلى استنزاف حركة طالبان على عدة مستويات، من خلال تنفيذ هجمات نوعية تستهدف رموزها ومسؤوليها، مما يؤدي إلى إضعاف مصداقيتها أمام أنصارها وأمام المجتمع الدولي. فمنذ وصولها إلى الحكم، حاولت طالبان تقديم نفسها كقوة قادرة على فرض الأمن والقضاء على التهديدات الجهادية الأخرى، لكن استمرار الهجمات من قبل داعش يفضح نقاط ضعفها، ويفرض عليها استنزافًا أمنيًا وعسكريًا في محاولة لملاحقة خلاياه. هذا الوضع يضع طالبان أمام معضلة كبيرة، إذ إن فشلها في كبح جماح داعش قد يؤدي إلى فقدان ثقة المقاتلين الذين التحقوا بها تحت شعار "الانتصار"، بينما قد يدفع التصعيد المفرط ضد التنظيم إلى إثارة موجة انتقادات من المجتمع الدولي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

كما أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إنهاك طالبان اقتصاديًا من خلال إجبارها على تخصيص موارد إضافية لمواجهة التهديد الأمني، بدلاً من الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار أو تحسين الوضع المعيشي. فالهجمات المتكررة تستنزف قدرات الحركة الأمنية وتفرض عليها حالة من التأهب الدائم، مما يعطل خططها في تحويل حكمها من نظام عسكري إلى حكومة ذات طابع إداري مستقر. وبذلك، يسعى داعش إلى خلق بيئة من عدم الاستقرار تمنع طالبان من تحقيق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية، وتعرقل أي محاولات للاعتراف الدولي بها.

اختيار التوقيت والمكان

لم يكن اختيار موقع الهجوم أمام بنك مجرد صدفة، بل يحمل دلالات استراتيجية تتعلق بتوجيه ضربات مباشرة لشرعية طالبان الاقتصادية. فاستهداف تجمع لعناصر طالبان أثناء استلامهم لرواتبهم يعكس محاولة داعش تقويض صورة الحركة كجهة قادرة على توفير الأمن والرواتب لمقاتليها وإدارتها لشؤون الدولة. في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أفغانستان، تمثل الرواتب الحكومية عنصرًا حساسًا، وأي تهديد يحيط بها يمكن أن يولد حالة من التململ بين عناصر طالبان، خاصة إذا استمرت الهجمات في استهداف أماكن توزيع الرواتب أو الدوائر المالية.

أما على المستوى السيكولوجي، فإن تنفيذ الهجوم في هذا التوقيت يهدف إلى خلق حالة من الرعب وعدم الثقة بين عناصر طالبان أنفسهم، مما قد يدفع بعضهم إلى إعادة النظر في ولائهم للحركة. فالهجمات التي تستهدف أماكن التجمعات تعني أن مقاتلي طالبان ليسوا في مأمن حتى في أوقات استلام مستحقاتهم المالية، وهذا يخلق مناخًا من الخوف والشك داخل صفوفهم. ومن جهة أخرى، فإن هذا النوع من العمليات قد يؤثر سلبًا على تجنيد المزيد من العناصر للانضمام إلى طالبان، إذ إنها تظهر عاجزة عن حماية أعضائها حتى في قلب المناطق التي تسيطر عليها.

تطور تكتيكات داعش

يُظهر هذا الهجوم أن تنظيم داعش بات أكثر انتقائية في عملياته، إذ إنه يركز على استهداف مواقع حساسة لطالبان، مثل البنوك والمقار الحكومية، بدلاً من تنفيذ هجمات عشوائية كما كان الحال في الماضي. هذا التحول يشير إلى تطور في استراتيجيته، حيث يسعى التنظيم إلى توجيه ضربات مباشرة لمراكز النفوذ والسلطة بدلاً من الاقتصار على الهجمات العنيفة غير الموجهة. ومن خلال استهداف مراكز المال والإدارة، يحاول داعش ضرب الأعمدة التي تستند إليها طالبان في إدارة البلاد، مما يزيد من الضغوط عليها داخليًا وخارجيًا.

كما أن اختيار التفجيرات الانتحارية في أماكن مثل البنوك يعكس رغبة التنظيم في تحقيق أكبر قدر من التأثير الإعلامي والسياسي. فهذه الهجمات تحمل رمزية تتجاوز عدد القتلى والجرحى، إذ إنها تسلط الضوء على استمرار التهديد الذي يشكله داعش رغم محاولات طالبان القضاء عليه. كما أن هذا النوع من العمليات قد يُستخدم كأداة دعائية للتنظيم، لجذب مجندين جدد يرون فيه القوة الجهادية الوحيدة القادرة على تحدي طالبان، التي يعتبرها داعش منحرفة عن "الطريق الصحيح". وبالتالي، فإن تصاعد هذه الهجمات قد يسهم في توسيع نطاق نفوذ داعش، خصوصًا في المناطق التي تشهد ضعفًا في سيطرة طالبان أو التي تعاني من اضطرابات اجتماعية واقتصادية.

وأخيرا يعكس هذا الهجوم الانتحاري في قندوز صراعًا يتجاوز كونه مجرد مواجهة مسلحة بين تنظيمين متنافسين، إذ إنه يمثل تحديًا وجوديًا لطالبان في إثبات قدرتها على الحكم. فمن خلال استنزاف طالبان، واستهداف رموز قوتها الاقتصادية والأمنية، وتبني تكتيكات أكثر دقة وتأثيرًا، يسعى داعش إلى تقويض حكم الحركة وإثبات فشلها في تحقيق الاستقرار. في المقابل، ستواجه طالبان اختبارًا صعبًا في كيفية الرد على هذه التهديدات، دون الانزلاق إلى دائرة من العنف العشوائي الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، سواء على مستوى الشرعية الداخلية أو الاعتراف الدولي. ومن هنا، يبدو أن الصراع بين الطرفين مرشح للتصعيد، مما سيؤثر بشكل مباشر على مستقبل التطرف والتجنيد في المنطقة.

3. تأثير الهجوم على تنامي التطرف والتجنيد

يشكل استمرار الهجمات التي ينفذها تنظيم داعش في أفغانستان عاملًا رئيسيًا في تغذية بيئة التطرف، ليس فقط بسبب آثارها الأمنية المباشرة، ولكن أيضًا بسبب التداعيات السياسية والاجتماعية التي تتركها وراءها. فكل عملية ناجحة تضرب استقرار طالبان تفتح المجال أمام توسع رقعة العنف، حيث يتغذى الفكر الجهادي عادة على الفوضى وعدم الاستقرار. وعندما تعجز أي حكومة – حتى لو كانت طالبان نفسها – عن فرض الأمن، تصبح البلاد بيئة خصبة لنمو جماعات أكثر تشددًا، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة والبطالة المرتفعة، التي تدفع بعض الشباب إلى البحث عن بدائل إيديولوجية أو مالية. من هذا المنطلق، يمكن تحليل تأثير هذه الهجمات على التطرف والتجنيد من خلال عدة زوايا، أبرزها استمرار بيئة الفوضى، وإضعاف شرعية طالبان، وتعزيز الدعاية الجهادية لصالح داعش.

استمرار بيئة الفوضى: عامل رئيسي في تغذية التطرف

إن تكرار العمليات الإرهابية يعزز حالة عدم الاستقرار، مما يخلق بيئة خصبة لنمو الفكر الجهادي بين الفئات المهمشة أو الساخطة. في بلد مثل أفغانستان، حيث تعاني نسبة كبيرة من السكان من الفقر المدقع وانعدام الفرص الاقتصادية، تصبح الجماعات المتطرفة خيارًا مغريًا للشباب الباحثين عن دور ومعنى، خاصة عندما تقدم نفسها كقوة قادرة على تحدي الوضع القائم. داعش يدرك تمامًا هذه المعادلة، ولذلك يستهدف طالبان في مناطق حساسة ليظهرها بمظهر العاجز عن ضبط الأمن، مما يؤدي إلى خلق إحباط مجتمعي قد يدفع بعض الأفراد إلى الانضمام إليه، سواء بدافع الانتقام أو بدافع البحث عن سلطة وقوة في واقع فوضوي.

إضافة إلى ذلك، تؤدي هذه الفوضى الأمنية إلى تعطيل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية التي تحتاجها أفغانستان بشدة. فكلما زاد العنف، تأخرت الاستثمارات، وازدادت البطالة، مما يفاقم الشعور بالسخط لدى المواطنين. هذا السخط يمثل أرضية خصبة للتجنيد، حيث يجد داعش في الفئات المحرومة جمهورًا مستعدًا لتبني أيديولوجيته، خاصة عندما يربط التنظيم بين فشل طالبان في تأمين البلاد وضرورة "تصحيح المسار الجهادي" وفق رؤيته المتشددة. وهكذا، كلما استمر العنف، كلما تعمقت دائرة التجنيد، مما يجعل من الصعب إنهاء هذه الظاهرة.

إضعاف شرعية طالبان: تهديد داخلي قد يؤدي إلى انشقاقات

يُعد فقدان الشرعية أحد أخطر التحديات التي قد تواجه أي حكومة في مواجهة جماعة متمردة، وهذا ما يسعى داعش إلى تحقيقه من خلال استهداف طالبان في عمليات متكررة. فرغم ادعاءات الحركة بأنها نجحت في "تحرير" أفغانستان وتحقيق الأمن، فإن تصاعد الهجمات ضدها يضع هذه السردية موضع شك، ليس فقط في نظر المجتمع الأفغاني، ولكن أيضًا بين كوادر طالبان نفسها. فالفشل في حماية قادتها ومقاتليها قد يؤدي إلى تآكل الثقة داخل صفوفها، مما قد يخلق انشقاقات داخلية، خاصة بين الفصائل الأكثر تشددًا التي قد ترى أن القيادة الحالية غير قادرة على مواجهة داعش بفعالية.

هذا السيناريو ليس مستبعدًا، إذ إن طالبان نفسها تضم طيفًا واسعًا من التيارات، بعضها أكثر تشددًا من الآخر. وإذا تزايدت الهجمات دون رد حاسم، فقد يؤدي ذلك إلى ظهور تيارات أكثر تطرفًا داخل طالبان، قد تنفصل عنها لتشكيل مجموعات جديدة أكثر عنفًا، أو حتى تنضم إلى داعش نفسه. وقد سبق أن شهدت الحركات الجهادية مثل هذه التحولات، حيث انشق العديد من المتشددين عن القاعدة لينضموا إلى داعش في العراق وسوريا، عندما رأوا أن نهجه أكثر "حزمًا" في المواجهة. وإذا تكرر هذا الأمر في أفغانستان، فقد نكون أمام سيناريو تزايد الفصائل المسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد الجهادي في البلاد.

تعزيز دعاية داعش: استقطاب المزيد من المقاتلين

تمثل الهجمات الناجحة التي ينفذها داعش أداة دعائية قوية يستخدمها التنظيم لاستقطاب مقاتلين جدد، سواء من داخل أفغانستان أو من خارجها. فكلما نجح في تنفيذ عملية كبيرة ضد طالبان، استخدمها في دعايته لإظهار قوته وقدرته على تحدي النظام القائم. هذه الدعاية تستهدف بشكل خاص الشباب الذين يشعرون بالإحباط أو الذين يرون في طالبان حركة "معتدلة" مقارنة بداعش. فمن منظور التنظيم، تعتبر طالبان "خائنة" لأنها دخلت في مفاوضات مع الغرب، وتسعى إلى كسب الشرعية الدولية بدلًا من "مواصلة الجهاد العالمي".

يستفيد داعش أيضًا من الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي في نشر مقاطع الفيديو والبيانات التي تروج لهجماته، مما يعزز صورته كتنظيم قوي قادر على تحدي أعدائه. وهذا النوع من الدعاية يلعب دورًا حاسمًا في استقطاب العناصر الجديدة، خاصة من الشباب الذين لم يخوضوا تجربة القتال سابقًا، ولكنهم يتأثرون بالسردية الجهادية العنيفة. في ظل غياب بدائل فكرية قوية، ومع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، قد يجد العديد من الشباب في داعش "فرصة" للانخراط في مشروع جهادي عالمي، ما يزيد من أعداد المجندين لصالح التنظيم، ويمهد الطريق أمام مزيد من الهجمات في المستقبل.

يؤكد الهجوم الأخير في قندوز أن المواجهة بين طالبان وداعش ليست مجرد صراع عسكري، بل هي معركة على الشرعية والتأثير في المشهد الجهادي الأفغاني. فاستمرار الفوضى يعزز فرص داعش في التجنيد، بينما يؤدي فشل طالبان في السيطرة على الوضع إلى إضعاف مكانتها، مما قد يخلق تحديات داخلية وانشقاقات في صفوفها. في المقابل، يستفيد داعش من هذه الحالة لتعزيز دعايته واستقطاب المزيد من المقاتلين، مما يشير إلى أن الصراع بين الطرفين قد يستمر لفترة طويلة، مع احتمال أن يزداد تعقيدًا إذا لم تتمكن طالبان من فرض سيطرة حقيقية على البلاد.

4. ماذا بعد؟ سيناريوهات محتملة

مع استمرار الصراع بين طالبان وتنظيم داعش – فرع خراسان (داعش-خ)، يبدو أن أفغانستان مقبلة على مزيد من التعقيد الأمني والسياسي. فالهجمات الأخيرة تُظهر أن داعش لا يزال قادرًا على تنفيذ عمليات نوعية رغم الضغوط التي تمارسها طالبان، مما يفرض على الحركة خيارات صعبة في كيفية التعامل مع هذا التهديد المتنامي. في المقابل، فإن تداعيات هذا الصراع لا تقتصر على الداخل الأفغاني فقط، بل تمتد إلى المحيط الإقليمي، حيث تراقب القوى الكبرى مثل إيران والصين وروسيا الوضع عن كثب، نظرًا لمخاوفها من أن يؤدي استمرار العنف إلى زعزعة استقرار المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار المواجهات العنيفة قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الجهادي عبر ظهور فصائل جديدة، إما من داخل طالبان نفسها أو من تيارات متشددة أخرى تسعى لاستغلال الفراغ الأمني لصالحها. بناءً على هذه المعطيات، يمكن توقع عدة سيناريوهات محتملة للمستقبل، من بينها تصعيد طالبان ضد داعش، وتدخل أطراف خارجية، وظهور جماعات جديدة.

تصعيد طالبان ضد داعش: قمع أكثر عنفًا وانتهاكات محتملة

من المرجح أن تلجأ طالبان إلى تكثيف عملياتها الأمنية ضد داعش في محاولة لاستعادة السيطرة ووقف الهجمات التي تهدد شرعيتها. ومن المتوقع أن تعتمد الحركة على أساليب أكثر عنفًا، مثل تنفيذ اعتقالات واسعة، وعمليات تصفية ميدانية ضد المشتبه بانتمائهم لداعش، وربما فرض إجراءات أكثر صرامة في المناطق التي يشتبه بأنها تحتوي على خلايا نائمة للتنظيم. مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى تراجع مؤقت في قدرة داعش على تنفيذ هجمات، لكنها في الوقت نفسه قد تؤدي إلى آثار عكسية إذا ترافقت مع انتهاكات واسعة بحق المدنيين. تاريخيًا، أظهرت التجارب أن القمع العنيف قد يدفع بعض الفئات المتضررة إلى التعاطف مع التنظيمات المتطرفة، مما يوفر لداعش فرصة جديدة لتجنيد مقاتلين جدد مستفيدًا من حالة السخط الشعبي.

علاوة على ذلك، قد يؤدي التصعيد الأمني إلى زيادة الانقسامات داخل طالبان نفسها، حيث أن بعض التيارات داخل الحركة قد ترى أن الرد العسكري وحده غير كافٍ، وقد تطالب بإيجاد حلول أكثر شمولية، مثل المصالحات المحلية أو إدماج بعض العناصر الجهادية السابقة في صفوف الحركة. هذا قد يخلق حالة من التوتر الداخلي، خاصة بين الفصائل الأكثر تشددًا التي قد ترى في أي محاولات للحوار مع "الخوارج" (كما تصف طالبان مقاتلي داعش) خيانة للمبادئ الجهادية. وبالتالي، فإن أي تصعيد أمني من قبل طالبان قد لا يكون كافيًا لإنهاء التهديد، بل قد يؤدي إلى تداعيات غير محسوبة تعمّق أزمة الأمن والتجنيد.

تدخل أطراف خارجية: دعم استخباراتي لطالبان أم توغل عسكري؟

استمرار هجمات داعش قد يدفع بعض القوى الإقليمية إلى التدخل لدعم طالبان في حربها ضد التنظيم، خاصة الدول التي لديها مصالح أمنية مباشرة في أفغانستان، مثل إيران والصين وروسيا. فمنذ سقوط كابول في أيدي طالبان، عبّرت هذه الدول عن مخاوفها من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذًا للجماعات الجهادية العابرة للحدود. وبما أن طالبان لم تتمكن حتى الآن من القضاء على داعش، فقد تجد هذه القوى نفسها مضطرة إلى تقديم دعم استخباراتي ولوجستي لمساعدتها في تعقب التنظيم واحتواء خطره.

إيران على وجه الخصوص قد تكون أكثر انخراطًا في هذا الملف، نظرًا لعدائها التاريخي مع داعش، الذي استهدف الشيعة في أفغانستان أكثر من مرة. ومن المحتمل أن تقدم طهران مساعدات استخباراتية لطالبان، أو حتى تشجع ميليشيات موالية لها، مثل فاطميون، على تنفيذ عمليات ضد داعش داخل الأراضي الأفغانية. بالمثل، فإن الصين وروسيا قد تدعمان طالبان بوسائل غير مباشرة، مثل توفير تقنيات مراقبة متقدمة أو تقديم مساعدات عسكرية محدودة. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان هذا التدخل سيقتصر على الدعم غير المباشر، أم أن بعض هذه الدول قد تفكر في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل تنفيذ عمليات خاصة داخل أفغانستان إذا شعرت أن مصالحها باتت مهددة بشكل مباشر.

احتمالية ظهور جماعات جديدة: إعادة تشكيل المشهد الجهادي

إذا استمر العنف بين طالبان وداعش لفترة طويلة، فقد يؤدي ذلك إلى ظهور جماعات جديدة داخل المشهد الجهادي الأفغاني. هذا السيناريو قد يحدث بطريقتين: الأولى، من خلال انشقاقات داخل طالبان نفسها، حيث قد تظهر فصائل أكثر تشددًا ترى أن الحركة لم تعد ملتزمة بالمشروع الجهادي الأصلي، وقد تسعى هذه الفصائل إلى تشكيل كيان جديد أكثر راديكالية. والثانية، من خلال بروز جماعات مستقلة تتبنى مزيجًا من الأفكار الجهادية المختلفة، مستفيدة من حالة الفوضى وانعدام الاستقرار.

في هذا السياق، قد يظهر جناح أكثر تطرفًا داخل طالبان، يرفض استراتيجيات القيادة الحالية، ويرى أن الرد على داعش يجب أن يكون عبر نهج أكثر عنفًا، وربما حتى عبر تبني أساليب شبيهة بتلك التي يستخدمها داعش نفسه. كما أن هناك احتمالًا بأن تنشأ حركات جهادية جديدة تتبنى رؤية مختلفة عن كل من طالبان وداعش، إما عبر تقديم خطاب "تصحيحي" للتيارين أو من خلال محاولة خلق تحالفات جديدة تضم مقاتلين سابقين من الطرفين. وإذا حدث ذلك، فقد نكون أمام مشهد أكثر تعقيدًا، حيث تتعدد الفصائل المتناحرة، مما يزيد من صعوبة تحقيق أي استقرار طويل الأمد في البلاد.

خاتمة

يكشف الهجوم الانتحاري في قندوز عن تحديات أمنية كبرى تواجه طالبان، ويؤكد أن داعش ما زال فاعلًا قويًا في المشهد الأفغاني. كما أن استمرار العنف قد يسهم في تنامي التطرف والتجنيد، سواء في صفوف داعش أو حتى داخل طالبان نفسها. ومن هنا، فإن مستقبل أفغانستان سيظل مرهونًا بقدرة طالبان على تحقيق توازن بين القمع الأمني والاحتواء الفكري، وهو ما يبدو حتى الآن مهمة صعبة في ظل الظروف الحالية.


شارك