الدكتور القس ثروت قادس ..حياة من اجل زرع الحوار بين الاديان

الأربعاء 19/فبراير/2025 - 02:07 م
طباعة الدكتور القس ثروت روبير الفارس
 
الحوار بين الاديان طريق التعايش الامن والسليم .لم يكن مجرد شعار رفعه الدكتور القس ثروت قادس (1942-2025م)  الذى رحل عن عالمنا امس الثلاثاء .بل هذا هو المنهج الذى زرعه ورعاه وعاش به ومن اجله .لذلك سادت حالة من الحزن لفقدان هذا الانسان الفريد والذى امتاز بالصدق الشديد في عمله من اجل نشر ثقافة الحوار بين الاديان في كل مكان ذهب اليه 
وقد نعته  الطائفة الانجيلية في مصر ببيان رسمي جاء فيه ببالغ الحزن والأسى ينعى الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، الدكتور القس ثروت قادس، أحد أعلام الحوار والتواصل بين الثقافات، الذي كرّس حياته لخدمة الكنيسة والمجتمع، ورحل تاركًا إرثًا مشرفًا من العطاء والتفاني في العمل الوطني والإنساني.
لقد فقدت الكنيسة الإنجيلية والمجتمع المصري نموذجًا مضيئًا في خدمة الحوار والتعايش، وفقدنا شخصية استثنائية جمعت بين الفكر العميق والإيمان الراسخ، وبين الوطنية والانفتاح على العالم. كان مثالًا للمصري المخلِص، الذي لم يَذخر جهدًا في ترسيخ قيم الحوار والتعايش، فكان جسرًا ممتدًّا بين مصر وألمانيا، ورائدًا في تعزيز التواصل الثقافي. نصلي أن يمنح الله العزاء لأسرته ومحبِّيه.
شغل الراحل منصب رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للحوار، ورئيس اتحاد المجلس الأعلى للجاليات المصرية بألمانيا. وُلد عام 1942 بمدينة ملوي بمحافظة المنيا، وحصل على بكالوريوس العلوم اللاهوتية عام 1961، ثم رُسِم قسًّا في السنبلاوين بمحافظة الدقهلية عام 1964. واصل دراسته اللاهوتية والفلسفية في جامعة هيدلبرج بألمانيا بين عامي 1968 و1972، ثم أصبح أول مصري يخدم راعيًا في الكنيسة الألمانية حتى عام 2002. حصل على الدكتوراه في اللاهوت العملي من لويزفيل بأمريكا عام 1995، وكانت رسالته حول الحوار المسيحي الإسلامي، كما نال دكتوراه في الآداب قسم الدراسات العربية والإسلامية من جامعة هيدلبرج بألمانيا.
ورثاه الشيخ ابراهيم رضا قائلا خالص العزاء والمواساة في وفاة الفارس النبيل ثروت قادس الأخ والصديق العزيز عرفته عن قرب حين دعاني لزيارة فرانكفورت مع مجموعة من خيرة أبناء الوطن لتقديم الصورة الصحيحية عن تجربة التعايش الآمن داخل مصر كان رجلاً خَلُوقاً مُحباً لوطنه شديد التواضع و هكذا نمضي ويبقي الأثر
وكتب عنه الدكتور القس عيد صلاح دراسة مهمة بعنوان 
"الدكتور القس ثروت قادس
نموذج مصريّ لعبور الثقافات وبناء الجسور (1942-2025م) "جاء فيها 
الدكتور القس ثروت فهمي قادس من مواليد 1942م بمدينة ملوي في محافظة المنيا، مصر. حصل على بكالوريوس العلوم اللاهوتيّة عام 1961م، ورسم قسًا في كنيسة السنبلاوين الإنجيليّة بمحافظة الدقهلية عام 1964م، سافر إلى ألمانيا 1967م ودرس العلوم اللاهوتيّة والفلسفيّة بجامعة هيدلبرج بألمانيا من عام 1968م وحتى 1972م، وفي عام 1973م عمل راعيًا في الكنيسة الألمانيّة حتى عام 2002م كأول مصريّ يعمل راعيًا في الكنيسة الألمانيّة، وحصل على دكتوراه في اللاهوت العمليّ من لويز فيل بأمريكا، وكان موضوع رسالته الحوار المسيحيّ الإسلاميّ عام 1995م، وحصل على الدكتوراه في الآداب قسم الدراسات العربيّة والإسلاميّة من جامعة هيدلبرج بألمانيا عام 1997م. وترأس القسّ ثروت قادس عام 2004م مجمع مشيخة الدلتا الإنجيليّ حتى 2005م، وشغل منصب رئيس اتحاد الجاليات المصريّة بأوروبا، وعمل أستاذًا في جامعة فرانكفورت في ألمانيا ومؤسِّس قسم الحوار الإسلاميّ المسيحيّ بالجامعة. عضو المجلس المحلي لمدينة لينجن لدورتين 8 سنوات. رأس مجلس الحوار والعلاقات المسكونيّة، الكنيسة المشيخية بمصر، سنودس النيل الإنجيلي. رئيس سنودس النيل الإنجيلي الدورة 118 سنة 2008-2009م، أستاذ الحوارات والدياكونية كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، شغل منصب رئيس مجلس إدارة الأكاديميّة الدولية للحوار بالكنيسة الإنجيلية بمصر-سنودس النيل الإنجيليّ، رئيس اتحاد المجلس الأعلى للجاليات المصريّة بألمانيا. له العديد من الدراسات والكتابات المنشورة باللغة العربية. (يمكن الرجوع إلى: روبير الفارس. من مصر إلى ألمانيا رحلة عطاء القسّ ثروت قادس. القاهرة: ثروت قادس، 2008م).
سمعت عنه أول مرة من طيب الذكر القس فايز فارس، وزادت معرفتي به عندما تقاعد وجاء إلى مصر ليبدأ مشوار خدمة مختلفة، فكان عضوًا في مجمع الدلتا الإنجيليّ، ثم راعيًا لكنيسة ملوي وعضوًا بمجمع ملوي الإنجيليّ، وعضوًا بمجمع القاهرة. بعد عودته من ألمانيا أسَّس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية، ثم الأكاديمية الدولية للحوار. 
عندما ذهبت إلى ألمانيا استضافتي في بيته وكان كريمًا جدًا، حكى لنا الكثير عن خبرته ورحلته في الخدمة من مصر إلى ألمانيا، ومن ألمانيا إلى مصر. في فترة التواجد في ألمانيا ذهبت معه لافتتاح المركز الإسلامي التركي وكان الاستقبال له حافلًا، من وقت وقوف العربية أمام المركز فُرِشت السجادة الحمراء من باب العربة إلى مدخل المركز، وكان متحدثًا في الجلسة الرسمية للافتتاح. وثاني يوم ذهب بنا إلى مقر السفارة المصرية في فرانكفورت وتم استقباله بحفاوة كبيرة. في الجولات معه شاهدت كم العلاقات العميقة على كافة المستويات: الكنسية، والمجتمعية، والسياسية. قلت له في وقتها: تتمتع بمكانة كبيرة هنا، فلماذا تصدع دماغك بالكنيسة في مصر؟ فأجابني: لأني أحب بلدي وكنيستي وأعشق تراب مصر. 
القضية التي شغلت دكتور قادس هي قضية الحوار، ويعتبر قادس نموذجًا طيبًا ومتميزًا لعبور الثقافات ومد الجسور وبناء العلاقات. كان يتكلم في أمور بسيطة بجدية كبيرة، وكان داعمًا للحوار والعلاقات بين اتباع الثقافات والأديان. 
له دراستان قيمتان: "الكتاب المقدس في الفكر العربي المعاصر." والمسيحية والإسلام من الحوار إلى الجوار. وقد كتبت عنه دراسة وضعت لها عنوانًا: ديناميكية ثقافة العيش المشترك: من الجوار إلى الحوار ومن الحوار إلى الحوار السيد محمد الشاهد وثروت قادس إنموذجًا، ونشرت في مجلة النسور، يناير 2024م، ص 46-56. وقد أعجبته الدراسة حين قرأها وأثنى عليها.
في رؤية كلًا من الشاهد وقادس نرى أنَّ الدين عامل أساسي في التعايش المشترك، وذلك بناء على فهم حقيقي له، ورؤية واقعية للآخر دون إقصاء أو تهميش أو ازدراء، والخبرة المصريّة عبر أكثر من 1400 سنة خير دليل على ذلك، فمن التجاور الجسديّ إلى التحاور الفكريّ تكمن ديناميكيّة وعبقريّة العيش المشترك، بالطبع الصورة ليست وردية ففي بعض الحقب الزمانية كانت القسوة وكان التهميش والرفض، ولكن يظل الأمل في التركيز على القيم الإيجابيّة، والمبادئ الأخلاقية المشتركة، والمبادرات المفيدة، والفكر البنَّاء، ويجب التركيز على هذه الكتب وتدريسها للأجيال لمعرفة الآخر من منابعه الأصلية لكسر كافة الصور النمطية عن الآخر المختلف، وبناء الجسور بدلاً من العوازل الفكريّة. 
العيش المشترك ضرورة إيمانيّة وحضاريّة، وهو ليس أمرًا ساكنًا خاملاً، ولكنه فعل ديناميكيّ متحرك فاعل ومؤثر، وهذا يأتي من خلال الحوار، ولا بديل عن الحوار. فلنحيا هذه الحركة من الجوار للجوار ومن الحوار للجوار في التركيز على الهموم والآمال المشتركة.
سيبقى دكتور قادس في سجل العرفان والتقدير في تاريخ كنيستنا المعاصر في مصر وألمانيا.

شارك