استهداف الخير في رمضان.. كيف يحكم الحوثيون قبضتهم على صنعاء؟

الثلاثاء 04/مارس/2025 - 03:34 م
طباعة استهداف الخير في أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني
 

مع حلول شهر رمضان المبارك، كثفت جماعة الحوثي حملاتها القمعية ضد القطاع الخيري والتجاري في العاصمة اليمنية صنعاء، مستهدفة المطاعم الشهيرة والمخابز الخيرية بفرض إتاوات مالية وإجبارها على تقديم خدمات مجانية لصالح حملاتها التعبوية والتجنيدية.

استغلال المطاعم لصالح الدعاية والتجنيد

فرضت الجماعة الحوثية على عدد من المطاعم البارزة في صنعاء، مثل "ريماس" و"الخطيب" و"الحمراء" و"القلعة" و"الشيباني"، تقديم وجبات مجانية يومية لمئات الشباب والأطفال الذين تم استقطابهم خلال الأيام الماضية من أحياء المدينة وأريافها، وإلحاقهم بمساجد مثل "جامع الصالح" و"الجامع الكبير"، حيث يخضعون لبرامج مكثفة من التعبئة الفكرية والطائفية، في خطوة تهدف إلى تجنيدهم لاحقًا ضمن ميليشيات الجماعة.

وأفادت مصادر محلية بأن هذه المطاعم لم تكتفِ بتقديم الوجبات مجانًا، بل أُجبرت أيضًا على دفع مبالغ مالية متفاوتة تحت ذريعة "ضريبة المبيعات"، وهي ضريبة فرضتها الجماعة على أساس تقديرات أرباح هذه المؤسسات. وتعرضت المطاعم التي رفضت الامتثال لتهديدات مباشرة من قبل مشرفي الحوثيين الذين ينتمون إلى ما يسمى "مكتب التعبئة العامة".

وتعد هذه الإجراءات امتدادًا لسياسات الجماعة في استنزاف القطاع الخاص، حيث اعتادت على استهداف المؤسسات التجارية والمطاعم بممارسات مشابهة خلال السنوات الماضية، مما يزيد من أعباء أصحاب المشاريع في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد.

تحويل المساجد إلى مراكز تعبئة فكرية

لم تكتفِ جماعة الحوثي بفرض الإتاوات على المطاعم، بل قامت أيضًا باستقطاب مئات المراهقين والشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و23 عامًا، من مختلف أحياء صنعاء وأريافها، ونقلهم إلى عدد من المساجد الكبرى في المدينة. 

ووفقًا لمصادر مطلعة، يتم إخضاع هؤلاء الشباب لدورات مكثفة تتضمن محاضرات فكرية ودينية ذات طابع طائفي، إلى جانب التحريض المباشر على الانضمام لجبهات القتال.

ويستخدم الحوثيون المساجد خلال شهر رمضان كمراكز للدعاية الأيديولوجية، حيث ينصبون شاشات عرض لعرض خطب ومقاطع مصورة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ومؤسسها حسين الحوثي، كما يتم استغلال أوقات الإفطار والسحور لزيادة جرعة التعبئة الفكرية في أوساط المشاركين.

استهداف المخابز الخيرية وحرمان الفقراء من المساعدات

لم تقتصر حملات الجماعة الحوثية على المطاعم، بل امتدت أيضًا إلى المخابز الخيرية التي تعمل على توفير الخبز للأسر المحتاجة خلال شهر رمضان، حيث نفذت ميليشيات الحوثي، عبر ما يُسمى "هيئة الزكاة"، حملات دهم استهدفت 14 مخبزًا خيريًا في صنعاء خلال الأيام الأولى من رمضان، لا سيما في مناطق بيت معياد، بير عبيد، الجرداء، القلفان، السنينة، ومذبح.

وأدت هذه الحملة إلى إغلاق أربعة مخابز بسبب رفضها دفع الإتاوات، في حين أُجبرت بقية المخابز على تقديم مبالغ مالية يتم تحويلها إلى حسابات الحوثيين.

 وأثار هذا الاستهداف غضبًا واسعًا بين السكان والناشطين، الذين اعتبروا أن هذه الخطوة تندرج ضمن سياسة ممنهجة لتجويع الفقراء والحد من المبادرات الإنسانية المستقلة.

وأكد عاملون في هذه المخابز أن الجماعة الحوثية تعرقل بشكل مستمر أعمالهم، وتفرض عليهم دفع مبالغ مالية تحت مسميات مختلفة، بهدف إحكام سيطرتها على أي نشاط خيري مستقل يمكن أن يخفف من معاناة السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

نهج ممنهج للتضييق الاقتصادي والاجتماعي

يأتي هذا التصعيد الحوثي ضد القطاع الخيري في وقت تتزايد فيه التحذيرات الدولية من تفاقم أزمة الغذاء في اليمن، حيث أشار تقرير حديث لـ"شبكة الإنذار المبكر من المجاعة" إلى أن ملايين اليمنيين سيواجهون نقصًا حادًا في الغذاء حتى منتصف العام الحالي، مع استمرار الصدمات الاقتصادية وتدهور سبل العيش.

وتشير التقارير إلى أن العديد من المناطق الخاضعة للحوثيين وصلت إلى المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي أنها على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.

وتعكس هذه السياسات نهج الجماعة الحوثية في إحكام السيطرة على جميع مصادر التمويل والمساعدات، سواء من خلال فرض الجبايات على التجار ورجال الأعمال، أو من خلال عرقلة الأنشطة الخيرية المستقلة.

 كما أن هذه الممارسات تندرج ضمن استراتيجيتها الأوسع لتأزيم الأوضاع الاقتصادية، بهدف إخضاع المجتمع وتركيعه من خلال التجويع والقمع.

في ظل استمرار هذه الانتهاكات، يواجه سكان صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تحديات متزايدة في تأمين احتياجاتهم الأساسية، خصوصًا في شهر رمضان، الذي يُفترض أن يكون موسمًا للتكافل والتضامن. 

ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تظل الحاجة ملحة لتدخل دولي فعال يحدّ من هذه الممارسات، ويضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيدًا عن قبضة الجماعة الحوثية.

شارك