جرائم مروّعة تهزّ السودان.. أطفال يُغتصبون في حرب وحشية تهدد الأجيال القادمة
الأربعاء 05/مارس/2025 - 04:57 م
طباعة

في مشهد يجسد أبشع صور الانتهاكات الإنسانية، كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن جرائم مروعة يرتكبها مقاتلون مسلحون في السودان، حيث تعرّض أطفال، بعضهم لا يتجاوز عمرهم عامًا واحدًا، للاغتصاب خلال النزاع المسلح الدائر في البلاد منذ قرابة عامين.
التقرير الصادم وصف هذه الفظائع بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب، وهو ما يفتح الباب أمام مساءلة دولية للجهات المسؤولة عن هذه الجرائم البشعة.
أوضح تقرير اليونيسف أن البيانات المتاحة، التي جُمعت عبر منظمات حقوقية ميدانية، لا تعكس سوى جزء ضئيل من حجم العنف الجنسي الممارس ضد الأطفال.
فالعنف الجنسي في السودان بات يُستخدم كسلاح حربي لترهيب السكان، وتدمير النسيج الاجتماعي، وإخضاع المجتمعات المحلية لهيمنة المسلحين.
ووفقًا للأرقام الصادرة، تم توثيق 221 حالة اغتصاب لأطفال منذ مطلع 2024، وكانت الضحايا في معظم الحالات من الفتيات.
المثير للصدمة أن من بين الضحايا 16 طفلًا دون سن الخامسة، وأربعة لم يتجاوزوا عامًا واحدًا، مما يعكس وحشية غير مسبوقة في هذا الصراع الدموي.
تواجه ضحايا العنف الجنسي في السودان عقبات عديدة تمنعهم من الإبلاغ عن الجرائم التي تعرّضوا لها، خوفًا من الوصمة المجتمعية، أو الانتقام من الجماعات المسلحة، أو حتى الاتهام بالتعاون مع أحد أطراف النزاع. ونتيجة لذلك، تبقى العديد من الجرائم طي الكتمان، ما يزيد من معاناة الضحايا ويجعل الجناة يفلتون من العقاب.
مديرة اليونيسف، كاثرين راسل، عبّرت عن صدمتها من حجم هذه الفظائع، قائلة: إن يتم اغتصاب أطفال لا تتجاوز أعمارهم عامًا واحدًا من قبل رجال مسلحين هو أمر يجب أن يصدم الجميع، ويدفع لاتخاذ إجراءات فورية. وحذّرت من أن ملايين الأطفال في السودان مهددون بالتعرض لمثل هذه الجرائم، مشيرة إلى أن ما يجري انتهاك صارخ للقانون الدولي، وقد يشكل جرائم حرب تستوجب العقاب.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تحول السودان إلى مسرح لواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم.
وأكدت الأمم المتحدة أن ملايين السودانيين يعيشون تحت وطأة القتل، والاغتصاب، والتهجير القسري، والجوع، وسط عجز دولي عن وقف النزيف المستمر في البلاد.
وأشار تقرير اليونيسف إلى أن بعض العائلات أُجبرت على تسليم بناتها للمسلحين ليتم اغتصابهن أمام أقاربهن، في مشاهد تقشعر لها الأبدان.
وعلى الرغم من حجم الفظائع، لم يحدد التقرير أسماء الجهات المسؤولة عن هذه الجرائم، وهو ما يطرح تساؤلات حول سبل محاسبة الجناة.
أكد التقرير أن الناجيات من هذه الجرائم يواجهن إصابات جسدية ونفسية خطيرة، قد تلازمهن مدى الحياة، فضلًا عن التحديات التي تفرضها حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب.
وغالبًا ما تجد الفتيات أنفسهن أمام خيارات مستحيلة، مثل إخفاء الأمر عن أسرهن، أو تحمل نظرة المجتمع القاسية، أو البحث عن علاج طبي وسط انهيار النظام الصحي في البلاد.
وفي شهادة مؤلمة، قالت فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا، تعرضت للاغتصاب من قبل ثلاثة مسلحين: اختطفوني وأخذوني إلى مكان بجانب سكة الحديد، ثم تناوبوا على اغتصابي وضربي قبل أن يلقوا بي هناك، الآن، أنا حامل في الشهر التاسع، وكانت فكرة الانتحار تراودني كثيرًا.
كما نقل التقرير شهادة امرأة بالغة احتُجزت لمدة 19 يومًا مع نساء وفتيات أخريات، وتحدثت عن فظائع لا توصف: في كل ليلة، كان المسلحون يفتحون الباب، يختارون فتاة، ويأخذونها إلى غرفة أخرى، كنا نسمع صراخها وبكاءها، ثم تعود غارقة في دمائها، بعض الفتيات كُنّ في حالة غيبوبة عند عودتهن.
في ظل هذه الجرائم البشعة، دعت اليونيسف جميع الأطراف المتحاربة في السودان إلى احترام القوانين الدولية وحماية المدنيين، وخاصة الأطفال.
كما ناشدت المجتمع الدولي تكثيف الجهود لضمان تقديم المساعدات للضحايا، وحثت المانحين على دعم برامج الإغاثة المخصصة لمساعدة الأطفال الناجين.
وشددت المنظمة على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب، مؤكدة أن لا طفل يجب أن يتحمل هذه الأهوال، يجب أن تتوقف هذه المعاناة فورًا.
ما يجري في السودان ليس مجرد صراع سياسي أو نزاع مسلح، بل جريمة إنسانية تمزق نسيج المجتمع السوداني وتستهدف أكثر الفئات ضعفًا.
إن استمرار هذه الجرائم دون تحرك دولي فعّال يضع العالم بأسره أمام مسؤولية أخلاقية جسيمة، فلا يمكن للصمت أن يكون خيارًا حينما يصبح الأطفال أهدافًا في حرب لا ترحم، والمجتمع الدولي مطالب بالتحرك العاجل قبل أن تتحول هذه الانتهاكات إلى وصمة عار في جبين الإنسانية.