هجمات بروكسل 2016: ضربة إرهابية غيرت قواعد اللعبة الأمنية في أوروبا
السبت 22/مارس/2025 - 05:13 ص
طباعة

في 22 مارس 2016، شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل سلسلة تفجيرات دامية استهدفت مطار زافنتيم ومحطة مترو مالبيك، مما أسفر عن مقتل 32 شخصًا وإصابة المئات. وبعد ساعات من الهجوم، أعلنت وكالة أعماق، الذراع الإعلامية لتنظيم داعش، مسؤولية التنظيم عن الهجمات، مؤكدةً أنها نُفذت بتخطيط دقيق وسرعة تنفيذ عالية. البيان، الذي نُشر عبر قنوات أعماق على تطبيق تليجرام، لم يتضمن تفاصيل دقيقة عن العملية، لكنه توعد بالمزيد من الهجمات داخل أوروبا.
المنفذون كما قدمتهم مجلة دابق
في عددها الرابع عشر الصادر في رجب 1437هـ، نشرت مجلة دابق التابعة لتنظيم داعش صورًا ومعلومات عن منفذي هجمات بروكسل، مقدمةً إياهم كـ"أبطال للجهاد".
إبراهيم البكراوي (أبو سليمان البلجيكي)
كان أحد منفذي تفجير مطار بروكسل. وفقًا لـ"دابق"، بدأ إبراهيم مسيرته نحو التطرف أثناء قضائه عقوبة في السجن، حيث تأثر بالأحداث الجارية في سوريا، خصوصًا ما وصفته المجلة بـ"فظائع نظام بشار الأسد". بعد خروجه من السجن، انخرط في التحضير للعمليات المسلحة بالتنسيق مع شقيقه خالد البكراوي، حيث قاما بشراء الأسلحة وتأمين مساكن آمنة.
خالد البكراوي (أبو الوليد البلجيكي)
فجر نفسه داخل مترو مالبيك في بروكسل. وصفته "دابق" بأنه "قائد بالفطرة"، وادعت أنه رأى رؤىً دينية دفعته لتغيير حياته. وفقًا للمجلة، بدأ خالد بعد خروجه من السجن بإلقاء محاضرات دينية وتحريض الشباب على الانضمام إلى داعش في سوريا. كما كتب مقالات عن "الحروب الصليبية ضد المسلمين"، وتلقى تدريبات على تنفيذ العمليات الانتحارية بعد مشاركته في تجنيد المقاتلين.
نجم العشراوي (أبو إدريس البلجيكي)
كان أحد مفجري مطار بروكسل، وأحد صانعي المتفجرات التي استُخدمت في الهجوم. تشير "دابق" إلى أنه التحق بـ"مجلس شورى المجاهدين" في سوريا عام 2013، ثم انضم لاحقًا إلى داعش، حيث شارك في معارك ضد قوات النظام السوري والفصائل المعارضة، قبل أن يعود إلى أوروبا لتنفيذ هجمات إرهابية، بما في ذلك تفجيرات باريس 2015، حيث كان مسؤولًا عن تحضير المتفجرات المستخدمة في تلك الهجمات.
محمد بلقايد (أبو عبد العزيز الجزائري)
المقاتل الجزائري الذي وصفته "دابق" بأنه "قائد الانغماسيين"، خاض معارك في سوريا والعراق، حيث شارك في قتال النظام السوري والفصائل المسلحة، وأصيب أكثر من مرة. كما كان من المشاركين في معركة الرمادي بالعراق. بعد عودته إلى أوروبا، كان جزءًا من الخلية التي نفذت تفجيرات بروكسل.
دلالات الرواية الإعلامية لداعش
يعكس تناول "دابق" لسير منفذي الهجمات استراتيجية داعش الإعلامية في تبرير العنف عبر السرديات الدينية والتاريخية، وتقديم المهاجمين كـ"أبطال مقدسين". كما يسلط الضوء على دور الدعاية الجهادية في استقطاب الأفراد عبر الإنترنت، خاصة من خلال استغلال الأحداث الإقليمية مثل الحرب في سوريا لتبرير عمليات إرهابية في الغرب.
تكشف هجمات بروكسل والطريقة التي تم تسويقها إعلاميًا عن مدى تغلغل داعش في الشبكات الأوروبية، ومدى خطورة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم. كما توضح طبيعة العمليات العابرة للحدود، حيث تم التخطيط والتنسيق للهجمات بين خلايا نائمة في أوروبا وعناصر ناشطة في مناطق النزاع.
تأثير هجمات بروكسل 2016 على بلجيكا وأوروبا
1. التأثير الأمني: تعزيز الإجراءات ومكافحة الإرهاب
أدت هجمات بروكسل إلى إعادة هيكلة السياسات الأمنية في بلجيكا وأوروبا. من أبرز التدابير التي تم اتخاذها:
رفع مستوى التأهب الأمني: أعلنت السلطات البلجيكية حالة الطوارئ القصوى، وعززت وجود القوات العسكرية في الأماكن العامة، مثل المطارات ومحطات القطارات.
توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية: تم منح الأجهزة الاستخباراتية سلطات أوسع لمراقبة المشتبه فيهم، واعتماد أساليب تحقيق أكثر صرامة مع العائدين من مناطق النزاع.
تعزيز التعاون الأوروبي في مكافحة الإرهاب: كثفت الدول الأوروبية تبادل المعلومات الأمنية، خاصة عبر وكالة يوروبول، وتم تعزيز التنسيق في مراقبة الحدود والرحلات الجوية.
2. التأثير السياسي: صعود اليمين المتطرف وتعديل السياسات الداخلية
استغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة الهجوم لتبرير سياسات أكثر تشددًا تجاه اللاجئين والمهاجرين، معتبرةً أن التهديدات الأمنية مرتبطة بضعف الرقابة على الهجرة.
تعرضت الحكومة البلجيكية لانتقادات بسبب الإخفاقات الأمنية، خاصة بعد الكشف عن تحذيرات استخباراتية سابقة حول بعض منفذي الهجوم، مما أدى إلى استقالات مسؤولين حكوميين.
تعزيز قوانين مكافحة التطرف: تم إقرار تشريعات تتيح مراقبة أوثق للمشتبه بهم، وتشديد العقوبات على الدعاية الجهادية والتجنيد.
3. التأثير المجتمعي: توترات داخلية وصعود الإسلاموفوبيا
أدت الهجمات إلى تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في بلجيكا وأوروبا، حيث شهدت بعض المناطق اعتداءات على الجاليات المسلمة والمساجد.
زادت المخاوف المجتمعية من التطرف المحلي، خاصة أن بعض منفذي الهجمات كانوا مواطنين بلجيكيين، ما أعاد النقاش حول فشل سياسات الاندماج الاجتماعي.
دفع ذلك الحكومة إلى إطلاق برامج لمكافحة التطرف داخل الأحياء المهمشة، خاصة في ضواحي بروكسل التي كانت مصدرًا لبعض المقاتلين الأجانب.
4. التأثير الاقتصادي: ضربة لقطاع الطيران والسياحة
تعرض مطار زافنتيم لأضرار جسيمة، مما أدى إلى إغلاقه مؤقتًا، وخسائر تقدر بملايين اليوروهات.
شهد قطاع السياحة تراجعًا كبيرًا بسبب المخاوف الأمنية، حيث انخفضت معدلات الحجز الفندقي في بروكسل والمدن الكبرى.
اضطرت العديد من الشركات البلجيكية إلى تعزيز إجراءات الأمن، مما زاد من التكاليف التشغيلية.
5. التأثير على الاتحاد الأوروبي: مراجعة سياسات الهجرة والأمن
عزز الاتحاد الأوروبي إجراءات مراقبة الحدود الخارجية، وتم الاتفاق على مراجعة قوانين شنغن لضبط تحركات الأفراد بين الدول الأعضاء.
تم اعتماد برامج أوروبية لمكافحة التطرف، تستهدف تقويض التجنيد الإلكتروني عبر الإنترنت ومراقبة المحتوى الإرهابي على وسائل التواصل الاجتماعي.
شكلت الهجمات حافزًا لتوسيع صلاحيات أجهزة الأمن الأوروبية، مع زيادة ميزانية يوروبول لتعزيز مكافحة الإرهاب.
خلاصة
كشفت تفجيرات بروكسل عن ثغرات أمنية واستخباراتية كبيرة، وأثرت بعمق على السياسات الداخلية في بلجيكا وأوروبا. كما عززت النقاش حول العلاقة بين الإرهاب والهجرة، وأدت إلى تصاعد التيارات القومية المعادية للمسلمين. في الوقت ذاته، شكلت دافعًا للاتحاد الأوروبي لتبني إجراءات أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب والتطرف، مما أثر بشكل مباشر على الحريات المدنية وسياسات المراقبة في القارة.