قرار الحوثيين بإقصاء اللغة الإنجليزية.. تفكيك ممنهج للتعليم وتكريس للعزلة الثقافية
الأحد 04/مايو/2025 - 12:59 م
طباعة

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التربوية والمجتمعية، أصدرت وزارة التربية والتعليم التابعة لجماعة الحوثي في صنعاء تعميماً يقضي بوقف تدريس مادة اللغة الإنجليزية للصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الأساسي، واقتصار تدريسها على الصف الرابع وما فوق، وذلك كإجراء مبدئي يشمل جميع المدارس الحكومية والأهلية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.
وبررت الوزارة هذا القرار برغبتها في تكثيف تعليم القرآن الكريم واللغة العربية ومهارات الكتابة في المراحل الدراسية الأولى، ما يعكس توجهاً جديداً في صياغة المناهج التعليمية قد يثير تساؤلات حول تأثيراته على مخرجات التعليم ومستوى التنافس الأكاديمي في المستقبل.
وحذرت الحكومة اليمنية من العواقب الوخيمة لهذه السياسات الكارثية، التي لن تفضي سوى إلى تجهيل الأجيال القادمة، وحرمانهم من أدوات التواصل مع العالم، ومن فرص التعليم والمعرفة، بما يرهن مستقبل اليمن، ويضعه على هامش الحضارة، ويغلق أمام شبابه نوافذ الانفتاح والاندماج في الاقتصاد العالمي والثورة المعرفية.
وقالت الحكومة على لسان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني "أن الخطوة الحوثية التي تستهدف التعليم وتدمير مقومات النهوض به، تأتي ضمن مساعيها الممنهجة لخلق جيل معزول عن لغة العصر ومفاتيح التقدم، وإنتاج بيئة فكرية مغلقة تتماشى مع مشروعها الظلامي والكهنوتي المتخلف"
وأضاف الإرياني في تغريدة له على منصة إكس أن " هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة واضحة لتسييس التعليم وتحويله إلى أداة لخدمة أجندات طائفية متطرفة، حيث تعمل المليشيا على تحويل المدارس إلى منصات لغسل أدمغة الأطفال، وتلقينهم أفكاراً دخيلة على المجتمع اليمني، بدلاً من ترسيخ قيم المعرفة والانفتاح والتنوع التي تشكل جوهر الهوية الوطنية الجامعة، فالتعليم في منظور المليشيا ليس وسيلة لبناء الإنسان، بل أداة لتدجينه وفرض الولاء الأعمى لمشروعها العقائدي المنغلق".
ولفت الإرياني إلى أن هذه الخطوة تكشف أيضاً عن حجم التخلف والانغلاق الذي يحكم ذهنية هذه المليشيا الإرهابية، التي تسعى بكل ما أوتيت من أدوات قمع وجهل لجر اليمن إلى عصور الظلام والانكفاء، عبر محاربة كل ما يمتّ بصلة للعلم والانفتاح، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية التي تمثل بوابة العالم نحو العلوم والتقنية والمعرفة الحديثة
وأشار الإرياني إلى أنه سبقت القرار الحوثي الأخير إجراءات مماثلة، أبرزها إغلاق عدد من معاهد تدريس اللغة الإنجليزية والتضييق عليها، ومن بينها معهد "يالي" العريق، أحد أقدم المؤسسات التعليمية المتخصصة في صنعاء، والذي أُغلق بذريعة "الاختلاط" و"الحرب الناعمة"، ووُجهت له اتهامات زائفة بنشر "الهوية الغربية" وتهديد ما تسميه المليشيا بـ"الهوية الإيمانية"
ولفت الإرياني إلى أن الأخطر من ذلك أن هذه الحرب المعلنة على اللغة الإنجليزية والثقافة المعاصرة تتزامن مع جهود حثيثة لفرض اللغة الفارسية في المناهج والجامعات، وبث أناشيد تعبوية باللغة الفارسية، في سياق مشروع ممنهج لطمس الهوية اليمنية والعربية، وتوطين ثقافة دخيلة تقوم على التبعية الفكرية والتمجيد للمشروع الإيراني الطائفي والمنحرف.
وعلى صعيد متصل، رفض مرصد ألف لحماية التعليم في اليمن القرار الحوثي الأخير واعتبره انتكاسة خطيرة في مسار تطوير التعليم، وتراجع خطير عن مكتسبات التعليم وانحراف عن المعايير التربوية الحديثة التي تعتمد على التأسيس المبكر للغات باعتبارها من الركائز الأساسية لبناء شخصية الطالب وتمكينه من أدوات المستقبل.
وأكد المرصد أن اللغة الإنجليزية لم تعد مادة ترفيهية أو اختيارية، بل أصبحت أداة أساسية للتواصل والمعرفة والانفتاح على العلوم الحديثة، خاصة في سياق عالمي متسارع يعتمد بشكل متزايد على التعليم متعدد اللغات في مراحله الأولى، وأن حرمان أطفال اليمن من هذا الحق يمثل تمييزاً تربوياً وجريمة في حق جيل كامل يُفترض أن يكون أكثر استعداداً للمستقبل وأقدر على المنافسة والاندماج.
كما حذر المرصد من أن هذه الخطوة ستعمق من عزلة النظام التعليمي في اليمن، وتزيد من الفجوة بين التعليم في مناطق سيطرة صنعاء وبين المعايير الإقليمية والدولية، ما سيؤدي إلى آثار بعيدة المدى على جودة التعليم ومخرجاته وفرص الطلاب في التعليم العالي وسوق العمل.
وطالب المرصد، وزارة التربية والتعليم في صنعاء بمراجعة هذا القرار فوراً، وبإشراك المختصين والخبراء في أي عملية تطوير أو تعديل للمناهج الدراسية، بعيداً عن الأجندات الأيديولوجية والسياسية التي تُقحم في مسار التعليم وتضر بمستقبل الأجيال.
ودعا المرصد كافة الجهات المعنية، وفي مقدمتها المنظمات الدولية وشركاء التعليم، إلى تحمل مسؤولياتهم في الضغط من أجل حماية الحق في التعليم النوعي والشامل للأطفال في اليمن دون تمييز أو تسييس.
وختامًا، يعكس قرار جماعة الحوثي بوقف تدريس اللغة الإنجليزية في الصفوف الأولى نزعة متزايدة نحو تسييس التعليم وتوجيهه لخدمة مشروع أيديولوجي مغلق، بعيدًا عن متطلبات العصر ومستقبل الأجيال، ففي الوقت الذي تسعى فيه الأنظمة التعليمية حول العالم إلى تعزيز قدرات الطلاب اللغوية منذ المراحل المبكرة، تقف هذه الخطوة كأحد مظاهر التراجع والانغلاق، وتهديدًا مباشرًا لمكتسبات التعليم في اليمن. وإذا لم يُقابل هذا القرار بموقف جاد من الجهات الوطنية والدولية الفاعلة، فإن العواقب ستكون وخيمة، ليس فقط على جودة التعليم، بل على هوية اليمن الثقافية وحضور أجياله في مشهد المعرفة العالمي.